لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > الروايات العالمية > أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي


اغاثا كريستي , الأصبع المتحركة , على شكل ورد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أنا اليوم ان شاء الله سأطرح واحدة من أروع وايات أجاثا كريستي , والتي كانت تعتبر من أكثر الروايات المفاجئة في نهايتها .(( الأصابع

موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-09-09, 06:10 PM   2 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
Icon Mod 44 اغاثا كريستي , الأصبع المتحركة , على شكل ورد

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أنا اليوم ان شاء الله سأطرح واحدة من أروع وايات أجاثا كريستي , والتي كانت تعتبر من أكثر الروايات المفاجئة في نهايتها .(( الأصابع المتحركة )) وأنا متأسف جداً إذا كانت هناك أية أخطاء إملائية ... لكنني أريد تفاعلاً منكم وأتمنى منكم إضافة الردود كي أتشجع أكثر وأستعجل بكتابة الرواية بأكملها ...المتحركة


ملخص للرواية ...
بدت قرية (( لايمستوك )) المكان الأمثل لاستجمامه بعد تعرضه لحادث تحطم مروع , أو هكذا ظن جيري بيرتون عندما استأجر بيتاً هناك ليقيم فيه هو وشقيقته جوانا . لكنهما سرعان ما اكتشفا أن هناك الكثير من الأحداث المتلاحقة والخطيرة الكامنة تحت المياه الراكدة . فثمة قلم مسموم يكتب خطابات عادة ما كانت مدعاة للسخرية ومثيرة للاشمئزاز , حتى جاء ذلك اليوم ـ حيث أصاب السهم هدفه وكان الموت هو النتيجة . فمن ذا الذي فعلها في تلك القرية الصغيرة المسالمة ؟


الفصل الأول
1

فك الأطباء الجـص عـنـي أخـيـراً , ونـظـروا إلـي بـشـفـقـة , وحـاولـت الممرضات استدراجي إلى تحريك أطرافي بحذر , وقد ضايقني حديثهن معي كما لو كـنت طفلاً رضيعاً , وقال ماركوس إنني يجب أن أعيش في الريف .
هواء نظيف , حياة هادئة , الامتناع عن فعل أي شيء ـ هذا هو علاجك . وسوف تعتني بك أختك , فكل ما عليك هو أن تأكل وتنام وتقلد مملكة النباتات قدر الإمكان.
لم أسأله ما إذا كنت سأستطيع الطيران مرة أخرى أم لا . فهناك أسئلة يخشى المرء من طرحها خوفاً من الإجابة . لذلك , لم أسأله في الأشهر الخمسة الأخيرة ما إذا كان قد حُكم علي أن أعيش طريح الفراش للأبد . كنت خائفاً من عبارات الطمأنينة البراقة التي تفوح منها رائحة النفاق كقول الممرضة لي : " ما هذا السؤال الذي تطرحه ؟ إننا لا نسمح لمرضانا بالتحدث بهذه الطريقة أبداً ! "
لذا , لم أسأل ـ وسارت الأمور على ما يرام . فلم يكن مقدراً لي أن أظل عاجزاً إلى الأبد . حيث أستطيع تحريك ساقيّ , والوقوف عليهما , وأخيراً أستطيع المشي لبضع خطوات ـ وإن كنت أشعر بأنني طفل مغامر يتعلم المشي , بركبتين مرتعشتين ولفائف من القطن والصوف تلتف حول قدمي ـ حسناً , إن هذا مجرد ضعف سرعان ما سيزول . وقد أجاب الدكتور ماركوس كِنت ـ وهو طبيب قدير ـ عما أطرحه من أسئلة .
قال : " سوف تتعافى تماماً . لم نكن متأكدين من ذلك حتى الثلاثاء الماضي عندما أجرينا لك ذلك الفحص , ولكن بوسعي إخباري بذلك الآن وأنا مطمئن ـ غير أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً . ستكون رحلة طويلة , وإن جاز لي القول , فستكون شاقة بعض الشيء . فعندما يتعلق الأمر بشفاء الأعصاب والعضلات , فيجب أن يقوم العقل بمساعدة الجسم . وأي استعجال سوف يتسبب في انتكاسة , وأياً ما كنت تمارسه من قبل , فعليك التوقف عنه الآن , حاول أن تساعد نفسك على الشفاء بسرعة . إذا فعلت أي شيء من هذا القبيل , ستعود إلى دار الرعاية مجدداً . يجب عليك مراعاة البطء والتمهل . فليس جسدك وحده هو الذي يحتاج إلى شفاء , بل إن أعصابك أيضاً أصابها الضعف نتيجة لإخضاعك للأدوية لفترة من الزمن .
لذا , أنصحك بالعيش في الريف , استأجر منزلاً , واهتم بالسياسة المحلية , وبالفضائح المحلية , وبالقيل والقال في القرية , اهتم بجيرانك بشكل فضولي , وإذا كان لي أن أقترح اقتراحاً , فاذهب إلى جزء من العالم ليس لك فيه أصدقاء . "
أومأت برأسي قائلاً : " هذا ما فكرت فيه بالفعل . "
لا أعتقد أن ثمة شيئاً أفضع من زيارات الأصدقاء والأقارب , وإبداء تعاطفهم , والتحدث عن شؤونهم الشخصية .
سيقولون : " ولكن جيري يبدو رائعاً ـ أليس كذلك ؟ يجب أن أخبرك يا صديقي ـ خمن ما الذي فعله باستر ؟ "
كلا , لا أريد شيئاً كهذا يحدث معي . إن الكلاب تتمتع بالحكمة , فهي تنزوي بعيداً في أحد الأركان الهادئة وتلعق جراحها , ولا تعود للعالم من حولها حتى تبرأ تماماً مرة أخرى .
لذا فقد قمت أنا وجوانا ـ بـعـد طـول بحث من خلال وكلاء العقارات في جميع أنحاء بريطانيا ـ باختيار " ليتـل فـيـرز " بقريـة لايـمـسـتـوك , كأحد المنازل التـي يـمـكـن رؤيتها . وخاصة أننا لم نذهب إلى لايمستوك أبداً ولا نعرف أي أحد هناك .
وعندما رأت جوانا ليتل فيرز قررت أنه المنزل الذي نبحث عنه .
إنه يقع على نصف ميل تقريباً عن لايمستوك على الطريق المؤدي إلى المستنقعات . وهو منزل أنيق أبيض غير مرتفع , به شرفة على الطراز الفيكتوري , بلون أخضر باهت , ويطل على منحدر مغطى بنبات الخلج .
ويمتلك البيت أسرة تتكون من سيدات عوانس , من عائلة بارتون , واللاتي لم يبق منهن إلا واحدة فقط , وهي أصغرهن , الآنسة إيميلي بارتون .
كانت الآنسة إيميلي سيدة ضئيلة الجسم , كبيرة السن وكانت تتناغم مع منزلها بشكل غريب . شرحت لجوانا بصوت ناعم وبه رنة أسف أنها لم تترك المنزل من قبل , ولم تفكر في ذلك أصلاً . قالت : " ولكنك ترين يا عزيزتي , فإن الظروف قد تغيرت هذه الأيام ـ الضرائب . بالطبع , وهناك أسهمي الآمنة , كما كنت أتخيل دائما , والتي قد أوصاني مدير البنك نفسه بشرائها , ولكن يبدو أنها لا تدر عائداً هذه الأيام ـ ما أقوله لا علاقة له بموضوعنا , بالطبع ! صارت الأمور صعبة جداً . إن المرء لا يحب فكرة ترك المرء لبيته للغرباء ـ ولكن يجب فعل شيء ما , وبعدما رأيتكما , فإنني سعيدة بوجودكما هنا ـ إن المنزل بحاجة لوجود شباب . ويجب أن أعترف بأنني أتجنب فكرة وجود رجال هنا ! "
عند هذه النقطة , كان على جوانا أن تخبرها بحالتي .وكان رد فعل الآنسة إيميلي رقيقاً .
" أوه يا عزيزتي , لقد فهمت . حادث طيران ؟ إن هؤلاء الشباب يتمتعون بقدر هائل من الشجاعة .ولكن هل سيبقى شقيقك عاجز عملياً ؟ "
يبدو أن الفكرة هدأت السيدة الرقيقة . فمن الواضح أنني لن أستطيع ممارسة تلك الأنشطة الذكورية التي تخشاها إيميلي بارتون وسألَت باستيحاء عما إذا كنت أدخن .
أجابتها جوانا : " كالمدخنة . " ثم أوضحت قائلة : " ولكنني أنا أيضاً أدخن . "
" بالطبع , بالطبع , يا لغبائي . أخشى أنني لم أتغير مع الزمن . فقد كانت شقيقاتي أكبر مني سناً , وقد عاشت أمي العزيزة حتى وصلت التاسعة والسبعون ـ تخيلوا ـ وكانت صارمة إلى أبعد الحدود . نعم , نعم , إن الجميع يدخنون هنا بَيد أنه لا توجد منفضة للتدخين في هذا البيت . "
قالت جوانا أننا سوف نحضر الكثير منها , وأضافت ابتسامة : " لن نقوم بإطفاء السجائر في الأثاث الفخم .لا شيء يضايقني بقدر رؤية بعض الناس يفعلون ذلك . "
وهكذا تمت تسوية الأمر واستأجرنا ليتل فيرز لستة أشهر , مع إمكانية مدها لثلاة أشهر أخرى , وأوضحت إيميلي بارتون أنها تشعر بالراحة لأنها ستقيم عند خادمتنا العجوز المخلصة فلورنسا , والتي توجت بعد أن قضت معنا خمسة عشر عاماً . قالت إيميلي : " إنها فتاة لطيفة , وزوجها يعمل في مجال العقارات . إن لديهما منزل جميل في منزل هاي ستريت وحجرتين جميلتين بالطابق العلوي , حيث سأكون أكثر راحة هناك , وستسر فلورنسا بوجودي معها . "
إذاً , يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام , فقد تم توقيع العقد , ووصلنا أنا وجوانا في الوقت المناسب , ورحبت بارتريدج ـ خادمة إيميلي بارتون ـ بفكرة بقائها معنا . كما يتم الاعتناء بشؤونها بفضل " فتاة " كانت تأتي كل صباح والتي كان ذكاؤها محدوداً ولكنها لطيفة .
كانت بارتريدج سيدة في منتصف العمر نحيلة وقاسية الملامح ـ تجيد الطهي , وعلى الرغم من رفضها تأخير موعد العشاء ( كان من عادة إيميلي أن تتناول عشاء خفيفاً يتكون من بيض مسلوق ) إلا أنها كيفت نفسها على أسلوبنا , حتى أنها اعترفت بأنني يجب أن أستعيد قوتي ...
بعدما استقر بنا الحال وأقمنا في ليتل فيرز أسبوعاً , جاءت الآنسة إيميلي بارتون وتركت بعض البطاقات , وهكذا فعلت السيدة سيمنجتون . زوجة المحامي , والآنسة جريفيث , أخت الطبيب , والسيد باي " رئيس برايرز إند " .
لقد ترك ذلك انطباعاً جميلاً في نفس جوانا .
قالت جوانا بصوت يعبر عن انبهارها : " لك أكن أن هؤلاء الناس مهووسون فعلاً ـ بالبطاقات . "
قلت : " هذا يا عزيزتي لأنك لا تعرفين شيئاً عن الريف . "
" هراء . لقد قضيت من عطلات نهاية الأسبوع في الريف . "
إنني أكبر من جوانا بخمس سنوات , وأتذكر ذلك البيت المطلي باللون الأبيض الباهت , وغير المتهالك والمنظم الذي كنا نعيش فيه أيام طفولتي , حيث كانت تمتد الحقول حتى النهر . وبوسعي تذكر قيامي بالزحف تحت أشجار التوت دون أن يراني البستاني , ورائحة التراب الأبيض في الإسطبل , وقطة برتقالية تعبره , وسماع صوت حوافر الحصان وهي تضرب الأرض في الإسطبل .
ولكن عندما بلغت السابعة وكانت جوانا في الثانية, ذهبنا للعيش في لندن مع عمتي, ومنذ ذلك الحين ونحن نقضي جميع العطلات و الأعياد في دور السينما والمسرح, حيث كنا نخرج للتنزه في حديقة كنجستون جاردنز ونركب القوارب , ثم مؤخراً أصبحنا نمارس رياضة التزلج . وفي شهر أغسطس كنا نحجز غرفة في أحد الفنادق المطلة على البحر .
وبينما كنت أشرد بذهني هكذا , قلت لجوانا متأملاً , وبإحساس من وخر الضمير وبعد أن أدركت كم أصبحت عاجزاً وأنانياً في نفس الوقت .
" أنا آسف , سيكون ذلك فضيعاً بالنسبة لك . سوف تفتقدين كل شيء . "
قلت ذلك لأن جوانا جميلة جداً ومليئة بالحيوية , وتحب الرقص والحفلات وقيادة السيارات بسرعة جنونية .
ضحكت جوانا وقالت أنها لا تبالي بذلك إطلاقاً .
" في الحقيقة , أنا سعيدة بالابتعاد عن ذلك كله . فقد مللت من الزحام , وعلى الرغم من أنك لن تبدي تعاطفك , فقد تأثرت كثيراً لفراق باول , وسيستغرق الأمر مني وقتاً طويلاً حتى أتناساه يا جيري . "
كنت أشك في هذا , فقصص الحب الخاصة بجوانا دائماً ما تسير على هذا النحو . فهي تفتتن بشاب ضعيف الشخصية , وتعتقد أنه عبقري لا يستطيع الناس فهمه , وتنصت إلى شكواه التي لا تنتهي وتفعل أي شيء لتحوز تقديره , وعندما يجحد مجهوداتها , فإنها تتأثر بشدة وتقول أن قلبها قد جرح ـ حتى يأتي شاب آخر , وعادة ما يأتي بعد ثلاثة أسابيع !
لذا لم آخذ مسألة جرح قلب جوانا على محمل الجد . ولكن بدا لي أن العيش في الريف لعبة جديدة لشقيقتي الجذابة .
قالت : " على كل حال , فإن مظهري جيد , أليس كذلك ؟ "
تفحصتها بنظرة كلها نقد ولم أستطع الاتفاق معها .
كانت جوانا ترتدي ملابس رياضية , كانت ترتدي تنورة قصيرة وضيقة , وعلى نصفها العلوي كانت ترتدي قميصاً قصيراً يدعو للسخرية . كانت تلبس جوربين من الحرير الشفاف , وحذاء لا غبار عليه , وكله يعد من علامات الموضة .
قلت : " كلا , إن مظهرك ليس مناسباً على الإطلاق , بل وبه الكثير من الأخطاء , ينبغي أن ترتدي تنورة ذات لون أخضر أو بني باهت , وحري بك ارتداك سترة من الكشمير تناسبها , وربما معطف صوفي , ويمكنك أن تلبسي قبعة من اللباد وجوربين من قماش سميك وحذاء قديم . فقط , عندئذ , يمكنك السير عبر شارع هاي ستريت بلايمستوك دون أن تبدي شاذة عن الآخرين كما أنت الآن.وبالمناسبة , فإن وجهك كله أخطاء أيضاً . "
" ما الخطأ فيه ؟ لقد وضعت مساحيق من الدرجة الثانية تناسب الريف . "
" نعم , إذا أردت العيش في لايمستوك , فلا تضعي إلا القليل من المساحيق حتى لا تلفتي النظر إلى أنفك , وربما يجب عليك وضع القليل من أحمر الشفاه ـ مع عدم توخي الدقة الشديدة ـ وعليك وضع كل رموشك تقريباً بدلاً من ربعها . "
صاحت جوانا وبدت أنها وجدت المزيد من ضروب التسلية .
قالت : " أتعتقد أنهم سيضنونني فظيعة ؟ "
قلت : " كلا , بل شاذة . "
استأنفت جوانا قراءتها للبطاقات التي تركها زوارنا . زوجة رجل الدين هي الوحيدة التي أسعدها , أو ربما ساءها الحظ بأن تستضيف جوانا في منزلها .
تمتمت جوانا قائلة : " تبدو الأسر هنا سعيدة , أليس كذلك ؟ فهذه زوجة محامٍ , وتلك أخت طبيب ... الخ " ثم أضافت بحماس : " أعتقد أن هذا المكان لطيف يا جيري ! عالم قديم جميل جداً . لا يمكنك التفكير بأن شيئاً شريراً سيحدث هنا , أليس كذلك ؟ "
وعلى الرغم من أنني أعرف أن ما تقوله محض هراء , إلا أنني وافقتها الرأي . ففي مكان مثل لايمستوك لا يمكن أن يحدث شيء شرير , والغريب أننا تلقينا أولى خطاباتنا بعد أسبوع واحد فقط .
2
أعرف أنني بدأت بشكل سيء , فلم أعط وصفاً لقرية لايمستوك , وبدون فهم أوصاف لايمستوك لا يمكن فهم قصتي .
بادئ ذي بدء , فإن لايمستوك لها جذور ضاربة في الماضي . ففي أيام الغزو النورماندي , كانت لايمستوك على قدر كبير من الأهمية , وتنبع أهميتها من كونها مركزاً دينياً حينذاك . فقد كان في لايمستوك دير للرهبان وتعاقب عليه الكثير من الرهبان الطموحين وذي النفوذ . وكان اللوردات والبارونات الذين يعيشون في الريف المحيط به يتركون جزءاً من أراضيهم تحت تصرف الدير . وازداد ثراء وأهمية الدير واكتسب نفوذاً لقرون عدة . بيد أنه بمرور الزمن قام هنري الثامن بإلغاء كل تلك الامتيازات ولحق بالدير ما لحق بأقرانه . ومنذ ذلك الحين هيمنت قلعة البلدة . كانت لا تزال مهمة وآلت لها الحقوق والميزات والثروات .
وثم , في حوالي القرن الثامن عشر , جاء المد التقدمي ليطيح بنفوذ لايمستوك ويتركها في غياهب التخلف . حيث انهارت القلعة , ولم يتم إنشاء شوارع رئيسية ولا سكك حديدية بالقرب من لايمستوك , التي تحولت إلى سوق محلي غير ذي أهمية تمتد بها المستنقعات والمزارع وتحيط بها الحقول الهادئة .
كان يقام بها سوق مرة كل أسبوع , وفي ذلك اليوم يصادف المرء قطعان الماشية في الأزقة والطرقات . وكا يقام بها سباق للخيل مرتين في السنة لا يتبارى فيه إلا الخيول الضعيفة .
وكان بها شارع رئيسي خلاب , تصطف على جانبيه المنازل التي تقف بشموخ , والتي كانت تبدو غريبة بعض الشيء بنوافذها المتواجدة في الطابق الأرضي والتي كان دائماً ما يوجد عليها الفطائر أو الفاكهة أو الخضروات . وكان بالشارع أيضاً متجر ضخم لتجارة الألبسة والجوخ يمتد على نحو مستق مع الشارع , وهناك أيضاً تجد متجراً هائلاً للحدادة , ومكتباً للبريد له أهمية في هذا المكان .
وكذلك هناك في ذات الشارع مجموعة من المتاجر والمحال المتنوعة , فهناك متجران يتنافسان لبيع اللحوم , وكان بالشارع لافتة لعيادة طبيب ومؤسسة قانونية يديرها السيدان جالبرث والسيد سيمنجتون , وكان بالشارع أيضاً إحدى دور العبادة والتي يرجع تاريخها إلى عام 1420 م , ولا يزال يفوح منها رائحة العصر الساكسوني . وهناك أيضاً مدرسة أنشئت حديثاً وحانتين .
هذه هي لايمستوك , وبدافع إيميلي بارتون , حضر جميع من في البلدة لكي يتعرفوا علينا , ومن أجل هذا اضطرت جوانا لأن تبتاع زوجاً من القفازات وقلنسوة مخملية , بدلاً من ملابسها التي تفتقر إلى الذوق , حتى تتمكن من رد زيارتهم .
بالنسبة لنا كان كل شيئاً جديداً ومسلياً , فنحن لم نذهب إلى هناك للإقامة الدائمة . لقد كانت بالنسبة لنا شيئاً مؤقتاً . وقد استعددت لإطاعة تعليمات طبيبي والاتهمام بجيراني .
لقد وجدت أنا وأختي جوانا الأمر ممتعاً للغاية .
أعتقد أنني تذكرت تعليمات ماركوس كِنت بالاستمتاع بالفضائح المحلية . بالقطع كنت أشك في كيفية معرفتي بهذه الفضائح .
والشيء الغريب أن مجيء ذلك الخطاب كان ممتعاً ومسلياً لنا أكثر من أي شيء .
أذكر أنه وصل بينما نحن نتناول الإفطار . قلبته في يدي , بتلك الطريقة الكسولة التي يتبعها المرء عندما يمر الوقت ببطء ويجب الغوص في كل حدث حتى نهايته . لقد كان مرسلاً من داخل البلدة وقد كتب عنوانه على آلة كاتبة .
فتحته قبل الخطابين الآخرين اللذان يحملان طوابع بريد لندن , حيث إن أحدهم كان يحوي فاتورة والآخر كان من أحد أبناء عمومتي المضجرين .
وبداخله كانت هناك كلمات و حروف مطبوعة , وقد لصقت على ورقة بيضاء . أخذت أحدق لدقيقة أو دقيقتين إلى الكلمات دون أن أستوعبها , ثم شهقت .
نظرت إلي جوانا , التي كانت تطالع بعض الفواتير مقطبة جبينها .
وقالت : " مرحباً , ما هذا ؟ تبدو مروعاً . "
لقد عبر الخطاب , الذي يستخدم مصطلحات بذيئة , عن رأي الكاتب بأنني أنا وجوانا لسنا أخوين .
قلت لجوانا : " إنه خطاب قذر من مجهول . "
كنت لا أزال أعاني من آثار الصدمة . فلم أتوقع مثل ذلك الشيء في منطقة هادئة مثل لايمستوك .
وفجأة , أبدت جوانا اهتمامها , وقالت : " حقاً ؟ ماذا يقول ؟ "
كنت قد قرأت في الروايات أن الخطابات البذيئة والمثيرة للاشمئزاز لا ينبغي أن تطلع عليها النساء , ما أمكن ذلك . حيث يجب تجنيب المرأة الصدمة التي قد يتعرض لها الجهاز العصبي الحساس .
ويؤسفني القول إنه لم يتراء لي أن أُطلع جوانا على الخطاب , لذا سلمته لها فوراً .
قالت : " يا له من خطاب قذر ! لقد سمعت كثيراً عن الخطابات المجهولة , لكنني لم يسبق لي أن رأيت أحدها . هل هي دائماً هكذا ؟ "
قلت : " لا أستطيع الجزم بذلك . فهذه أول مرة أشاهد فيها خطاباً مثل هذا . "
شرعت جوانا في الضحك .
" لابد أنك كنت محقاً فيما يخص مساحيق التجميل التي كنت أضعها يا جيري . أعتقد أنهم يحسبونني فتاة هاربة من أهلها . "
قلت : " إضافة إلى حقيقة أن ابانا كان رجلاً طويلاً ذا فكين طويلين أسودين وأمنا كانت امرأة شقراء الشعر زرقاء العينين قصيرة القامة , وقد ورثت أنا صفات أبي , أما أنت فقد ورثت صفات أمي . "
أومأت جوانا برأسها مفكرة .
" نعم , نحن لسنا متشابهين إلى حد ما , ولن يظن المرء أننا أخوان . "
قلت : " لابد أن أحدهم لاحظ ذلك . "
قالت جوانا إنها تعتقد أن الأمر ممتع .
أمسكت الخطاب من إحدى زواياه وتركته يتدلى , ثم سألتني عما ينبغي فعله به .
قلت: " أعتقد أن الإجراء الصحيح هو إلقاءه في النار مع إطلاق صيحة اشمئزاز ."
نفذت ما قلته عملياً , وصفقت جوانا بيديها .
أضافت : " لقد فعلتها بشكل جميل , كان ينبغي أن تكون ممثلاً . من حسن حظنا أن النار متقدة , أليس كذلك ؟ "
وافقتها , قائلاً : " عندئذ كانت سلة المهملات ستصبح حلاً أقل إثارة . كان بوسعي بالطبع أن أشعله بعود ثقاب وأستمتع به وهو يحترق ببطء . "
قالت جوانا : " إن الأشياء لا تحترق عندما تريدها أن تحترق , بل إنها تسلم من النيران , وربما كان عليك إشعال عود ثقاب بعد آخر . "
نهضت واتجهت نحو النافذة , وعندما وصلت إلى هناك التفتت فجأة , وقالت : " إنني أتساءل , من الذي قام بكتابته ؟ "
قلت : " لن نعرف أبداً على الأرجح . "
" نعم ـ لا أعتقد أننا قد نتمكن من ذلك . " صمتت لبرهة , ثم قالت : " يراودني إحساس أحياناً بأن الأمر ليس ممتعاً . أتعلم ؟ لقد حسبت ـ حسبت أنهم أحبونا هنا ."
أظن ذلك ؟ أوه ـ إنه عمل شرير ! "
عندما خرجت لتستمتع بالشمس المشرقة , فكرت بيني وبين نفسي أثناء تدخيني لسيجارتي بأنها كانت محقة تماماً . إنه عمل شرير . لقد استاء أحدهم من مجيئنا إلى هنا , وكان مستاءً من جمال جوانا الخاطف , لقد أراد إيذاءنا . ربما كانت مقابلة مثل هذا الأمر بالضحك أفضل طريقة ـ ولكن في أعماق نفوسنا لم يكن ممتعاً أبداً...
جاء الدكتور جريفيث هذا الصباح . لقد اتفقت معه على إجراء فحص أسبوعي . وقد أحببت أوين جريفيث , لقد كان ذا بشرة سمراء , ضئيل الجسم . يتحرك في رشاقة وخفة , ويداه ماهرتان في الفحص , وكان يتلعثم في حديثه قليلاً , وكان خجولاً إلى حد كبير .
أشار إلى تقدمي في العلاج كي يشجعني , ثم قال : " إنك تشعر بالتحسن , أليس كذلك ؟ يبدو أنك متعكر المزاج هذا الصباح , أم هذا وهم مني ؟ "
قلت : " فعلاً , لقد تسلمت هذا الصباح خطاباً بذيئاً من مجهول , وقد شعرت ببعض الضيق والمرارة بعد قراءته . "
ألقى حقيبته على الأرض , واعترى وجهه النحيف الأسمر شعور بالإثارة .
" هل تعني أنك تسلمت واحداً منها ؟ "
شعرت بالاهتمام والإثارة . فقلت : " فإنه أمر شائع إذاً ؟ "
" منذ فترة من الوقت . "
قلت: " أوه , فهمت . لقد حسبت أن وجودنا في هذا المكان أمر غير مرغوب فيه ."
" كلا , كلا , الأمر لا علاقة له بذلك . إنه مجرد ـ " توقف عن الكلام ثم سألني : " ماذا كان محتوى الخطاب ؟ على الأقل ـ " احمر وجهه وشعر بالحرج : " ربما لم يكن لي أن أسأل مثل هذا السؤال . "
قلت : " سأخبرك بكل سرور , بقد قال إن الفتاة التي أحضرتها معي ليست أختي ـ ويمكنني القول بأن هذا ملخصاً لمحتوى الخطاب بعد تنقيحه من البذاءات . "
احمر وجهه غضباً. وقال : " اللعنة , لعل أختك ـ إنها ليست مستاءة, أليس كذلك ؟"
قلت : " إن جوانا تبدو كملاك طاهر , ولكنها فتاة عصرية وصلبة جداً . لقد وجدِت أن الأمر مسلٍ للغاية . فهي لم تصادف مثل هذه الأشياء من قبل . "
قال جريفيث بحرارة : " أتمنى لو لم تصادفها في الحقيقة . "
قلت بحزم : " على أية حال , فإن هذا هو الأسلوب الأنسب لمواجهة مثل هذه السخافات على ما أعتقد . "
قال أوين جريفيث : " نعم , لكن ــ "
توقف عن الحديث , فسارعت قائلاً : " ولكن ماذا , ماذا تقصد ؟ "
قال : " المشكلة أن مثل هذه الأفعال إذا ما بدأت, فإنها تتفشى وتنتشر بشكل كبير ."
" علي أن أتوقع هذا . "
" إنها حالة مرضية بالطبع . "
أومأت برأسي ثم سألته : " ولكن هل من ثمة فكرة عمن يكون وراء إرسال مثل هذه الخطابات ؟ "
قال : " ليتني كنت أعرف . أتدري إن الخطابات المجهولة نوعان ؟ إما أنها خاصة, أي إنها موجهة لشخص بعينه , أو مجموعة من الأشخاص , أي تستطيع أن تقول إن هناك دافعاً لذلك , حيث إن الشخص الذي يرسل الرسائل يحمل ضغينة ( أو يعتقد أنه كذلك ) ضد أحد الأشخاص , ثم يختار أسلوباً قذراً ومنحطاً ليعبر عن كراهيته , إنه أسلوب دنيء , ويثير الاشمئزاز ولكنه لا ينم عن جنون صاحبه , وفي تلك الحالة يكون من السهل معرفة ما وراء الخطاب المرسل ــ خادمة تم طردها ــ امرأة غيورة ــ وهكذا . ولكن إذا كانت عامة وليست خاصة , فإنها تمسي أكثر خطورة . حيث ترسل الخطابات دونما تفرقة وبطريقة عشوائية , وتؤدي الغرض بالتنفيس عن إحباط ما في ذهن الكاتب . وكما قلت فإنه أمر مرضي . وتزداد إصابة الشخص بالجنون . وفي النهاية تتعقب الشخص محل الشبهة ــ غالباً ما يكون شخصاً مكروهاً من الجميع , وهذا كل ما في الأمر . لقد حدث شيء مثل هذا على الجانب الآخر من المقاطعة في العام الماضي ــ وتبين أن رئيسة قسم القبعات بمؤسسة كبيرة للملابس هي من تقف وراء ذلك . كانت امرأة رقيقة جداً ــ عملت هناك لسنوات . أذكر أن ذلك حصل في آخر سنة لي هناك عندما كنت أقضي فترة التكليف ــ ولكن تبين أن ضغينة شخصية هي السبب . وكما أقول فإنني رأيت شيئاً من هذا القبيل , وبصراحة فإنه يخيفني ! "
سألته : " هل يحدث ذلك منذ فترة طويلة ؟ "
" لا أعتقد , وإن كان يصعب الجزم بذلك , بالطبع , لأن من يتلقون هذه الرسائل لا يعلنون عنها , وإنما يكتفون بإحراقها ... " توقف للحظة . ثم أكمل : " لقد تلقيت واحدة منها , كما أن سيمنجتون , المحامي , تلقى واحدة , وكذلك اثنان من مرضاي المساكين أخبراني بتلقيهما رسائل من هذا النوع . "
" كلها من نفس العينة ؟ "
" أوه , نعم , كلها تعزف على وتر الجنس . هذه هي الخاصية الرئيسية المشتركة بينها . " ثم ابتسم وأضاف : " لقد اتهم سيمنجتون بإقامة علاقة غير شرعية مع كاتبته ـ السيدة جنش المسكينة , التي تبلغ من العمر بضعة وأربعين عاماً تقريباً , وترتدي نظارة سميكة وأسنانها تشبه أسنان الأرنب . ولقد أخذ سيمنجتون الرسالة وتوجه بها إلى الشرطة . أما الرسائل التي تلقيتها أنا , فإنها تتهمني بانتهاك آداب المهنة مع مرضاي من النساء . لقد كتبت بأسلوب طفولي وسخيف , ولكنها سامة للغاية . " تغير وجهه , وبدت عليه أمارات الحزن وهو يقول : " ولكن مع ذلك أشعرب بالخوف , فهذه الأشياء يمكن أن تكون في غاية الخطورة , كما تعلم . "
" أعتقد ذلك . "
" لعلك ترى أنه على الرغم من تفاهة وسخافة هذه النكات , فإن إحدى هذه الرسائل ستصيب الهدف عاجلاً أو آجلاً . والله وحده يعلم ما سيحصل حينذاك ! إنني خائف أيضاً من تأثيرها على أصحاب العقول الضعيفة الشكاكة الخالية من الثقافة والعلم . فإذا ما رأى أحدهم شيئاً مكتوباً , فسوف يعتقد بصحته , وعندئذ قد تظهر كل أنواع العقد . "
قلت متأملاً : " إنها تنم عن جهل كاتبها , إذ يبدو لي أنه شخص أمي . "
قال أوين : " أهي كذلك فعلاً ؟ " ثم خرج ...
بينما كنت أفكر فيها فيما بعد وجدت أن عبارة " أهي كذلك فعلاً ؟ " محيرة لي ...


الفصل الثاني

1

لن أدعي أن الرسالة التي وصلتنا خالية من التوقيع لم تترك طعماً مراً في الفم .فهذا هو ما حدث بالفعل ولكن في الوقت نفسه نسيت أمرها سريعاً , ولم آخذها حتى هذه النقطة على محمل الجد . وأعتقد أنني أتذكر ما كنت أقوله بأن هذه الأشياء تحدث كثيراً في القرى النائية . لابد أن امرأة مخبولة تريد تسلية نفسها هي التي تقف وراءها . على أية حال , ما دامت الرسائل هذه مكتوبة بأسلوب طفولي كمثل التي تلقيناها , فإنه لا ضرر منها على الإطلاق .
كانت الحادثة التالية ـ إذا جاز لي القول ـ بعد أسبوع , عندما أخبرتني بارتريدج وهي تزم على شفتيها أن بياترس , الخادمة اليومية , لن تأتي اليوم .
قالت بارتريدج : " أحسب يا سيدي أن الفتاة مستاءة . "
لم أكن متأكداً تماماً مما تعنيه بارتريدج بكلامها هذا , ولكني خمنت ( خطأ ) أن بياترس تعاني من بعض المتاعب في معدتها ولا تستطيع بارتريدج الإشارة إلى ذلك بشكل مباشر , لذا عبرت لها عن أسفي وتمنيت لها الشفاء العاجل .
قالت بارتريدج : " إن صحة الفتاة على ما يرام يا سيدي , إن مشاعرها هي المعتلة . "
قلت متشككاً : " أوه . "
واصلت بارتريدج قائلة : " بسبب رسالة تلقتها . وأحسب أنها تعرض بها . "
كانت نظرة الاشمئزاز في عيني بارتريدج , إضافة إلى تشديدها على كلمة
( تعرض ) قد جعلني أدرك أن ذلك التعريض له علاقة بي . وحيث إنني ما كنت لأميز بياترس بصعوبة لو قابلتها في البلدة , فإنني لم أدرك مغزى تشديدها على هذه الكلمة ـ فقد شعرت بأنه استياء غير مبرر . كما أن رجلاً يمشي على عكازين ليس من شأنه أن يفتن بنات القرية . لذا قلت بتوتر : " يا لهذه السخافات ! "
قالت بارتريدج : " هذا ما قلته بالحرف لأمها يا سيدي , فقد قالت لها : " لم ولن يحدث شيء من هذا القبيل في هذا المنزل ما دمت أنا المسؤولة عنه . " وبالنسبة لبياترس , فقد قلت لها : " إن الفتيات مختلفات هذا الزمان ولا أعرف شيئاً عما يحدث بالخارج . " , ولكن الحقيقة يا سيدي أن صديق بياترس الذي يعمل في المرآب قد تلقى رسائل شريرة أيضاً وهو لا يتصرف بحكمة على الإطلاق . "
قلت بغضب : " لم أسمع أبداً شيئاً بهذه الوقاحة . "
قالت : " في رأيي أن نتخلص من هذه الفتاة , فما كانت لتستاء هكذا بشدة , وتسلك هذا السلوك. لو لم يكن هناك شيء تخشى افتضاحه.لا دخان بدون نار.هذا قولي . "
لم يكن لدي فكرة عما ستسببه هذه الكلمة لي من متاعب .

2
اعتزمت هذا الصباح ـ على سبيل المغامرة ـ التجول عبر شوارع القرية . ( كنت أنا وجوانا نطلق عليها دائماً اسم القرية , وان كان اسما خاطئ علمياً , وكان من شأن سكان لايمستوك أن ينزعجوا إذا سمعونا نقول هذا ) .
كانت الشمس ساطعة , والهواء رائع تتخلله نسمات الربيع الحلوة . اتكأت على عكازي وبدأت السير رافضاً بحزم مراقة جوانا لي .
قلت : " كلا , لن أصطحب حارساً يسير الهويني بجواري ويمطرني بعبارات التشجيع , وتذكري أن الرجل الأسرع هو من يسير بمفرده . كما أن لدي الكثير من الأعمال التي أريد قضاءها , فسوف أذهب إلى جالبريث وسيمنجتون , وأوقع عقد تحويل الأسهم , وسوف أذهب إلى الخباز وأشكو له من رغيف الزبيب , ثم سأعيد ذلك الكتاب الذي استعرته . ويجب أن أذهب إلى البنك أيضاً . دعيني بمفردي يا جوانا , فهذا الصباح قصير جداً . "
اتفقنا على أن تصطحبني جوانا بالسيارة وتعود لتعيدني وقت الغداء .
قالت جوانا : " إن هذا سيتيح لك الفرصة لقضاء بعض الوقت في لايمستوك . "
قلت : " لا أشك في أنه كان ينبغي علي رؤية كل شخص ذي شأن منذ مجيئنا . "
كان الصباح في الشارع الرئيسي يعتبر مكاناً لتلاقي المولعين بالتسوق وتبادل الأخبار . وعلى أية حال , لم أسر دون صحبة , فما كدت أسير لمائتي ياردة حتى سمعت صوت جرس دراجة يرن خلفي , ثم صوت احتكاك , ثم ميجان هنتر وهي تسقط عند قدمي .
قالت : " مرحباً . " وهي تلهث بينما تنهض من على الأرض وتنفض عن نفسها التراب . لقد كنت أحب ميجان , وكنت أشعر بالأسف لما أصابها . كانت ابنة السيدة سيمنجتون من زوجها السابق . لم يتحدث أحد كثيراً عن السيد هنتر , وعلمت أنه كان يعتبر من الأفضل تناسيه . ويقال إنه كان يعامل السيدة سيمنجتون بشكل بالغ السوء . وقد طلقها بعد عام أو عامين من زواجهما . لقد كانت لديها مواردها المالية الخاصة وسكنت لايمستوك لكي تنسى , وفي النهاية تزوجت مـن الأعـزب الـوحـيـد المؤهل في القرية , ريتشارد سيمنجتون . وقد أثمر الزواج الثاني عن ولدين , وقد كرس والدهما نفسيهما لرعايتهما , وأعتقد بأن ميجان تشعر بأنها شاذة في هذه الأسرة , فهي لم تكن تشبه أمها , والتي كانت ضئيلة الحجم , وذات جمال باهت وتتحدث بصوت ضعيف تكسوه نبرة كآبة بسبب متاعب الخدم وصحتها المعتلة .

أما ميجان فكانت فتاة طويلة القامة , خجولة بعض الشيء . وعلى الرغم من أنها فعلية في العشرين من عمرها , فقد بدت مثل فتاة في السادسة عشر من عمرها لا تزال في المدرسة . كان شعرها البني غير مصفف أبداً , وعيناها ذات أخضر بندقي , وكان وجهها نحيفاً بارز العظام , وابتسامتها خلابة بشكل غير متوقع . وكانت ملابسها قذرة وغير جذابة , وتلبس عادة جوربين بهما ثقوب .
لقد بدت , كما تراءى لي هذا الصباح , أشبه بحصان أكثر منها إنسان . في الواقع , كان بإمكانها أن تكون حصاناً جميلاً جداً ببعض التهذيب .
وكعادتها كانت تتكلم باندفاع . قالت : " لقد كنت متوجهة إلى المزرعة ـ مزرعة لاشر كما تعلم ـ لأرى ما إذا كان لديهم بيض بط . فلديهم عدد كبير من الخراف الصغيرة الجميلة . إنها لطيفة ! هل تحب الخراف ؟ أنا أحبها , حتى إنني أحب رائحتها . "
قلت : " إن الخراف التي تتم رعايتها رعاية جيدة لا تكون رائحتها سيئة . "
" أليس كذلك ؟ إنها في كل مكان هنا . هل أنت ذاهب للبلدة ؟ لقد رأيتك وحدك , لذا فكرت في التوقف والسير معك , غير أنني توقفت فجأة . "
قلت " لقد مزقت جواربك . "
نظرت ميجان بحزن إلى رجلها اليمنى . ثم قالت : " نعم , ولكن كان به ثقوب بالفعل , لذا فإنه لا يهم كثيراً , أليس كذلك ؟ "
" هل أصلحت جواربك من قبل , ميجان ؟ "
" أحياناً , عندما تلاحظها أمي , ولكنها لا تهتم كثيراً بما أفعله ـ وهذا من حسن حظي , أليس كذلك ؟ "
قلت : " يبدو أنكي لم تدركي أنك كبرت . "
" أتعني أنني يجب أن أشبه الدمية مثل أختك ؟ "
شعرت بالاستياء لوصف جوانا بهذا الشكل ... قلت : " إنها تبدو نظيفة , وأنيقة , ورؤيتها محببة للعين . "
قالت ميجان : " إنها جميلة جداً . إنها لا تشبهك كثيراً , أليس كذلك ؟ ما السبب في عدم تشابهكما ؟ "
" لا يشترط أن يكون الإخوة متشابهين دائماً . "
" نعم , بالطبع , فأنا لا أشبه كولين وبريان , كما أن بريان لا يشبه كولين . " توقفت للحظة ثم قالت : " إنه لأمر عجيب , أليس كذلك ؟ "
" ما هو ؟ "
أجابت ميجان باختصار قائلة : " الأسر . "
قلت متأملاً : " أعتقد ذلك . "
تساءلت عما يدور في ذهنها . سرنا في صمت لدقيقة أو دقيقتين , ثم قالت ميجان بخجل : " أنت طيار , أليس كذلك ؟ "
" بلى . "
" وهذا هو سبب إصابتك ؟ "
" نعم , لقد تحطمت طائرتي . "
قالت : " لا أحد يمارس الطيران هنا . "
قلت : " كلا , لا أعتقد ذلك . هل تحبين الطيران يا ميجان ؟ "
بدت وكأنها فوجئت , فقالت : " أنا ؟ يا إلهي ! كلا , سأصاب بالدوار , إنني أصاب بالدوار حتى عند ركوب القطار . "
توقفت لبرهة , ثم سألت بطريقة مباشرة كالأطفال : " هل ستستطيع الطيران مرة أخرى , أم ستظل عاجزاً للأبد ؟ "
" يقول طبيبي أنني سوف أتعافى وأسترد صحتي . "
" نعم , ولكن هل هو من نوعية الرجال الكذابين ؟ "
أجبت : " لا أعتقد ذلك . في الحقيقة , أنا متأكد من ذلك تماماً , إنني أثق فيه . "
" إذا كان الأمر كذلك فلا بأس , ولكن الكثير من الناس يكذبون . "
تقبلت هذه العبارة التي لا يمكن إنكارها بصمت .
قالت ميجان بطريقة حكيمة : " إنني سعيدة , كنت أخشى أن تكون غاضباً بسبب عجزك ـ ولكن إن كان ذلك طبيعياً , إلا إنه مختلف . "
قلت ببرود : إنني لست غاضباً . "
أنت سريع الانفعال إذاً ؟ "
"أنا سريع الانفعال لأنني أتعجل لاشفاء مرة أخرى ـ وهذه الأشياء لا يمكن استعجالها."
" إذن , لماذا أنت قلق ؟ "
بدأت أضحك . ثم قلت : " عزيزتي , ألم تتعجلي حدوث شيء أبداً ؟ "
فكرت ميجان في السؤال ثم قالت : " كلا , وما الذي يدعوني لذلك ؟ ليس هناك شيء يدعوني للعجلة . فلا شيء يحدث أبداً . "
صدمت بنبرة اليأس في كلامها , فقلت بلطف : " ماذا تفعلين هنا ؟ " هوت كتفاها .
قالت : " ما الذي يمكن فعله هنا ؟ "
" أليس لديك أية هوايات ؟ أتمارسين ألعاباً ؟ ألديك أصدقاء هنا ؟ "
" إنني غبية في الألعاب , ولا أحبها كثيراً , ولا يوجد الكثير من الفتيات هنا , الفتيات الموجودات لا أحبهن . فهن يحسبنني فظيعة . "
" هراء ! لماذا يعتقدون ذلك ؟ "
هزت ميجان رأسها . فقلت : " ألم تذهبي إلى المدرسة إطلاقاً ؟ "
" بلا , ولقد عدت منها قبل عام . "
" هل استمتعت بالمدرسة ؟ "
لم تكن سيئة , وإن كانوا قد علموني الأشياء بطريقة سخيفة للغاية . "
" ماذا تعنين ؟ "
" حسناً ـ مجرد قشور من هنا وهناك . ينحتون ويغيرون من شيء لآخر . لقد كانت مدرسة رخيصة , كما تعلم , ولم يكن المدرسون على درجة عالية من الكفاءة , فلم يكن بوسعهم الإجابة عن الأسئلة بشكل لائق . "
قلت : " القليل من المدرسين من يستطيع ذلك . "
" لِم لا ؟ من المفترض أن يكونوا أكفاء . "
وافقتها . فقالت : " بالطبع , أنا غبية جداً . ومثل هذه الأشياء تبدو لي متعفنة . التاريخ مثلاً , لماذا يختلف باختلاف الكتب ؟ "
قلت : " لأن كتابها مختلفون . "
واصلت ميجان حديثها قائلة : " والقواعد اللغوية , وموضوعات الإنشاء التافهة , وكل هذه السخافات التي كتبها شيلي متغزلاً في القبرات , ووردس ورث الذي أذهب شعره على نباتات النرجس البري . وشكسبير . "
تساءلت باهتمام : " وما العيب في شكسبير ؟ "
" إنه يتحذلق ويتحاذق ليقول أشياء في غاية الصعوبة , بحيث لا تستطيع فهم ما يعنيه, ومع ذلك فإنني أحب بعض أعماله . "
قلت : " إنني متأكد من أن ذلك يسعده كثيراً . "
يبدو أن ميجان لم تشك بنبرة السخرية التي تكسو كلامي , حيث قالت متهللة
الأسارير : " فأنا أحب مثلاً شخصيتي جونريل وريجان . "
" لماذا هاتان بالذات ؟ "
" أوه , لا أدري , إنهما تشعراني بالرضا إلى حد ما . لماذا كانتا كذلك في رأيك ؟ "
" ماذا كانتا ؟ "
" كانتا كما هما , شريرتين في الرواية . أعني أنهما لابد أن هناك شيء جعلهما كذلك ؟ "
لأول مرة يطرح علي هذا السؤال , فقد كانت مستقرة دائماً في وجداني فكرة أن ابنتي الملك لير فتاتان شريرتان , وهذا ما ارتضيته لنفسي , ولكن تساؤل ميجان عن الأمر جعلني أهتم .
قلت : " سأفكر في ذلك . "
" أوه , إن الموضوع ليس ذا أهمية , وإنما كنت أتساءل فقط . فهذا هو الأدب الإنجليزي على أية حال , أليس كذلك ؟ "
" تماماً , تماماً , ألم تعجبك أي مادة أخرى ؟ "
" الرياضيات فقط . "
تساءلت مندهشاً : " الرياضيات ؟ "
تهللت أسارير ميجان . وقالت : " لقد أحببت الرياضيات , ولكنها لم تُدرس على الوجه الأمثل , لكم تمنيت لو تعلمتها بشكل جيد حقاً , إنها مادة ساحرة . أعتقد أن الأرقام فيها نوع من السحر , أليس كذلك ؟ "
قلت بصدق : " لم أشعر بذلك مطلقاً . "
كنا الآن على وشك دخول شارع هاي ستريت . قالت ميجان بحدة : " هاهي الآنسة جريفيث . يا لها من امرأة كريهة . "
" ألا تحبينها ؟ "
" إنني أمقتها . فهي تلح علي دائماً حتى أنضم إلى جماعتها من فريق الكشافة المثيرات للاشمئزاز . إنني أكره فتيات الكشافة . ما الذي يدفع الواحدة منا إلى ارتداء أزياء خاصة والسير في مجموعات ووضع شارات على ملابسها من أجل شيء لم تتعلم فعله بطريقة صحيحة ؟ أعتقد أنه مجرد هراء . "
كنت بصفة عامة متفق مع ميجان , غير أن السيدة جريفيث هبطت علينا قبل أصارحها بموقفي .
كانت أخت الطبيب التي تحمل اسم إيمي جريفيث تتمتع بقدر من الثقة بنفسها يفوق ما يتمتع به شقيقها . وقد كانت امرأة جميلة , ذات وجه أشهب نتيجة التعرض للشمس , وكان صوتها عميقاً ويحمل نبرة ودودة .
أشارت إلينا قائلة : " مرحباً بكما , إنه صباح لطيف , أليس كذلك ؟ ميجان عي من أردت رؤيته . أريد مساعدتك في كتابة عناوين المظاريف إلى جمعية المحافظين ."
تمتمت ميجان بشيء مراوغ , ثم ألقت بدراجتها على حافة الطريق , واختفت بطريقة عمدية داخل المتجر الدولي .
قالت الآنسة جريفيث : " طفلة غريبة , إنها كسولة للغاية . فهي تقضي وقتها بالتسكع . لابد أنها تمثل مشكلة للسيدة المسكينة سيمنجتون . أعرف أن أمها حاولت أكثر من مرة تشجيعها على امتهان مهنة ما ـ الكتابة على الآلة الكاتبة , أو الطهي , أو تربية الأرانب . إنها بحاجة لشيئ تهتم به في الحياة . "
كنت أعتقد أن ذلك صحيح إلى حد بعيد , غير أنني شعرت لو أنني مكان ميجان لرفضت بحزم مقترحات الآنسة جريفيث وما ذلك إلا بسبب شخصيتها العدوانية التي كانت لتحول حياتي إلى جحيم ...
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  

قديم 27-09-09, 06:10 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
افتراضي

 

الفصل الثالث
1
في عصر ذلك اليوم ذهبنا لتناول الشاي مع السيد باي .
كان السيد باي رجل في غاية البدانة , ذا منثوي أنثوي , وكان يقضي كل وقته في العناية بمقتنياته من الأثاث البرجوازي الطراز , وتماثيل راعيات الأغنام ومجموعة أخرى من التحف . وكان يعيش في منزل برايولودج والذي كان يقع في أرض كانت في الماضي تابعة لدار عبادة قديمة .
وبكل تأكيد كان لطبيعة السيد باي في الاهتمام بالمنزل بكل رعاية أثرها في إضفاء جمال عليه , فقد كان هذا المنزل منزلاً في غاية الروعة , وكانت كل قطعة أثاث فيه تبدو لامعة و براقة وموضوعة في المكان الذي يناسبها تماماً . وكانت الستائر تتناغم تناغماً لونياً بديعياً مع الأثاث الذي كان يكسوه أغلى أنواع الحرير .
ولقد كان من المستحيل تصديق أن هذا المنزل يسكن فيه رجل بمفرده , فلقد أصابتني الدهشة لأنني وجدت أن من يعيش في هذا المنزل سوف يكون كمن يعيش في متحف . وكانت متعة السيد باي الكبرى هي أن يجول بضيوفه في أرجاء المنزل . وعندها لن يكون بوسع أي أحد أن يهرب من هذه الجولة , حتى أولئك الذين يدركون قيمة ما في المنزل من أثاث فخم وتحف ثمينة . فحتى لو كان مفهومك متطلبات المعيشة يقتصر على الأشياء الأساسية والتي هي المذياع والمائدة والمغطس والفراش وما يحيط بهذه الأشياء من الجدران , فلن يألو السيد باي جهداً في أن يدلّك على أشياء أفضل .
وكانت يداه الصغيرتان المكتنزتان ترتعشان عندما كان يصف لنا ثرواته ، وكان صوته يرتفع بحدة عندما كان يروي لنا الملابسات التي استطاع من خلالها إحضار هيكل فراشة الإيطالي هذا من فيرونا .
ولأنني وأختي كنا نعشق التحف والأثاث ذات الطرازالعتيق فقد لقينا استحساناً لديه.
وقال السيد باي : " إنني لسعيد أيما سعادة بصحبتكما هذه . إن هؤلاء الناس الأعزاء الذين يعيشون حولنا - كما تعلمون - هم بكل أسف مجموعة من القرويين السذج - لا أريد أن أقول إنهم أجلاف . إنهم لا يدركوا أي شيء . ما هم إلا مجموعة من الجهلة - جهلة تماماً ! والوضع في داخل منازلهم قد يدفعك للبكاء يا سيدتي العزيزة ، أأكد لك أنه سيدفعك للبكاء , أو ربما قد تكونين بكيتي بالفعل إذا رأيت منازلهم . " ، ولكن جوانا قالت إن الأمر لم يصل معها إلى هذا الحد .
تذمر السيد باي , وارتجف قليلاً ثم غمغم في حزن : " إلا أنك تتفهمين ما أقول , أليس كذلك ؟ إنهم يضعون الأشياء المتنافرة بجانب بعضها البعض بشكل مريع ! لقد رأيت ذلك بأم عيني . قطعة أثاث من طراز شيراتون ـ قطعة في غاية الجمال ـ لابد أنهم اشتروها من جامع تحف بلاستيك , ورأيت بجانبها مائدة مناسبات فيكتورية الطراز , أو لعلها كانت مصنوعة من خشب البلوط المدخن الذي يستخدم في صنع حافظات الكتب ـ نعم بلوط مدخن . "
ثم استطرد قائلاً : " لماذا يتصف الناس بهذا القدر من الجهل ؟ إنكم توافقونني . أنا واثق من أنكم توافقونني على أن الجمال هو الشيء الوحيد الذي يستحق أن نحيا من أجله . "
أجابته جوانا وهي مأخوذة بمدى صراحته : " نعم , نعم كما تقول . " فتساءل السيد باي : " إذاً فلماذا يملأ الناس حياتهم بالقبح ؟ "
قالت جوانا : " إن هذا شيء غريب . "
صاح السيد باي : " شيء غريب ؟ إنها جريمة نكراء ! إن هذا هو ما أسميه بالجريمة النكراء ! فلا يستطيع هؤلاء أن يسوقوا إلى مبررات لما يفعلون إلا أن يقولوا إن هذا يشعرهم بالارتياح . أو إنه جذاب وفريد من نوعه , فريد من نوعه يا له من قول فظيع ! "
ثم استطرد السيد باي قائلاً : " إن ذلك المنزل الذي أخذتماه , هو منزل الآنسة إيميلي بارتون . وهو أمر رائع , فهي تمتلك بعض التحف الجميلة , إنها رائعة للغاية . ولعل واحدة أو اثنتين من هذه التحف هي تحف من الدرجة الأولى . ولديها أيضاً حس جمالي عال ـ على الرغم من أنني حالياً لست على يقين من هذا كما كنت في السابق . فأحياناً يراودني إحساس بأن سبب هذا هو الألفة لا أكثر . أنها تحب أن تحتفظ بهذه الأشياء على الصورة التي كانت دائماً عليها , ولكنها لا تفعل هذا للدافع الصحيح ـ إنها لا تحافظ على تناسق هذه القطع بدافع من حسها الجمالي , وإنما لأن أمها تعودت أن تضع هذه التحف على هذا النسق . "
ثم تحول باهتمامه إلي وتغيرت نبرة صوته . من نبرة صوت فنان حالم إلى نبرة أب ناصح : " إنكما لم تتعرفا على أحد من أفراد العائلة , أليس كذلك ؟ نعم , بالقطع تعرفتما عليهما عن طريق السماسرة . ولكن يا أعزائي عليكما أن تتعرفا على أفراد العائلة ! عندما حضرت إلى هذا المكان لأول مرة كانت الأم الكبيرة لا تزال على قيد الحياة . لقد كانت إنسانة فوق العادة بكل ما تحمل الكلمة من معان ! لقد كانت وحساً إذا كنتما تدركان ما أقول , وحش بكل تأكيد . كانت تشبه وحشاً كلاسيكياً من العصر الفيكتوري وهي تلتهم صغارها . نعم هذا هو ما أقصده . لقد كانت إنسانة عتيقة الطراز ـ لقد كان لها ثقل ومكانة , وكانت بناتها الخمس يدرن في فلكها . كانت دائماً تشير إليهن بكلمة " البنات " ! في حين أن كبراهن كانت قد تجاوزت الستين من عمرها في ذلك الحين . وأحياناً كانت تناديهن بالبنات الحمقاوات . كنَّ كالإماء , وكنَّ دائماً يطعنها , ويحضرن لها ما تريد ويحملن لها ما تشاء . وكان عليهن أن يخلدن للنوم مع دقات الساعة العاشرة مساءً , ولم يكن يسمح لهن بأن يوقدن ناراً في مخادعهن , ولم تكن إحداهن تجرؤ على أن تدعو صديقة لها بالمنزل . تعلمون أنها قد حرمتهن من الزواج , وقامت بتخطيط حياتهة بشكل لا يتمكن به عملياً من مقابلة أي إنسان . أعتقد أن إيميلي , قد دخلت في علاقة قصيرة الأجل مع أحد رعاة الأبرشية . ولكن عائلته لم تكن عريقة بما فيه الكفاية , وسرعان ما وضعت الأم حداً لهذه العلاقة . "
قالت جوانا : " إن هذا يبدو ككلام الروايات . "
قال السيد باي :" نعم عزيزتي , هذا صحيح . ثم حدث أن ماتت تلك السيدة المسنة, ولكن بالطبع بعد أن فات الأوان كثيراً . لقد ظلت البنات يعشن في ذات المكان , ويتكلمن بأصوات هامسة عما كانت ستتمناه الأم المسكينة . حتى أنهن لم يجرؤن على تغيير أوراق الحائط في غرفة نومهن . إلا أنهن مع هذا استطعن أن ينلن بعض التسلية في الأبرشية بوسيلة أو بأخرى ... إلا أنه سرعان ما توفيت إحداهن تلو الأخرى لأنهن لم يستطعن مواصلة الحياة من دون أمهن . فماتت إيديث بمرض الإنفلونزا , وماتت ميني من عملية جراحية لم تتعافى منها , أما مايبل المسكينة فأصيبت بسكتة دماغية ـ وتولت إيميلي رعايتها بكل إخلاص وتفان . وبالفعل لم تفعل تلك المرأة المسكينة في العشر سنوات الماضية إلا رعاية أختها . يا لها من إنسانة رائعة , ألا توافقانني ؟ إنها تشبه تحفة ثمينة . إنه لشيء مؤسف أن تعاني من تلك الأزمات المالية . إلا أنه من المعروف أن جميع الاستثمارات قد عانت من هذا الكساد . "
قالت جوانا : " إننا نشعر بالضيق لأننا سوف نسكن في منزلها . "
قال السيد باي وهو ينحني بعض الشيء : " كلا , كلا يا عزيزتي . عليكي ألا تفكري بهذه الطريقة . لقد أخبرتني صديقتها العزيزة فلورنسا ـ والتي تقوم على خدمتها ـ بأنها في غاية السعادة لأنها حظيت بمستأجرين على هذا القدر من اللطف مثلكما , لقد رأت هذا من يمن طالعها . "
قلت : " إن ذلك المنزل يتمتع بجو باعث على الاسترخاء . " وعندئذٍ نظر إلي باي نظرة خاطفة وقال : " حقاً ؟ هل تشعر بذلك حقاً ؟ إن هذا شيء مشوق . لقد كنت أتعجب كما تعلمان , نعم لقد كنت أتعجب . "
سألت جوانا : " ماذا تعني يا سيد باي ؟ "
قال السيد باي وهو يفرق كفيه المكتنزتين : " لا شيء . لا شيء . إن الإنسان ليعجب أحياناً , هذا هو كل مافي الأمر . إنني أؤمن بفكرة الجو المحيط هذه . إنني أؤمن بأن أفكار الناس هذه وأحاسيسهم تنطبع على الأثاث والجدران . "
ولم أنبس بعدها بكلمة لدقيقة أو دقيقتين . كنت أنظر في المكان من حولي وأتساءل كيف يمكنني أن أصف جو منزل برايولودج . لقد كان أكثر ما لفت انتباهي أنه منزل ليس به أثر لأي روح ! لقد كان شيئاً عجيباً بالفعل .
لقد استولت علي هذه الفكرة تماماً لدرجة أنني لم أسمع حرفاً من المحادثة الدائرة بين جوانا ومضيفها. إلا أنني انتبهت لنفسي عندما سمعت جوانا تقول بعض العبارات التي تدل على مغادرتنا , فاستيقظت من أحلام اليقظة وأدليت بدلوي في هذه العبارات .
وخرجنا جميعاً إلى الردهة . وعندما وصلنا إلى باب المنزل , وجدنا أن هناك خطاباً كن قد وصل عبر البريد , وكان ساقطاً على ممسحة الأقدام أمام الباب .
غمغم السيد باي وهو يلتقط الخطاب : " بريد بعد الظهيرة . والآن يا أعزائي , إنكما سوف تكررا الزيارة , أليس كذلك ؟ لقد حظيت بسعادة بالغة لصحبة شخصين مثلكما ذوي عقول متفتحة , عقول تقدر الفن بالفعل , فأنتما تعلمان أن كل هؤلاء الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة لا يمتلكون أي حس فني على الإطلاق , فمثلاً إذا ما ذكرت أمامهم كلمة باليه فكل ما تعنيه هذه الكلمة لديهم هو الرقص على أصابع الأقدام , والتنورات الحريرية والسادة المهذبين ذوي عوينات الأوبرا الزجاجية الذين تبلغ أعمارهم تسعين عاماً . هذا بالفعل هو كل ما تعنيه الكلمة لهم . إنني أراهم أناس يتخلفون عن وقتنا هذا بنصف قرن على الأقل . إن إنجلترا لبلد بديع , وبه كما تعلمان مناطق المعزولة . وبلدة لايمستوك هي واحدة من تلك المناطق المعزولة . إنني من خبرتي كجامع للتحف أراها بلدة مثيرة للاهتمام ـ فعندما أكون هنا أشعر كما لو أنني في داخل واجهة زجاجية ينظر الناس من خلالها . إنني أشعر كما لو أنني أعيش في مياه راكدة , حيث لا شيء يكسر نمط الحياة الرتيب . "
وبعد أنا صافحنا السيد باي مرتين , ساعدني بعناية بليغة على الصعود إلى العربة , واتخذت جوانا مكانها خلف عجلة القيادة , ودارت بحرص حول مساحة من الأرض مغطاة بعشب مشذب , ثم مضت في خط مستقيم , ورفعت يدها ملوحة لمضيفنا الذي وقف عند درجات مدخل البيت . وملت بجسدي للأمام مودعاً إياه أنا أيضاً بدوري .
إلا أنه لم يلاحظ إشاراتنا المودعة تلك . فقد كان مستغرقاً في قراءة الخطاب الذي وصله للتو .
كانت جوانا قد وصفته ذات مرة بأنه ملاك مكتنز وردي اللون . لقد كان ما يزال في هذه اللحظة مكتنزاً , ولكنه كان يبدو أبعد ما يكون عن شكل الملاك . فلقد انقلب وجهه الملائكي إلى وجه تكسوه الحمرة من فرط الغضب وشدة الصدمة .
وفي هذه اللحظة , لاحظت أن مظهر الخطاب يبدو مألوفاً . لم أكن قد لاحظت هذا مسبقاً ـ لقد كان هذا من الأشياء التي تشعر بأنها مألوفة حينما تقع عليها عيناك دون أن تدرك أنك قد فعلتها من قبل , ولكن أين ومتى لا تعلم .
قالت جوانا : " يا إلهي , ما الذي أزعج ذلك المسكين ؟ "
قلت : " إنني أتعجب أنا أيضاً , ترى هل هي الأيدي الخفية مرة أخرى ؟ "
نظرت لي بدهشة , فانحرفت السيارة عن مسارها . قلت لها : " احترسي يا فتاة . "
عادت جوانا تنتبه للطريق . وقالت لي بوجه متجهم : " أتعني أن ذلك الخطاب مثل الذي تلقيته أنت ؟ "
قلت لها : " هذا ما أظن . "
تساءلت جوانا : " ما هذا المكان ؟ إنه يبدو كأكثر مكان هادئ في إنجلترا . "
قاطعتها قائلاً وكما قال السيد باي , لا شيء يكسر نمط الحياة الرتيب . لقد اختار الوقت الأسوأ لهذا القول , فهناك شيء قد كسر نمط الحياة الرتيب .
قالت جوانا : " ولكن من الذي يكتب مثل هذه الخطابات يا جيري ؟ "؟
هززت كتفيّ قائلاً : " وكيف لي أن أعرف يا عزيزتي ؟ لا بد أنه أحد القرويون ذوي العقول غير الناضجة . "
قالت : " ولكن لماذا ؟ إن هذا لتصرف في غاية الحماقة . "
قلت : " إذا قرأت لفريود أو لـ يونج فستجدين إجابة على سؤالك , أو يمكنك أن تسألي الدكتور أوين . " هزت جوانا رأسها قائلة : " إنني لا أروق له . "
قلت لها : " ولكنه لم يرك إلا قليلاً . "
قالت : " لكن من الواضح أنه رآني بدرجة تكفي لأن يغير طريقه إذا صادف وأن رآني قادمة من نفس الطريق . "
قلت لها بتعاطف : " إنه رد فعل غير اعتيادي , ولا يبدو أنك معتادة عليه . ط
عبست جوانا مرة أخرى وقالت : " كلا , ولكن حقاً لماذا يكتب الناس رسائل مجهولة كالتي تصلنا ؟ "
قلت لها : " كما قلت لك , لأن عقولهم غير ناضجة . أعتقد أن هذا يعوض نقصاً في نفوسهم . فمثلاً إذا كنت مهملة أو محبطة أو منبوذة , وتشعرين بالسؤم والخواء , فسوف تحسين ببعض القوة عندما تطعنين الآخرين في الظلام , هؤلاء الآخرون الذين يحييون في سعادة ورفاهية . "
ارتجفت جوانا قائلة : " إن هذا ليس جميلاً على الإطلاق , هكذا يكون علي أن أتخيل أناس هذه القرية كأناس بدائيين يقومون بتصرفات شاذة , أعتقد أن من قام بهذا شخص أمي , أعتقد أنه لو كان متعلماً لـ ... ط
توقفت جوانا ولم تكمل جملتها , ولم أعلق أنا بكلمة . فلم أكن قادراً أبداً على أن أتقبل الاعتقاد الذي يقول بأن التعليم هو دواء لكل داء .
وبينما كانت السيارة تنطلق باتجاه طريق مرتفع , وقبل أن نمضي صاعدين ذلك الطريق الرئيسي , أخذت أختلس النظر بفضول إلى معالم الطريق السريع . ورأيت إحدى النساء الريفيات ذوات الأجسام الممشوقة القوام وكانت عيناها تحملان الكثير من لاحقد والخبث , وربما كانت تخطط للمزيد من التصرفات الحاقدة .
ولكنني مع هذا لم أستطع أخذها على محمل الجد ...
2
بعد انقضاء يومين , ذهبنا إلى إحدى الحفلات التي كان يقيمها آل سيمنجتون .
لقد كان هذا في عصر يوم سبت ـ فآل سيمنجتون دائماً ما يقيمون احتفالاتهم يوم السبت, لأنهم في هذا اليوم يغلقون مكاتبهم .
لقد كانت هناك طاولتان للعب الورق , وكان اللاعبون هم آل سيمنجتون , ونحن , والآنسة جريفيث , والسيد باي والآنسة بارتون , والكولونيل أبلتون والذي لم نكن قد التقيناه من قبل , والذي كا يعيش في بلدة كومبياكر وهي بلدة تبعد عن بلدتنا حوالي سبعة أميال . لقد كان نموذجاً للشخص الساذج شديد المحافظة في نظرته إلى شؤون البلاد العامة , وكان في الستينيات من عمره , وكان يحب أن يلعب بأسلوب يسمى " اللعب الهجومي . " ( والذي كان دائماً ما ينتهي بإحراز خصمه لمكاسب كبيرة على حسابه ) ولقد كان معجباً للغاية بجوانا , لدرجة أنه لم يرفع عنها عينه طوال الأمسية .
ولهذا السبب كنت مظطراً لأن أوافقه على أن أختي هي أكثر شيء جذاب شوهد في لايمستوك منذ زمن بعيد .
وعندما وصلنا إلى الحفل كانت إليسي هولاند مربية الأطفال تحاول تجميع ألعاب الورق وإحراز المزيد من النقاط , وكانت تقوم باللعب على منضدة مزينة بأسلوب جذاب . كانت تختال في رشاقة وخفة , بنفس الطريقة البديعة الخلابة التي رأيتها تسير بها لأول مرة . ولكن لم أشعر بنفس تأثير سحرها , كما شعرت به من قبل ـ وهذا ما يبعث على الحنق والغيظ ـ لقد كانت آية في الرشاقة والجمال , ولكنني لاحظت لها أسناناً بيضاء عريضة بشكل غير طبيعي , وكانت عندما تضحك وتظهر لثتها تبدو كإحدى الفتيات الثرثارات .
وسمعتها تقول : " هل هذه هي أوراق اللعب الصحيحة يا سيدة سيمنجتون؟ إنني دائما أكون على قدر من الحماقة . بحيث لا أذكر أبدا أين وضعتها . إنه خطئي . لقد كانت في يدي آخر مرة عندما نادى علي برايان قائلا أن محرك سيارته قد أصابه عطب , فهرعت إليه وانشغلت معه , ولا بد أنني ألقيت بها في أي مكان بحماقه . وهذه الأوراق ليست هي الأوراق الصحيحة , لقد أدركت هذ الآن , إنها تميل إلى الآصفرار بعض الشيء عند حوافها . هل علي أن أخبر آجنس بأن ميعاد تانول الشاي في الساعة الخامسة ؟ سوف أصطحب الأطفال إلى لونج بارو حتى لا يسببوا الضوضاء . "
يا لها من فتاة لطيفة وحنونة وذات شخصية براقة . والتقت عيناي بعيني جوانا . لقد كانت تضحك , نظرت اليها ببرود , فقد كانت جوانا على الدوام تستطيع أن تعرف ما يجول في ذهني .عليها اللعنة .
ثم جلسنا امام طاولة اللعب , وبدأت أتعرف على قدرات أهل لايمستوك في لعب الورق . فالسيدة سيمنجتون كانت على قدر كبير من البراعة في اللعب , وكانت توجه كامل اهتمامها للعبة . وكانت كباقي النساء الغير متعلمات لا تنقصها الفطنة والفراسة . وكانت حادة الطباع بعض الشيء . وكان زوجها كذلك لاعبا ماهرا إلا أنه كان مبالغا في حذره . أما السيد باي فقد كان مبهراً في طريقة لعبه , لقد كان تأثيره النفسي على الحاظرين طاغيا . ولما كان هذا الحفل على شرفنا . فقد لعبنا على ذات الطاولة مع السيدة سيمنجتون والسيد باي . لقد كان السيد سيمنجتون يضطلع بمهمة تهدئة المنافسة إذا ما حمى وطيسها بين اللاعبين , وأن يصفي أي خلافات قد تنشب بينهم وهم على الطاولة . وكما ذكرت سابقا كان الكولونيل أبلتون مولعاً بالأسلوب الهجومي في اللعبة . ولقد كانت السيدة بارتون بكل تأكيد أسوأ لاعبة رأيتها في حياتي . إلا أنها كانت تستمتع باللعب كثيرا , ولقد استطاعت أن تحفظ دروسا في اللعبة , إلا أنها لم تستطع أن تفهم كيفية إحراز النقاط في هذه اللعبة . وكانت دائما ما تختلط عليها الأوراق فلم تلق بورقة صحيحة واحدة طوال مدة اللعبة . أما عن أسلوب لعب إيمي جريفيث فيمكن تلخيصه في كلماتها التي قالتها عن نفسها : " إنني أفضل علب الورق عندما لا يتخلل اللعبة الكثير من الهراء , فأنا لا أحب تلك الطرق المخادعة بتمرير المعلومات خلسة إلى شركاء اللعب . وإنني أعني ما أقول , وكذلك لا أحب أن ننخرط في تحليل ونقد اللعبة بعد انتهائها . ففي نهاية الأمر ما هي إلا مجرد لعبة ! " وهو الأمر الذي لم يجعل من مهمة السيدة سيمنجتون مهمة يسيرة .
وهكذا بدأ اللعب , وقد نسي الكولونيل أبلتون أن يلعب دوره عدة مرات لانشغاله بالنظر إلى جوانا .
ثم تم تقديم الشاي , وقد وُضع على طاولة كبيرة مستديرة . وبعد أن انتهينا من اللعب , دلف إلى الغرفة طفلان صغيران وقامت السيدة سيمنجتون بتقديمهما إلينا وهي في غاية الفخر , وكذلك كان والدهما .
وبينما نحن نستعد للرحيل , لاح لي ظل أثار انتباهي فنظرت وإذا بميجان واقفة عند الشرفة .
قالت الأم : " أوه , ميجان . "
كانت نبرة صوتها تحمل قدراً من المفاجأة وقد بدا أنها نسيت وجود ميجان . ودلفت الفتاة إلى المنزل , وصافحتنا بأسلوب خالٍ من أي لباقة .
قالت السيدة سيمنجتون بصوت يحمل نبرة اعتذار : " أخشى أنني نسيت أن أعد لك الشاي يا عزيزتي , فقد أخذت الآنسة هولاند قدح الشاي الخاص بها معها وكذلك فعل الأولاد , ولم يتبق شيء من ساي الأطفال اليوم ,لقد نسيت تماماً أنك لم تذهبي معهم ."
أومأت ميجان برأسها قائلة " لا بأس , سوف أذهب إلى المطبخ . "
ثم خرجت من الغرفة وهي تمشي الهويني . وكانت كعادتها مهلهلة الملابس , وترتدي الجوارب المثقوبة عند الكعبين .
قالت السيدة سيمنجتون وهي تضحك بطريقة تنم عن الاعتذار : " يا لميجان المسكينة , إنها الآن تمر بتلك السن الحرجة كما تعلمون , تلك السن التي تكون الفتيات فيها خجولات ومرتبكات لأنهن قد تركن المدرسة قبل أن يتم نضجهن ويصبح سيدات بحق . "
نظرت إلى جوانا , فوجدتها تميل برأسها إلى الوراء وهي بادرة عنف وأعرفها جيداً , وقالت : " ولكن ميجان في العشرين من عمرها , أليس كذلك ؟ "
" بلى بالفعل , ولكنها متأخرة ذهنياً عن سنها الفعلي , فهي لا تزال طفلة , إنه لشيء لطيف ألا يكبر أطفالنا بسرعة . " ثم ضحكت مرة أخرى وقالت : " أراهن على أن كل الأمهات يجببن أن يضل أطفالهن رضعاً . "
قالت جوانا : " لا أستطيع أن أدرك السبب في هذا , فلا بد أن أمر مخزٍ أن يكون العمر العقلي للإنسان لا يتجاوز السادسة , بينما جسده جسد شخص في العشرين من عمره . "
قالت السيدة سيمنجتون : " هذه الأمور لا تؤخذ على علاتاها يا آنسة بيرتون . "
أحسست في تلك اللحظة أنني لا أميل كثيراً للآنسة سيمنجتون . لقد أحسست أن خلف هيأتها النحيفة ذات الجمال الباهت تلك طبيعة أنانية مسيطرة . ثم بدأت تتكلم كلاماً زاد من كراهيتي لها . " يا لميجان المسكينة , إنها لطفلة صعبة المراس , لقد كنت أبحث لها عن أمر تنشغل به ـ أعتقد أن هناك أشياء كثيرة يمكن للمرء أن يتعلمها من خلال المراسلة . كتصميم وتفصيل الثياب ـ أو يمكنها أن تتعلم الكتابة الاختزالية . "
وكان لا يزال تطل من عيني جوانا نظرة حنق . وقالت عندما جلستا ثانية قبالة طاولة اللعب : " أعتقد أنها تستطيع أن تحضر بعض الحفلات وما شابه ذلك . ألا تفكرين فس إقامة حفل راقص على شرفها ؟ "
قالت السيدة سيمنجتون بمنتهى الدهشة : " حفلة راقصة ؟ كلا بالطبع , إننا لم نعتد القيام بمثل هذه الأمور هنا . "
" فهمت , إنكم لا تقيمون إلا حفلات التنس أو ما شابه ذلك . "
" إن ملعب التنس ـ الخاص بنا لم يمارس أحد اللعب عليه منذ سنين . وإنني لا أمارس التنس ولا ريتشارد أيضاً . ولكن ربما عندما يشب الولدان ـ سوف تجد ميجان الكثير من الأمور لكي تفعلها . إنها الآن تجد سعادتها في التجول في الأنحاء القريبة . ترى هل نسيت أن أوزع الورق ؟ "
بينما كنا في طريق عودتنا بسيارتنا , قالت جوانا وهي تظغط على دواسة البنزين بقوة جعلت السيارة تندفع بسرعة " إنني أرثى لحالة هذه الفتاة بشدة . "
" أتعنين ميجان ؟ "
" نعم , إن أمها لا تحبها . "
" لا يا جوانا , الأمر ليس بهذا السوء . "
" بل هو بهذا السوء , هناك الكثير من الأمهات لا يحببن أطفالهن . إنني أستطيع أن أتخيل هذا الأمر : فميجان هي مصدر للإحراج في هذه العائلة . إنها تفسد الصورة المثالية لعائلة سيمنجتون , فبدونها تبدو العائلة كياناً متكاملاً لا يعبه شيء ـ وهذا الأمر يسبب لهذه المخلوقة الحساسة ضرراً لا يفوقه أي ضرر . "
قلت لها : " نعم , إنني أراها إنسانة حساسة للغاية . "
ران علينا الصمت لحظة .
قال جوانا : " إن الحظ لم يحالفك مع مربية الأطفال تلك . "
قلت لها بكبرياء : " لا أدري ماذا تعنين . "
" كفاك من هذا الهراء , إنك تعلم جيداً ما أعني , لقد كسا وجهك حنق ذو طابع ذكوري عندما كنت تنظر إليها , إنني أوافقك أنها ساخرة . "
" لا أعرف عم تتحدثين . "
" إلا أنني مع هذا سعيدة . إنها إشارة جيدة على أنك عدت إلى الحياة من جديد . لقد كنت في المصحة , فهناك لم تكن حتى لم تلق بالاً لتلك الممرضة الحسناء التي كانت تقوم على رعايتك , رغم أنها كانت آية في الحسن . "
" إنني أجد في كلامك ابتذالاً يا جوانا . "
إلا أنها واصلت حديثها كأنها لم تسمعني وقالت : " ولهذا شعرت براحة كبيرة عندما رأيتك تبدي اهتماماً بفتاة حسناء . إنها بالفعل حسناء ولكن الغريب أنها ليست جذابة . هناك شيء لا أعرفه يجعل بعض الفتيات جذابات والبعض لا . ما الذي يجعل الرجال يفتنون ببعض النساء حتى وإن لم يقلن إلا عادياً على شاكلة : " يا لهذا الطقس السيء ."وهناك نساء يملكن وجوهاً آية في الحسن والجمال (أفروديت) ولكنهن غير جذابات على الإطلاق . وتجد أن النساء الأقل جمالاً يمتلكن هذا السحر وهو الأمر الذي يقود الفتيات الأخريات إلى الجنون , ويقلن : لا أعرف ماذا يرى الرجال في تلك المرأة , إنها غير جميلة على الإطلاق . "
" هل انتهيتي يا جوانا ؟ "
" ألا توافقني الرأي ؟ "
ابتسمت قليلاً وقلت : " أعترف بأنني أصبت بشيء من خيبة الأمل . "
" وإني لا أرى لك بديلاً غيرها وقد تضطر إلى أن تحول اهتمامك إلى إيمي جريفيث . "
قلت لنفسي : " لا سمح الله . "
قالت جوانا : " إنها فتاة حسناء كما تعلم . "
" إنها تبدو لي كواحدة من مقاتلات الأمازون . "
قالت جوانا : " يبدو لي أنها تستمتع بحياتها جيداً . وهي طيبة القلب أيضاً . إنني لن أندهش لو علمت أنها تستحم بماء بارد كل صباح . "
سألتها : " وماذا أنت فاعلة في نفسك ؟ "
" في نفسي ؟ "
" نعم , إنك تحتاجين لأن تشغلي نفسك بأمر ما , فأنا أعرفك جيداً . "
تنهدت جوانا بعمق وقالت : " من لاذي يتحدث بابتذال الآن ؟ وغير هذا أنك نسيت بول . "
" إنني لن أنساه بأسرع مما تنسيه أنت , إنك خلال عشرة أيام سوف تقولين : بول؟ بول من ؟ إنني لا أعرف أحداً يدعى بول . "
قالت جوانا : " إنك تظنني امرأة متقلبة المزاج . ط
" عندما يتعلق الأمر بأناس مثل بول فإنني أكون سعيداً لتقلب مزاجك هذا . "
" إنك لم تحبه يوماً , إلا أنه كان على درجة شديدة من العبقرية . "
" ربما , مع أنني أشك في هذا . على أي حال سمعت أن العباقرة أناس لا يطاقون . والجيد في الأمر أنك لن تستطيعي أن تجدي عبقرياً هنا . "
فكرت جوانا بعض الوقت وهي تحني رأسها ثم قالت بنبرة نادمة : " أخشى أن يكون هذا صحيحاً يا جيري . "
قلت لها : " على أية حال ليس لديك إلا أوين جريفيث . إنه هو الأعزب الوحيد في هذه البلدة . إلا إذا كنت تفكرين في الكولونيل أبلتون ؛ فلقد كان ينظر إليك كالكلب الجائع طوال جلستنا . "
ضحكت جوانا قائلة : " نعم لقد كان يحدق إلي بشدة , أليس كذلك ؟ لقد كان هذا الأمر محرجاً للغاية . "
" كفِّي عن التظاهر , إنك لم تشعري بالإحراج للحظة . "
مضت جوانا في القيادة وتجاوزت البوابة إلى المرآب . ثم ثالت : " ربما تكون محقاً إلى حد ما في فكرتك تلك . "
" أية فكرة ؟ "
" لا أفهم لماذا يقدم رجل ما على أن يغير من طريقه لكي يتجنبني , إن هذا لتصرف وقح ـ بصرف النظر عن أي شيء . "
قلت لها : " فهمت , إنك تريدي اصطياد الرجل بدم بارد . "
" إنني لا أحب أن يتجنبني أحد . "
خرجت من السيارة بحذر , وتوكأت على عكازي ثم قدمت لأختي نصيحة ..
" دعيني أقول لك هذا يا فتاة . أوين جريفيث ليس كأي من رفاقك الخاملين ذوي الطبيعة المحبة للفن . وإذا لم تأخذي حذرك سوف تفتحي عش الدبابير . إنه لرجل خطير . "
قالت جوانا وبدا أنها تستمتع بهذا الأمر : " هل تعتقد هذا ؟ "
قلت لها بإصرار : " هلا تركت ذلك الرجل لحاله ؟ "
" كيف يجرؤ على تغيير طريقه ليتجنبني ؟ "
" إن النساء لهن ذات الطبع . كلكن تعزفن على نفس النغمة . وإذا لم أكن مخطئاً فسوف تجدين أخته إيمي تشتكي منك . "
قالت جوانا : " إنها من البداية تكرهني . " كانت تتحدث وهي في حالة من التأمل ولكن بشيء من الرضا .
قلت لها مصراً : " إننا قد جئنا لهذا المكان طلباً للهدوء وراحة البال , وإنني حريص على أن أجدهما . "
إلا أن الهدوء وراحة البال كانا أبعد ما يكونا عنا .
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 04-10-09, 01:01 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 149707
المشاركات: 654
الجنس ذكر
معدل التقييم: جيرمون111 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيرمون111 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
افتراضي

 

الفصل الرابع
1
كان قد مضى أسبوع عندما أخبرتني بارتريدج أن السيدة بيكر تريد التحدث إلي قليلاً .
لم يبد لي اسم السيد بيكر مألوفاً على الإطلاق .
تساءلت في تحير : " من الآنسة بيكر , ألا يمكنها التحدث مع الآنسة جوانا ؟ "
ولكن علمت أنها لا تريد أن تتحدث معي أنا بالذات , ثم علمت فيما بعد أن السيدة بيكر هي والدة الفتاة بياترس .
كانت بياترس قد غابت عن ذهني تماماً , ولم أنتبه لهذا إلا عندما رأيت تلك المرأة التي تجاوزت الأربعين عاماً , ونال الشيب من بعض خصلات شعرها , والتي كانت جاثية على ركبتيها تغسل أرضية الحمام والسلالم والردهات . ولقد أدركت أنها الخادمة الجديدة . ولولا تلك المرأة لما خطرت بياترس بذهني أبداً .
ولم أستطع أن أرفض مقابلة والدة بياترس , خاصة بعد أن علمت بأن جوانا ليست موجودة في المنزل , ولكنني أعترف بأنني كنت أشعر ببعض الضيق حيال هذا الأمر.
ولقد كنت آمل بشدة ألا أتهم بالتلاعب بعواطف بياترس .
وأخذت ألعن في داخلي تلك التصرفات السخيفة التي يقوم بها كاتب هذه الرسائل المجهولة , ولكنني لم أفعل شيئاً إلا أن أطلب من بارتريدج أن تحضر والدة بياترس لمقابلتي .
كانت السيدة بيكر ضخمة الجثة طويلة القامة , وكانت تتحدث بسرعة شديدة . ولكنني شعرت بالكثير من الراحة عندما لم ألمح في صوتها أي نبرة غضب أو اتهام . بدأت السيدة بيكر الحديث ما أن انغلق باب الغرفة خلف بارتريدج قائلة : " أرجو يا سيدي أن تغفر لي جرأتي في طلب مقابلتك . ولكنني ظننت يا سيدي أنك الشخص المناسب الذي ينبغي أن آتي إليه ، ولسوف أكون شاكرة إذا ما كنت ستنصحني بما ينبغي عمله في ظل هذه الظروف الراهنة ، لأنه في رأيي يا سيدي لا بد من القيام بشيء ما في هذا الصدد ، وإنني لست من هؤلاء الناس الذين يتركون الأمور تتفاقم ، وما أقوله هنا هو أنه لا فائدة من الشكوى والتذمر ، وإنما لا بد من ترك الكلام والبدء في الفعل كما قال رجل الدين الأسبوع قبل الماضي . "
شعرت ببعض الحيرة لأنني أحست كأن هناك شيئاً أساسياً فاتني أن أفهمه في هذه المحادثة .
قلت لها : " بكل سرور , ألن تتفضلي بالجلوس يا سيدة بيكر ؟ إنني سوف أسعد بتقديم العون لك . "
ثم صمت للحظة منتظراً منها أن تجلس .
وجلست السيدة بيكر على حافة مقعدها بعد أن قالت : " أشكرك يا سيدي , إن هذا تصرف في غاية الكرم من جانبك يا سيدي . وإنني في غاية السعادة لأنني أتيت لمقابلتك , ولقد قلت هذا لـ بياترس عندما كانت تبكي في فراشها , لقد قلت لها إن السيد بيرتون سوف يعرف ما ينبغي عمله , فهو سيد مهذب قادم من لندن . ولا بد بالفعل من عمل شيء ما , ما بال هؤلاء الشباب المندفعين الذين لا يصغون إلى صوت العقل , ولا يصغون إلى أي كلمة تقولها فتاة ؟ وعلى كل حال لقد قلت لبياترس إنني لو كنت مكانها لفعلت كا ما في وسعي لكي أنتقم منه , وماذا عن تلك التاة في الطاحونة ؟ "
ازدادت حيرتي مع كلامها , فقلت : " معذرة , ولكنني لا أفهم , ما الذي حدث ؟ "
" إنها الخطابات يا سيدي , خطابات بذيئة . وغير لائقة كذلك . وبها كلمات سيئة ومثير للاشمئزاز بشدة . "
وهنا استرجعت شريط الأحداث في ذهني وتكشفت لي الأمور ؛ فقلت لها بيأس : " هل تلقت ابنتك المزيد من الرسائل ؟ "
ليست هي يا سيدي , هي لم تتلق إلا رسالة واحدة . تلك الرسالة التي كانت سبب رحيلها من هذا المنزل . "
قلت لها : " لم يكن هناك ما يدعو لأن ــ ! " , إلا أن السيدة بيكر قاطعتني بأسلوب حازم ولكنه مهذب وقالت : " لا داعي لأن تكمل يا سيدي , إن كل ما جاء في هذه الخطابات لا يعدو أن يكون بعض الأكاذيب الدنيئة . إنك يا سيدي لست من هذا النوع من الرجال , لقد أكدت الآنسة بارتريدج هذا ـ ولقد لمست هذا بنفسي . ما هي إلا أكاذيب حقيرة , ولكني قلت إنه من الأفضل أن تغادر بياترس المنزل لأنك تعرف جيداً ما يقال يا سيدي , إن الناس سيقولون لا دخان بلا نار , ولقد انزعجت الفتاة بشدة , لقد وافقت بياترس عندما رفضت المجيء إلى هنا ثانية , رغمم أن كلينا قد شعر بالأسف للارتباك الذي سببناه لكم بهذا . "
توقفت السيدة بيكر قليلاً وأخذت نفساً عميقاً ثم قالت بعد جهد : " ولقد كنت آمل أن يوقف هذا التصرف هذه الشائعات الحقيرة . ولكن جورج عامل الممرآب , وهو خطيب بياترس , قد تلقى واحدة من هذه الرسائل التي تفتري على ابنتي بياترس افتراءً فظيعاً , وكيف أنها على علاقة آثمة مع توم ابن فريد ليد بيترز ... وأؤكد لك يا سيدي أن ابنتي لم تقترف أبداً شيئاً ينافي الذوق والأخلاق . "
وهنا بدأ رأسي يطن ، فلقد زاد الأمر تعقيداً بظهور قصة توم ليد بيترز هذا .
قلت لها امنحيني فرصة لكي أستوعب هذا الأمر جيداً ، لقد تلقى خطيب بياترس رسالة مجهولة المصدر تتهم بياترس بتورطها في علاقة مع شاب آخر، أليس كذلك؟
" هذا صحيح يا سيدي – ولقد كانت رسالة بعيدة كل البعد عن التهذيب ، ولقد كانت مليئة بألفاظ بذيئة أثارت جنون جورج ، فجاء مسرعاً إلى بياترس وقال لها إنه لا يقبل أبداً هذا التصرف من جانبها ، ويرفض بأن تواعد رجالاً آخرين من وراء ظهره ... وعندما أخبرته أن هذا كذب حقير ، قال لها : " لا دخان بلا نار ." ، واندفع خارجاً من المنزل في غاية الغضب ، وبدت التعاسة على بياترس المسكينة . وعندها قلت لها إني سوف أرتدي قبعتي وأذهب لمقابلتك يا سيدي ... "
صمتت السيدة بيكر متوقعة مني أن أرد عليها تماماً كما يتوقع الكلب الحصول على جائزة بعد أن يؤدي حركة جيدة . ولكنني سألتها : " ولكن لماذا لماذا أتيتي إلي أنا بالذات ؟ "
" لقد علمت يا سيدي أنك تلقيت واحدة من هذه الرسائل الدنيئة , ولقد فكرت في أنك تعرف ـ وأنت القادم من لندن ـ ما الذي يتوجب فعله لعلاج هذا الأمر ؟ "
قلت لها : " لو كنت مكانكي لذهبت إلى الشرطة ؛ فلابد من وضع حد لهذا الأمر . "
نظرت لي السيدة بيكر وعلى وجهها أمارات الصدمة وقالت : " كلا يا سيدي , لا أستطيع أن أذهب للشرطة . "
" ولِم لا ؟ "
" لم يسبق لي أن تعاملت مع الشرطة , ولا أي أحد من عائلتي كذلك . "
" قد يكون هذا صحيحاً , ولكن الشرطة فقط هي من تستطيع أن تضع حداً لهذا الأمر , فهم موكلون بهذا . "
" هل أذهب إلى بيرت راندل ؟ "
كنت قد علمت أن بيرت راندل هو أحد رجال الشرطة .
" لابد أن هناك رقيباً أو مفتشاً في قسم الشرطة . "
" أنا أذهب إلى قسم الشرطة . "
قالتها السيدة بيكر بصوت خافت جعلني أشعر بالضيق " هذه هي النصيحة الوحيدة التي يمكنني أن أسديها لك . ط
صمتت السيدة بيكر وكان واضحاً أنها لم تقتنع بكلامي . ثم قالت بحزم وصرامة : " لابد لهذه الرسائل أن تتوقف يا سيدي , يجب أن تتوقف , وإلا سوف تحدث مصيبة عاجلاً أم آجلاً . "
قلت لها : " أعتقد أن المصيبة قد وقعت بالفعل ؟ "
" إنني أعني العنف يا سيدي , هؤلاء الشباب تنتابهم المشاعر العنيفة ـ وكذلك الرجال الكبار . "
سألتها : " هل هناك الكثير من هذه الرسائل وصلت إلى الناس في هذه البلدة ؟ "
أومأت السيدة بيكر بالإيجاب , وقالت : " إن الأمر يزداد سوءاً على سوء يا سيدي . فمثلاً , السيد بيدل وزوجته , اللذان كانا يعيشان في سعادة وهناء في منطقة بلوبور ـ والآن بعد أن تلقى السيد بيدل هذه الرسائل بدأ يفكر في أمور سيئة يا سيدي . "
ملت بجسدي للأمام وقلت لها : " سيدة بيكر هل لديك أية فكرة عن هوية كاتب هذه الرسائل المجهولة ؟ "
ولدهشتي الشديدة كالت برأسها للأمام . قالت : " كلنا لديه فكرة يا سيدي , كلنا يعرف بالظبط من يفعل هذا , من هو ذلك الآثم ؟ "
فكرت أنها تتردد في ذكر اسم معين , ولكنها أجابت بصراحة : " إنها السيدة كليت ـ هذا هو ما نحن جميعاً متأكدون منه ـ إنها كليت ولا شك . "
لقد سمعت الكثير من الأسماء الغريبة هذا الصباح .
ولقد اكتشفت أن السيدة كليت زوجة لرجل كهل يعمل بستانياً . وكانت تعيش في كوخ على طريق الطاحونة . إلا أنني لم أجد أي إجابات مرضية عنها . ولما سألتها لماذا تقدم السيدة كليت على فعل هذا أجابتني قائلة : " لأن هذا هو من صفاتها الشخصية . "
وفي النهاية تركتها تذهب بعد أن كررت لها نصيحتي بالذهاب للشرطة , والتي كنت متأكداً من أنها لن تأخذ بها . ولقد تركتني وأنا اشعر بأنني خذلتها بشكل ما .
وفكرت ملياً فيما قالته . فرغم غموض هذا الدليل الذي ساقته السيدة بيكر , أحسست بقبول فكرة أنه إذا ما اتفقت القرية كلها على أن السيدة كليت هي كاتبة هذه الخطابات فلابد أنهم محقون : وقررت أن أستشير جريفيث في هذا الأمر . فلابد أنه يعرف هذه المرأة المدعوة كليت , وإذا قبل نصيحتي فسأستطيع أنا أو هو أن نخبر الشرطة بأن هذه المرأة هي سبب كل الإزعاج الذي نشعر به .
وذهبت إلى جريفيث في الوقت الذي افترضت فيه أنه سيكون قد انتهى من عملياته الجراحية . وعندما خرج المريض الأخير من عنده , دلفت على غرفة الجراحة .
" مرحباً , أهذا أنت يا بيرتون ؟ "
" نعم , أريد أن أتحدث إليك . "
لخصت له محادثتي مع السيدة بيكر إلى أن انتيهيت إلى اتهامها للسيدة كليت بأنها السبب في هذا الأمر .
إلا أنني أصبت بالإحباط عندما هز جريفيث رأسه قائلاً : " ليس الأمر بهذه البساطة . "
" ألا تظن أن تلك المرأة المدعوة كليت هي السبب في هذا كله ؟ "
" ربما كانت بالفعل , ولكنني أستبعد هذا الاحتمال . "
" إذن لماذا يتهمها الجميع بهذا ؟ "
ابتسم قائلاً : " إنك لا تفهم . إن السيدة كليت تعتبر الساحرة الشريرة في القرية . "
صحت متعجباً : " يا إلهي الرحيم ! "
" نعم , هذا الكلام يبدو غريباً في وقتنا هذا , إلا أن هذا هو الواقع بالفعل . هناك اعتقادات راسخة تقول أن هناك بعض الأشخاص الذين ليس من الحكمة أن تهينهم . إن السيدة كليت تنتمي إلى أسرة من (( النساء الحكيمات )) , ولقد بذلت جهداً كبيراً كي تنشر هذه الأسطورة وتنميها . إنها امرأة شاذة الطباع وذات روح دعابة عالية . إنها قد لا تظهر أي قدر من التعاطف إذا ما حدث على سبيل المثال أن قطع طفل إصبعه أو سقط بشدة على الأرض أو أصيب بداء النكاف , فكل ما قد تفعله هو أن تهز رأسها قائلة : " هذا أفضل , فقد سرق تفاحاتي الأسبوع الماضي . " أو " لقد جذب ذيل قطتي . " . ومع الوقت بدأت الأمهات تبعدن أطفالهن عنها , وبعضهن بدأن في إهداءها العسل والكعك حتى يأمن ألا تتمنى المرض لأطفالهن . إنه لأمر خرافي وسخيف ولكنه حقيقي . ولذا فمن الطبيعي أن يعتقد أنها سبب كل هذا . "
" ولكن أليست هي كذلك ؟ "
" كلا ـ إنها ليست من هذا النوع ... ليس الأمر بهذه البساطة . "
نظرت له بفضول وقلت له : " أليس لديك أية فكرة ؟ "
أخذ يهز رأسه ولكن عيناه كانتا شاردتين وقال : " كلا ليس لدي أي فكرة , ولكن هذا الأمر لا يروقني يا بيرتون ــ هناك سوء كبير سوف ينجم عن هذا الأمر . "
2
عندما عدت إلى المنزل وجدت ميجان جالسة على درجات الشرفة ، وكانت تسند ذقنها إلى ركبتيها .
حيتني بدون حرارة كالمعتاد قائلة : " مرحباً ، هل تعتقد أنه يمكنني أن آتي إلى مأدبة الغداء ؟ " .
قلت لها : " بكل تأكيد " .
" إذا كان الغداء هو أضلاع اللحم أو أي شيء معقد آخر ولن يكفي , فقط أخبرني . " , صاحت ميجان بهذا بينما كنت ذاهباً لأخبر بارتريدج بأن ثلاثة أشخاص سيكونون على الغداء اليوم .
واندهشت عندما رأيت ردة فعل بارتريدج . لقد أبدت لي دون أن تنبس ببنت شفة أنها لا تبالي على الإطلاق بالآنسة ميجان .
وعدت إلى الشرفة مرة أخرى .
سألتني ميجان بقلق : " هل كل شيء على ما يرام ؟ " .
قلت لها : " نعم ، كل شيء على ما يرام ، سيكون غداؤنا اليخنة الأيرلندية " .
" حسناً إنها لا تختلف كثيراً عن غذاء الكلاب ، أليس كذلك ؟ أعني أنها لا تزيد على البطاطس والدقيق ."
قلت لها : " نعم ، بالضبط . "
أخرجت علبة سجائري ، ومددت يدي بها إلى ميجان إلا أن الحمرة كست وجهها وقالت : " لكم كان هذا لطيفاً منك . "
" ألن تأخذي واحدة ؟ "
" كلا ، لا أدخن ، ولكنني أراه تصرفاً غاية في اللطف أن أتعرض على هذا – تماماً كما لو أنني كنت شخصاً حقيقياً . "
قلت لها بتعجب : " ألست شخصاً حقيقياً ؟ "
هزت رأسها وحاولت تغيير الموضوع بأن مدت ساقها الطويلة التي يغطيها التراب أمام ناظري وقالت بفخر : " لقد قمت برتق جواربي " .
أنا لا أعلم الكثير عن رتق الجوارب , إلا أنني حدثت نفسي أن حياكة بعض قطع الصوف المفتوحة ليس بإنجاز يستحق المرء أن يفخر به .
قالت ميجان : " ولكنني أشعر بأن جواربي كانت مريحة أكثر عندما كانت مثقوبة ."
قلت لها : نعم هذا ما يبدو . "
" هل أختك بارعة في رتق الجوارب ؟ "
حاولت أن أتذكر إذا ما كانت جوانا لها أي خبرة في مجال الأعمال اليدوية من هذا النوع .
واضطررت إلى أن أقر لها قائلاً : " لا أدري ! "
" ولكن ماذا تفعل إذا ثُقب أحد جواربها ؟ "
قلت متردداً : " أعتقد أنها تتخلص منه وتبتاع زوجاً جديداً . "
قالت ميجان : " هذا شيء جميل , ولكن لا يمكنني أن أفعل هذا . فإن كل مصروف جيبي الذي أحصل عليه لا يتعدى الأربعين جنيهاً سنوياً . وهو مبلغ لا يستطيع المرء أن يفعل به الكثير . "
وافقتها على ذلك . فقالت بحزن : " لو أنني أمتلك جوارب سوداء , لكان بإمكاني أن أطلي قدمي باللون الأسود لكي لا تظهر الثقوب . وهذا هو ما كنت أفعله أيام المدرسة . فقد كانت الآنسة باتورثي ناظرة المدرسة , والتي كانت تولي اهتمامها لمظهرنا العام , كانت تماماً مثل اسمها كالخفاش الأعمى . وكنا نستغل هذا بشكل كبير . "
قلت لها : " لابد أنها كانت كذلك بالفعل . "
ران علينا الصمت كنت أدخن غليوني . لقد كان صمتاً مطبقاً . ولكن سرعان ما كسرت ميجان حاجز الصمت هذا قائلة فجأة وبحدة : " لابد أنك تعتقدني إنسانة فظيعة كما يعتقدني الآخرون . "
أجفلت بشدة , لدرجة أن غليوني سقط من فمي , لقد كان مصنوعاً من الميرشوم وكانت ألوانه جميلة . فقلت لميجان وأنا غاضب : " انظري ماذا فعلت . "
إلا أنها تصرفت تماماً كالأطفال الذين لا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم وقالت وهي تبتسم : " إنك تروق لي بالفعل . "
كانت عبارتها تلك عبارة في غاية الدفء , عبارة قد يقولها كلبك إذا استطاع التحدث . لقد خطر لي أن ميجان ما هي إلا مجرد جواد يتخذ وضعية كلب . إنها لم تكن بشرية كاملة بكل تأكيد .
سألتها وأنا أجمع شظايا غليوني المكسور بحذر : " ماذا كنت تقولين قبل أن يسقط غليوني ؟ "
قالت : " لقد قلت أنك ربما تعتبرني إنسانة فظيعة . " ’ إلا أنها لم تنطق عذع العبارة بنفس اللهجة التي قالتها بها المرة السابقة .
" ولماذا قد اعتقد هذا ؟ "
قالت ميجان بكآبة : " لأنني كذلك بالفعل . "
قلت : " لا تكوني حمقاء . "
هزت ميجان رأسها وقالت : " إن هذا هو الواقع , أنا لست حمقاء , إن الناس يعتقدون هذا , وهم لا يعلمون أنني أعلم حقيقتهم , وأنني أكرههم . "
" تكرهينهم ؟ "
قالت ميجان : " نعم أكرههم . "
نظرت بعينيها الكئيبتين اللتين لا يمتان بصلة إلى مظهرها الطفولي إلى عيني مباشرة , دون أن ترمش ولو لمرة واحدة . لقد كانت نظرة طويلة كئيبة .
وقالت : " لقد كنت لتكره الناس لو كنت مكاني , إذا كنت منبوذاً . "
قلت لها : " ألا تظنين أنكي تبالغين في هذا الأمر قليلاً ؟ "
قالت ميجان : " نعم , هذا ما يقوله الناس دائماً عندما تخبرهم بالحقيقة . وهذه هي الحقيقة . إنني غير مرغوب فيّ ولا أدري لماذا ! لعلني أذكرها بأبي والذي كان قاسياً جداً عليها , وكان في غاية الفظاظة كما سمعت . إلا أن الأمهات لا يمكنهن أن يصرحن بأنهن يكرهن أطفالهن , أو أن يتخلصن منهن . إن القطط تأكل ما لا يروقها من صغارها , إن هذا أمر عقلاني , ولكن بشكل فظيع , فهو يسبب فوضى أو أذى . ولكن الأمهات من البشر لا يمكنهن ذلك , فعليهن أن يحفظن صغارهن وأن يعتنين بهم . ولكن الحقيقة أن أمي لا تريد سوى أن تعيش بمفردها هي وزوجها والأولاد . "
قلت لها بتمهل : " ما زلت أراك تهولين في الأمر يا ميجان , ولكن إذا ما كان كلامك صحيحاً , فلماذا لا تغادري هذا المنزل وتستلقي حياتك ؟ "
ابتسمت ابتسامة طفولية وقالت : " أتعني أن أحصل على عمل , وأكسب قوتي بنفسي ؟ "
" نعم . "
" وأي عمل هذا ؟ "
" أعتقد أنك يمكنك أن تتدربي على عمل ما , كأن تكوني كاتبة اختزال مثلاً , أو تكوني مسئولة حسابات . "
" لا أعتقد أنه بإمكاني فعل هذا . فأنا خرقاء للغاية في هذه الأمور . وبالإضافة إلى هذا ــــ "
" ماذا هناك ؟ "
أشاحت بوجهها عني , ثم أدراته ببطء ناحيتي من جديد . وكان وجهها مربداً , وترقرقت بعض الدموع في عينيها . وأخذت تتحدث وفي صوتها نبرة طفولية للغاية وقالت : " لماذا يجب علي أن أرحل ؟ وأن أُجبر على الرحيل ؟ إنهم لا يريدونني ولكنني سأبقى . سأبقى وسأسبب لهم التعاسة . سوف أجعلهم يشعرون بالضيق والتعاسة . يا لهم من خنازير حقودة ! إنني أكره كل من في لايمستوك . إنهم جميعاً يرونني حمقاء وقبيحة . لسوف أريهم . لسوف أريهم . لسوف ــــ "
لقد كانت ثورة غضبها طفولية مثيرة للشفقة بشكل غريب . سمعت وقع أقدام على الأرضة المفروشة بالحصى التي تحيط بالمنزل , فقلت لها بغلظة : " انهضي واذهبي إلى الطابق الأول , حيث الحمام في نهاية الممر كي تغسلي وجهك , هيا أسرعي . "
قفزت ونظرت إلي بحرج وارتباك , واندفعت نحو النافذة عندما ظهرت جوانا بجواري وقالت : " يا إلهي , إنني أشعر بالحر الشديد , إنني أمقت هذه الأحذية الأيرلندية اللعينة . لقد مشيت بها لأميال , إن المرء لا يجدر به أن يجعل هذه الأحذية تثقب , فالحصى بنفذ من خلالها إلى القدم , وأعتقد يا جيري أننا نحتاج لأن نقتني كلباً . "
قلت لها :" وأنا كذلك أعتقد هذا . بالمناسبة , إن ميجان ستتناول الغداء معنا اليوم ."
" حقاً , عظيم ! "
سألتها : " هل تروق لك ؟ "
قالت جوانا : " أعتقد أنها طفلة , طفلة كالتي في تلك الخرافة تقول , إن الجنيات يستبدلن بعض الأطفال بأطفال آخرين , إنه من الممتع أن يلتقي المرء بإحدى الأطفال الآخرين . إيه ــ علي أن أذهب وأغتسل . "
قلت لها : " ليس الآن ؛ فميجان تغتسل الآن في الحمام . "
" لقد تلطخت قدماها بالوحل مرة أخرى , أليس كذلك ؟ "
ثم أخرجت جوانا مرآتها وأخذت تنظر إلى وجهها باهتمام وقالت : " لا أعتقد أنني أحب أحمر الشفاة هذا . "
وهنا دلفت ميجان من الباب , وكانت مهندمة الثياب ونظيفة , ولم تبد عليها أي من آثار ثورتها السابقة . وأخذت تنظر إلى جوانا بريبة .
قالت لها جوانا وهي لا تزال منشغلة بالنظر إلى وجهها : " مرحباً , لقد سعدت تماماً عندما سنعت أنك ستتناولين طعام الغداء معنا اليوم . يا إلهي ! إن هناك نمشاً على أنفي , لابد أن أفعل شيئاً حيال ذلك . إن النمش هو شيء خطير . ذو طابع اسكوتلاندي . "
وهنا أتت بارتريدج وأخبرتنا أن الطعام قد أُعد .
قالت جوانا : " هيا , إنني أتضور جوعاً . "
وتأبطت ذراع ميجان ورافقتها إلى المنزل .
يتبع ...

 
 

 

عرض البوم صور جيرمون111  
قديم 04-10-09, 11:01 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2009
العضوية: 145358
المشاركات: 58
الجنس ذكر
معدل التقييم: تلوستوى عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تلوستوى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
افتراضي

 



شكرا على الموضوع

 
 

 

عرض البوم صور تلوستوى  
قديم 12-10-09, 02:08 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 51396
المشاركات: 33
الجنس أنثى
معدل التقييم: لينة85 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 12

االدولة
البلدItaly
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
لينة85 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جيرمون111 المنتدى : أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
افتراضي

 

اين النهاية

شكرا لك على القصة
و ننتظر التتمة

 
 

 

عرض البوم صور لينة85  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأصبع المتحركة, اغاثا كريستي, على شكل ورد
facebook



جديد مواضيع قسم أغاثا كريستي , روايات أغاثا كريستي
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t120042.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 16-03-10 11:46 AM
ط§ظ„ ظٹظپظˆط­ ط§ط³طھط·ط§ط¹ ظƒظ†طھ ط­ط¸ظ‘ط±طھ This thread Refback 04-02-10 08:10 PM


الساعة الآن 05:45 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية