لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-04-11, 04:28 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي

 

وبما أن جنون قلمي انتهى قبل غياب الشمس, فقد أحببت أن أنزل الجزء طازجا ومن الفرن لكم, أرجو بأن تتلذذوا بقراءته, على أمل اللقاء بكم بجزء جديد غدا





* (( القيد الخامس )) *





بعينان فاحصتان أخذت تنظر نحو انعكاس نفسها على المرآة الشامخة على جدار الحمام
لحقت بعيناها يدها اليمن وهي تلمس ذلك الوجه باهت اللون
كانت تنظر نحوه كأنها ترى وجهها لأول مرة
وفي نفس الوقت, كانت تقلب كلام أختها القادمة من العاصمة في عقلها التائه في دهاليز الصدمة
(( ريم ... حبيبتي .. ليشت سوين بنفسك كذيه؟!! ليش تعاقبين نفسك على خطأ حميد النذل ؟!! حرام عليك حابسه عمرك في الغرفة ولا تأكلين إلا إذا دخلوا الأكل في ثمك بالقوة, والله حرام, شوفي شكلك كيف صار, رحم أهل المساكين إلي خايفين عليك تروحين من بين يديهم, شوفي إلي إنتِ قاعدة تعاقبين نفسك عشانه, عايش حياته ولا كأنه سوى شيء, ما كأنه هو إلي طلقك بدون سبب, ودمر حياتك قبل عرسك بأسبوع, كان يلعب بك بس يا ريم, أصحي كان يلعب بك, أصحي...أصحي... أصحي ))
" أصحي "
هذه الكلمة ظلت يتردد صداها في ثنايا عقلها
أخذ يتقزم صدى هذه الكلمة
أمام فوج تساؤلاتها اللاوعيية
(( وين حميد؟!! مو لازم يكون معايه الحين, يضمني بحب وحنان!!!! وأنا ... ويني ؟!! ( أين أنا ) مو لازم أكون في مكان ثاني!!!! لكن .. لكن حميد مو هني, وأنا ... وأنا في بيت أهلنا ... ليش؟!!! ليش ؟!!! ))
لتعود تلك الصرخة من وراء جبال الصدمة
تهزها بعنف
" أصحــــــــــــــــــــــي "
وهي لا تزال تحدق ببقايا أنثى من على المرآة
هنا
جاءت صفعت الصحو من متاهة الصدمة التي دامت أسبوعا كاملا تدور فيها بدون أن تجد مخرجا
لقد ذبحها حميد
طعنها في قلبها الذي أسكنته فيه
ورحل
دون أن تاهتز له شعرة
لقد تلاعب بها
حتى أسقطها في شراكه
ومن ثم رماها عظما
لا أحد يكترث بها
ويجرؤ على التقرب منها
لقد أنها حياتها وهي في بدايتها
لقد انتهت
انتهت
انتهت
وضعت كلتا يديها على فمها
وعيناها تكادان تخرجان من بيتهما من شدة قوة ضربة الواقع المريرة
التي كطعم الحنظل
الذي تكاد تتذوقه بطرف لسانها
صرختُ الوجع تسري بكل ركن من جسدها
متوجهة نحو فمها
لتعلن بداية التحرر من صدمة الإنكار
وبدأ عزاء القلب الجريح
أو بالأصح
القلب المغدور
الذي مات بطعن الحبيب
أبعدت حاجز يديها عن بوابة الصرخة المتقدة في جوفها
وأطلقتها
لتهز كيانها المحطم
ظلت تصرخ وتصرخ وتصرخ
والدمع يهطل بغزارة من عيناها المكبلة بالحزن
فقد كبتت تلك الدموع كثيرا
وآن لها الآن المجال للخروج للعلن
وتحرير ولو جزء بسيط من وجع الروح المحتضرة



____





دخلت على غرفة أختها
لتجدها منهمكة في التقليب أصابعها على أزرار هاتفها النقال, والحزن يشوه قسمات وجهها
وقالت متسائلة:
- من قاعدة تتصلين؟!!

نظرت نحوها وقد أجفلها صوتها الذي قتل الصمت المحيط بغرفتها, وقالت:
- بسم الله, كم مرة قلت لك اليازيه دقي الباب قبل لا تدخليني؟

لتقول معتذرة والخجل يكسو خديها الذي ينافس الحليب في لونه بالحمرة:
- آسفة, بس لقيت الباب مفتوح.

وأشارت بسبابها الأيمن نحو الباب المشرع.

لتقول هند:
- مو مشكلة ها المرة بعديها, بس حتى لو كان الباب مفتوحة بعد دقي عليه, أوكي.

ليتهلل وجهها بالفرحة على مرور الأزمة على خير, فهي لا تريد أن تغضب أختها, خاصة وهي في حاجة ماسة لخدمة منها, وقال من فورها:
- أزين بدق .. بدق, بس ما قلتِ لي بمن تتصلن؟

ليأتيها الرد على جوابها تنهيدة طويلة

وحزن أكثر يعتصر وجهها

وهي تقول:
- أتصل بريم.

شعرت هي الأخرى بشلل الحزن يسري في عروق وجهها, وهي تقول:
- ما ردت عليك, صح ؟

هزت رأسها بوجع المهزوم

وقالت بمرارة :
- وشكلها ما بترد, لي أسبوع أحاول, بلا فايدة.

ورمت هاتفها على سريرها معلنتا استسلامها

شعرت بأن عليها بأن تواسي أختها

فريم هي الصديقة الوحيدة المقربة لأختها هند
منذ أيام الجامعة

أي أن عمر صداقتهما يمتد لعشر سنوات

أي أنها هي و ريم عشرة عمر

لا يمكن أن تنساها بليلة وضحاها

شرعت اليازية با المشيي نحو أختها

لتجلس بالقرب منها على سريرها
وقالت محاولة بأن تعيدها إلى طريق الأمل من جديد, وتفجر أساريرها:
- حبيبتي هند, خليها فترة شويت ( بعض ) علين تهدأ الأمور, ويندمل جرحها, ترانه توه في بدايته, وأنا متأكدة أنه ريم بعدين بترد عليك, هو الموضوع بس يحتاج شويت ( بعض ) وقت حتى تهدأ النفوس, شويه , فتحملي.
ووضعت يدها على كف أختها
الملقاة بعشوائية على فخدها
لتبتسم هند باقتضاب, وهي تقول بعد أن أطلقت تنهيدة :
- إن شاء الله يكون كلامك صح.

لتسبق كلماتها ابتسامة عريضة من الأمل, وتقول بحماس تريد أن تغرسه في روح أختها المستسلمة:
- إن شاء الله كلاميي بيكون صح, وبترد الأمور مثل قبل وأحسن, بس أنت لا تتضايقين وتتكدرين, ترانه البيت كله بيتضايق ويتكدر, فأنتِ شيطانة ها البيت, بدونك ما نعرف نضحك.

لتنجح اليازي في سرقة ضحكة من هند, التي انفجرت أساريرها

وتقول من بين قهقهاتها:
- أنا الحين شيطانة البيت, عيل أنتِ وش تكونين؟!!

وضربتها ضربتا خفيفة على يدها المغلفة يدها الأخرى

لتقول اليازية :
- أنا وش ( ماذا ) أيي قدامك يا معلمتي؟


أخت هند تحدق بأختها بتفحص

وقد سرت ابتسامة طرفية على فمها

وقالت:
- أيوه فهمت, ما ييني ها الكلام إلا وراه مقابل, يلا يبي من الآخر يا اليازي, وش تردين؟

فتقمصت اليازية دور الكسيرة وهي تقول:
- الله يسامحك دوم ظالمتني.

لتفتح هند عيناها على مصراعيهما
ومن ثم تقول بدهاء يفوق دهاء أختها الصغيرة:
- خلاص عيل, ما دام أنا ظالمتك, الله يسامحني, ويلا وريني عرض كتافك, بنامل لي ساعة علين يأذن المغرب.
وأخذت تربت على ظهرها, وتأمرها بالانصراف:
- يلا .. يلا ...

لترد على أختها والارتباك جلي عليها:
- هاااااااا.. بس . .. لحظة ... كنت أمزح يا هندوه ... ما تعرفيني... مستحيل إنتِ تظلميني, إنت أصلا أقرب أختي لقلبي.

لتبتر هند كلمات أختها بنفاذ الصبر, وتقول:
- بدينا .. بدينا مقدمات, أخلصي يا اليازيه, وش( ماذا ) تبين ( تريدي ) ؟

لتخنق يد أختهها وهي تقول بفجع الحاجة:
- بس ميتين ( مئتين ) بس.

لتسحب يدها من قيد يد أختها

وتقول وقد قطبت حاجبيها:
- ما عطيتك من أسبوعين خمس مية ( مئة ), وين طارن؟!!
لتعود اليازية تنغمس في الارتباك, هي تبتلع رقها, مستنجدة بفكرة تنجيها
ليعود صوت هند يعلو :
- ها .. ما سمعت ردك.

لتقول اليازيه:
- والله بروجكتات ها الجامعة إلي فلسني, والله أنا وش أبا بها الفلوس, تعرفين الحين فترة تسليم ها المشاريع, وحن المسكينات نخلص من هذا يطلع لنا هذا, فلسونا الله يغربلهم, حتى روح شوفي كبتي, حليلي من زمان ما خيطت لي عباية مثل الخلق والناس.

لتنهي جملتها بتنكيس عيناها

لِتستميل عطف أختها
تأففت هند قبل أن تقول:
- تعرفين يا اليازي بأنه الحين آخر الشهر, وأنا كالعادة مفلسة, لهذا روحي لأخوك العزيز, والله حتى عنا بيتخلا.

لحظتها تخلت اليازية عن دور المتمسكنة
وباتت أكثر جدية وهي تقول بوجع:
- كأنك ما تعرفين أخوك حميد, من صار إلي صار, ونحن ما نشوفه, كيف بطلب منه؟ قول لي, كيف؟!!!
بدأ الغضب يمد أصابعه على وجهها
وهي تقول :
- تعرفين ليش يتهرب منا؟ لأنه عارف أنه غلطان, وأجرم بحق ريم المسكينة, وخايف يواجهنا.

ومن ثم, وبدون ساب إنذار وقفت بسرعة البرق, وقد أحتل وجهها الغضب أخيرا, وغرص جمراته في حروفها الناطقة بها:
- إلين هني وبس, سكتناله وايد ( كثيرا), لازم نواجه, ونعرف ليشي طلق ريم, ليشششششش؟!! فأقل شيء لازم يخبرها سبب طلقه لها, فهذا أقل شيء يسويه ( يعمله ) بحقها ها المسكينة.



___



أنقضت على درج مكتبها

وانتشلت صندوقا صغيرا منه
وقالت بثورة موج يصفع الرمال الراكدة:
- هذه الساعة, هديته لي يوم الملكة, ما أريدهـــــــــــــــــــــــــــــا.

ورمتها بكل ما أوتيت من قوة نحو الأرض المسكينة التي بدأ عذابها لتُ

ثم وهي في قمة غضبها الجارف

سقطت عيناها على ضحية جدية تنام بهدوء وسكينة على ظهر سريرها

فهجمت عليه بدون تأخير

وباغتته بيدها الماسكة له

وألقت به إلى مثواه الأخير

وقالت صارخة:
- وهذا بعد البلاك بري إلي هداني إياه عشان أكلمه, ما أريده ... أريده ..

لم تنبس بحرف واحد

ولم تبدر منها أي فعل

فأخيرا

فجرت أختها ذلك الغضب

التي ضلت أسبوعا كاملا

تكتمه وتقيده بداخلها

لهذا آثرت الصمت والسكون

ولعب دور المتفرج

واقتناص الفرصة المناسبة للتدخل

لم تركد ريم بعد

فالغضب لازال يقودها إلى جنون الانتقام

ولو كان ضحيت هذا الانتقام جمادات لا حول لهن ولا قوة

لكنهن يمثلنه بنسبة لها

والموت هو أنسب حكم في حقهن

صوبت سهام عيناها نحو خزانة ملابسها

وبخطى واسعة اتجهت نحوه

وفتحته على مصراعيه

ليكشف عن ثوب ناصع البياض

يبهر الناظرين له

بجمال تصميمه

ويسر من تقع عيناه عليه

فهو مثل للفرح والبهجة

ليس كما تراه الآن ريم بعينان يتقد فيهما الكراهة

فأمسكت به

وخنقته بين أناملها

وقالت بصوت لم يتحرر من نبرة الغضب المتأجج:
- وهذا بعد, ما له مكان في حياتي, بقطعه, مثل ما قطع قلبي حميد, بقطعه.. بقطعه, وين المقص؟ وين المقص؟

نظرت ناحية أختها الواقفة بدون حراك في وسط غرفة الإعدام

وعاودت سؤالها:
- رحمة ... وين المقص؟ يبي ( أحظري ) لي المقص؟ .. لازم أقتله .. لازم ... لازم.

بنات بوادر الدمع على عيناها التين تأبيان سكبهما

تنهدت رحمة بروح الوجع التي تخنقها عبرة الألم على حال أختها الصغرى

لكن رغم ذلك تمالكت نفسها

فالانهيار لن يساعد أختها

بل سوف زيد وجعها

فذهبت حيث لمحت المقص شامخا بكل كبرياء في كأس مملوء بكومة أقلام على مكتب ريم

وتقدمت نحو ريم وهي محملة بالمقص

أو بأداة الإعدام

وناولته أختها
المتقدة بنيران الغضب المتغذية على حطب الكراهية التي زودها بها قتل قلبها

ما إن أخذته من يد أختها

حتى شرعت بقص الفستان المسكين

الراضخ بكل طواعية لحكمة الجائر

ضلت تقص
وتقص
وتقص
حتى خارت قواها
و
نفثت جزء بسيط من كأس غضبها الناضح بالكراهية

وانهارت على الأرض جاثية

فدموعها المثقلة بالأحزان

زادت من وزن وجعها

فهوت بضعف قد دب في أوصالها

بعد جرف غضب لم تعشه من قبل

عصف بها وهي غضت

فما قوى جسدها عليه أكثر من ذلك

فاستسلمت لدمعها الذي لم يتركها لحالها

والذي آثر على الخروج

بدون إذن منها

هنا

حان وقت التدخل

حسب ضن أختها

التي من فورها

جثت بالقرب من أختها المنهارة
وأحاطتها بذراعيها

وقالت بحنو الأخت الكبيرة:
- أبكي... ولا تخلي شيء في داخلك ... أبكي يا ريم أبكي ..

وضمتها أكثر إلى صدرها

كأن كلمات أختها كانت بمثابة إذن الموافقة لعيناها بإفراز المزيد من الدموع المكبوتة

وضعت رأسها على كتف أختها بخنوع المستسلم لدموعه

وقالت بين شهقاتها الباكية:
- أكرهه يا رحمة, أكرهه, ليش يسوي ( يعمل ) بي كذيه ( هكذا ) ليش؟!! ليش ؟!! وش سويت به عشان يعاقبني ها العقاب؟!!! جاوبيني رحمة, ريحيني وجاوبيني, أرجوك, جاوبيني.
وأمسكت بثوب أختها
لتترجم بمسكتها هذه رجاءها
وتطلعها لجواب يهدأ نفسها الحائرة الضائعة بدون جواب يشفيها
ويضع حد لتساؤلاته التي لا تنتهي
وضعت رحمة ذقنها على رأس أختها المتوسد كتفها
وقالت بصوت نقيض للدمع المسكوب بداخلها :
- إنتِ ما سويت شيء له, ما سويت إلا كل شيء زين, هو الغلطان , هو السبب لأنه تخلا عن جوهرة مثلك, حبيبتي ريم, لا تعورين قلبك على واحد مثله, ما يستاهلكِ.
لتغرس ريم نفسها أكثر في حضن أختها المستقبلة لها بكل رحابة صدر

فلم يعد للكلمات وجود

في حضور الدمع المهيب



____



دخلت الصالة, ونيران الغضب تقدح من عيناها

وزجرت أخوتها

المنغمسين باللعب

والذين لا يعون ما يصير من حولهم

ولم يستشعروا بالموج الهائج الذي يريد أن ينقض عليهم

فزجرتهم قائلة:
- هي أنتم, صدعتوبي ( أزعجتماني) ترانكم بهذا البليس تشين, ما خليتون ( جعلتموني) أعرف أنام.

ليتصدى لرد عليها المدعو حمدان بقوله ببرود ينافس الثلج به:
- والله يا فطوم عندك غرفة وعندك باب, سكري على نفسك الباب, وما بتسمعينا.

ليثرها رده الهادئ وترد عليها بغضب أكبر:
- هي أنت جب ( اصمت ) تراني لا يك أعطيك كف الحين, ويلا بندو ( أغلقوا ) ها الزبالة الحين, يلا.

ليتكفل الأخرى لتصد لرد عليها هذه المرة
,وهو المدعى بحامد:
- تبين تستخدمين أسلوب التهديد, طيب, أنا وحمدان بعد بانستخدمه معاك, الحين بروح ليدوه ( جدتي ) وبقولها إنك ما تخلينا نلعب, وإنك أنت يوم تصدعينا بالأغاني ما نقول شيء.

وابتسم ابتسامة نصر

وينظر إلى أخيه الجالس بجواره

ويمده بتلك الابتسامة

ومن ثم عاد كلهما ينظران نحوها والبسمة لم تتركهما

فضخم فعلهما هذا من حنقها

فصرخت:
- أووووووووووووووووووووووووف, ما يكفيني واحد منك, ما أرد على واحد, إلا نقز ( قفز ) عليه الثاني بلسان أطول عن الأول, أفففففففف , تكفين والله نسخة وحده منك, تكفيني...
وقبل أن تكمل كلامها

على صوت جرس الباب

ليعلن عن قدوم ضيف

ليسابق حمدان بقوله:
- يلا فطوم, روحي فتحي الباب, يلا بسرعة.

لتلقي عليه نظرت تعجب, ما لبثت أن تحولت إلى شرر:
- وش قتل حضرتك, روح أنت أفتح الباب, مو أنت رجال البيت مثل ما تقول؟

ليرد عليها الآخر مدافعا كعادته:
- وبما أنه ريال البيت, فمو لازم يفتح الباب, أنتِ الحريم لازم تسونه الشيء, يلا بلا تأخير الناس ينتظرون بره, يلا بسرعة روحي.

بدأت تحك أسنانها ببعضهما البعض

وهي تحاول أن تتمالك أعصابها المنفجرة بداخلها منهما

وأخذت تقول من وراء أسنانها:
- طيب يا حمدان وحامد, خلوني ( أجعلوني ) بس أشوف من بره, ويذلف ( ويذهب) وبعدين بوريكم دواكم ( عقابكم الذي تستحقونه ).

ابتسما عليها باستهزاء

وعاودا الانهماك في اللعب بدون اكتراث لتهديدها

طوال طريقها نحو الباب الرئيسي

كانت تسب وتشتم أخويها الذين لا يعطيانها أي قيمة

ودائما يتجاهلان كلامها

كأنهما هما الأكبر سنا منها

أخيرا وصلت الباب الأسود المعدني

وقالت وسألت بصوت جهوري:
- من في الباب؟

ليرد عليها ثقيل الوزن والطبائع:
- هذا أنا أبو أحمد, صالح, من يكلمني؟

لتتأفف فاطمة بضيق, وتقول بينها وبين نفسها:
(( هذا إلي ناقص, عشان اليوم يكمل, كيف بفتك ( أتخلص ) منه هذا الحين ؟!! ))

ليعود صوته البغيض يسم أذنيها:
- ها .. ما جاوبةِ من معايه, لا يكون عروسنا؟!!

ودوت ضحكته من وراء حاجز الباب

جحظت عينها عندما تسلل سؤاله الأخير إلى طبلتي أذنيها
وقالت والدهشة المحاطة بأسوار الاستغراب تتكفل برسم تعابير وجهها:
- عروسنا ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!



_____




بظلمة طوقت بعباءتها المكان

وبهدوء ينذر بريح هوجاء

دخل غرفته ليبعث بعض خيوط الضوء التواقة لقتل الظلمة في غرفة

كان منهك القوة

بالكاد يقوى على المشي

فدورانه بدون هدى هربا من أعيون أمه وأخواته المستنكرات بفعله في شوارع المدينة الغناء

أرهقه

دخل وهو يريد أن يغلق أجفانه لساعات طوال

ويعيد الحلوية لجسده المتهالك من شدة التعب

والمرض الذي لا يرحم

ما إن خطى أول خطوة نحو سريره الوفير

حتى هج على عيناه الناعسات

حشود الضوء

المنبثقة من لمبة غرفته المتدلية من السقف
وضع أصابعه بردت فعل لا أراديه على عيناه التين لم تتوقعا هذا الهجوم المباغت لضوء

لكن هذا لم يكون الهجوم الأخير

بل جاءه هجم أشد وأمر منه

يغرس في طبلتي أذنيه:
- وأخيرا شرفت, إذا ما جيت أحسن.

أبعد أصابعه ببطء عن عيناه

لينكشف من وراء ستارها

أخته

واقفة

تنظر إليه بغضب يلهب عيناه أكثر من الضوء

فأبعد عيناه التين انصهرتا من نظراتها النارية نحو الأرض

وقال بصوت واهي, مسلوب القوى:
- كيف تدخلين غرفتي بدون أذني؟

حدقت به بتعجب شد محياها

وقالت:
- من متى أنت كنت تطلب منا نستأذن عشان ندخل غرفتك, أنت دايما كنت تقول غرفتي مفتوحة لكم في أي وقت.

وأكملت قائلة وقد شكلت ابتسامة ساخرة:
- وألا هذا كلام كنت تضحك علينا به, مثل ما ضحكت على ريم؟ والله كل شي جائز منك ها الأيام.

وعادت تضربه بسياط عيناها

نظر نحوها بطرف عيناه

ومن ثم طأطأ رأسه

وهو يحاول تمالك نفسه المحطمة

الراجية له بأن يقول الحقيقة

ويرحها

لكن
لم يصغي لها
كتم صوتها بقول, وهو يعاود النظر نحو أخته
بصقيع يجمد وجهه
وقال:
- والله هذا مو من شأنك, يلا أطلع, أنا تعبان وأريد أنام.

وأومأ لها برحيل

هنا لم تعد تتمالك نفسها أكثر

فالغضب بات يزلزل داخلها بعنف

ويحطم كل المشاعر الجميلة التي تكونها نحو أخيها

فهبت نحوه كعاصفة هوجاء

وقالت بصوت هز من في الغرفة :
- أنت وش فيك؟ وش غيرك؟ قبل أسبوع ما كانت كذيه, قولي وش غيرك, وخلاك تصير ها الشخص الوسخ الأناني (وأخذت تحدق به باشمئزاز وهي مسترسلة في حديثها) إلي ما يفكر إلا بنفسه بس؟

نظراتها كلماتها كانت بمثابة الضربة القاضية التي أودت بحياة قلبه

ضل ينظر نحوها بدون أن ينطق بحر ولا يفعل شيئا

فالوجع فاض من داخله

لم يعد جسده يتحمل

كمياته الكثيرة

التي لا تفتأ

تجيء

بدون توقف
أما هي فلم تخرج ما في جعبتها بعد

فعاد تصرخ به:
- أزين لا تجاوبني أنا, جاوب ذيك ( تلك ) المسكينة ريم, إلي ما سوت لك إلا كل خير, وأنت بكل بساطة تي لها قبل كمن يوم عن العرس وتقول لها أنتِ طالق, طب ليششششششششش, ليشششششششششش؟!! أنا لو كنت مكانها, ما بهتم بطلاق, بهتم بسبب الطلاق, بيقتلن القهر والحسرة لأني ما عرفت الجواب عن هالسؤال, خاصة إني ما أسأت لها الشخص, وأنا متأكدة بأن ها الشيء إلي يصير الحين لريم.
صمتت لبرهة فصوتها بدأ يبهت لون غضبه
أمام تحاشد دموعها في عيناها

لا رد شافي منه

فالكلمات خذلته

واللسان استسلم لمرارة الألم

والجسد هلك من طعنات المحب لهم

قبل أن يهلكه الخبيث

صمته جلجل الغضب فيها

فغرست أصابع يديها في قبة ( كندورته ) وصرخت به والدمع يسبق كلماتها القاضية عليه:
- ليش؟!! رد .. ليش ساكت ؟!! ريح الريم قبل لا ترحني أنا وأمي واليازية والعنود, ريح ذك المسكينة إلي ما تكن لك إلا كل حب, ريحها وريحنا, أرجوك ..أرجوك ...يا حميد , ريحها...ريح...

وخارت قوى الغضب

فقد كنت حرقة الحزن أقوى منها

وسيول الدمع أجرف منها

فهوت برأسها في صدره

وحررت ( كندورته ) من سيوف أصابعها

لكن لم تتركه لحالة

فهي تريد أن تعاقبه كما يعاقبهن على ذنب لم يرتكبنه

فأطلقت عليه

سلسلة ضربات بكلتا قبضتي يديها

وهي تكرر بنبرة شوهها البكاء:
- ليش .. قولي .. ليش ؟؟؟ ليششششششش ...ليششششش؟!!

لم يتخيل يوما

بأنه سوف يكون الجزار الذي يذبح من يحب

كان دوما اليد الحنون

والصدر الآمن

الذي يضمهم وبقوة

حيث يسكنون في قلبه

إحساسه الآن لم يعد يوصف بالوجع أو الألم أو حتى الحزن..

كلا

هو أكبر من ذلك بكثيـــــــــــــــــــــــــــــــر

رفع يده

فغريزة الأخوة تدفعه لضمها

والتخفيف من حزنها

فهو لا يقوى على رؤية أخته هند والدمع يحرق عيناها ويصهر جلد وجنتيها..


لكن يده تجمدت بين السماء والأرض

ولم تصل لوجهتها

وهو يستجيب لخاطرة مرة على باله
" فوجع الكراهية أخف بكثير من وجع الفراق"

فعصر عييناه

وعض على شفته السفلى

ليمتص ذلك الشيء الذي يسري في جميع خلاياه

والذي لا يوجد كلمة في القاموس

تصفه

ومن ثم

غير وجهت يده

ودفع بها بعيدا عنه

وصرخ بها بصوت هزه قبل أن يهز أخته:
- بس خلاص, لا أنتِ ولا أحد له دخل بي, أنا حر, أعيش حياتي مثل ما أريد, وعشان أريحكم وأرتاح منك, ها أنا بأهج ( أرحل ) من ها البيت النكد, إلي ما فيه حرية.

وبالفعل هم بتنفيذ ما نطق به لسانه

بدون تفكير منه

فجسده هذه الأيام بات تحت رحمة شخص آخر

يتحكم به كيف يشاء

رغما عنه

أما هند

فالصدمة لردت فعل أخيها أجفلتها

و جعلتها لا تعي ما الذي يصير من حولها

فما كان منها إلا النظر إليه بعينان مشرعتان أبوابها على مصراعيهما




_____


عندما أصبح خارج جدران منزله

نظر إلى خلفه حيث الباب قد أغلق

فشعر بصاعقة تضرب رأسه

وتوعيه لفعله

فق كانت مقودا في الدقائق الماضية

سأل نفسه وقد باتت أنفاسه تهرب من حواجز رئتيه:
- وش سويت؟!!!

وجه بصره على الذي يثقل يده اليمنى
ليجد حقبة الرحيل تقيدها بأثقالها

لقد فعلها

لقد خطى الخطوة التي كان يحيد عنها طوال الأيام الماضية

بدون أن يهيئ نفسه

ولا حتى

ولا حتى يودع أحبته

رفع رأسه نحو السماء المتزينة بملك الألوان

والمرصعة بلآلئ

وناج خالقه بخشوع قلب مضرج بالأحزان:
- يارب أعني, يا رب.

انزل بصره نحو الباب المانع لدخوله

والذي في العادة يفتح أبوابه مرحبا به

أما الليلة

يغلق
مانعا له لدخول

فهو بات شخصا غير مرحب به في هذا البيت

وقال بأنين يدمي القلب:
- وحميهم يا رب, أرجوك أحميهم يا رب.


وخطى بتثاقل الجريح نحو الصفحة الجديدة والأخيرة في سيرة حياته ...



_______



كانت تسير يمنتا ويسارا

والضيق ينحت تجاعيد وجهها, فيزيد من عمرها أعواما أخرى
كانت ينظر إليها والحيرة تخرم رأسه

ولما وجد أن صبره طال

قرر إنهاء عذابه

وسؤالها:
- وش فيك يا حرمة تتحرقصين كذيه؟!! دوختيني ( أصبتني بدوار ) وأنت تروحين( تذهبين ) يمين ويسار لك ربع ساعة.

نظرت جهته وقد أختل وجهها معالم الدهشة, وقالت بصوت لا يقل عن ما يكسو وجهها:
- تسألني بكل برود وش صار؟!! كأنك ما سمعت كلام أبو عمر؟!!!

هز رأسه وهو قد أدرك سبب ضيقها

ومن ثم قال مبتسما:
- عشان هذا السبب قاعد لك ربع ساعة تدورين مثل المينونة ( المجنونة ), الريال وش قال؟ قل الكلام الصحيح, وإلي إذا ما يي اليوم وقاله لي, أنا كنت بروح بنفسي وأقوله محمد ما يستاهل بنتك.

بعينان ضيقتان قالت, وهي تعصر يديها من الغضب القابع بداخلها:
- تعرف مرات تقهرني بتصرفاتك, وش هالكلام؟!! كأنه محمد مو ولدك من لحمك ودمك!!!

قلب فنجان القهوة الساكن بين أنامله
ومن ثم رد عليها بعد أن ارتشف رشفة منه
ورفع مزاجه به:
- والله للأسف هو ولدي, ولو كان بيدي لتبريت منه, بس ما أقدر, حرام.

وعاد يشرب المزيد من القهوة

غير آبه بالغضب الذي أشعله في جوف زوجته

قبل أن تنفث نار الغضب من حلقها نحوه

سابقها بقوله, وهو يمسك بركبته الممتدة أمامه, والمتوسدة الأرضية:
- خليك يا صبحة من ولدك ومن مشاكله إلي ما تخلص, وتعالي همزي ( دلكي ) لي ركبتي, اليوم من قمت من النوم وهي تعورني.

أخذت تضرب كفيها بقلة حيلة, وقالت:
- تعرف أنت ما ينفع فيك الكلام, الأحسن أروح ( أذهب ) لذك المسكين, إلي ما يدري وش سوى به ها الأبو عمر.

وهبت في المسير

لينادي عليها بصوت عالي:
- وركبتي من بيهمزها؟!!!
لكن لا جواب يرد على صدى صوته

فتبسم ضاحكا وقال:
- خلي ها الخديه ينفعك, رايحه تراكضين له, وهو مو معبرنك, ولا سائل عنك حتى.
وعاد يبل ريقه بآخر قطرة من جوف فنجان القهوة



______



أقبلت عليها تحيها بالأنف قبل الكلمات
ومن ثم قالت وابتسامة تشرق من شفاهها المندسة خلف حجاب البرقع:
- أش حالك ( كيف حالك ) شمسة؟ وأخبار مريوم ؟

لترد عليها بابتسامة نادرا ما تعانق شفاهها المكبلة بالأحزان, وتتبعها بكلماتها:
- كلنا بخير الحمد لله, أش حالكم أنتِ عمتي وعمي والعيال؟!!

قالتها وشوق الأمومة ينسج محياها

لترد عليها بعيون باسمة:
- يسرك الحال, كلنا بخير وسهاله, نسأل عنكم بس.

لتعود تسألها بشغف لرؤية أولادها الذي طال بعدها عنهم:
- ما يبت العيال عندك عمتي؟

لترد وقد مسحت من عيناها البسمة وهي تشعر بأنها سوف تخيب أمل شمسة التواقة لرؤية أبناؤها:
- لا والله, تعرفين ما أقدر أخلي ( أترك ) عمك لوحده, وألا هم حليلهم كانوا يريدون ييون ( يأتون ) معايه عشان يشوفونك إنتِ ومريم.

لمحت نظرت الخيبة في عيون شمسة

فحاولت أن تمسحها عن عيناها بقولها:
- لكن إن شاء الله المرة اليايه بدبر أحد يقعد عند عمك, وأبيبهم ( وأحضرهم ), بس إنت لا تتضايقين.

وأخت تمسح على كتف شمسه

التي غلفت يد عمتها التي خلفت السنون عليها علاماتها

وقالت وهي تغتصب طيف ابتسامة على شفتيها :
- إن شاء الله, يلا تفضل عمتي, قربي استريحي.

وأشارت لها برأسها بالجلوس.

لتعود البسمة من جديد تطبع على عيناها المحاطتان بخيوط العمر, قالت:
- قبل لا أقعد وين مريوم, أبا أشوفها, اشتقتُ لها وايد.
وأخذت تقلب الغرفة الطاغي عليها البياض بعينيها بحثاً عن مريم
لتخط شمسة ابتسامة لم تدم في ثنايا شفاهها المتشققة
ومن ثم قالت:
- لا تتعبين عمرك عمتي بتدوير ( بالبحث ) مريم في الحمام تتسبح ( تستحم ), ما طاعتني ( ما وافقت ) أسبحها, تقول أنها كبيرة الحين, كل ما أحول أشوفها تصرخ في ويهي وتقول أطلعي, أنا أعرف أتسبح لعمري ( بنفسي ).

فابتسمت ضحاكة وهي تعيد شريط وجه مريم الغاضب في خلدها

ولتضحك أيضا عمتها لفعل حفيدتها, وتردف قائلة:
- تقولك كبرت ها, ها الشيطانة عليها حركات.
ومن ثم ما دلفت أن قالت وقد فرغت من قهقهاتها
- على العموم يوم مريم في الحمام, فأعتقد هذا أنسب وقت أقولك الخبر المهم إلي عندي, وإلي أهو السبب الثاني لييتي ( لحضوري ).

قوست شمسه حاجبيها السميكان للأعلى وهي تقول والعجب لغة لكلماتها:
- خير وش هناك يا عمتي؟!!






+++ يتبع غدا +++



للي حاب يحرك مخه معايه

ويختبر ذكاءه

فا ليشاركني بتوقعاته للجزء القادم

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

في شوق لقراءة توقعاتكم

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
قديم 22-04-11, 08:24 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
Flowers

 



*(( القيد السادس ))*




هوى بكفي يديه
يجلد ذلك المقود المستدير المسكين
الذي لا ذنب له
إلا أنه كان أمام منظار عيناه
الناطقتين بالغضب
لا يسعه الكون قاطبة
على الخبيث الذي ينخر جسده
كخشب بالي
لم يعدد صالحا للعمل
ضرب
وضرب
وضرب
وزمجر بكل قواه النابضة في عروقه
ثم نفذت قواه
وانهار رأسه الذي ثقل وزنه على عنقه
إلى المقود المنكوب
وأنفاسه يترجاها لكي تسكن رئتيه
كان قد فرش خده الأيمن على المقود
وهو يجول بعيناه الحائرتين
بما سوف يأتي بعد هذه النقطة التي وضعها في سجل حياته
طوال الليل كان يبحث عن جواب يسكن صدره المرتاع
والذي لم يسلم من إعصار الغضب على الزائر البغيض الذي تفشى بجسده
وجعله مجبرا يتخلى عن كل من أحب
وينحرهم رغما عنه
وقعت ضوء عيناه على بقاله صغيرة تقبع على يساره
رفع رأسه وقد لمعت في رأسه فكرة
ترجل من فوره من السيارة
وهب مسرعا نحو البقالة
ما إن دخل كريح هوجاء البقالة
حتى أخذ يتلفت يمنتا ويسارا
بحثا عنها
استطلعها أخيرا
لم يتأخر ثانية
ركض نحوها
وامسك بها
لأول مرة في حياته يمسك بها
لم يتجرأ قد حتى أن يفكر بها قبلا
لكن الآن
الحسبة اختلفت
سوف يتحدى هذا المرض اللعين
لن يسكت له
شرع بفتح العلبة
ثم تذكر بأنه لا يملك شيء يلهبها
فعاد يرفع رادار عليناه بحثا عن ضالة أخرى
لكن بدلا من أن يلتقط هدفه التالي
وقع منظار عيناه على طفلة صغيرة
يلتهم الحماس قسماتها البريئة
وهي تقول لأباها, وهي مادة يدها أمامها:
- بويه .. بويه أبا هالعروسة ..بوي ...

صفعته صفحة البارحة

وذكرى مريم المقاتلة

ووعده لها

نظر نحو ساعة يده

ليجدها الساعة 12 ظهراً

فاتسعت حدقت عيناها

وقال:
- تأخرت عليها...


____



قامت من مجلسها
والدهشة تغضن وجهها
والصرخة تنبع من فمها:
- وشششششششششششششششششششششش ( ماذا ) ؟!!!!! وش هالكلام ؟!!

لتتبعها أم سيف بناظريها المصبغان بالتعجب, وقالت :
- وش فيك شمسة وقفتي كذيه؟ قدي وخلينا نتكلم .

وأشارت لها بالجلوس

لترد عليها وقد بدأت تهرب الدهشة أمام مسكت الغضب المقبلة على وجهها:
- وش نتكلم فيه عمتي؟! هذا صالح ما أعرف وش فيه, ين ( جن ) شكله, كيف يطلب يد فاطمة لولده, بعدها فاطمة ياهل, سمح لي عمتي, هالموضوع منتهي.

عندما يأست من أن تجلس بقربها
استسلمت للأمر الواقع
ووقفت هي الأخرى
وقد بانت الدهشة على عيناها:
- وش هالكلام؟!! وأنا إلي قلت بتفرحين بهالخبر.

لتهجم عليها شمسة بعينان متسعتان:
- كيف أفرح عمتي؟!! كيف؟!! البنت بعدها صغيرة على العرس, وبعدين أحمد ما عنده شخصية, ما يصلح, وألا أبوه الزطي ( البخيل ) إلي تحسين أن روحه بتطلع منه إذا دفع درهم واحد, الموضوع ما يباله ( يحتاج ) حتى تفكير, الموضوع منتهي من البداية.

لتقول أم سيف:
- أفهم من كلامك إنك معترضة على صالح وولده؟

لترد من فورها بنفي قاطع:
- لا مو بس هذا عمتي, مثل ما قلت لك, فطوم ياهل ( طفلة) , وبعدها ما خلصت دراستها.

لتقاطعها أم سيف مدافعة:
- هناك بنات وايد بعمر فاطمة يعرسن, وأما بخصوص الدراسة, يمكنها تكمل دراستها عادي, ما أحس فيه مشكلة بهالموضوع.

نظرت بنصف عيناها نحو عمتها وهي تقول:
- أفهم من كلامك يا عمتي بإنك موافقة على هالعرس؟

لترد عليها:
- والله من ناحيتي يا شمسة فأنا موافقة, أولها وأخرتها البنت بتعرس, ليش نقطع نصيبها؟!!!
وبعدين شوف البنات الحين, كلهن دارسات ومتعلمات , لكن ما أحد معبرنهن, وقاعدات في بيوت أهلن بايرات,تبين شوري( وأمسكت بيدها ) وافقي وخلي البنت تعرس, ما تعرفين متى بيي نصيبها الثاني, الحين غاد ( أصبح ) الحرم أكثر من الريال.

وأنهت كلامها بغمزة.

قوست حاجبيها للأعلى مستغربتا من رأي عمتها, لكنها ما لبثت أن صممت على أن تتمسك برأيها, فلا تريد أن ترمي ابنتها في عالم أكبر منها بكثير
وقالت:
- عمتي أنا أحترم رأيك, وأقدره, بس أنا أشوف بأنه فاطمة بعدها صغيرة على العرس وعوار الراس, وعشان كذيه, وبعد إذنك, أنا بروح لصالح بنفسي وأقوله هالرد بأنه فاطمة مو مستعدة للعرس.

زفرت بقلة حيلة قبل أن تقول بخنوع المجبرين:
- إلي يريحك, هذه بنتك, والقرار الأول والأخير لك.
وضعت يدها على ذراع عمتها وهي تخط الخوف من أن تكون قد فرضت قرارها على عمتها على عيناها:
- عمتي لا يكون زعلتي, بس صدقيني عمتي, حتى لو وفقت وعرست فاطمة, وش يضمننا بأنها بعد كمن يوم ما ترد لنا ( ترجع ) تريد الطلاق, إنتِ مو غريبة عن علوم صالح, إنت تعرفين إنه مسيطر على ولده, وقاعد يسيره على كيفه.

وضعت يدها على يد شمسة الساكنة على ذراعها, وقالت وهي تهز رأسها مؤيدة لكلامها:
- أعرف حببتي, أعرف, وأنا والله مو زعلانه, أمكن أنت تشوفين شيء أنا ما أشوفه, فروحي كلمي صالح, أنهي هالموضوع.

وأيدت كلاماتها بابتسامة تطوق شفاها.

لتخط هي الأخرى ابتسامة ارتياح قبل أن تقول:
- مشكورة عمتي, إذا ممكن تقعدين عند مريوم عمتي, و أنا بروح نص ساعة أكلمة صالح وأخلص هالموضوع وبرجع.

لتزيد من حيز بسمتها
وهي تقول:
- روحي ولا تخافي على مريوم.
لتقول شمسة وهي تهم بارتداء عباءتها:
- يلا عيل عمتي, بروح ومو مطولة, وإذا ما عليك أمر, حاول تشوفي مريم بن لحظة والثانية في الحمام.

هزت رأسها بمعنى نعم

وقالت والبسمة تأبى الرحيل عنه شفتيها:
- روحي ولا تحاتين.

همت شمسة برحيل, وفي داخلها ريح غضب عاتية على المسمى بصالح

فتحت الباب على عجل
لتلتطم عيناها بصدر عريض
يكسوه البياض
رفعت رأسها والصدمة تكتم أنفاسها فهي لا تبعد عنه إلا شبر أو أقل
لتشبك عيناها بعينان ناعستان منغمستان في لونين عسلي
ارتبكت لوهلة
فالموقف لا تحسد عليه
لهذا لم تبعد عيناها عن عيناها الملتهمتان لهما
لثواني
حين صحت على صوت لذكرى لليلة البارحة
وفعله الخالي من الحياء والذي بتكرر للمرة الثانية
كما يبدوا بأن اللعبة قد أعجبته
ويريد تكرارها
هنا تحولت أنفاسها الخجلة
إلى أنفاس ملتهبة
تكاد تصهر وجهها
المتفاجئ هو الأخر
والذي بدأ الارتباك ينفث برده خلال أوصاله
فقالت وهي تسحب عيناها بقوة الغضب بعيدا عن عينيه
وتزمجر به بغضب يشوه عيناها:
- إنت ما تستحي, ياي حتى هني بعد, عشان تسوي ألاعيب الوسخه.

نظر لها بذهول المظلوم
وقال وهو يلملم كلماته المتناثرة على لسانه:
- أختي... إنت فاهم الموضوع غلط... أنا..

لتبتر كلمته بضيق يخنق كلماتها النابسة بها:
- لا أنا فاهمتك صح, والدليل إنك وبكل وقاحة ياي هني, أنت ما تستحي, حتى في المستشفيات قاعدين تعملون هالحركات البايخه.

هنا تحول ارتباكه, إلى غضب يقطب حاجبيه, ويحرك نبرة صوته:
- أختي علين هني وبس, لازم الأول تسمعي كلام الشخص, قبل أن تحكمي عليه.

وقذف عليها بنظرة هزت أركانها كلها
لتجف الكلمات في حلقها
جاءها العون من عند عمتها
لتحررها من نظراته الحارقة
:
- من هناك شمسة؟!!!

نظرت لخلفها, وهي بالكاد تدس الهواء في صدرها
وقالت, وهي لا تعلم ما الذي سوف تقوله, فخرجت الكلمات بلا هدى من حنجرتها:
- عمتي.. أنا..

ليقاطعها بكلماته المتحمسة المندفعة من جوفه من ورائها:
- السلام عليكم خالتي, أنا اسمي حميد, ييت ( جئت) أشوف مريم, تراني وعدتها أيبلها هدية ( وأشار نحو الصندوق الكبير الذي يتأبط ذراعه اليسرى, والذي اكتسى بلون بناتي ) إذا رسمت لي اللوحة إلي طلبتها منها.
تكاد تجزم يقينا بأن صدره المفتول, يلامس كتفها, فيصبها بلمسة كهربائية تعطب جسدها
لهذا لم تجد سوى لغة العيون الصارخة له مجيدا
لتقع الأعين من جديد في بئر أحدهما الآخر العميق
ليقابل عيناها الزاجرة
بعيناه المتسائلة
لتهلل أم سيف مرحبة به
وتنهي هذا الحديث العقيم بين عينيهما
:- يا مرحبا الساع, يا مرحبا, أقرب, أقرب.
لشرع الابتسامة على شفاهه المحاطتين بذقن وشنب أشعثين
فلم يعد يكترث بطلته بعد دنو موعد الرحيل من عالم الأحياء
وقال ملبيا لنداء أم سيف:
- يا مرحبا بيك خالتي.

ومن ثم عاد يسلط مجهر عيناها نحو شمسة, وقال بسخرية لنصره الكاسح لها:
- ممكن أختي أعدي.

لتتسع حدقت عينيها, وهي تدرك بأنها لا تزال واقفة بالقرب منه

فلتهم وجهها الخجل

معززا برعشة الارتباك

ولم يخلو الأمر من البغيضة

استوعبت
بعد أن فتحت له الطريق للدخول
مغزى تلك الابتسامة الساخرة
فهو ينتقم منها على الذي جرى بالأمس
لهذا بدأ الدم يغلي في عروقها
على هذا الشخص الغريب
التي لا تعرف لماذا خلع أبواب حياتها المغلقة

كانت في أوج غضبها
عندما نادتها أم سيف:
- شمسة .. شمسة ..

وأخرجتها من لهيب الغضب الذي يكاد يحرقها
لترد عليها:
- نعم عمتي.

لترد عليها والضحكة تكحل عيناها المحاطتان بالبرقع:
- روحي ( اذهبي ) شوفي مريم, تلقينها ( تجدينها ) خلصت تسبيح, الريال مستعجل ويريد يشوفها.

وبالخطأ نظرت نحوه لتجد تلك الابتسامة الساخرة تشع من شفتيه لتعمي بصرها

فتزيد من حمم غضبها المندفعة بداخلها

وتقول بخنوع المستسلم رغما عنه:
- حاضر عمتي.

ومن ثم تشيح ببصرها بعيدا عن عيناه التين كما يبدو تطوقان لرصد هزيمتها النكراء

وذهبت نحو الحمام

وصبت جام غضبها على مقبض الباب الحمام المسكين

الذي لا ذنب له إلا أنه كان في الوقت والمكان الخاطئين لحظتها

الذي يكاد يتهشم بين أصابعها

دخلت ولهجم عليها صوت الصمت

على غير العادة

ففي المرات الماضية

كانت تصرخ عليها مريم مانعة إياها الدخول بصوتها الطفولي

خطت وقد بدأ الغضب يتبخر أمام حرارة الخوف المتقد من قلبها النابض بعنف على غير عادته الهادئة

ففكرة سوداوية تتفشى في عقلها
مرتعشة الخطى تقدمة شمسة نحو حوض الحمام الراكد على غير ما عرفته عليه عندما كان يستقبل مريم المرحة في جوفه

فتجعله شعلة من النشاط

أخيرا وصلت للحظة الحسم

وقتل الشك باليقين

وقد بات صوت قلبها المرتاع يخرم أذنيها

تمددت تلك العينان المصدومتان ل

لصورة المفجعة التي تنعكس على الشبكية

وزلزلت تلك الصرخة المفجوعة أركان فمها الصارخ بوجع الأم :
- لااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا مريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم....
ليقف كل ٌ من أم سيف وحميد من مجلسهما الأرضي
وينظران بجزع نحو بعضهما البعض
قبل أن يهرولا بدون تفكير نحو الحمام
ليكون السباق في الوصول حميد
الذي سأل من فوره, بصوت مرتاع:
- وش إلي صار؟!!!

ليجيبه صوت أنفاسها المتعالية

مصحوبا بصمت الشفتين المرتعشتان

كانت موليته ظهرها

فلم يتمكن من رؤية معالم الصدمة التي تكتسح قسمات وجهها

لم يكرر سؤاله
فقد وجد بأن لا فائدة منه
فهرع هو بنفسه
ليرى ذلك الجسد الضئيل
منغمس في مياه المسبح
التي خنقت أنفاسها
وقيدت حركتها
وخيلت لناظرين لها بأن روحها قد فارقتها
لم يكن هناك وقت لصدمة ولا حتى لتحريك العقل
فهب من فوره بدون تفكير منه
لينتشل ذلك الجسد مسلوب الحركة
من براثم المسبح القاتل له
وركض وهو يصرخ بأم سيف الواقفة والخوف يعتصر عيناها بأن تبتعد عن طريقه, فهي تسد الممر عليه
فاستجابة أم سيف على فورها
ليركض نحو السرير ذو اللون الناصع
ويضعها عليه
ويبدأ بإنعاشها بأنفاسه الحية
ويكبس على ذلك الصدر الساكن برهبة الموت لعله يعيده لعالم الأحياء
نظر نحو أم سيف وصرخ بها:
- أم سيف روحي شوفي دكتور وألا ممرضة, بسرعة.

لتهرع من فورها أم سيف لتنفذ أمره, فهي قد توقف عقلها الأخرى عن العمل,و أصبحت مقوده بكلمات الغير.

فلاحظ وهو في خضم محاولاته المستمرة في أعادت الروح لجسد مريم الخاوي من علامات الحياة

عدم اكتساءه جسدها الهزيل بثوب

فأخذ يبحث كالمجنون عن ما يغطي جسدها العاري

لكن لم يجد إلا تلك المرأة
التي لا تزال تقف على حالها
بسكون رهبة الخوف
وصقيع الصدمة الذي يجمد خلاياها

فصرخ بها آمرا:
- شمسة يبي شيء نغطي به مريم.

لم يرد عليه إلا صدى صوته

فعاود يصرخ بصوت أعلى طبقة من سابقه:
- شمســـــــــــــــــــــــــــــــــــه .. يلا بسرعة يبي ( أحظري ) شيء نغطي به مريم.

لتهب عليه ريح الصمت من نحوها

فما كان منه وهو في عالم اللا عقل

والخوف الذي ينهش بكل خلية بداخلة

إلا أن توجه نحوها بخطى واسعة

لم تشعر به وهي يدنو منا بخطى تهز الأرض

فهي لا تسمع إلا صوت الضمير المعذب لها
وهو يضربها بعصا الملامة
(( إنت السبب, أنت إلي كان لازم ما توافقينها على أن تتسبح بنفسها, أنت إلي قتلتيها , إنت السبب, إنت ))
لتتحرك تلك الشفتين التين قيدتهما الصدمة
وتردد كمن غسل دماغه, ببحت الوجع الطاعن لنفسها اللوامة :
- أنا السبب, أنا قتلتها, أنا السبب, أنا...
لتدوي صدى صفعة جلجلت ذلك الصوت اللائم
وجعلته يخنع لصوته المهيب
وتعود لصحوت الوعي
وهي تنظر لجلادها
بعيون الحيرة
كان يقول شيئا
لكن لم تدرك معناه
فهي لا تزال منغمسة ببحر الحيرة بعد أن جرتها الصفعة من سجن الصدمة المظلم
فما وجد لنفسه خيارا وهو يرى سكونها المستفز له
إلا أن خنق ذراعيها بقبضتيه القويتان
وعاود يزمجر بها بأعلى نبرة يمتلكها حبله الصوتي:
- شمسة أصحي, مريم ما بتموت, ما بتموتــــــــــــــــــــــــــــــــ, أصحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي ... أصحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي ..
كأن علامات اليقظة بانت على خطوط وجهها
فقالت وهي تقفز بناظريها في أرجاء الحمام:
- وين مريم؟؟؟

بصوت خنقته العبرات المرتاعة

حررها من قيود يديه الحديديتان, وصوب سبابته نحو السرير حيث يتمدد جسدها الصائم عن الحركة عليه
وقال محاولا مده بأمل هو نفسه يفتقده:
- لا تخافين مريم بتصحى, أنت بس روحي يبي ( أحضري ) شيء تلبسه قبل لا يي ( يحضر ) الدكتور وألا الممرضة , يلا بسرعة.

قال كلمته الأخيرة وهو يغضن حاجبيه برجاء

تتبعت بعينيها سبابه الممتد نحو ضناها المستسلم للصمت وهي التي لم تعتد من مريم إلا الضوضاء
بلعبها وشقاوتها
لم تكون يوما تحب الهدوء
كان لا بد بأن تهز المنزل بضحكاتها
ومزاحها
وحركتها الدائمة التي لا تكل ولا تمل منها
عكس الآن
وما ينعكس على مقلتيها
البدن الصامت
والجفون المغلقة
والشفتان الملتصقتان ببعضهما
عادت أنفاسها الصارخة تصم رئتيها
وهي تضع كلى يديها على فمها
الناطق بلغة الدمع
الذي ألهب جفنيها

أستشعر وجعها

فلجئ للغة الرجاء, فلا وقت لسكب الألم الآن, فوقف أمامها مباشرة حاجبا عنها مصدر حزنها, وقال:
-شمسة أرجوك, مو وقته هذا الحين أبدا, مريم بترجع لنا, لا تستسلمي, أرجوكِ, يلا روحي يبي لها شيء نغطيها به, أرجوك, تحركي, ما عندنا وقت, أرجوك, إذا كنت صدق تريدين مريم ترجع تعيش, لازم ما تستسلمين الحين, يلا روحي, يلا, لازم نرجعها لنا, لازم, يلا.

ببصيص أمل باهت مدته كلماته بداخلها تمسكت به ببراثم الأم المقاتلة رغم قنوطها للروح الاستسلام

وذهبت حيث دولاب الملابس القابع قرب شباك الغرفة, وهي تجاهد من أجل ألا ترى فلذت كبده
فتخور قواها الهشة

أما هو فعاود محاولاته اليائس لإيقاظ تلك الرئتين النائمة
حين مدت نحوه يدها المحملة بثوب يتزين برسوم كرتونية محببة لقلب ابنتها الخانع للموت لحظتها
رفع رأسه نحو صاحبت اليد
ليجدها وهي مشيحة ببصرها بعيدا عن سيوف الألم القاتلة لروحها
والخوف المائل لرعب يعتصر ملامح وجهها
لتكتمل لوحة الوجع بفكها الأسف المرتعش لقصف الدمع المنسكب بغزارة من عيناها المغمضتان
وهي تجاهد بفعلها هذا إيقافه بالقضم على شفتها السفلى
تنهد بحزن سكن قلبه منذ بد هذه المأساة التي لا تريد أن تنتهي بسلام
وأمسك بثوب
وهو مدرك صعوبة الأمر عليها
وأخذ يغطي ذلك الجسد المتيبس
الذي أشتد بياضه
ما إن انتهى من كسوها
حتى جاء موج من الدكاترة والممرضات
يغرق الغرفة الصغيرة
أخذت تتلقفها أياديهم الواحد تلو الأخر
وحميد وشمسة تم أبعادهم بالقوة خارج الغرفة
ليقعا تحت رحمة الانتظار الصامت
والعاصف بصدريهما بالرعب من القادم المظلم
والذي لا يبشر بخير يسر القلوب المنكوبة




++ يتبع قريبا إن شاء الله ++



عذرا على قصر الجزء

لكن أعدكم بجزء يعوض عن التأخير وعن قصر هذا الجزء في الأيام القليلة القادمة

أتمنى ومن كل قلبي أن ينال هذا القيد استحسانكم

أختكم

وجـــــــــ الكلمات ـــــــــــــــع

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
قديم 28-04-11, 08:40 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي

 



*(( القيد السابع ))*




عصرت الهاتف النقال
الذي كادت أوصاله تتهشم بين أصابعها المشدودة بحبال الضيق
وقالت والغضب يقطب حاجبيها:
- وش هالولد, ليش مغلق تلفونه؟ يريد يموتني ناقصة عمر.
وضعت كفها على ظهر أمها المختنقة من دخان الغضب
وأخذت تربت على ظهرها لعل فعلها يهدأ من ثوران قلبها, وقالت:
- أمي هدي ولا تحرقين أعصابك, خلاص يا أمي حميد بيروح ( يذهب ) وما بيرجع, أفهميها, هو قال لي هالكلام بنفسه البارحة, فلا تتعبن نفسك.

انتفضت من تحت يدها, وقالت وهي تطلق نظرة تصميم نحو هند:
- لا والله ما برتاح علين ( حتى ) أكلمه, وأفهم وش صار له, ليش تغير؟!! هذه مو تصرفات ولدي حميد, ولدي ( وتغضنه عضلات وجهها, لتشكل الحزن الأموي المتوجع ) ولدي حميد ما يسوي ( يعمل ) كذيه, أنا أمه, أنا ربيته, أنا أكثر واحد يعرفه في هالدنيا, ولدي ( غصت الكلمات في حلقها المرتعش ببرود الدمع الذي لم يكذب خبرا ونسل من مقلتيها الممزوجة بعصارة الحزن ) ولدي... ولدي حميد ما يعمل الشينة أبد, أبد, وما يتركنا أبد أبد ... أنا ربيته ... أنا ربيته ... ( وأخذت تضرب على صدرها بكفها وهي تردد بحرقة تنسكب على هيأت كلمات من فمها ) أنا ربته يا هند, أنا ...

أغمضت هند عيناها التي أحرقها النظر إلى أمها الباكية, فحمت مقلتيها من لهيب الألم, بإسدال ستارهما, وبقضم شفتها السفلى, لكي تمتص الدمع الذي ينسل داخل جوفها, وقالت بعد صراع مع كلمات جافة, وهي تدنو نحو أمها, لتجلس بالقرب منها, وتقيدها بذراعيها, الساحبتين لأمها نحو صدرها:
- أمي الله يخليك لا تبكين, ترا حميد ما يستاهل دموعك الغالية, ما يستاهلها, إنسيه, هذا مو حميد إلي نعرفه, أنسيه يا أمي, إنسيه.

وغرستها أكثر لصدرها

لكن أمها نفرت من صدرها

ودفعته بعيدا عنها

وقالت بصوت زاجر يتخلله شيء من الدهشة المرسومة على تجاعيد وجهها الذي أخذت الأعوام نضارته الفتية:
- أنتِ ينيتي؟!! كيف تريد مني أن أنسى ضنايه, مستحيل, هذا وحيدي حميد, ما أقدر أنساها, ولا بنساه علين آخر عمري, بس بس ( وأشاحت بعيناها المكبلتان بأثقال الحزن الفارز لدموع جهة الأرض, وقالت بانكسار الحيرة ) بس ما أعرف وش إلي صار له, ما أعرف ؟!!
ومن ثم عادت تسلط ضوء عيناها لهند

وهي تسأل بشغف المشتاق لجواب يشفي قلبها المعتل بالأوجاع:
- هند قول لي, وش صار لولدي؟!! ليش تغير كذيه, قول لي؟!!! ريحيني, ريحيني .

وأغدقت عيناها السخيتان بالمزيد من الدموع

التي جعلت هند تتصلب بمكانها

فهي كذلك تبحث عن جواب لهذا السؤال الذي لا يكل ولا يمل يدور في عقلها بحثا عن جواب يهدأ نفسها المتألمة لحيرة أدمته بخناجرها



___



ما أن وقع بصرها على من يقرع الباب من العين السحرية, حتى بوزت بضيق, وقالت:
- أفففففف, وش يابها هذه الحين؟ ما يخلون ( يدعون ) أحد يرتاح أبد.

وأخيرا بعد صرخات لا تريد أن تصمت من جرس الباب, فتحت وأنهت معاناته

وقالت وهي تضع قناع الفرحة الغامرة على وجهها:
- يا مرحبا بعمتي.

لترد عليها بجفاف الضيق المتعلق بمحياها:
- أهلا .. أهلا.
فسألت حتى تقتل هذا الحديث وهو في المهد, فهي لا تطيق حتى النظر لها:
- وين ولدي؟

في داخلها كانت تتلوى من شدت الضيق من تصرفات هذه العجوز الشمطاء, التي بنسبة لها تمثل المكر والدهاء, وهي العقل المدبر لفكرة زواج محمد بغيرها, أي باختصار هي عدوتها اللدودة, والذي يجب أن تتغدى بها قبل أن تتعشى بها

فقالت وهي تعكس صورة نقيضه تماما لما يتجسد في داخلها من مشاعر:
- والله المسكين نايم, حليله, طول الليل ما نام, ممتكدر من إلي صار, وا علي عليه.

وخللت نظرت الحزن بين أهدابها
زمت شفتيها, وهي مدركة لمكر هذه الحية, وقالت وهي تنفث ريح الضيق من رئتيها بقوة:
- يلا عيل بروح أشوفه, وأطمن عليه.

وحثت الخطى نحو غرفة النوم

لتسد الطريق عليها ذراع حصة الممتدة أمامها

لترد عليها بنظرات ملؤها الدهشة

ولتقابلها حصة بنظرة بريئة

وتقول بمياعة تنقطها أم محمد:
- حرام خالتي, خليه ينام, لمن كمن ساعة نام, حرام, تعالي وقت ثاني وكلميه.

صرت على أسنانها, وعقدت حاجبيها المندسين وراء برقعها, وقالت بضيق لا يخفى على سامعيه, وهي تدفع بالحاجز المانع لتقدمها بعيدا عن طريقها:
- والله ما بيموت محمد إذا صحى كمن دقيقة.

ورمت عليها نظرت تحدي

وأكملت طريقها

حتى لا تجعل للحية الرقطاء حسب قولها

مجالا لفعل أو حتى قول شيء

لتنغمس حصة في بركان غضب مشتعل

وهي تطلق شرارات عينيها

جهة أم زوجها الثقيلة على قلبها

وتقول بحنق:
- أوووووووووووووف منكِ لصقة, ما تفهميني؟ الحين لازم بتروح تزن على راسة كعادتها, بس هذا ويهي ( ومررت أناملها تحت ذقنها الرفيع وأكملت تنفث غضبها في كلماتها ) يالعيوز إذا سمع محمد كلامك مرة ثانية.




___




دخلت غرفته على عجل

لتجد الظلمة تفترش المكان

مع بعض خيوط الضوء المنسابة من وراء الستارة الحاجبة عنها الرؤية

وجدته نائما قرير العين

مندثر وراء غطاء الوفير

ممتدا على بطنه

بسكون

فهجمت عليه من فورها

وهزته بعنف لكي يستيقظ

وهي تناديه باسمه لكي تسرع عملية استيقاظه:
- محمد .. ولدي قوم ...قوم ..محمد أنا أمك ..قوم..

فتح جفنيه بخمول لازال يسيطر بجسده

وقال وهو لايزال في كنف النوم يعيش:
- هاااااااا, وش ( ماذا ) هناك؟!!
عادت تهزه بعنف أشد من قبل
وقالت بحنان تسكبه من شفتيها:
- حبيبي قوم, الحين وقت صلاة وأنت نايم قوم, يلا حبيبي قم.
أخذ يمد أطفاله المرتخية بغبار النوم
فينفضه منها
ومن ثم قام جالسا
وهو يدعك عيناه براحة يديه
ويقول بصوت أثقل بلعاب النوم:
- مرحبا أمي ...
فباغته التثاؤب
ومن ثم عاد يكمل جملته وهو يفتح نصف عينيه اللتين لازلتا يطمعان بالمزيد من النوم
- أشحالك ( أخبارك ) أمي؟
لترد عليه والكدر يزيد من تجاعيد وجهها:
- ما بزينة ( ليست جيدة ) يا ولدي, ما بزينة.
حدق بها بعينان بدأتا تطردان النوم منهما:
- خير أمي, وش هناك؟!!
لتطأطئ رأسها كأنها ارتكبت جرما, وتقول بصوت يميل إلى الهمس:
- ما أعرف وش أقول لك الصراحة يا محمد, بس أنت في الأخير بتعرف ( وزفرت بضيق وهي تكمل حروف جملتها ) اليوم يانا ( جاءنا ) أبو سعيد, ويقول...ويقول أنهم غيروا رأيهم, ومو ....ومو موافقين على العرس ( ثم أخذت تهز رأسها بأسى وهي تنطق بكلمات أندس فيها الضيق ) ما أعرف وش هالناس؟ ما يستحون؟ من كم يوم قالوا موافقين, والحين يقولون مو موافقين ( رفعت رأسها بغتة لتكشف عن حنق يصبغ وجهها الخمسيني ) يحسبون ( يضنون ) هالموضوع لعبة.

لتفاجئ بردت فعل لم تكون في حسبانها منه

حيث عواد يمد أطرافه ليبعد الخمول عنهن

وقد غمس وجهها في بئر من عدم الإكتراث

وقال ببرود يعاكس الثوران الذي يشتعل في صدر أمه:
- والله يا أمي هم الخسرانين.
لتتبلم لثواني أمه
فهي لم تحسب ردت فعل كهذه تبدر منه
لكن ما لبثت أن جمعت أوراقها المبعثرة من جديد وقالت وابتسامة مرتعشة تخنق شفتيها, وهي تجلس بجنبه على السرير:
- صح كلام يا محمد , هم الخسرانين, وين بيلقون ريال مثلك, جمال وشباب وأخلاق, لا تخاف ولدي, من اليوم بدور ( أبحث ) لك عن بنت أحسن منها بوايد, تليق بك.
هنا كسر جليد عدم المبالاة من عيناه المشرعتان
وقال و الارتباك يطعن كلماته الخارجة من حنجرته:
- ليش أمي ؟!! ما يحتاي تتعبين نفسك, وبعدين تعرفين أمي الظروف ما تساعد أنا ريال عندي ديون فوق راسي, خلي هالموضوع لبعدين, والا أقول لك ( ووضع يده على فخذها المطوي بقربه ) أنسي هالموضوع نهائي, العرس يباله مصارف وأنا مو مستعد, تعب, وبعدين أمر العيال لاحق عليه, وحصه وحليلها ما فيها عيب, بس الله ما كتب الحين نيب ( نحضر ) عيال, مثل عمي ( قالها بحماس, لكي يثبت صحت قضيته, وينهي الجلسة من أول جولة ) عمي وحرمته ما ييابوا سيف إلا وهم على كبر, يعني هذا موضوع وراثي, البنت ما لها ذنب فيه.

كانت تنظر إليه فاغرة فاها من الدهشة التي شلت وجهها

ومن ثم قال وهو ينحت تلك الابتسامة الواسعة على شفتيه:
- يلا أمي أنا بترخص أتوضئ, ولحق على الصلاة, وأنتِ حياك الله عندنا على الغدى.

وهب لكي يقوم

حين شلت حركته بيدها المحيطة برسغه

وقد علا عيناها نظرة من الحيرة:
- وش إلي صار محمد؟!! وش إلي غير رايك؟!!

وهي في قرارة نفسها عندها يقين بأن الحية الرقطاء لها يد في هذا التغير المفاجئ

أزدرد ريقه ببطء وهو يجمع الكلمات على بساط لسانه, ليحلق بها نحو مسمع أمه:
- ما أحد, أنا نفسي درست الموضوع, ولقيت أنه ما يناسب لي, إلا بيزيد مشاكلي مشاكل, وأنا الصراحة ما في على وجع الراس, يلا أمي اسمح لي, لازم ألحق على الصلاة في المسيد.
فحرر رسغه من حبل يدها
وهرب نحو الحمام
نفذا من مجهر أمه
التي لجأت لكلام النفس, لكي تفجر غضبها الكاتم على أنفاسها:
(( الله لا يوفقك يا الحية الرقط على إلي سويتيه بولدي, خليتيه يغير رايه بهالسرعة, صدق أنكِ مب ( لست ) سهلة ))
وزفرت ما تبقى من غضبها المتضخم في صدرها في أنفاسها النارية
وهي تحث الخطى لتخرج من هذا المنزل التي تجثم صاحبته البغيضة شكلا وخلقا على صدرها فتخنق أنفاسها
كانت قد سمعت كل حرف دار بينهما
فأعلنت الأفراح في داخلها
على هذا الفوز الكاسح على عدوتها اللدودة
كانت على وشك أن تفتح الباب الرئيسي للمنزل
عندما سمم سمعها فحيح الحية:
- وين عمتي؟ ما شبعنا من شوفتك, خليك عندنا تتغدين, ترانا أشتقنا لك وايد.
قالتها بدلعها الكريه على قلبها النابض بقوة تكاد تهشم قفصها الصدري
ردت عليها من وراء أسنانها
وهي معطيتها ظهرها
فهي آخر شخص تريد أن تراه في هذه اللحظة:
- لا شكرا, غدايه ينتظرني في بيتي.

وبسرعة البرق فتحت الباب
وأسرعت الخطى جهة السيارة
فقدماها لم تعودان قادرتان على حملها من شددت الغضب الذي يهز جسدها المسن

__

دقائق عجاف طوال, تأبى بأن تنهي لغة العذاب بجواب الشفاء والراحة
باتت هذه الدقائق كدهور لا تريد أن تنتهي
فتريح القلوب التي أضناها الانتظار
رفع رأسه
ليجدها على حالها جالسة أمامه
كخلقة بالية
لا تسكنها الروح
بين أحضان أم سيف المتمتمة بدعاء
حشرت نفسها تلك الذكرى الموجعة في عقله
ذكرى آخر أيام أبيه المرحوم
كان كحال شمسه حينها
وربما أشد
فهو كان لوحده
يرى عذاب أبيه وروحه التي تريد أن تهرب من عذاب جسده المتداعي
الذي لم يجعل فيه الخبيث إلا عظاما منخورة
مكسوة بجلد مهترئ
وضع كفه على جبينه الدبق من كثرت العرق المتصبب عليه
وأخذ يمسح جبينه
لعل تلك الذكرى تهجره
فمريم لن تموت
لن تموت
سوف تعيش
لن يحصل لها كما حصل لأبي
حاول بهذه الكلمات زجر تلك الذكرى السوداء
وإشعال روح الأمل في صدره
حين جاء الفرج أخيرا
يتمثل بصوت الباب الذي تزحزح من سكونه بعد دقائق مضرجة بوجع الانتظار الرهيب
هب من مجلسه من فوره واقفا
ونظرت الشغف لجواب ينهي خوفه تلف عيناه بيد من حديد
أما شمسه
فقد قفزت من بين أحضان أم سيف
وهرعت نحو الطبيب الأجنبي
وأخذت تنهال عليه بالأسئلة بنفس واحد
وقلبها مقبوض بجزع الموت
بادرت الممرضة التي كانت من بلد شقيق تهدءة روع شمسه, بابتسامة تسكن شفتيها, وبكلمات تبل ريقها الجاف من شدت الخوف العاصف بداخلها:
- ما تخافي, الحمد لله مريم بخير هلاء, عدت الأزمة على خير.
لتفتح شمسه فمها وهي تلتهم أكسجين الحياة من جديد
وبدأ شيء من السكينة ينشر عباءته على وجهها المرتاع
لتهلل أم سيف بفرح من وراءها وهي تقول:
- الحمد لله, الحمد لله, يعني الحين زال الخطر بنتي.
لترد عليها الممرضة, وبسمة الطمأنينة تعانق شفاهها:
- الحمد لله هلاء ما فيه خطر, بس لازم تاخذوا بالكم عليها كتير, حتى ما يصير إلي صار مرة تانيه.
وضعت يدها على قلبها
وأثنت أصابعها, لتشد الخناق على قلبها الصارخ بصوت التأنيب
ونكست رأسها بخجل
فهي المتهمة الأولى للذي حصل لمريم
فبسبب إهمالها كادت مريم أن ترحل من هذا العالم
لاحظ تقوقعها المرير
وترجمه بأنه الملامة
كما صار قبل قليل في الحمام
فتنهد هو الآخر
وكأنه يشعر بحرقة قلبها
في حين أن أم سيف الطائرة من الفرح بخبر نجاة مريم:
- مشكوررررررررررررررة بنتي, والله يجزاك خير, وإن شاء الله ما بنخلي ( نجعل ) هالشيء يصير مرة ثانية.
لتهز الممرضة رأسها بحركة مؤدبة, وتستأذن لرحيل هي والطبيب.
فأطلقت أم سيف العنان لساقيها
لتتوجه جهة غرفة مريم
والفرحة تشع من وجهها المغطى بستار البرقع البراق
لتجذب معها بكلماته شمسه:
- يلا بنتي شمسه, خلينا ( اجعلينا ) نشوف مريوم, الحمد لله عدت على خير.
لتطأطئ شمسة رأسها أكثر من قبل, وتقول بصوت هش, أعياه حمم الملامة:
- بعدين بلحقك عمتي, أنا بروح أيب ( أحضر ) شيء أشربه, تراني ( فأنا ) عطشانة.
لترد عليها أم سيف وهي تفتح الباب:
- تمام عيل, أنا بسبقك.
وتندفع كريح داخل الغرفة
تاركة شمسة تستسلم تماما لعقاب الذات اللوامة .
أما هو فلم يدعها وحالها
ظل يسلط مجهر عيناه عليها
يرصد فعلها
بأدق تفاصيله
فهو كان في يوم من الأيام في نفس وضعها
لهذا هو يعلم جيدا طعم الحنظل الذي تتجرعه الآن
تحركت أخيرا بعد سكون شل جسدها لدقائق
وليتحرك هو الآخر وراءها
كأن هناك حبل خفي يصل فيما بينهما

__


كانت متقوقعة حول نفسها في أحد زوايا البهو الرئيسي المستشفى
وهالة سوداء تحلق فوقها
وعبرات تنغز عينيها تتمرد على حبسها الإجباري
فهن يردن أن يرين النور
لم تستطع أن تستجيب لطلب عبراتها الحارقة لجفونها
فحشود الناس تخنق حريتها
لسكب آهاتها
وتفريج همها بفرازة دمعها
اخترقت هالتها المعتمة
يد محملة بقنينة ماء معدني
نظرت نحوها والتعجب يرسم عيناها
فتتبعت هذه اليد
حتى وصلت إلى وجه صاحبها
أنه هو
ذلك الدخيل
الذي اقتحم حياتها المنعزلة
بدون إذن
لقد كان مبتسم المحيى
حين قال:
- قلتِ أنك عطشانة.
ليجيئه جوابها بإشاحة وجهها بعيدا عنه
وتعود تلك اليد خائبة الرجاء نحو صاحبها
ويقول وقد أطلق تنهِدة وجع:
- أنا أعرف شعورك... أنا عشت حالتك هذه قبل سنتين مع والدي ... كان فيه الخبيث بعد..

كما يبدو بأن كلماته قد شدت انتباها, حيث لمح ارتفاع مقلتيها جهته
فسترسل في الحديث, وألم الذكرى يفتت قلبه:
- أنا كنت المرافق لأبويه لرحلة العلاج, فما كان أحد جنبه غيري, وما كان يشوف وجعه غيري, كان هذا يعذبني لكني ما قدرت أفضفض لأحد, قعدت كاتم ألمي في قلبي وساكت, والأمر من ذاك أنه أنا كنت الشاهد على عذابه في الأيام الأخيرة, يوم غدى كومة عظام ما فيها روح, هذه الصورة بعدها مطبوعة في عقلي ما تريد تنزاح, حتى أنه ما كان يقدر يتكلم ( صمت وهو يشعر بتلك العبرات التي همرها في الماضي تعود إلى جوفه )

أما هي فقد رفعت رأسها وقد قرصها قلبها من وجعه الذي يسكبه على مسمعها

ومن ثم أكمل وقد خفت صوته المرتعش:
- صحيح أبوي مات, لكنه كان ريال كبير وفيه أمراض ثانية في حضر الخبيث وكملها عليه.
سلط وبدون سابق إنذار عيناه التين تخطان التصميم, وقال وقد جهر صوته:
- لكن مريم بتعيش, مريم غير, بتعيش, أنا حاس بهالشيء, حاس صدقيني.

وأخذ يضرب على صدره

اتسعت حدقت عينيها وهي تنظر نحوه ولا تعلم ماذا تقول

سبُتت الأحاسيس بداخلها للحظة

فلم تشعر بشيء


سوى بتلك العبرات التي اشتد تمردها وراء حاجز عينيها

لاحظ تلك العينان المحمرتين اللتين تجاهدان لكبت صوت دموعها

فقال لها وهو يرخي من عضلات وجهه:
- بكي .. صدقيني البكاء يريح وايدددددددد, فبكي ولا تمنعين دموعك من غسل أحزانك.
أخذت برمي مقلتي عينيها يمنتا ويسار بحثا عن مهرب من عيون الناس التي تحرمها من صب وجعها

ومن ثم ما لبثت أن دست رأسها بيأس بين يديها

وهي تحاول منع أنفاسها الباكية من الخروج من حنجرتها المرتعشة بصوت البكاء

جاءها صوته الرجولي يندس إلى طبلت أذنيها وهو يقول:
- شمسه أنا بأغطيك, عشان ( حتى ) تأخذين راحتك في االبكي, وأوعدك أني ما بلتفت علين ( حتى ) تقولي لي.

فرفعت رأسها من غطاء يديها

والدهشة لوجهها عنوان

لتجد شفتيه تبرقان بابتسامة

ومن ثم أعطاها ظهره

وقال:
- يلا ما أحد الحين ( الآن ) يشوفك.
كأن جملته هذه هي مفتاح تحرير عبراتها من قضبان السجن التي أودعتها فيه
فخرجت حشود الدمع
غير متيحة لشمسه مجالا لتفكير
وهي كذلك لم تقاومها
فروح القتال لديها قد أعلنت استسلامها منذ زمن بعيد
فزخت تلك الدموع
وأطلقت تلك الآهات المحبوسة في صدرها
تخلل نشيجها الخافت مسمعه
فابتسم والراحة تغلف صدره
وهو يقف كسد منيع لا يتزحزح
أمامها
حاجبا عن الناس رؤيتها
وموفرا لها خلوت النفس الحزينة التي طالما بحثت عنها

__


ما إن دخل البقالة
حتى هجمت عليه يد
قرصت أذنه
ليتأوه
ويتلوى من الألم
وهو يسمع صوت أبيه الملتهب يصم أذنيه:
- يا الدعلة, يا الي ما فيك فايدة, وين غطيت؟!! لك أكثر من ساعة توصل طلبية بيت أبو حمد, والبيت مو بعيد ربع ساعة وترجع, وين رحت يا الغبي؟!!
من بين آهات الوجع, أخذ يقول:
- لاقيت واحد من الربع ( الأصدقاء ), ما شفته من زمان, فقعدنا نتكلم.

هذه المرة لم يكتفي بقرص أذنيه

بل أنهال عليه بالخيزرانة

لتعلو صرخات الفتى المتألمة

وهو يغدق عليه حممه في قوالب كلماته:
- يا الغبي وقاعد لي فوق الساعة تتسامر مع ربيعك, ما تقول أنه وراك شغل, تعرف كم طلبيه تكنسلت ( ألغيت ) عسبك ( بسببك ) يا تنبله.

ليصرخ بأعلى وتر من صوته المتوجع:
- والله ما أعيدها يا بوي , والله.

ليذيقه غير آبه بكلماته المزيد من طعم خيزرانته الملهبة للجسد

ويقول والغضب لا يفارق لسانه:
- كم مرة حلفت لي, وكم مرة صدقتك, وكم مرة تغط وتكرر سواتك الوسخة, أبا أعرف وين تروح كل يوم في ها الساعة, وين؟!!! لا تقولي كذباتك القبلية لأني حفظتهن, قول الصدق أحسن لك, والله تراني ما بخليك اليوم يا أحمد.

أرتبك أحمد وهو لا يعلم ماذا يقول لأبيه, فإذا قال الحقيقة فسوف يسلخ أبيه جلده عن عظمه, فهو يعرف والده جيدا..

فما خرج من فمه إلا كلمات متلعثمة لا صلت لها ببعضها البعض:
- ها.. أنا ... هو ... كنت ...

ليأتي صوت الهاتف المنجد لروحه

ويقطع سلسلة تعذيبه
واستجوابه

__

وصلا إلى آخر طريقهما
كانت تسبقه بخطوتين
في حين كان يمشي وراءها والحبل الخفي يقتاده وهو منكس الرأس
لم تعلم كيف تتصرف
فمنذ أن أهداها فرصة التفريج عن مكنون قلبها الباكي
لم تنبس ولا بحرف له
حتى بكلمة شكرا لم تنطق
فشعرت بالحرج وهي تمد يدها نحو مقبض الباب
فالرجل يلحق بها
ولا تعلم لماذا
ربما لأنه يريد كلمة شكرا تنبس بها
لكن ألهذا السبب يتبعها ؟!!!
أسئلة
وأسئلة
وكالعادة عقلها المغتم
لم يقدر على إنهاءها ولو بجواب صغير
تنهي حلقت البحث الدءوب عن جواب
في معمعتها هذه
تلجمت عن الحركة
وعن لغة الكلمات
ليكون كعادته في الساعات الماضية المنقذ
بقوله وهو مكبل نظره الثقيل بالأرض:
- أنا آسف.
رفعت رأسها المثقل بالتساؤلات
والدهشة ملء جفونها المحمرة من ملح الدموع التي همرتها
ليرفع هو رأسه
ويُنجدها بالجواب:
- لأني صفعتك, لكن أنا نفسي ما كنت بوعي ساعتها, كنت ميت من الخوف, وعملت أول شيء خطر على بالي.
وعاد يهرب ببصره الخجول بعيدا عن منظار عينيها
لتتراجع حشود الدهشة عن قسمات وجهه
أمام طيف ابتسامة احتلت شفتيها
ولو لثواني قلائل
وقالت:
- أعتقد أنه أنا لازم أن أقول لك شكرا, فأمكن لولا صفعتك لكنت على حالتي.
فوجهت بصرها المتكحل بالخجل جهة المقبض
وجعلت أصابعها المرتبكة
تتراقص على مقبض الباب
لعلها تلهيها عن ارتباكها
الذي اتضح كشمس تسطع في كبد السماء
على صفحت وجهها
وقالت بصوت بالكاد لامس طبلت أذنيه:
- وبعد أشكرك على وقفتك معايه قبل شوي.
هز رأسه يمتا ويسارا
وقد طوقت محياه ابتسامة :
- ما في داعي لشكر, فهذا واجبي, فنحن إلي لنا تجارب مع ها المرض, لازم نقف مع بعض, ونشد من أزر بعض.
لم تقول شيئا
فالكلمات انصهرت في فمها
فالحرقة عادت تبلل لعابها
على ذكر ذلك المرض اللعين
فكتفت بهز رأسها بنعم
ثم ظلت تتمالك نفسها التواقة لمزيد من طعم الدموع
وهو يخصها بنظراته المتتبعة
لتنشج ريح الكتم لصوت البكاء الذي علا بداخلها إلى رئتيها
وقالت وهي لم تبعد عينيها عن مقبض الباب, بصوت ضعيف:
- يلا عن أذنك.
وبدأت في تحريك المقبض الصائم عن الحركة
لتستوقفها كلماته :
- ممكن.
لتهجم عليه بعيني التعجب
فابتلعت ريقها وهي تقول بتوجس:
- ممكن أيش ( ماذا )؟!!
ليرد عليها بابتسامة تنبثق من شفتيه:
- أشوف مريم, وأطمن عليها, إذا أمكن؟
لتنصب الراحة على صدرها المرتاع
وتقول وابتسامة طرفيه تخترق شفتيها المغتمين:
- ممكن, بس ثواني.
ليهز رأسه للأعلى والأسفل
والبسمة رفيقة الدائم
وتدخل هي أخيرا الغرفة

__

أخذت تلعب بأصابعها بحركة ساخرة وهي تغدقُ عليهن بكلمات الشماتة المحبب على قلبيهما البغيض:
- لو شفتنها قاعد تتحرقص من الضيق, لو قدرت أصورها لصورتها لذكرى عيوز النار.
لتعلو ضحكاتهن المتشفية
لتتصدى أم حصة لمهمة أول المتحدثين بعد موجة الضحك:
- تستاهل, ما أحد قال لها تلعب بنار.
ولتسكب عليها أختها شيخه بمياه التأيد:
- أيوه ... أهي ما تعرف مع من تلعب.

لتقول حصة وقد رفعت صدرها بكل فخر:
- والله لأوريها نيوم ( نجوم ) الظهر خرابة البيوت هذه.

وعادت تلك الأفواه الملوثة بسموم الشماتة تطلق ضحكات النصر.

أخذت شيخة تتلوى كثعلب جائع, وهي تكسو جلدها بلونه الماكر:
- لا تنسين حبيبتي حصة أنه هذا بسبب عمايلي.
لتضرب حصة بضربه خفية على فخد خالتها الجالسة على يمينها, وتقول وابتسامة النصر تأبى هجرها:
- كيف أنسى ها الشيء خالتي, لولاك لكنت أنا في خبر كان.
لتشق ابتسامة ماكرة على محياها, وتقول وهي تمد كفها نحو حصة:
- عيل وين الحلاوة إلي واعدتني بها حبيبتي؟


__




بيد تضم ابنتها إلى صدرها المشتاق لملامسة حركة صدرها المتنفسة

واليد الأخرى تدلك رأس ضناها الصغير

ورموشها ترفض أن تطرف

فتفوت فرصة رؤية صغيرتها وهي تتنفس أكسجين الحياة

وجسدها يمتد بجوار فلذت كبدها ملاصقا لجسدها الغض

لا تريد أن تتركها ولا لثانية واحدة

كما فعلت منذ ساعات قلائل فندمت كل الندم

لا ترغب أن تنغمس في بحر الملامة من جديد

لن تفارقها ما حيت بعد الآن

هكذا عقدت العزم في داخله

وهي تحتضنها أكثر من ذي قبل

جاء صوت أم سيف ليضع حدا لصمت المحيط بالغرفة:
- يلا شمسة أنا بترخص, تأخرت وايد على العيال وأبو سيف.

رفعت رأسها ببطء حتى لا تزعج سكينة طفلتها

وقالت بصوت اتخذ طريق الهمس مسلكا له:
- مرخوصة عمتي, سلمي على عمي وايد, وبوسلي العيال.

فابتسمت عيناها الشامختان من وراء حواجز البرقع
و قالت:
- إن شاء الله, أنا إن شاء الله من طلعت الشمس بيي ( أحضر ) تبين أيبلك شيء معايه؟

ردت عليها بهز رأسها بنفي, وأردفت قائلة:
- لا سلامتك.
لتودعها أم سيف بخير الكلام:
- مع السلامة.

وبصوت لازال يميل إلى الهمس:
- مع السلامة عمتي.
لتندفع أم سيف جهة الباب
لترجع شمسة إلى وضعيتها السابقة
لتهمس في أذن ابنتها الثاقلة جفونها:
- حبيبتي خف صداع راسك, وألا أكمل همز ( دلكه ) ؟
لتكتفي بهز رأسها بوهن بمعنى نعم, وهي زامت شفتيها, فالصداع يفتك برأسها
لتطبع على جبينها قبلة حانية, وتقول وقد تشربت من كأس وجع ابنتها:
- يا عمري, بيروح الوجع, لا تخافين.

وعاودت تدلك رأسها

لتبتر حركاتها صوت أم سيف وهي تقول:
- شمسة حميد بره يقول أنه يريد يشوف مريم.
لتضرب بكفها جبينها, وهي مغمضة العينان وتقول:
- أووووووووووه, نسيته لما شفت مريوم, دقايق بس.

فعدلت من جلستها وهندامها

وقالت لأم سيف:
- خليه يدخل.
ليدخل بعد ما أن أذنت له أم سيف وهو مطأطأ الرأس, لتبادر شمسة بالحديث والخجل يصبغ وجهها:
- اعذرني, والله لما شفت مريم نسيت علومي.

ليهز رأسه بمعنى لا توجد مشكلة, ويؤيدها بكلماته:
- مو مشكلة, أنا مقدر الوضع.
لتقفز أم سيف بكلماتها مقاطعة حديثهما:
- اسمح لي حميد, أنا لازم أروح.

ليلتفت إلى أم سيف وقد علا برأسه بزاوية حادة, ويقول:
- مسموحة خالتي.
لتقول أم سيف:
- يلا عيل, مع السلامة.
ليودعها كليهما بنفس واحد:
- مع السلامة.
لترحل أم سيف
ويبقى هو وهي ومريم لوحدهم

شعرت بعبق الغرابة يفوح في الغرفة

والهدوء يعزز منه

لتقوم من على السرير, وقد احتارت مقلتيها أين تستقر
وقالت بارتباك يعثر حركت لسانها:
- تفضل أستريح.
وأشارت نحو السجادة التي تفترش الأرض.
ليجبها وقد اكتفى برفع عينيه صوبها:
- مشكورة, بس أنا جيت بس عشان أطمن على مريم, ورايح, كيف حالها الحين؟
لتصوب عيناها نحو مريم المستلقية بخمول على السرير
وتقول:
- اسألها بنفسك؟

ليخطو باستحياء نحو الطرف الآخر للسرير

ليصبح مواجها لشمسة

وقال وقد علت الابتسامة على شفاهه:

- أهلا مريم, أخبارك؟ وش ما عرفتيني؟!!

أخذت تحدق به بعينان شبه مفتوحتان

وهي تقلب عقلها بحثا عن وجهه في زواياه

لتتشكل ابتسامتها المشرقة من جديد وإن كانت مهزوزة وقد لمعت ذكراه في عقلها

وتقول بصوت أجهده التعب:
- وين ( أين ) هديتي؟

لتنفجر أساريره

وهو يقول لها ممازحا:

- الأول ... وين (أين ) لوحتي؟!!

وشمسة تشعر بالضياع بينهما, فهي لا تفهم شيئا من حديثهما

لتلف برأسها ببطء صوب أمها وتقول لها بنفس نبرة الصوت المتهالك:
- أمي .. يبي ( أحضري ) لي دفتر رسمي.
لتغدق على ابنتها بابتسامة حانية تخفي وراءها كومة من الوجع
وتذهب نحو الدولاب حيث الدفتر يقبع
وتعود لحميد سائلة بصوتها الذي اشتد خفوته:
- الحين ( الآن ) .. وين هديتي ؟

لتطوق الابتسامة محياه من جديد, لكن ما لبثت أن زالت وقد خطر له بأن الهدية لم تعد بحوزته فقد فقدها في معمعة الحادثة

فأخذ يبحث عنها بعيناه في أرجاء الغرفة

لترصدها عيناه أخيرا

ملقاة بالقرب من ستارة الغرفة

فيخطو بتسارع جهتها

لينحني ليمسك بها

حين استشعرت حاسة سمعه نشيجها من وراء باب الخزانة

فأحس بوخز في قلبه

وهو يسبح في باله خاطر مؤلم, بأنها مهما بكت فلن ترتاح روحها المعذبة حتى تشفى ابنتها.

استيقظ على صرخات مريم المتسائلة:

- وش تسوي ( ماذا تعمل )؟!! وين هديتي؟

لينتصب

وقد ارتدى قناعا باسما

وقال وهو يلتفت جهتها وقد رفع يده المحملة بالهدية:
- هذه هي هديتك.

ومدها نحوها وقد بات على مقربة منها

ليتهلل وجهها المنصهر بروح الإجهاد بالفرح

وتقول والسعادة تنسكب في كؤوس كلماتها:
- الله .. كبيرررررررررره وايد.

ليرد عليها والبسمة ملصوقة على شفتيه:
- ما قلت لك بيب لك هديه كبيرة, هااااا وش رأيك بي, ما وفيت بوعدي؟

لتهز رأسها بعنف بنعم

ومن ثم نادت أمها لكي تستعجلها وقد بدأ الوهن يتلاشى من محياها الرافض لوجوده في قسماته:
- أمي أمي, وين الدفتر..؟ بسرعة يبيه ( أحضريه )

لتمسح دموعها التي باتت رفيقتها الدائمة

وتقول وهي تدفع بقوى الصلابة في صوتها:
- يلا أنا يايه ( حاضرة ).

لتزفر تلك الزفرة الزاجرة لدمع بتوقف

وتشعل شمعة ابتسامة خافته على شفتيها المرتعشان

وتقبل نحوهما

لتقف موازية له

بمسافة لا بأس بها

وتمد يدها المحملة بالدفتر نحو مريم

التي قالت لها بسعادة تشع من وجهها:
- أعطيه عشان يشوف رسمتِ.

وكان الترقب قد نقش وجهها

نظرت إلى يمينها حيث يقف

وابتسمت باقتضاب وهي تسلمه الدفتر

ليقابل هو الأخر ابتسامتها بابتسامة, لكن في داخله يشعر بطاقة الوجع الكامنة في صدرها

لتتلاصق تلك العيون لثواني

لا تعلم تلك العيون لما الوصل يصل بينهما

فتقاطع تشابكهما صوتها المتحفز:
- يلا شوف الرسمة, أهي في الصفح الأخيرة, بسرعة.

لتكون شمسة أول من قطع خيط التواصل البصري, بالتفاتها جهة مريم
لينكس هو رأسه لثواني, وقد شعر بجبل من الحزن يجثم في صدره بعد أن أمتصه من عيناها المثقلتين به.
ومن ثم شرع بفتح الدفتر
ليصرخ بإعجاب :
- الله .. روعة ... أحل وايد مما تخيلتها.

كانت تريد أن تقفز من الفرح كعادتها, لكن جسدها المسلوب القوى خذلها

فرضخت لهز رأسها بنشوة الفرح مجبرة

وقالت والسعادة تراقص لسانها:
- صدق, عجبتك ؟

لينحني صوبها, ويقول وسحرها الطفولي يشعل ابتسامة صادقة تنبع من قلبه على شفتيه:
- بقولك شيء عني, أنا أبدا ما أكذب, عشان كذيه, يوم أقول لك أنه رسمتك حلوه, يعني أنها حلوه.

وضربها بسبابته ممازحا على أنفها المدبب
لتدوي ضحكتيهما
وهي تتابعهما
فتشعر شمسة براحة تصب على قلبها
لا تعلم من أين حلت عليها

__

لم يتضايق كعادته من عناد المصعد وتأخره
بل استسلم لشروده
فأين سوف يذهب بعد أن يخرج من هذا المصعد؟
لا بيت
لا أهل
ولا حبيبه
أصبح وحيدا
وكم يكره هذه الوحدة
التي تخنقه
طوال عمرة كان يحيط به الناس
لم يعش يوما واحدا بدون رفيق يأنس وحدته
لكن بعد أن زاره الضيف الثقيل الدم المسمى بالسرطان
أُطِر لكي ينفض أهله ورفاقه وأحبائه
بعيدا عن حياته
ليغدو وحيدا
وحيدا
وحيدا
وضع يده على وجهه
وتلك الكلمة البغيضة
يتكرر صدها في عقله
الناطق بلغة الحزن
وينضح بسؤال أكثر وجعا من سابقيه:
(( كيف بعيش آخر أيامي بدون أحد يكون بجنبي؟ كيف ؟!! ))
شعر بذقنه السفلى تستسلم لرعشة ريح البكاء القارصة
علا صوت المصعد معلنا وصوله أخيرا بعد طول انتظار
ليرن في نفس الوقت في رأسه صوت خافت, يحمل معه الجواب
ففتح عيناه مذهولا بما يهمس به عقله له
فيخترق صوت أنسي صوت عقله الملح عليه بفعل ما جاد به:
أخوي بتدخل اللفت ( المصعد ) وألا لا ؟ -
نظر إلى صاحب الصوت الذي بدت عليه علامات الضيق, وهو مابين عالمي حوار العقل والمنطق
ليعود نفس الشخص وقد حد صوته من شدت الضيق المتربع على وجهه:
- أخوي عندنا أشغال, بتركب وألا..

- لا

صرخ بها لا إراديا مقاطعا

فلم يكذب الرجل خبرا

شرع من فوره بالضغط على زر المصعد

ليغلق الباب

معلنا رحيله

في حين أن حميد أدرك ما نطق به لسانه متأخرا

فوضع كلتا يديه على فاه

مقوسا الحاجبين إلى أعلى

مشرع العينين

وما لبثت أن ارتخت يديه المطبقتان على فمه

فحررته

وتقلصت عيناه المذهولتان لترسما التصميم

ويلتفت إلى خلفه

فيدخل إلى صدره ما يقدر عليه من أكسجين

لكي يدفعه للقدوم قدما في تنفيذ ما عزم عليه

ويندفع بخطى واثقة جهة هدفه المنشود

ويقرع الباب بسرعة

فأي تأخر يعني التقاعس

والتخلي عن العزم وليد اللحظة

ليفتح الباب

وتظهر من وراءه شمسة

التي جعد وجهها الاستغراب ما أن رأته, فهو منذ بضع دقائق قد غادر, لتترجم استغرابها في كلماتها:
- خر حميد, هناك ش...

ليشير لها بيده بتوقف عن الحديث, وهو يعاود التهام الهواء, قبل أن يدفع بتلك الكلمات مرة واحدة حتى لا تخذله:
- أرجوكِ اسمعيني, ولا تقاطعيني, أرجوكِ شمسه, أمكن تضنينه جنون أو غباء, أو أي شيء, بس ... بس أنا أشوفه الحل الأمثل لي ولك ( وأشار بأنامله المتوترة نحوه ونحوها, وهو يجبر تلك الكلمات الرافضة للخروج من حنجرته لزيارة مسمعها ) عشان كذيه, أنا أريد أعرس بك.

لتخرج عينيها من محجريهما من هول ما سمعت





+++ يتبع +++




أرجو بأن يكون قد راق لكم الجزء ...

أختكم

وجـــــــــ الكلمات ـــــــــــــــع

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
قديم 05-05-11, 08:34 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي

 


انتهجت لون جديد في أسلوب أسرد في هذا الجزء ... حتى أكسر حاجز الرتابه وأيضا استجابة لطلب

صديقة عزيزة على قلبي :)

قراءة ممتعة إن شاء الله ...

وعذرا عن أي تقصر بدر مني







*(( القيد الثامن ))*





بصدر ثائر كموج هائج تتقاذفه أنفاسه الهاربة للأعلى وللأسفل
ضلت بمحاولاتها اليائسة أن تركد هيجانه المفاجئ
بوضع يدها المنتفضة عن ركودها الطبيعي على صدرها الثائر
لعلها ترجعه لرشده
لكن من يهدأ عقلها الذي تتلاقفه ذكريات الأمس القريب
فتزيد النار الخوف حطبا
فتنفر أنفاسها أكثر من قبل
وتهرب من رئتيها المتهالكة
رفعت رأسها نحو المرآة الصغيرة المعلقة على جدار الحمام الضيق
التي بالكاد تعكس حيز وجهها
لتر الرعب بعينها يفتك بوجهها
والذعر يشد زوايا عينيها
من فعلها الجسيم
الذي كما يبدو بأنها تسرعت في فعله
فجاء الهلع موقظا لسباتها
وهي ترى شريط الأحداث الأخيرة تتسابق لكي تنساب أمام ناظريها
لتكون السابقة
لذكرى التي أشعلت فتيل القنبلة التي دمرت معالم حياته السابقة
بدون أي تنبيه
يهيئها للقادم من المصاعب ...
بذهول ينعكس على عينيها, ولم يسلم منه نبرة صوتها:
- وش قلت؟!! أنت مينون, صح ؟

دفع بذرات الأكسجين إلى رئتيه, ومن ثم ما لبث إلا وأخرجها بزفرة مصحوبة بكلماته:
- أسمعيني شمسه, هذا الحل الأمثل, لي ولك ولمريم.

هزت رأسها باستهزاء, وهي تقول بنبرة السخرية:
- أيوه, قلت لي مصحلتك.

وبجزء من الثانية, تحولت علامات السخرية إلى صورة الغضب المطبوعة على قسمات وجهها:
- يا أبن الحلال, روح من قدامي الحين, قبل لا أجمع الناس عليك, ومن الأفضل أنك ما ترجع مرة ثانية لهني.

ومدت يدها لتغلق الباب وتنهي الحوار العقيم

لكنه بحركة سريعة, أوقف اندفاع الباب نحوه, وقال والتصميم يتربع على عرش عيناه, والدهشة تسكن ثنايا وجه شمسه:
- ليش تتصرفين بأنانيه ؟! بنتك لازم تتعارج بره, وأنا فرصتك حتى يصير هالشيء, فتركي عنك الأنانية وفكري ببنتك, مريم.

أشهرت عليه سبابها المتوعد, وقالت بحنق يلهب سياط حروفها:
- أنت ما تعرف شيء عني حتى تقول عني أنانية.

ليقاطعها بهدوء أعصاب:
- إلي أعرفه بأنك متضايقة وعاجزة عن تلقين حل, ووسيلة تسفرين بها بنتك, وهالوسيلة يتك بريولها ( أشار إلى نفسه, وهو يكمل حديثه ) لكن أنت تريدين ترفسينها.

ورمى عليها سهم التحدي من قوس عيناه

ليوجعها ذلك السهم لثواني, فيشل أطرافها

ومن ثم عادت تنبض بالحياة وهي تتبسم بسخرية, قبل أن تقول وقد حرصت بأن تشل حركة عيناه بحبال عينيها:
- وأنت يا هالفرصة الذهبية, وش بتستفيد؟ قولي .

نظر إلى الأرض وهو يدس الهواء في صدره لأجزاء من الثانية

قبل أن يرفع بصره, ويقول وقد لان محياه:
- ما أقدر أقول لك وش هي, لكن أنا أقدر أن أحلف لك بأنها ما بتضرك, ولا بتضر مريم .

ومن ثم أردف وقد اكتسا وجهه بعباءة الرجاء:
- شمسه أرجوك فكري بسرعة, ترى الوقت مو لصالح مريم.

لتصرخ بأعلى طبقة من صوتها الأنثوي وهي رافعة كلتا يديها بشكل متوازي تهزهما بهسترية, وقد عصرت عينيها المغمضتان, وحقنت وجهها بحمرة الضيق:
- بس .. بس, قاعد تتكلم كأنك تعرفها, وأنت ما تعرف عنها شيء.

عندما رأى وضعها هذا, كبل جبينه ثنايا الحزن المشفق, وقال بصوت هامس:
- شمسه, أسمعيني, هالزواج بيكون زواج على الورق بس, وبينتهي لما تصح مريم إن شاء الله, بدون مشاكل,وأحلف برب الكعبة بأنه لا أنت ولا مريم بيكم ضرر مني, والله, أنا بروح عنك الحين, بس أنتِ فكري ولو لثواني, وش بتخسرين في هالزواج؟!! ويوم تلقين الجواب, بتلقيني هناك ( وصوب سبابته نحو الكراسي المصطفة على خط واحد و المقابلة للمصعد مباشرة, وأكمل بنفس طبقة الصوت ) انتظر جوابك, ما بتزحزح حتى تييني بالجواب.

هدأ هيجان أنفاسها الغاضبة

ففتحت عيناها
لتجد ابتسامة حانية ترصع شفتيه
والسكينة تزين تعابير وجهه
لتتعلق بصورة وجهه البشوش للحظة
ومن ثم أشاحت بوجهها بسرعة الصاروخ
وعادت تمسك بالباب
لتدفعه معلنتا نهاية الحوار
ما أن صفعت الباب في وجهه حتى صفعتها صفحة الذكرى المريرة من جهة أخرى
لتنكمش تلك الرئتين لأدنى حجم لهما
فالهواء نافر عن ملامستهما
كأنهما نجس
خرجت عيناها من محجريهما وهي تقول والذهول يقبض على وحهها بيد من حديد:
- وش تقولين عمتي؟!!
لترد عليها بهدوء الوقار:
- إلي سمعتي, أنا أول ما طلعت من اللفت ( المصعد ) لاقيت حميد, وقال عن كل شيء, وأعتقد أنه هو الريال المناسب لك.
لتقول والذهول لم يهجر صفحة محياها:
- بس عمتي, لا أنا ولا أنت نعرفه, مالنا نعرفه إلا من كمن يوم.
لترد عليها والثقة تشع من عيناها:
- الريايل ينعرف معدنهم من أول وقفاتهم, وهو البارحة فزع لنا فزعت ريايل, منه هو ما يعرفنا, وأعتقد أنه واضح أنه معدنة أزين وولد ناس, على وقفته البارحة, واليوم لما كلمني, لو شفتيه, كان يتكلم بثقة واحترام, وتحسين من كلامه بأنه صادق في كل كلمه يقولها.

نظرت إلى ما وراء عمتها المقابلة لها مباشرة

لترى ذلك الدخيل الذي يقف على مسافة بضع خطوات منهن

الذي كما يبدو يجيد أساليب السحر والشعوذة

وأكبر دليل كيف جعل عمتها تقتنع بكلامه

وتقف في صفه

وكذلك مريم

تتكلم عنه بكثرة

صرت عينيها لعله يلمحهن ويعي مدى استياءها من فعله

ومن اقتحامه لمملكتها التي حرصت طوال الأعوام الست الماضية بأن تضل محصنة

وبمنى من الدخلاء

أمثاله

كما يبدو بأنه لم يرى تلك العينان المغتاظتان

حيث أنه بدا علي الترقب جليا

لتنتشلها عمتها من عوالم التخاطب البصري

الذي لم يفلح معه

بقولها:
- بعدين يا بنتي, أنت عارفة البير وغطاه, يعني مريم تعبانه ومو قادرين نسفرها لأنه مو موجود ريال يقوم بها في الغربه معك, لا عمك واعي من حوله, ولا أبوك المسكين قادر على السفر وتعبه عسب ها السكري والضغط إلي ذابحينه.

هنا تملكها الانفعال الشديد الذي شد أطرافها, وهي تفشي لعمتها بحشود الأسئلة التي تفتك بعقلها:
- هني مربط الفرس عمتي, هني, ليش يريدني. وش بيستفيد؟ أنا مو صغيرة, أنا عمري 36, وعندي أربع أولاد, وأرملة, وعندي مشاكل مالها أول من آخر, غير أنه أني مو غنية حتى يطمع فيه.

تهلل عيني أم سيف ببريق الفرح من وراء حجاب البرقع, وهي تقول بحماس وقد أمسكت بأول خيط يقودها إلى درب الإقناع:
- شفتي أنت قلتيها يا شمسة بالسانك, وش بيستفيد؟ ما في شيء يخليه يقبل بك كزوجة إلا سبب واحد ( ونصبت أصبعها السبابة أمام ناظر شمسة المتقدة بروح الحيرة ) وإلي هو أنه ريال يريد يساعد بس, ما يريد شيء ثاني.

أجتاحها شعور بقلة الحيلة, وهي ترى عمتها لا تريد أن تتزحزح عن قناعتها الشخصية بأن الدخيل هو المنقذ, أغرقت وجهها بين موجي كفيها, وهي تزفر بيأس, حين عاودت عمتها تحث الخطى نحو طريق القناعية التي شعرت أم سيف بأنها قد دنت منه, فقالت بحنان الأم الصافي, وهي تربت على ذراعي شمسة المتصلبتان من العجز المضرج بريح الغضب المنغرسين بداخلها:
- حبيتي, أنت ما تثقن بي, وبقراراتي؟ أنت هل تشكين ولو لثانية بأني برميك لمكان ما فيه مصلحتك وراحتك؟! أنا مستحيل أعمل هالشيء, لأنك أنت بنتي, بنتي.

وأخذت تهزها بعنف لتوقظ روح الابنة المدفونة بداخلها

بعد أن تولت عرش هذا الجسد روح الأمومة

فنست ذلك الجانب مع الأعوام الراحلة

ببطء سطعت عينيها من وراء حاجز كفيها

الهاربان ببطء عن وجهها

لتجد بريق الفرح قد سلبه بهوة الدمع المتراكم في عيني أم سيف

فيغرس خنجر الوجع في قلبها

فتهز رأسها بلا

وتقول بصوت هزه زلازل العبرات:
- أعرف أنك ما تريدين لي إلا كل خير.

فنكست جفنيها خجلا

لتعود البسمة تعانق شفتي أم سيف, ويتهلل به لسانها:
- عيل خلي هالأمر عليه, بروح أنا بنفسي بسأل عن حميد, وعلى أساس إلي نلاقيه عنه بنقرر, وش رايك؟

عززت قواها النافذة بتكدس الهواء في صدرها

الذي طرده من فوره

جارا معه كلماتها الباهتة الروح:
- إلي تشوفينه عمتي, إلي تشوفينه.

لتزيد أم سيف من حجم بسمتها

وتقول بنشوة الانتصار الذي بات يلوح بالأفق, وهي تجذبها إلى صدرها, المتنفس الصعداء:
- هذا الكلام الصح يا بنتي, هذا الكلام الصح, أنا حاسة بأنه حميد ريال الزين, وما بنلقى عنه إلا كل خير إن شاء الله, وبإذن الله بتم هالعرس, وبتنحل كل مشاكلك, وبتعشي حياتك مثل كل هالحريم.

لا تعلم لما عبرت ابتسامه ساخرة على شفتيها

وهي تسمع كلام عمتها الطائرة من الفرح

ومن ثم حررتها من حضنها

وقالت بحماس :
- يلا شمسه خلينا ندخل الغرفة, تلقين العيال حايسين ( قالبين ) الدنيا هناك.

وأخذت تومئ رأسها جهة باب الغرفة المغلق

لترد عليها بهز رأسها بمعنى نعم

وابتسامة منكمشة تعلو شفاهها

لتتقدم عليها أم سيف بالمسير وتدخل

أما هي فأخذت تمشي بتثاقل

فمشاعر كثيرة هجمت عليها مرة واحدة في فترة وجيزة

لم تهيؤ نفسها لهن

وصلت للباب أخيرا بعد زحف طويل

ولم تقدر أن تمنع نفسها من رفع رأسها جهته

لتقع عيناها على تلك العينان المتسعتان

واللهفة تلتهم وجهه

لتسرح بدون وعي في عالم آخر

لم يرق لنفسها الصارمة

التي قيدتها بقوانين منذ أعوام ست
بعد رحيل زوجها وأبو أولادها والأهم حبيبها

فهربت من ذلك العالم بفرار عينيها من مرآه

واندفاعها لداخل الغرفة

ليتلقفها ولديها التوأم بشغف ولهفة

وينسيانها ولو لدقائق معدودة

بئر الحيرة الذي قذفت به مجبرة


حاولت بأن تلتهم الهواء الهارب منها

وهي تفتح سحاب ياقة عباءتها المقيد لعنقها

وتحرر رأسها من غطاءه

لعل الأكسجين يتكرم عليها

فيعيد دورته في عروقها

فيغذي روحها التي تشعر بقبضتها بجسدها ترتخي بينبوع الحياة

لكن لا جدوى من محاولاتها
ما دمت قذائف الأمس

تتساقط على خلدها

فتفجر الذعر في خلاياها

كهذه الذكرى

مشت إليه بتقعص

بخنوعٍ خائف

يُرعش ساقيها

التين تشعر بإنشداد عضلاتهما

فهي تعلم يقينا بأن ما هي مقبلة عليه ضرب من الجنون

لكن ماذا تفعل ؟

أمام إصرار عمتها

التي في اليوم التالي جاءتها محملة بالأخبار

التي بانت على وجهها منفجرُ الأسارير بأنها أخبار تسر خاطرها

فدفعتها للخطوة التي لأول مرة يتفق كلُ من عقلها وقلبها على عدم المضي فيها

لكن ما الحل؟َ

ما البديل؟

وما الخيارات المتاحة لها؟

وهي ترى ابنتها مريم تذبل؟

وهي لا تقوى على فعل شيء

وكذلك

حماس عمتها

ودفعها لها بكل جوارها لاتخاذ هذه الخطوة

خاصة بأن ما سمعته عنه

كان كل خير

والجميع يثني عليه ويمتدحه

بدا لها من كلام عمتها بأنه كملاك يعيش على الأرض

أمعقول أن هناك شخص بهذه الصفات يوجد في هذا العصر الملوث بمساوئ الأخلاق؟

سألت نفسها

لتجد الجواب لأول مرة

يقف ليتصدى لسؤالها

بقوله لااااااا بأعلى صوته

في رحاب عقلها الذي لم يعد يقوى على التفكير أكثر

فقد استنفذ قواه

وهو يدوخ في دوامة الحيرة

التي لازمتها في الآونة الأخيرة

وكله بسبب هذا الشخص المسمى حميد

والذي يبعد عنها بضع خطوات

تيبست مكانها للحظة

فالتردد وصل حدة الأقصى في داخلها

ألتفتت لخلفها

وصرخت الصوت الواحد المدوية من قلبها وعقلها

تهز أركانها

فتبعث التراجع في جسدها المقود بكلمات عمتها والخوف على ضناها

لكن في جزء من الثانية

غرست تلك الصورة الأليمة

لجسد مريم الساكن سكون الموت

في عقلها المتخم بالأوجاع

فيدمي قلبها

ويسكت صرخات الاحتجاج

الصادرة من عقلها وقلبها

الذي تسارع نبضه

غرست أظافرها حيث قلبها المرتاع

يحبر صدرها على القفز والهبوط بتسارع

وأسدلت ستار جفونها

وأخذت تأخذ نفسا عميقا وتزفره بعمق أكبر

فتبعث الخدر على مشاعرها الفاتكة بها

من قمة رأسها حتى أخمص قدميها

فهذا هو الحل الأمثل لكي تنهي هذا الجحيم الذي تتقلب على جمرة

عندما شعرت بأن مشاعرها المتضاربة قد خمدت جزئيا

وضعت قناع الهدوء والسكينة

وعادت تدور نحوه

حيث كان جالسا كما قال لها بالأمس

وهذا الذي أثار علامة استفهام كبيرة في فكرها

لكن على فورها نفضت ذلك التسؤل الذي بدأ ينخر في عقلها كسوس

فهي تريد أن تريح بالها تماما

حتى تستطيع أن تفضا كليا له

لتستنبط حقيقة هذا الغريب الذي عصف دخوله بحواجزها التي كانت شامخة لسنوات

فهدها بأيام قلائل

باتت واقفة على مقربة منه

لكن هو لم يلحظها

فقد كانت شارد الذهني

حاني الظهر للأمام

ساند ذقنه الملتحي
على كفيه المتشابكان
المستندان بكوعهما على فخديه
لم تعلم كيف تبدأ الحديث
أو كيف تثير انتباه لوجودها
فما كان منها إلا أول حل مر بخلدها
فاتحن حنت
لينتفض جسده الجامد
ويفز قائما
وهو يرى صورتها تنعكس على شبكته البصرية
ويقول
وقد تملكه الخجل
فأجبره على تنكيس رأسه قبل بصره:
- السلام عليكم شمسة, كيف حالك اليوم؟
دفعت تلك الكلمات المتحشرجة في قصابتها الصوتية, فقالت:
- وعليكم السلام, أشوفك هني, أنت عايش في المستشفى؟!
أشتدد خجله من كلماتها
فزاد من أنحناء رأسه
وأخذ يفش حياءه بأنامله المندسة بين جذور شعرة الأسود الخفيف
المتعري من غطاءه الكاسي له على الدوام
والذي كان يفترش الكرسي المجاور للكرسي الجالس له
وقال بصوت دنت نبرته:
- تقدرين تقولين كذيه.
وابتسم باقتضاب
رفع عيناه جزئيا
مترقبا جوابها ألطواق لسماعة
لكن انتظاره طال
فهي توقف عن الحديث المباح
فقد اهتزت الصورة القوية التي سعت لأجل أن تتسلح بها
فجاهدت لثباتها
وهي تغذيها ببقايا قواها
عندما وجد أن وقت الانتظار طال عن حده
رفع رأسه
وعض على كلى شفتيه
ماصا بهما توتره
من القادم
ومما هو مقبل على قوله
ومن ثم قال بصوت مهزوز :
- وش قررتِ شمسه؟!
ازدردت ريقها الذي بدا لها كالسكاكين الجارحة لحنجرتها
التي أخرجت كلماتها الدامية:
- في الأول ( أحست بأن صوتها يخونها, فأهطلت عليه ما قويت عليه من قوة, لعله بتراجع عن فعله المشين لها) في الأول لازم استفسر منك عن أشياء.
أحس ببصيص أمل ينعش روحه الخائفة, فقال وابتسامة نظرة تبرق من شفاهه:
- استفسري مثل ما تريدين.
وأومأ برأسه لها بالجلوس على الكراسي المرصوصة قرب بعضها البعض , وهو يحثها بكلماته:
- تفضلي قعدي

تلفتت من حولها

وأحست بأعين المارة تلهب وجهها بالخجل

فهزت رأسها برفض

وقالت:
- أنا مرتاح كذيه.

ليقول والبسمة لم تتزحزح عن عرشها:
- على راحتك, عن أيش تريدين تستفسرين؟

لتدج الكلام مرة واحدة, فالتأخير يعني هوانها وانتصار قوى التردد عليها:
- عن البنت إلي طلقتها قبل عرسكم بأسبوع, أيش السبب؟

عادت روح الوجيعة تتلبسه

على ذكرى الحبيب

والجرم الذي أقترفه بحقها

فأضناه الألم

وقال وهو يتنهد بحرقة تلهب حروفه النابس بها:
- أعتقد أني قلت السبب لخالتي أم سيف البارحة.

لترد بجرأة غير مسبوقة منها:
- بس أنا أريد أسمعه منك.

رفع رأسه وهو يمسح وجهه

محاولا تمالك أعصابه الذابلة بجفاف حرقة النفس اللائمة لفعله الشنيع بمن سكن قلبه وتربع على عرشه

ومن ثم قال بصوت بهت لون نبرته:
- البنت ما كان يعيبها شيء, بس ما صار نصيب.

أشهرت ضوء عينيها المستجوبتان له, وقالت ودم الجرأة يسري في عروقها:
- من كلامك أفهم بأنك أنت السبب, صحيح إلي قلته؟!!
أحس بأنه على صفيح ساخن
يلهب فوأده
الملتاع
فهو منذ أن أطلق رصاصة الرحمة على ريم
لم يجرأ حتى على فتح ذلك اليوم المشئوم
لهذا أراد أن ينهي سكيب أسألتها
الضاربة للحصون التي بناها
لكي يحمي نفسه من ذكرى ريم
فقال بصبر نافذ
حد من نبرة صوته, فهرب بسببه الخجل مذعورا, وهو يمسح كفيه ببعضهما لعله يخفف من وقع انفجاره عليها :
- أيوه ... ( قلها وكأن روحة تنزع من جسده, فيتضخم هديل قلبه الجريح, فيضع كفيه الملتصقان الذين سرت بهما ارتعاشة, انتشرت في سائر كيانه الشاعر بالوجيعة لفتح الأبواب المغلقة, لتنتشر الأسرار المكتومة في الصدور ) بس أهي ... ( أخذ ينشق ما تيسر لرئتيه من أكسجين نضب بهما, وقال زافرا الكلمات السامة المضاهية للما صحبها من غاز قاتل ) بس أهي مالها ذنب, أهي ( شعر بقبضة البكاء الباردة, تجمد حرارة كلماته, فتحنحن لعله ينفض تلك القبضة بعيدا عن حنجرته , وأكمل بكلمات متسارعة الخطى, لإنهاء عذابه السقيم )
- ما سوت شيء, وأنا ... وأنا ..
شعر بسخونة تتفشى في عيناه
فحاول أن يحمي رجولته
بعدم ذرف الدمع
الذي ناضل من أجل ألا يرى الحياة
منذ قضى على الحبيبة
تجلى لها الصراع الذي هو غارق فيه
لكن لا بد من جواب
جواب يسد ريقها
ويشبع قلبها بغذاء السكينة
لهذا حثته على الحديث, بقولها:
- أنت شنو؟!!

بسؤالها هذا

تتجاوز الخطوط الحمراء

التي حتى أعز الناس إلى قلبه

نهرهم عن تخطيه
ا
ودفعهم عنه بعيدا

وتخلى عنهم

وجعلهم يكرهونه

فمستحيل

أن يسمح لهذه الغريبة

بأن تحصل على شرف تجاوزها

مستحيل

فخرج السبع الثائر الذي تغذى منذ أكثر من أسبوع طعم الوجع والمهانة والانكسار

وهو قابع وراء قضبان الصمت

لكن لا صمت بعد الآن

فغضبه

أضخم من أي قوى

في العالم أجمع

فكسر حاجز الصمت

وكشر عن أنيابه الحادة

على أول فريسة رأها أمامه

وهذه الفريسة كانت شمسة, التي زمجر بها, فهز أوصالها بكلماته :
- شمسة, أعتقد أني ما سألتك, عن ماضيك, ولا بسألك, لأني أنا أفكر بشيء وحاد, وهو ذيك المسكينة إلي بين الحياة والموت( ليشهر حد أصبعه السبابة أمامها, مشيرا إلى غرفة مريم التي لا تبعد سوى بضع أمتار عنهما ) وإلي كما يبدو بأنك أنتِ مو مهتمة بمصيرها, وعاجبنك الحالة إلي هي فيها..

لتشخص عيناها بوقع صاعقة كلماته التي كالفأس الشاطر لقلبها لقسمين

ويكمل كلامه غير آبه باللآلئ المنبثقة من محجري عيناها

والذهول الماص لوجنتيها:

- ما دام كذيه , فالأحسن أروح, وأريح راسي, إذا كان أهلها إلي من لحمها ودمها مو مهتمين ليش أنا أهتم, وأضيع حياتي أفكر بها, يلا مع السلامة, وإنسي يوم أنك عرفتيني, أو أني طلبت أيدك, عشان بس أنقذ مريم, والله شاهد على كلامي.
وأعطاها ظهره
ومشى راحلا عنها صوب المصعد
وهو لا يعلم كيف سيطرت عليه تلك القوة المتجردة من العاطفة
وهي من هول كلاماته التي كانت بمثابة شاحنة تلتطم بها
فتهشما
وتجعلها أشلاء متناثرة
ضائعة
في دوامة الألم
الشالة لجسدها بأكمله
نفخت روح الحياة في أصابعها يديها التي لم تسلم من انتفاضة سقيع الصدمة
فصدمة كانت أكبر من الوجع
بل هي تتجاوز الوجع بأميال وأميال
رفعت يديها المستسلمة تماما لارتجاف
ووضعتها على فمها المرتعش هو الآخر
بريح البكاء
الزاخة بأمطار الدمع
المنسكب بغزارة من مقلتيها
أجتاح سمعها صوت المصعد
ففزت كل خلية في جسدها المنهار تمام
لتصرخ
فتجبر لسانها الراكد
على التحرك لنسج ما عجز العقل على إرساله:
- توقف...
خللت أناملها بين خصلات شعرها المشدودة إلى جهة الخلف حيث يستضيفها مشبك الشعر في جوفه
فتكشف عن عروق جبينها البارز
كأنه يبحث عن الأكسجين الذي شح في ممراته
بسبب أزمة الجزع الكاتمة لأنفاسها
لتتلق وهي في أوج جوعها لأكسجين يعيد الحياة لجسدها الشاحب بشحوب الموتى
القذيفة الناسفة من مدفع ذكرياتها لما تبقى لها من أمل في عودة الهواء إلى مجراه الطبيعي في عروقها الجرداء
كانت منبطحة على بطنها على سريرها, ساكبة دمعها على يدها المثنية أمام عينيها
جلست على طرف السرير
ومسحت على شعرها الطويل المصبوغ بظلمة الليل الصافي المنسدل على ظهرها
وهي تقول بصوت ينبع من قلب الأم الشاعر بحزنها:
- حبيبتي فطوم, ما بيصير شيء, هو بس زواج على ورق, بنسافر وبنعالج مريم , وبعدين بطلقني, ما في أحد بي
آخذ مكان أبوك في حياتي, وأنت أكثر وحده عارفة هالشيء.
قامت من لتنصب جسدها قاعدة, ولم تدر وجسدها صوب أمها, وهي تمسح دمعها من وجنتيها, قائلة بشهيق البكاء القاص لأطراف كلماتها الناطقة بها:
- إلي أعرفه الزين بأنك عندك ألف حر وحل, غير ها الحل لسفرة.

مدت الدهشة عيناها,وهي تهجم على ابنتها بيديها, وتجبرها على الالتفات لتواجهها:
- فاطمة , أنتِ تتكلمين كأنك ما تعرفين الظروف؟!!! أنت الكبيرة الواعية, تقولين ها الكلام؟!!!!

دفعت بوجهها نحو يمناها, وهي تدفع بصواريخ كلماتها نحو قلب أمها مباشرة:
- لأني الكبيرة, فأنا أعرف أنه عندك خالي محمد, تقدرين تسافرين معاه.

لتعلو نبرة صوتها من وقع الدهشة المتعمقة بداخلها:
- فطوم , أنتِ تدرين بأن يدك ما يرضى بأني أسافر من خالك.

لفت وجهها بسرعة البرق لأمها, ورمتها برمح عينيها الناطقة بلغة الاتهام, وهي تزار قائلة:
- هذا مو سبب مقنع يمنعك من عن تسافر مع خالي, أعترف بس, وقول الحقيقة, بأنك تبين تتزوجين منه, وقاعدة تتحججين بمريم.

أنقطع نفسها للحظة

وهي تحدق ببكرها بذهول سلبها حواسها

أرادت أن تقول شيئا

لكن لم تقوى على ذلك

فالكلمات تبعثرت في عقلها

فما جهر به صوتها سوى اسم ابنتها المشبع بعصارة الذهول:
فاطمة...-

عادت تنظر إلي ميمنتها

قبل أن

تقضي على أمها

بضربة القاضية

وهي تعيد أبصارها المتجبرة

على أمها المنتهية سلفا:
- أمي من الآخر, عندك خيارين, يا أمي تخلين عن ها الزواج, أو تتخلين عني وأتزوج بأحمد.

وشمخت بثبات وأجبرت الدموع المتكدسة في جفنيها على العودة أدراجها
فغر فاه شمسة

وهي تتلقى تلك الضربة الموجعة

حيث نقطة ضعفها

وتعيدها إلى القاع من جديد

بعد أنا كادت تصل إلى قمة الراحة

وسكينة النفس

بدأت شمسه تحرك يديها بعشواءية

فأفكارها مشتتة

من قذائف الصدمة التي تنهال عليها من ابنتها

وهي تقول والصدمة تبرز عظام خديها:
- أنتِ صاحية للي تقولينه يا فاطمة؟!!

لتهز رأسها بثقة لا تهز ريح التردد بالإيجاب

سندت رأسها الذي ثقل وزنه من أرطال الصدمة المتراكمة عليه بيديها

ورفعت مقلتيها صوب فاطمة

التي لم تشفق عليها

وقالت بنبرة عدم التصديق:
- ما تخيلتك لهدرجة أنانية يا فاطمة.

لترد عليها بكل وقاحة وقد تطاير الشرر من عينيها:
- أنا الأنانية وألا أنتِ؟ إلي قاعدة تستغلين بنتك المريضة عشان مصالحك الشخصية.

ليعمي بصيرتها اللا عقل

فتجد يدها تخلف أثرها على خد فاطمة الأيسر..

مدت يدها المتراقصة على أوتار الحزن

أمام عينيها

المفتوحتان إلى أقصى حدود لهما
فتتقلص المسافات بين النفس والأخر

يتسارع نبض قلبها كأنها ركضت مآت الكيلومترات

على تلك الصفحة السوداء في حياتها

التي لم تمر عليها قد من قبل

ولو حتى تفكر بها

ليأتي صوت علا على صوت أنفاسها الكارهة لجسدها الخانق لها بقبضة الروع
وهو صوت قرع الباب القابع على يسارها
ففوجه وجهها ببطء نحوه
لم تسعفها أحبالها الصوتية على عزف نبرة السؤال
فكتفت بنظر المتسائل بدون النطق
لتتوقف اليد عن القرع بعد طول انتظار عن مجيب
فيخترق حاجز الصوت صوت رجولي متسائل:
- شمسة, أنتِ بخير؟ تأخرتِ علينا, مريم بدأت تسأل عنك.
أرادت أن تصرخ بأعلى صوتها ( ألحقنـــــــــــــــــــــي ) لكن أحبال صوتها المتيبسة لم تفتح المجال لكلماتها للمضي لمسمعه
استعانت بيديها
التين طوقتا عنقها
كنها تريد بفعلها هذا أن تدفع بالكلمات للبلوغ بساط لسانها
لكن بلا جدوى
رجع صوته الرجولي, يحرك طبلتي أذنيها, لكن عابه نبرة الخوف:
- شمسة, تراني بدأت أخاف, ردي عليه, أرجوكِ.
استسلمت لدمع الذي نطق بما عجز صوتها عن قوله
وتنظر صوب المرآة المقابلة لها مباشرة واليأس يحتل تعابير وجهها
ليعمي بصرها صورته المضيئة
والخيبة الأمل تقطر من وجهه الحزين
لتتراجع خطوتين وانتفاضة الرعب تدب في أوصالها
فتصطدم
بجدار الحمام الذي كالقمقم
فتحرر تلك الصدمة كلماتها المحبوسة
فتندفع صرخة هزت أرجاء المكان كما هزت وجدانها:
سيفففففف... لااااااااااااا ... لاااااااااااااااااااا... أنا آآآآآآآآآآآآآآسفة...آآآآآآآآآسفة.






+++ يتبع +++
















































 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
قديم 21-05-11, 09:20 AM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو في ذمة الله

البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 223596
المشاركات: 271
الجنس أنثى
معدل التقييم: وجع الكلمات عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
وجع الكلمات غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : وجع الكلمات المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي

 

قبل أن أنزل الجزء.. حابه أقول شيئين..

أولا: أعتذر وبشدة على تأخري.. لأسباب قاهرة منعتني..

وثانيا: حابة أشكر صديقة لي .. لولا الله .. ثم هي لما رأى هذا القيد النور.. فشكرا لك صديقة دربي من القلب

هذا هو القيد .. أرجو بأن يعجبك..


* ( القيد التاسع ) *



لا اصدق إني فعلتها ,ولا اعرف هل فعلت الصواب أم العكس؟!!


يا ترى هل سوف اندم؟!!


ما مصري معه في الغربة ؟

وابنتي فاطمة هل تسامحني على خذلاني لها؟؟
سؤال بعد سؤال ينسف بعقلها الصارخ بالآهات
فالحمل ثقيل على كاهله
مسحت دموعها المرافقة لها
مرة أخرى وهي متيقنة عودتهن إلى جفنيها المحمرين
كيف يهجرنها وخناجر الذكريات تغرس في خلدها في كل ثانية
فأبها لم يكن راضي على زواجها بحميد بسب صغر سنه ولأنه ترك خطيبته فجأة دون مبرر
وأيضا من في هذا الزمن الأغبر يعمل خيرا بدون مقابل ؟!
تذكر ساعة تحديد المصير كأنها حدثت منذ بضع دقائق ..
أبي أنا آسفة لأني تركتُ لك أبنائي تتحمل دور الأب لهم في نفس الوقت


سامحني أرجوك على الذي حصل..

قال أبومحمد ووجهه احتقن بالدم:
- شمسة وش تقولي ؟ بتعرسين بحميد هذا الياهل وأنتي اكبر منه وعندج عيال وهو ما عرس وش تبين ناس تقول ولا بتسافرين سيده بدون عرس بعد أنا مب موافق ع هالعرس.


قالت شمسه والدمع يتربص بعيناها :
- أبوي الله يخليك وافق مب ع عشاني عشان مريم بنتي تريدها تموت وهي صغيرة أنا ما وافقت ع حميد جي من دون سبب ألا عشان مريم بنتي ما أريدها تموت الله يخليك وافق أبوي وحميد هو يريد يأخذني مشان مريم مب عشاني يريدها يساعدني يعرف ما أحد يقدر يسافر عندي غيره .
أخذ يحدق بها, وإلى تلك ألآلئ الغالية على قلبه تنسكب من مقلتيها, وبعد طول تفكير, هز رأسه بأسى وهو ينفث كلمة آآآآآآآآآآه, قبل أن يركد صوته الحاد:
- خلاص أنتي روووحي يا بنتي بس أنا مب موافق عليه عشان مريم عرسي به بس عقب ما تردون يطلقج ما أريد مشاكل مع أهله أعرف ما يريدون يأخذوج وأنتي أرملة وعندج عيال وأكبر منه وهو أمكن يرجع لحرمته عقب السفر شو ذنبها.
ليكشف وجهه عن ملامح عدم الرضا



قالت شمسة وقد برق وجهها المغتم ببصيص الفرحة:
- خلاص ماب مشكلة الأهم بنتي وخلاف يسوي اللي يريده يردها ولا ما يريدها
مالي خص فيه وأصلن هو مطلقها قبل لا يعرض علي العرس عنده سببه الخاص مب أنا السبب ولا مريم وأنا مستحيل أهدم بيت حرمة وأخذ ريلها .



___



لأعرف لماذا شمسه تأخرت في الحمام, هل تبكي على مريم؟!! أم تبكي على أطفالها؟!! هل تشعر بخجل مني كزوج لها وأنا أصغر منها؟!! أم تشتاق لزوجها الراحل
سيف؟ أعرف كم كانت تحبه واضح من رفضها لي كزوج , لكن أنا لا أريد منها إلا الاحترام فقط, وأريد أن تعيش مريم , لا أريد الحياة هذه, أريدها لهذه الطفلة الصغيرة البريئة, أمي كرهتني وتبرأت مني عندما علمت بزواجي من شمسة الأرملة, الأم لأربع أطفال, و التي تكبرني في السن.
سرح بخياله وهو في معمعة أفكاره ليوم طردته أمه من المنزل وهي تبكي بحرقة, لكن بتأكيد لن تتغلب على الحرقة المعششة في صدره.
آه يا أمي كم أشتاق لحضنك الدافئ وحنانك سامحيني
رفع بصره لأعلى .. وهو خاشع يناجي ربه ..

يارب تسامحني لا أعلم هل سوف أعيش لأرها مرة أخرى.
ليمسح دمعة سقطت من دون علمه بها, وهو يبتسم لمريم النائمة بالقرب منه, والتي لا تعلم عن مصيرها القادم شيئا.
في حين أنه تلقفته تلك الذكرى الموجعة.. ذكرى الوداع...

قالت أم حميد ومحياه مكبل بسلاسل عدم التصديق:
- لا مستحيل ولدي حميد العاقل الكبير يعرس من دون علمي ولا بوحدة كبير وأرملة وعندها عيال وأكبر أولادها بنتها عمرها 15.

ليقول بصوت خافت, وقد طأطأ رأسه كأنه قد ارتكب جرما:
- أنا خلاص اخترت شمسة لي زوجة وعيالها بيكون مثل عيالي وبكون لهم الأب, الله يخليج وافقي عليها ولا تحرميني من الأجر.

أم حميد وقد جهر صوتها النافض لكيان حميد:
- أنت مب ولدي ليش تطلق بنت الناس اللي الكل يردها ويتمنى يناسب عايلتها وأنت تطلقها عشان وحدة عيوز قوم طلق ها العيوز ورد بنت عمك وإلا لا أنت ولدي ولا أنا أمك

ليقول حميد وقد تغضنت جبهة بالحزن:
- سامحيني يا أمي ما أقدر أتراجع, أنا خلاص قررت وخلاص ريم مب لي الله بيب لها نصيب أحسن مني, وأنا شمسة مستحيل أتركها هي وعيالها, وبشل بنتها مريم الصغيرة برا تتعالج وخلاص باجر السفر وأتمنى تسامحيني.

لتقوم كموج هائج من مقعدها, وتصفعه بنبرة صوتها الصارخة, وقد مدت سبابها جهة الباب الرئيسي:
- قوم أطلع من بيتي ولا ترد ما أريد أشوفك في بيتي وأنسى أني أمك.
فيشعر حميد بجمرات تحرق جفنيه, ويقول بصوت يشوبه رجفة الألم:
- الله يسامحني يا أمي, أمكن الله ما يكتب لنا نجتمع مرة ثاني, مع سلامة يالغالية.

قام حميد ليطبع قبلة بشفتيه المنكمشتان من أثر سيول الدمع المنسكبة في قلبه على رأس أمه, وخرج من البيت وهو يرى أخواته الثلاث يذرفن الدمع عليه فودعهن من بعيد, فطاقة تحمله وصلت للحظيظ, ورحل على عجل إلى مصير لا يعلمه إلا خالقه عز وجل.
أما أمه التي تسلحت بقناع القوة, انهارت حصونها المنيعة, ورضخت للغة الدمع.

___



دخل منزل والديه كثور هائج

ونفث غضبه في كلماته الحادة (محمد):
- ليش يا بووي تعرس شمسة من حميد ومن دون شوري ولا كأني ولدكم ولا أخوها ؟

ليرد بومحمد وقد تغضن وجهه بالضيق:
- لا تعال أضربني, بعد هذا الناقص,( وهو يمد خده الأيسر نحو ابنه الواقف أمامه مباشرة, ومن ثم أردف قائلا) أسمع شمسة مالك خص بها أنا عرستها لريال صالح, وبعدين لا أنت ومشاكلك بتقدر تسفرها هي وبنتها البنت بتموت وبنتي بلا سند لها , الله يعنها ويشفي بنتها وأنت لا تتدخل .

قال محمد وقد تخدر وجهه بالخجل:
- الله يسامحك تعرف أنا لو أقدر سفرتها بس الظروف منعتني.
ومن ثم أضاف, وقد ارتدى جلد الذئب:
أنزين كم مهرها؟

قال بومحمد وقد ثنى حاجبيه للأعلى:
- ووش خصك بمهرها؟!لايكون تريد تأخذه مثل ما لهفت مهرها زمان وأنا ساكت لأنها المسكينة حلفت علي ما أسوي بك شي.
وليكمل وقد هز أصبعه السبابة متوعدا:
- والله إن سمعت إنك قربت صوبها مرة ثانية لحرمك من ورثي.

ومن فوره أخذ ينفض عنه دائرة الاتهام:
- خلاص ما بقرب منها بس أن أخوها الوحيد ويحق لي من مهرها بس ماعليه تستاهل أم حمدان ( ليخط ابتسامة ماكرة على شفاههه, وينفذ بجلده قائلا ) الله يوفقها, يلا أنا رايح ورايه مشاغل, مع السلامة.
قال بومحمد بنبرة توعد وقد ضيق من حجم عيناه:
- مع سلامة, ولا تقرب من أختك شمسة سامعني.

ليجيبه محمد من فوره:
- انزين خلاص, مع السلامة.
وهب في المسير

لقول أم محمد بنبرة تقطر أسى:
- لا حول ولا قوة إلا, بالله شو هالولد ما بيتغير, عنبووه خته مسكينة وهي وعيالها وهمه الفلوس وش هالولد يا بومحمد ؟!

ليفجر بومحمد غضبه من أبنه على زوحته:
- سكتي هذي تربيتج , كم مرة قلت لج لا تدلعينه بيخترب وشوف النتيجة.

لترد عليه, وقد قوس حاجبيها إلى أعلى بحركة تنم عن التعجب:
- ولدي وحيدي تريدني ما أدلعه, كيف؟
ومن ثم ما لبثت أن تبدلت تعابير وجهها لضيق, وهي تصر جفنيها:
- خلاص هالسالفة دوم تعيدها علي,

المهم العووق من حرمته هالعقرب ذي حصووه, الله لا يسامحها , شي مسوي له ساحرتنه همها الفلوس وبس, حتى العيال حليله ولدي ما يابت له ولا شي .

قال أبومحمد ولقد لا زال الغضب يتربع على قسمات وجهه الذي نحتت السنين تضاريسها عليه:
- أتركي عنك هالسالفة, و روحي شوفي عيال بنتج قاموا للمدرسة وألا لا, وفطووم خليها تسطلب أمها ما راحت شهر عسل المسكينة, راحت تعالج بنتها , وقولي لها ما بعرسها ولد صالح لو انطبقت السماء على الأرض.

هزت رأسها بأسى يقطر من محياها, لتقول بعد ذلك أم محمد :
- بشوفهم,و الله يعين بس عليها ها البنت.





__


ليوشوش شيطانها الذي بات رفيقها الدائم لنفسها اللائمة لأمها:
( والله أني بانتقام من أمي, خلاص بتصل لي صالح وبقوله أني موافقة ع ولده,

وبقول لي يدي أني بجتل عمري لو ما عرسني ولد صالح أحمد, خلاص وبتشوفين يا أمي, أني بنتقم لبووية منك بأي طريقة.
لتشرع من فورها لتنفيذ سموم شيطانها المتفشية في عقله, وتضغط بسرعة البرق على أزرار الهاتف, ليجيئها بعد بضع رنات صوته ثقيلو الطينة:
- ألو.
لترد بعد أن ازدردت ريقها:
- مرحبا عمي أنا فاطمة بنت سيف اتصلت أخبرك أني موافقة ع أحمد وأن كنت تريدني لي ولدك تعال باجر العصر بيت يدي, وعندك شهود والمطوع وخلاص يدي هو ولي أمري, وهو موافق ومب لازم أمي تكون موجدة هي مسافرة الحين.

صالح تهللت أساريره بالفرح:
- والله فرحتني يابنتي, خلاص باجر العصر بنكون في بيتكم إن شاء الله, صح جهزي عمرج بنشيلج عقب الملجة, ما نريد عرس وخساير يوم ترد أمج بنسوي لج عزيمة كبيرة تكفيك.

لتقول والضيق ينهش بجسدها من بخله, لكنها لم تبينه في صوتها:
- خلاص باجر الموعد,مع السلامة.
لتبتلع الهواء دفعة واحدة بعد أن أغلقت الخط .
____

كان يمشي في المطار المكتظ بشتا الجنسيات والأعراق والأعمار
كان بمثابة خلية نحل لا تركد أبدا..
بينما كان ينظر لمن حوله..
جاءه عبر الأثير صوت صاحبه..
حميد : الو خالد تسمعني نحن وصلن أمريكا ونحن بخير.

خالد: الحمدلله ع سلامة, وأخبار مريم ؟!

ليبتسم وقد وقعت عيناه على مريم المنبهرة من المكان, ويقول:
- مريم بخير وبنوصلها الدختر ع طول .

ليصل إليه صوت صاحبه وقد تغيرت موجته إلى الحزن :
- وأنتي يا حميد لازم تتعالج.

لتذوب تلك الابتسامة الندية, أمام لهيب الضيق:
- الله يخليك أسكت .

ليعلو صوت خالد الهائج:
- حميد أنت اتفقت معي ع العلاج, وألا نسيت شو قلت؟

لنأتيه عبر أسلاك الهاتف نبرة حميد الساخرة :
- وأنت من صدقك صدقت ها الكلام.

لتبتلع الذهول قسماته, وهو يقول :
- عيل شوو؟!! لا يكون تسكتني, أنا ما وافقت إنك تأخذ شمسة وتسافر معها وتعالج بنتها من دون ما تعالج عمرك بعد.
ليتحول في جزء من الثانية وجهه إلى لون أحمر قاني:
- والله يا حميد لو ما تعالجت, والله لأخبر شمسة على مرضك, وترني حالفت.

ليرد عليه حميد بهدوء رهيب:
- خلاص بفكر, بشوف أول مريم أن شاء الله تتعالج وتصح وعقب أنا, الأهم هي الحين .

وبصوت مضرج بالوجع قال خالد:
- أنا ما قلت لشمسة عليك, لأنك وعدتني بها الشيء, أرجوك حميد لا تخلف بوعدك.

ليقول له حميد على عجالة, كأنه يريد أن ينهي هذا الحديث الذي أثقل صدره:
- خلاص يا دكتور بأتعالج وعد, بس لا تقول لشمسة شيء عني,
مع سلامة الحين بنطلع من المطار .

وبخنوع أجبر عليه قال خالد :
مع السلامة, وسلم ع شسمة ومريم .


حميد: يبلغ إشاء الله, مع السلامة.
ليردف قائلا, والرجاء لوجهه عنوان:
- بس أرجوك دكتور لا تنسى تطمني على أهلي.
خالد:
لا تحاتي, بزورهم , وبطمنك عليهم.
ليقول وابتسامة صفراء تقيد شفاهه:
- مشكور خالد ما أعرف كيف أجازيك, يلا مع السلامة.

____



في واشنطن العصر
المدينة التي لا تنام
وخيط الأمل الأخير
بأن تنجو مريم من براثم هذا المرض الخبيث..

لقد تم تنويم مريم في المستشفى فور وصولها له, ولم يسمحوا لشمسة بأن ترافقها لهذه الليلة, متحججين بالقوانين.
والتي لم ترق لشمسة أبدا
فكيف تسمح لابنتها الصغير بأن تنام بدون أن تكون في كنفها
وفي أرض الغربة
صعب
بتأكيد كان الأمر صعبا على قلبها المحب
والذي طوال الطريق الذي سلكوه نحو الفندق الذي حجزته لهم السفارة ريثما يتم توفير سكن دائم لهم , كان مقبوضا, خوفا على صغيرتها التي أصبحت تحت يدين الأغراب.
لاحظ خوفها
وانكماشها
فأراد بأن يهدأ من روعها
فنظر إلى يمينه حيث تجلس هي في سيارة الأجرة, وقال وقد زين شفاهه بابتسامة طمأنينة:
- لا تخافين, مريم بتكون بخير, وحن من النجمة بروح للمستشفى, فلا تخافي, وبعدين أهم ما يقدرون يعملوا لها شيء, هذه مسؤولية, وأنت تعرفين الأجانب, ما يقدرون يخربون سمعت مستشفاهم, ويعملوا حركة غبية يندموا عليها.
لم تكرمه بصوتها
فقد أكتفت بهز رأسها المنكس بمعنى نعم
زاد تقوقعها, وتضخم ارتباكها عندما علما بأن سقف غرفة واحدة سوف يجمعهما, بتأكيد بصفتهما زوجين, قامت السفارة بحجز غرفة واحدة للأسف..
كان الجو مشحونا بتوتر في تلك الغرفة ذات الأربع جدران
والتي أغلق بابها
لتعلن ولأول مرة وجودهما معا
بدون طرف آخر
ليعم الصمت المزحوم بخواطر الذات من حميد و شمسه
نظر من تحت جفنيه شبه مغلقين من الحياء الداب في محياه, وهو يمسح عنقه بكفه, وهي الحركة التي تصاحب ارتباكه, وقال وهو يحاول كسر حاجز الصمت, وينهي هذا الغبار الخانق المشبع بالخجل:
- مريم أنا بطلع أيب لنا عشاء تبين شيء معين.

لتجيبه وقد دست ما تقدر عليه من هواء في رئتيه, وهي مسمرة بصرها على الأرضية: - لا مشكور, حميد لا تتعب نفسك, أنا بأنام بعد الصلاة

شبكت أناملها مع بعضهما, وأخذت تراقصهما مع بعضهما, لأجل أن تمتص خجلها الممزوج بالارتباك, وهي تقول بصوت خفت طبقته:
- و... وأنته... وين بتنام ..
لتبلل فمها الذي جف بريقها تكمل كلامها, وقد زاد انحناء رأسها للأسفل:
- ما فيه إلا غرفة وحدة.
فهم رسالتها المبطنة, وقال وهو يملئ رئتيه المتعطشتان للهواء النقي, الخاوي من سموم الحياء:
- أنا بنام في الكنبة, إذا ما عليك أمر, ممكن تحطي لي مخدة ولحالف عليها.

أزداد اشتعال وجهها بالحمرة, من تصرفاته المهذبة, التي لا تعلم كيف تجازيه عليها, فلم يجود عليها عقلها, سوى بكلمات الشكر والامتنان, التي لا تملك سواها:
- حميد سامحني, تعبتك معايه, ما أعرف كيف أجازيك, ما عندي إلا كلمة شكرا, وإلا أنا عارفه أنها ما تكفي.

لينتفض لسانه قائلا:
- أفع يا أم حمدان, ما شيء تعب مريم بنتي, وأنتِ أختي, شو ها الكلام؟ بس ترى والله أزعل منج أن قلتي ها الكلام مرة ثانية.

شعرت بأن ماء بارد أنسكب على سائر جسدها, فأطفأ نار الخوف,ونشر الطمأنينة في خلاياه, وهي تذوق طعم ابتسامة السكينة الداخلية لأول مرة منذ اقتران اسمها باسمه, لتقول له: الله يوفقك, لو ما أنت معنا ما كنت عرفت شو صار فينا.

ليبتسم هو الآخر لا إراديا, ويتحرر رأسه من أثقال الارتباك الخجول, فيشمخ للأعلى, ويقول وهو يخصها بنظراته المتحررة من أية قيود:
- آمين, أجمعين إن شاء الله, الأهم الحين مريم, يلاه بطلع الحين, عندج رقمي الدولي, وبيب لج رقم من هني, مشان تكلمين أهلك وعيالج.

لترفع هي الأخرى رأسها جزئيا, وتقول وعلامات الامتنان تتجلى على قسمات وجهها:
- الله يخليك, مشكوور ما تقصر.

ليبتسم ضاحكا, ويردف قائلا, ويحرر تلك الرقبة المسكينة من كفه التي حرقتها من كثرة احتكاكها بها:
- خلاص إذا بغيتي شيء, كلميني, يلا عن أذنك.

شمسه:
- مع السلامة.
___
خرج حميد بسرعة الصاروخ فالجو رغم انخفاض درجة الارتباك فيه, فلا يزال مشحونا..
ليقول بينه وبين نفسه, وهو يلتقط أنفاسه الفارة من صدره:
( ما دام أول مرة نكون مع بعض وحالتي كذيه, الله يستر من تاليها)

جذب أكبر قدر من الأكسجين إلى رئتيه, قبل أن يسرع الخطى نحو سوبر ماركت لمحه يوم قدومه إلى الفندق, الذي لا يبعد عن مكان إقامتهم الحالي سوى بضع مترات.
تعمد التأخر في سوبر ماركت, فهو لا يقوى على ذاك الطقس الكاتم للأنفاس, عندما شعر بأنه أخذ وقت كافي للهرب, عاد للفندق, وأول ما فتح الباب, وقعت عيناه بدون تخطيط مسبق على ذلك الكائن, الغارق في نوم عميق, لقد كان باب الشرفة مفتوحا, فسمح لخيوط ضوء القمر لكي تتسلل, وتلامس صفحت وجهها الساكنة, وتلمع تحت ضوئه خصلات شعرها السوداء, التي تخللتها بعض الخيوط البيضاء, والتي تراقصت على معزوفة نسيم الهواء العليل, الذي خصها بلحنه العذب.
شعر بعينيه تلتهبان كالجمر
كأنه رأى الفاكهة المحرمة
فأشاح ببصره من فوره
وزجر نفسه:
( أهي لا تمت لي بصله, هي علاقة بس مصلحة, ولا شيء ثاني, تسمع حميد, تسمع)
فطلق العنان لقدميه للمضي صوب الحمام دون أن يلتفت لذلك الكائن النائم بهدوء يشخص لها الأبصار, لكي يتوضأ ويؤدي فرضه.

___

قامت قبل صلاة الفجر بقليل
وذهبت لتتوضأ
حين تذكرت بأن حميد نائم على الكنبة, شعرت برجفة تنتشر في جسدها, فهرعت جهة مصلاها, وغطت شعرها به, فهو لا يزال غريبا بنسبة لها, رغم أنه زوجها, لكن ظروف زواجهما ترغمها على الإحساس بوجود خطوط حمراء بينها وبينه.

ثم شرعت بأداء صلاة الفجر, ومن ثم عطرت فمها بتلاوة كتاب الله, والذي هدأ من روعها على صغيرتها البعيدة عن مرآها, قمت بكل ذلك في هدوء, حتى لا تزعج ذلك الرجل ضخم الجثة المستسلم للنوم, حتى أنها حاولت أن تخفض من إضاءة الأبجورة, حتى تفسد مضجعه, وعندما انتهت من واجبها أمام ربها, جلست على طرف السرير, وهي لا تعلم هي الخطوة التالية الواجبة عليها فعلها, ضلت على هذه الحال, حتى هجمت أشعت الشمس على الغرفة, فأحست بأنه من واجبها إيقاظه لأداء الصلاة, ففي هذه لا يوجد مكان اللخجل, ومن ثم خوفها على ابنتها فاق حد تحملها.
فبتلعت ريقها بصعوبة, وهي تحث قدميها بخطى صغيرة صوبه, عندما غدت بالقرب منه, أردت بأن تنطق بكلمات المنبه للقيام, لكن لسانها الجامد خذلها, فجاهدت بأن تشحنه بقواها الكامنة بداخلها, حين وجددت نفسها تسلط عليه مجهر عينيه, المنتفضة رمشها, لتجد وجه يشع بالشباب, مطوق بلحية طال ذقنها, وشنب سمك حجمه, وأنف كحد السيف يشمخ فوقه, وعينان تتزينان بأهداب طويلة, تنسدل كأنها لحاف يقيها من برد الشتاء, وشعر ذو خصلات قصيرة تتربع على قمة رأسهم.
لكنه هالها تلك العظام التي برزت على خديه, والشحوب الذي صبغ وجه.
بدون أن تنتبه
وجدت جفنيه ينفتحان
لتصطدم عيناهما ببعض
بدون موعد مسبق
فتتسمر مكانها من هول الصدمة
ونفسها الخائفة, تبث كلماتها الجزعة في عقلها:
( الله, وش بيقول الحين عني, يا رب سترك)
علت عيناه نظرت تعجب, وهو يسألها:
- خير شمسه, هناك شيء؟!

لترد عليه كالبلهاء:
-هااااااااااااااااا
فسؤاله كان مباغتا, وهي لا تزال في فوضى الصدمة تائهة
ومن ثم ما لبثت أن تداركت الأمر, وللملمة بعض شتات أوراقها, وقالت, في صوت جاهدت بأن يكون طبيعيا:
- صلات الفير, ييت أقومك على صلات الفير.
وازدرت ريقها الناضب من فورها
نظر إلى ساعته المطوقة معصمه الأيمن, وقال والدهشة تنحت محياه:
- أفففففففف, كل هالوقت رقت, ما حسيت بالدنيا, استغفر الله ابليس نساني أضبط المنبه.
ليرفع رأسه بعد ذلك إليها, ويقول وقد رسم ابتسامة على شفتيه:
- مشكوره شمسه.
طأطأت رأسها من فورها, هربا من تشابك عينيها بعينيه مرة أخرى, وهزت رأسها للأعلى و الأسفل, وقد تورد خديها, لتهرب إلى سريرها, وتتلهى بترتيبه.

أما هو فلم يكن أحسن حالا منها, كان الحياء يأكل جسده, لكن لم يظهره لها, حتى لا تشعر بالضيق, فقام وتوضئ, وصلى.
عندما رأته انتهى من صلاته, كانت تريد أن تطلب منه الذهاب للفلذة كبدها فلم تعد تتحمل بعدها عنها, لكن قيود الخجل تثقل لسانها.
فاجأها وهو يقترب منها, ليقشعر بدنها,مع كل خطوة يدنو بها منها.
مد يده صوبها, فسرت رعشة في عامودها الفقري, صلبت جسده, فأفكارها الفوضوية,تصور لها دائما الأسوء, ومن ثم فتحها, ليكشف عن بطاقة هاتف وورقة صغيرة بيضاء مطوية, ويقول صاحبا كلماته كالعادة بابتسامة ساحرة:

- شمسة هذه بطاقتج والرقم في الورقة, اتصلي لي أهلك وعيالج, وطمني عليهم.

لتتحر من قيود الخوف والخجل, أمام حشد الذهول من أفعاله الطيبة التي يغدق عليها بها, وهو الشخص الذي لم يعرفها إلا من بضعت أيام, وبدون مقابل أيضا, ضلت تهطل عليه بنظراتها المذهولة, حين تبسم ضاحك, وهو يقول:
- وش فيك شمسه؟ شكلك ما تريدين تكلمين أهلك وعيالك.
لتعي لحمقها, ومن ثم نفضت من فورها نظرت الذهول, وقالت, وهي تعود لوضعية التنكيس:
- مشكووور, والله يطول في عمرك.
مدت يدها لتأخذ ما في جوف كفه الممتد أمامها, لتلامس أناملها كفه بدون قصد, فتشعر بلسعة تصيب أناملها, فتجذب البطاقة والورقة بسرعة البرق.
ليشعر هو الأخر ببعض الحمرة تلهب وجنتيه, فيحك رقبته كردة فعل طبيعية لتشرب حمرة الخجل, وهو يقول, وهو يتحنحن لكي يقوي من نبرة صوته التي أحس بأنها سوف تخذله:
العفوو, يلا أنا بتسبح علين تكلمين أهلك, وبعدين بنروح لمريم.
هزت رأسا بالإيجاب, وهي خافتة الرأس.
ليهجم هو على الحمام, ويغلق الباب وراءه بسرعة تفوق سرعة الصوت, ويفتح من فوره صنبور الماء, ويضع رأسه تحته, لعله يطفأ لهيب الخجل الناهش بوجهه
[/SIZE].[/COLOR]





+++ يتبع +++

 
 

 

عرض البوم صور وجع الكلمات  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:44 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية