لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-01-09, 04:45 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jun 2008
العضوية: 83198
المشاركات: 49
الجنس أنثى
معدل التقييم: قطوهـ سعوديه عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قطوهـ سعوديه غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

مشكوره على الروايه الحلوه تكفين كمليها بسرعه

 
 

 

عرض البوم صور قطوهـ سعوديه   رد مع اقتباس
قديم 17-01-09, 09:24 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الخامس


مر بعد الظهر , و ابيغيل مهتمة كثيراً بمحتوى ملاحظات ماكس المدونة على الورق .. وكانت قد تنهدت بارتياح إذ رأت بأن ماكس قد رقم الصفحات على الأقل , بالرغم من أنها كانت مبعثرة . بعد أن تفحصتها , أخذت تطبعها على الكمبيوتر وكان في أولها :
إن بلدي سويسرا شهيرة بالعديد من الصناعات كالساعات مثلاً , الآلات , وصناعة الأنسجة . كذلك , تشتهر بالجبال التي يحلو التزلج عليها , لذلك فهي بلد سياحية جميلة ولكن ما لا يعرفه الكثيرون هو وجود مناطق عديدة حيث تزرع الدوالي وحيث أصبحت صناعة الدبس من التجارات المحلية المهمة .منتديات ليلاس
رن جرس الهاتف وقطعت ابيغيل عملها . ثم قالت : " أنا ابيغيل هايلي . مرحباً مارتينا , نعم هذا أنا كيف عرفتِ ذلك؟ "
" لقد اتصلت بقاعة الاستقبال . وكان أحدهم قد رآك تتوجهين نحو المكتب . هل تستطيعين إعطائي القليل من وقتك؟ لقد أجريت بعض التعديلات على ثوبك . هل تتذكرين كيفية الوصول إلى مشغلي؟ "
بعد بضع دقائق وصلت ابيغيل إلى مشغل مارتينا فقالت لها : " هل تمانعين إن طلبت منك قياسه؟ حسناً . "
قالت مارتينا بعد مرور بعض الوقت : " أليس رائعاً هل يعجبك يا ليليان؟ " وعبرت عن إعجابها بمظهر ابيغيل " أقترح عليك عليكِ أن تعطيني الثوب حتى تقوم ليليان بكيه عندها ستتمكنين من ارتدائه في المساء وذلك ... سيكون بعد عشرين دقيقة . سوف تتناولين العشاء معنا رايموند وأنا , هل توافقين على ذلك؟ حسناً والآن أرجو أن تشغلي نفسك بشيء حتى أنتهي من ترتيب الأغراض . "
تأملت ابيغيل فستاناً وضع وراء الباب ثم جالت في المشغل وهي تمعن النظر بالتصاميم والأقمشة التي وضعت في كل مكان . وقد أعجبت بألوانها , بقصاتها بقماشها الناعم . قالت ابيغيل : " أنتِ شديدة الذكاء ."
ضحكت مارتينا وقالت : " يمكنني أن أدعي الحياء وأنكر ذلك ولكن ... إن كوني من عائلة فلدر يجعلني أبتعد عن الخجل ودربت جيداَ كذلك , فقد سافرت ... إلى بلدك أيضاً ... لأتعلم تقنيات جديدة , لديك ... أنتِ أيضاً موهبة لا تزال مخبأة ... أعني موهبة فذة ... ومعظم الناس يملكون واحدة إن ذلك هو رأيي الشخصي . على كل حال حسب هيئة أصابعك أنتِ تعزفين على البيانو؟ "
أجابت ابيغيل متعجبة : " إن لديك وقة ملاحظة كبيرة . نعم , أنا أعزف على البيانو . لقد أخذت دروساً في العزف إذ كنت طفلة وقد خضعت لعدة امتحانات في مادة الموسيقى , ولكنني لا أحيي حفلات موسيقية! "
قالت : " لا يستطيع الجميع الوصول إلى ما يريدون . "
قالت وهي تنظر بسرور إلى صورة ابيغيل في المرآة , " كأن هذا الثوب قد صمم خصيصاً لكِ . وأنا أعرف على الأقل شخصاً قد لاحظ ذلك . "
" اتعنين رايموند بالطبع ."
" هل فهمت الأمر بهذه الطريقة؟ نعم إن رايموند قوي الملاحظة ولكن كلا كنت أفكر بـ .. دعك من الأمر لن يكون هنا في المساء . "
لا يمكن أن تكون مارتينا قد عنت شقيقها البكر بكلامها هذا .
كانوا قد وصلوا إلى طاولتهم وأحذو يقرؤون لائحة الطعام , عندما رفعت ابيغيل نظرها نحو المدخل . توقف الواصلان الجديدان واصطدمت عينا الرجل واللذان تصعب قراءتهما بعيني ابيغيل وقفت رفيقته تراقب المشهد . لم يكن من الممكن أن تكون رفيقة رولف تلك سوى لورا مارشان , أليس كذلك؟ سألت ابيغيل نفسها , وقد أخافها إحساس الغيرة الذي شعرت به .منتديات ليلاس
: " هل نجلس على طاولتنا المعتادة يارولف؟ " سألت لورا بينما لعلعت نبرتها الانجليزية في المطعم . دون أن تنتظر الجواب , اتجهت ضيفة رولف نحو النافذة ووقفت بالقرب من إحدى الكراسي .
ساعدها رولف على الجلوس ثم جلس قبالتها .
" إن حضرتها تحاول دائماً أن تجعل الانظار تلتفت نحوها . " علقت مارتينا بلهجة ساخرة وهي تملي طلباتها على النادل : " ولكن ذوقها في انتقاء الثياب يدعو إلى الاشمئزاز ولكن لا باس ..." ثم نظرت بإمعان إلى صديقة رولف وتفحصتها بعيون جيدة ... " لا بد وأنها دفعت مبلغاًَ طائلاً لتبتاع هذا الثوب , ولكن لا يلائمها . إن البائعة التي نصحتها به كانت تفكر فقط بالمكافأة التي سوف تنالها . "
قالت مارتينا متوجهة إلى أخيها : " لماذا ذوق رولف في انتقاء صديقته خاطئ إلى هذا الحد يا رايموند؟ "
" لماذا توجهين إلى هذا السؤال؟ إنني أحاول أن أحزر ولكنني أتصور بأن الأمر هو على هذه الحال لأن رولف ليست لديه النية ابداً بالارتباط . أنتِ تعلمين أراه بهذا الصدد وذلك منذ أن تركته بياترس لترحل مع ذلك المليونير . "
قالت مارتينا وهي ترسم حركة مضحكة على وجهها : " ولكن أنظر إلى الوراء , أنها تحاول جاهدة لفت نظر رولف , إنها لا تعلم بأنها تدق على باب موصد تماماً . "
قال لها أخوها مؤنباً : " أنتِ كل ما تجنيه هو العمل . أنتِ ورولف تتقاسمان هذا الولع بالعمل . "
قالت مارتينا وهي تدفع فنجان القهوة وتنهض : " بما أنك تكلمت عن العمل ... "
سأل رايموند شقيقته : " هل ستذهبين إلى مشغلك؟ هل ستكون ليليان هناك . إذن سوف أرافقك . "
حاولت ابيغيل جاهدة إخفاء ابتسامتها إذ أن رايموند حول اهتمامه بشكل مفاجئ : " ابيغيل؟ ابيغيل؟ " سمعت صوت رولف يناديها إذ كان الثلاثة يمرون أمام طاولة رولف ولكنها تجاهلت نداءاته فاجتازت الممر قرب الطاولة وهي مرفوعة الرأس . لماذا يجب علي أن أركض ملبية نداءه في كل مرة , تساءلت ابيغيل , خاصة وأنني أعلم بأنه يود تقديمي إلى صديقته , لكي يجعلني افهم كم أن خطوبتنا هي مؤقتة وخالية من المعنى .
بعد بضع دقائق , أحست وكأن المنظر المترائي لها من خلال النافذة , حيث اختلط الضباب الخفيف باللون الذهبي للشمس التي بدأت يناديها بشكل لا تستطيع مقاومته عندها , أدركت أنها تشعر بالقلق الكبير . كذلك فهي قد شعرت بالحاجة الملحة إلى الخروج للتنزه قليلاً .
" ابيغيل . " كان هناك نبرة آمرة في ذلك النداء , فلم تستطع تجاهله هذه المرة لأن الرجل الذي تلفظ بتلك الكلمة كان يعترض طريقها علمت بأنها لن تستطيع الوصول إلى المصعد . لذلك . استدارت حين وصل رولف أولاً إلى هناك , ففتح باب المكتب وأشار إليها بالدخول قبل أن تستطيع أن تهرب أو تغيير وجهة سيرها توجهت نحو مكتبها ثم أدعت بأنها تتفحص الأوراق التي دون عليها ماكس ملاحظاته . سأل رولف وقد تعكر مزاجه : " لماذا أدعيتي بأنكِ لم تسمعيني إذ ناديتك وذلك عندما كنت في قاعة الطعام؟ " كان بإمكانها أن تفصح عن غضبها , كذلك يمكنها الادعاء بأنها لم تسمعه . ولكنه سوف يعلم بأنها لم تكن تقول الحقيقة . " لقد أردت فقط أن تقدمني إلى الآنسة صديقتك لقد افترضت الكثير من الأمور ... مثلاً أنني فعلاً أود مقابلتها . على كل من الطبيعي جداَ أن تقول الحقيقة لصديقتك تلك . "
قال رولف : " إنها لا تعلم شيئاً عن خطوبتنا المزيفة فهي ليست من العائلة قولي لي , هل أنتِ وشقيقي مقربان؟ . "
" أنتِ لا تعلم شيئاً . فلدى رايموند احترام كبير للقيم الأخلاقية " وشعرت ابيغيل بأنه ما كان يجب عليها التكلم بهذه الطريقة .
" إذن أنتِ تعترفين بأن رايموند يعني أكثر من صديق بالنسبة لك , كما كنت تدعين دائماً . "
قالت ابيغيل : " كلا ليس الأمر كذلك . " ثم تقدمت نحو الباب لتخرج .
سألها : " إلى أين أنتِ ذاهبة ؟ "
" أني خارجة لكي أتنزه أرجو ألا تتبعني . "
لم يتبعها رولف , ولكنه مشى إلى جانبها حتى وصلا إلى الباب . كان المصعد قد وصل فقررت أن تغلق بابه بوجه رولف وأن تضغط على الزر قبل أن يتمكن هذا الأخير من الدخول إلى المصعد ولكنها سمعت أحدهم يناديه في قاعة الاستقبال ثم تناهت إلى مسامعها تمتمة مخنوقة ونظرت خلفها فرأته يختفي داخل المكتب .
تنزهت ابيغيل على مهلها ثم استدارت ونظرت إلى فندق بانوراما . كان مبنياً على منحدر صخري عند الشاطئ . لا عجب إن كان المصعد الموجود على مستوى الأرض يستعمل في تلك الغرف يتمتعون بمناظر رائعة حيث ليس هناك أي مبنى من الطراز الحديث , فكرت ابيغيل وهي تشعر بالامتنان بعد أن عدت النوافذ , استطاعت أن تحدد موقع غرفتها في الفندق , كان ستار النافذة الأرجواني الذي اقفل جزيئاً ظاهراً حيث تتناول فطورها في الصباح الباكر عادة . وكان ستار النافذة يحميها من أشعة الشمس وهو يناسب الستائر الأخرى وكون مجموع ذلك بقعاً جميلة من ألوان توزعت على طوابق عدة من المبنى . استدارت إلى ناحية البحيرة .
وجدت ابيغيل مقعداً في ضل الشجرة , نظرت إلى المياه , ولكنها لم ترها حقاً . كان جمال الجبال المحيطة بها مهيباً إذ أعطاها ضوء الشمس الغاربة مظهراً جذاباَ فاتناً . كانت السفن تطفو , تعلو وتهبط بحذر عند ارتطامها بالأمواج الخفيفة , بينها أبحرت المراكب الشراعية . لفت انتباه ابيغيل خيال موجود إلى شمالها ورأت رجلاً يقف عند حافة المياه وكان يحدق بالأرض . إنه ذلك الرجل الذي يوحي بالحنان والذي يزعجها كبرياؤه ويفرحها في آن معاً ... كانت متأكدة من أن رولف لم يرها . فهو يعتقد بأنها قطعت مسافة كبيرة وهي تتنزه .
سمعت رولف يناديها وشعرت بأنها لم تعد وحيدة إذ كان يتقدم نحوها .
" لنجتاز هذا الشارع . أنه خطر لا يجب أن تجتازي هذه الطريق العريضة حيث تكثر السيارات أليس كذلك؟ بالإضافة إلى هذا الأمر تذكري ما حصل في المرة السابقة عندما قطعتِ الطريق إذ كانت السيارات تسير بسرعة . "
علت احتجاجات ابيغيل وكلنها سمحت لرولف بمساعدتها على قطع الطريق بسلام . قال : " هل تستطيع ابيغيل هايلي أن تتظاهر لفترة قصيرة بأن رولف فلدر هو صديقها وليس عدوها؟ "
" الآن سوف نسير معاً هل تمانعين إن قمنا بتسلق جدار المدينة وليس الهضاب فقط؟ حسناً لنمشي من هذه الجهة . "
ابتعدا عن البحيرة واتجها نحو جزء آخر من المدينة . بعد قليل , كانا يقتربان من الحقول حيث توزعت الأبقار لتأكل العشب . كانت الأجراس المعلقة برقبة كل منها تصدر اصواتاً قوية ومتناغمة كما لو كانت تخبر عن الراحة والسكون اللذين يتوافرا مع نمط من الحياة , وصلا إلى أسفل الحائط الكبير حيث امتدت الطريق الرئيسية وكانت رؤيتها جميلة كأنها تبين الفرق الشاسع بين عراقة الريف البدائي وحداثة الطرقات والسيارات ... قال رولف وهو يشير إلى سلم طويل : " إن الدرجات ألتي ترينها تؤدي إلى أسفل إحدى هذه الأبراج . هل تودين تجربة هذه اللعبة؟ "
" لم لا؟ " قالت ابيغيل وهي تفتعل التحدي : " ربما أبدو لك فتية ولكني قوية على كل لقد استطعت الصمود بجدارة عندما صدمتني سيارتك أليس كذلك؟ "
كانت تتبع رولف في الصعود وتحاول جاهدة اللحاق به عن قرب .
" لقد بني الحائط حوالي 1400 وهناك تسعة ابراج . " قال لها رولف عندما توقفا للاستراحة بعد أن صعد السلالم ، " إن كلاً من هذه الأبراج يختلف عن الآخر , أنظري هذا البرج له سقف مثلث الشكل وهو مغطى بالقرميد الأحمر ولكن لذلك البرج الثالث نوع خاص من القمم أما الرابع , فلديه قمم مزدوجة . "
" هل وصلنا فعلاً إلى القمة؟ خلت بأننا لن نصل إليها أبداً . "
بدآ بالسير بمحاذاة الحائط واندهشت ابيغيل لروعة المنظر الذي رأته .
عندما سارا في طريق العودة , قال بسرعة : " اعترف بأنني تساءلت عندما كنا في الأسفل عما إذا كنتِ قادرة على الوصول إلى القمة . "
نظرت إليه : " هل اعتقدت فعلاً بأنني سأطلب معروفاً وأتوسل إليك بأن نعود أدراجنا؟ "
" سوف تتحملين عواقب استفزازك . " ونظر إلى يدها التي تحمل الخاتم .
" ولكن ذلك لا يجعلني ملكاً لك . كذلك ليس لهذا الخاتم أي معنى حقيقي . "
أدارت ابيغيل عينيها لتتأمل مياه البحيرة المذهبة ونظرت بعدها إلى الفضاء ذي اللون البرتقالي , إلى الهضاب القريبة التي أصبحت داكنة ومستعدة لتستقبل الظلام الذي سوف يحل قريباً .
همست ابيغيل وقد أحست بالغصة في حنجرتها : " أليس هذا رائعاً؟ "
قال رولف موافقاً : " إنه رائع حقاً . " وصلا إلى مدخل الفندق بعد أن عادا من المدينة سيراً على الأقدام . ألقى رايموند عليهما التحية إذ كانا يدخلان إلى الفندق .



الفصل السادس



كانت الذكريات السعيدة و الأيام الجميلة التي قضتها مع رولف لا تزال تسكن مخيلتها وتعذبها . لم تذق طعم راحة البال منذ أن اكتشفت أمر إعجابها برولف فلدر . فقد كانت تعلم جيداً حقيقة وضعها وبأن افتراقها عنه محتوم , لذلك فهي لن تجد أبداً راحة البال من جديد .
" ابيغيل . "
أجابت بصوت أجش : " نعم؟ "
" هل استطيع مكالمتك؟ "
" ابيغيل! "
قررت ألا ترد عليه و ألا تطيع أوامره . ولكنه لم يكن أي شخص , فقد كان فرداً مهماً في إدارة الفندق , وكانت تعلم بأنه إن لم تفعل ما يريده , سوف يكرر طلبه دون أن يكترث لأمر وجود أحد الضيوف . لذلك , قالت : " هلا انصرفت من فضلك؟ "
قال لها : " ربما تفضلين أن يكون رايموند مكاني . لقد رأيتك في هذه العشية وأنتِ تكلمينه . "
" كان ذلك لأنني لم اشأ جرح شعوره . " كان يمكن لأبيغيل أن تجيب ولكنها علمت بأن رولف لن يصدقها بل سيضحك بسخرية من كلامها .
قال رولف وهو يلتفت نحوها : " غداً سوف أكون في زوريخ ولن أعمل بعد غد . أنوي الذهاب لأنجز عملاً ولأتمتع كذلك بالراحة هناك . هل تودين مرافقتي إذ أنكِ لم تتعرفي حتى الآن إلى تلك المنطقة؟ "
أجابت ابيغيل ببرودة تمنت لو أنها تعادل برودة رولف .
" شكراَ لك . أنني أقبل دعوتك . "
" حسناً . " قال رولف بلهجة قاطعة كأنه ينهي صفقة تجارية : " جهزي نفسك للذهاب بعد الفطور . " ثم ابتعد قبل أن تتمكن ابيغيل من الإجابة .
بدا اليوم التالي طويلاً , فقد أمضت ابيغيل القسم الأكبر من وقتها وهي تعمل على طبع الملاحظات التي دونها ماكس فلدر . وإذ تقدمت في عملها , أحست بالاهتمام الشديد في ما يتعلق بالمعلومات المدونة . أمسكت سماعة الهاتف وطلبت قهوتها الصباحية ثم عادت إلى مكتبها . وكانت الملاحظات تحتوي على العديد من المعلومات . عندما حملت النادلة صينية القهوة إليها , وشكرتها ثم أكملت عملها وتابعت قراءة الملاحظات . لاحظت ابيغيل بأن حامل الصينية الذي دخل إذ كانت تعمل لم يستأذنها قبل الدخول . فنظرت مندهشة ولكنها ما لبثت أن رأت مارتينا تنفجر ضاحكة .
" لقد تساءلت كم ستستغرقين من الوقت حتى تعودي إلى الواقع , فأنا لم أشأ إزعاجك إذ كنت تحاولين التركيز على عملك . "
توقف ابيغيل عن العمل ثم صبت القهوة في فناجين .
قالت مارتينا : " لقد داهمتك بالصينية , فأنا كنت قادمة لرؤيتك على كل حال . شكراً , لا أريد السكر , بالمناسبة , هل تستطيعين ان تسدي لي خدمة وتمنحيني بعضاً من وقتك بعد ظهر اليوم؟ . "
" حسناً موافقة , شرط أن يكون الأمر ضمن إمكانياتي . "
" تستطيعين ذلك . وليس هناك أية صعوبات أريد منك فقط قياس بعض الموديلات . فالفتاة التي تهتم بذلك عادة قد ذهبت في إجازة . "
" وهل تركتك من دون عارضة؟ "
" هذا صحيح لقد وعدتني بأن تكون هنا عندما سنقيم الحفل بمناسبة انتهاء المنزل . لقد أخبرتك عنها , أليس كذلك ؟ "
أومأت ابيغيل بالإيجاب : " هل أنتِ متأكدة من أن مقاس الأثواب يناسبني؟ أعني هل أنتِ متأكدة من أن مقاس الفتاة ومقاسي متشابهان . "
" أنا أعلم تماماً مقاسك بسبب الثوب الذي اشتراه لك رولف والذي هو من بين تصاميمي . لقد بعثت له بالفاتورة , هل أعلمتك عن الأمر؟ " أضافت مارتينا وقد ارتسمت الضحكة على وجهها : " قال رولف أنا لا أمانع أبدا ما دمت أحصل على خدمات توازي قيمة مالي . ولآن أنا أتساءل ما الذي عناه رولف بكلامه هذا . "
" إني لا أعلم ما يعنيه . "
بعد أن انتهى الغداء , توجهت ابيغيل نحو مشغل مارتينا ودامت فترة القياس وقتاً طويلاً كلنها لم تمانع لأن الأثواب التي كانت تضعها لمدة خمس عشرة دقيقة أي حتى تجري عليها مارتينا بعض التعديلات , كانت أنيقة جداً فشعرت بالارتياح ونسيت تعبها . بعد مرور نصف ساعة دخل رايموند إذ كان قد أنهى عمله ولاحظت بأن نظراته الأولى كانت نحو ليليان . وكان هناك عاملتان أو ثلاث في المشغل , كن جالسات قرب آلات الخياطة , أو يهتممن بقص الموديلات التي صممتها مارتينا .
" مرحباً يا صديقتي . " قال رايموند ملقياً التحية على ابيغيل : " أرى بأن شقيقتي قد أقنعتك بمساعدتها . فعائلة فلدر تستغل مواهبك قدر الإمكان . أليس كذلك؟ أولاً أبي وملاحظاته المتعلقة بأنواع الاجبان . الآن ها هي أختي وكذلك أخي . "
وتابع يقول : " فهو يدعي بأنكما مخطوبان وذلك لكي يبعد لورا مارشان عن حياته . "
وفكرت ابيغيل بأن رايموند لن يتصور أبداً كم حزنت بسبب كلامه : " أعتقد أنها متطلبة كثيراً وربما أنها قد أبدت ملاحظات عديد حول رغبتها بالزواج برولف فلدر الذي يستطيع أن يؤمن لها نمط الحياة التي اعتادتها , كذلك فهو سيضيف الكثير من المال إلى حسابها المصرفي . "
قالت مارتينا : " لقد عاهد بألا يتزوج أبداً . "
أجاب رايموند على كلامها وهو يومئ غير موافق : " ليست لورا حمقاء أبداً لذلك فهي ستجد طريقة يوماً ما لتقنعه بتغيير رأيه وحتى أنتِ يا مارتينا لن تستطيعي إنكار ذلك . "
" حسناً . " عادت بضع خطوات إلى الوراء لتتأمل عملها : " إن ذلك رائع يا آبي وأنا أشكرك على مساعدتك لي . هل تستطيعين الحضور إن احتجت إليك مجدداً؟ . "
" أستطيع دائماً أن أحضر إلى هنا مادام ذلك لا يؤثر على عملي في مكتب والدك . "
" هذا رائع يا رايموند , باسم عائلة فلدر , أنا أشكرك كثيراً لأنك أحضرت ابيغيل إلى هنا لتقييم لبعض الوقت . "
قال : " متى شئت . " ثم تابع وقد غطت صوته الضجة الناتجة عن تشغيل آلات الخياطة الثلاث . " شرط ألا تأخذ ابيغيل على محمل الجد أمر خطوبتها بشقيقي رولف . "
لم تستطع ابيغيل أن تأكل طعام الإفطار عندما احضر إلى غرفتها فهي عبثت بالطعام فقط لأن الحماس كان قد غلب شهيتها .
وضعت ابيغيل مفتاحها في الخانة المناسبة . قادها رولف نحو المصعد . ولكن قبل أن يغلق باب المدخل وراءهما , نودي رولف .. سمع هذا الأخير صوت النداء فتوقف قليلاً ثم تابع طريقه .
" لن أعمل اليوم . " قال رولف بحزم : " كلا , لن أعمل اليوم أبداً ولن أتحمل أي نوع من المسؤوليات , فأنا حر من جميع الواجبات ."
ذكرته ابيغيل : " سبق أن قلت لي أن العمل أهم شيء في حياتك . "
" أما أنتِ إلى جانب ادعائك بأنكِ خطيبتي ... هل أنتِ كذلك صوت الضمير؟ "
كانا قد توقفا وتهيآ لاجتياز الشارع المزدحم .
" سوف نمشي في المدينة , هل توافقين؟ "
لم تبد البحيرة أبداً غامضة كما هي عليه الآن , فقد خبأ ضباب الصباح الجبال وألبس مراكب البحيرة أوشحة رائعة . دبر رولف أمر صعودهما إلى الباخرة ثم نظر إليها إذ كانا ينتظران انطلاق الباخرة .
" إن لديك بريقاً خاصاً بك , وتبدين كأنك سعيدة جداً . هل إن فكرة الصعود إلى الباخرة تروق لك إلى هذا الحد ؟ "
لم تستطع ابيغيل البوح بالحقيقة لرولف , فأومأت موافقة . وإذ كانت تقف على متن الباخرة , فكرت بأنها سوف تحتفظ بذكرى هذا اليوم على مدى عدة سنوات . فهي لم تكترث لوجود الضباب الثقيل في الجو . فهو أعطاها كل البريق الذي تحتاجه ليصبح يومها مشرقاً . كان سطح البحيرة هادئاً , أما طيور النورس , فقد حامت حول الباخرة وهي كانت تفتش عن فتات الطعام وتريد المزيد دائماً وكأنها لن تشبع أبداً .
كان يحدق بالجبال التي بدأت إشكالها تظهر إذ كان الضباب ينقشع عنها شيئاً فشيئاً . مرت بواخر أخرى وهي ترش المياه حولها . ففكرت بأنه من الصعب أن تغدو يوماً أكثر سعادة مما كانت عليه في ذلك من النهار .
مشى القارب بسرعة وعلقت ابيغيل على ذلك " إن القارب يسير على قوة ديزيل . "
قال لها رولف : " ليس مصمماً للنزهة فقط , على الرغم من أنه يحمل على متنه بعض السواح . "
قالت ابيغيل : " إن بلادك رائعة الجمال . "
قال : " من الممكن أن أكون منحازاً لها ولكن علي الاعتراف بأنكِ محقة . هل تعلمين بأن سويسرا مقسمة إلى كنتونات؟ هناك ثلاثة وعشرون منها , في الحقيقة وثلاثة من تلك الكنتونات مقسمة بدورها إلى كنتونين . مما يعني بأن بدلاي مكونة من ولايات صغيرة ولكل منها قوانينها الخاصه ومجلس نوابها . على الرغم من ذلك فهي كلها تؤلف بلداً واحداً! هل أنتِ مندهشة بما يمسى بالوحدة ضمن التنويع! إ، ذلك يعود إلى عدة قرون عندما أحس الفلاحون في مختلف الكنتونات أنهم بحاجة إلى حماية حقوقهم التقليدية من القوى الأجنبية لذلك فهم تعاهدوا على التكاتف والتضامن . "
" يبدو أن اللغة الأساسية في هذه الأجزاء من البلاد هي اللغة الألمانية . "
" نعم , إنه نوع محدد من اللغة الألمانية . فاللغة المحكية في هذه المنطقة هي الشويتز داتش , ولكن الألمانية أو الهوخداتش هي اللغة المكتوبة وهناك على الأقل أربع لغات وطنية محكية في هذه البلاد كذلك , هناك بالطبع العديد من اللهجات المحلية . " وتتالت مناظر العديد من البيوت .
وكانت الباخرة تقترب منها , فغادر بعض المسافرين بينما صعد آخرون على متنها , ثم تحركت وتابعت رحلتها . اختفى منظر الهضاب وحل مكانه منظر الأرض . بقيت ابيغيل إلى جانب رولف إذ كان يتجه نحو محطة معينة . فخفف سيره وتوقف بمساعدة بعض الحبال . قال رولف وهو يقودها نحو المخرج : " سوف نغادر السفينة الآن . "
تابعا الرحلة نحو رأس الجبل بواسطة القطار .
قال : " هل كنتِ على علم بأن مهندساً سويسرياً هو الذي صمم محطة القطار المسماة بالسنودون ماونتين في الويلز؟ وهي قد بنيت قرابة العام 1800؟ "
" كلا , لم أكن على علم بذلك . "
" على محور على مقطورة من هذا القطار , هناك أسنان العجلات أو القوادم .. وهي تدخل في السكة . لقد تم صنعها لأول مرة هنا , في سويسرا . كذلك فقد تم طلب القاطرات من هنا . "
كان القطار يتوقف عند أبواب الحدائق فيصعد إليه أطفال حاملين حقائبهم , وذلك بعد أن يأتوا راكضين من بيوتهم ويتركوا أهاليهم الذين كانوا يلوحون لهم . عند محطات أخرى لوح بعض الناس بأيديهم فخفف القطار من سرعته وصعد إليه الركاب . كان المنحدر وعراً لذلك لم يتمكن القطار من التوقف بشكل كامل .
قالت ابيغيل : " يجب أن يتمتع الإنسان بالسرعة في هذه الناحية من البلاد وذلك لكي يتمكن من الصعود إلى هذه القاطرات والنزول منها . "
أومأ رولف مؤيداًً كلامها , ثم جلس بالقرب منها : " إننا فخورون بهذا القطار لأنه أقدم قطار عجلات في أوربا . إن هذا مدهش . "
أعطيت التعليمات للسائق ... وذلك بواسطة الراديو كما شرح رولف لأبيغيل عندما وصل الاثنان . رأيا مجدداً أشعة الشمس والسماء الزرقاء وبهرت قوة النور العيون .
" لقد وصلنا إلى ما فوق الغيوم . " قالت ابيغيل ذلك وهي تشير إلى قمم الجبال البعيدة التي تراءت لها من خلال الوشاح الأبيض والرمادي .
أومأ رولف موافقاً وقال : " في بعض الأيام , حين تكون السماء صافية يمكنك رؤية الجبال في البعيد ... مثلاًُ هناك المونخ , اليونغفرو والإيغر , التي يمكن بلوغها بعد الانطلاق من الانتر ليكن , الذي يوجد على بعد ساعتين من هنا . " قال رولف إذ كانا يغادران القطار ويصعدا نحو فناء فندق فخم كان يطل على مشاهد خلابة :" سوف أجد لك مقعداً حتى تتسنى لك فرصة للاستمتاع بهذا المنظر ... بينما سأذهب إلى الداخل وأعقد صفقه مع المدير . فنحن نأمل بأن نضم عما قريب هذا الفندق إلى مجموعة فلدر . هل ستكونين هنا على ما يرام ؟ "
أمدت له ذلك . وبعد أن اختفى رولف داخل المبنى , أخذت تقرأ أسماء الوجبات التي يقدمها المطعم بعد برهة , اقترب منها نادل , وسألها عما ترغب بتناوله وكان يتكلم الانجليزية بصعوبة .
" هل السيد فلدر معك؟ حسناً سوف لن يتأخر بالعودة . "
نظرت ابيغيل حولها وهي تتأمل المناظر من جديد وبالرغم من ان الضباب كان كثيفاً فقد رأت أولاداً يلعبون بينما لعلعت أصواتهم فملأت الجو وبدت كأنها تهرب من الفندق الفخم لتبلغ قمم الجبال البعيدة . كانت الأعلام تتمايل مع الهواء وكل منها يختلف بشكله عن الآخر . فكرت ابيغيل بأن هذه الأعلام تمثل الكنتونات المختلفة التي أخبرها عنها رولف .
عاد رولف إلى الطاولة , فأمسك بلائحة الطعام وقرأها بصوت عال . لم يكن قد أخبرها عن نتيجة المحادثات ولكن فكرت ابيغيل وهي تتحسس خاتم الخطوبة المزيفة لم يكن الأمر من شأنها .
قال رولف : " لنر , هناك نقانق مشوية مع سلطة البطاطا . هل تودين تذوقها؟ كذلك هناك اسماك نهرية مقلية تقدم مع البطاطا المسلوقة . "
" نعم , من فضلك أود تذوقها . "
نادى رولف النادل وأعطاه الطلب فأومأ النادل باحترام وابتعد .
قالت ابيغيل : " إنه مهذب جداً , هل كانت صفقة العمل ناجحة؟ كلا المعذرة , أرجو أن تنسى سؤالي هذا . "
" إن الأمر الذي تباحثناه قد انتهى باتفاق ناجح جداًَ . "
" جيد , وأشكرك لأنك لم تقل لي بأن هذا ليس من شأني . "
أحضرت لهما وجبات الطعام وأرفقت بعصير الليمون الذي طلبه من أجلها وأحضرت قطع كبيرة من الخبز الطازج مع الطعام . دخل أربعة فتيان وكانوا ينتعلون الجزم وجلسوا يتحدثون .
سألت ابيغيل رولف : " عندما كنت في المدينة , رأيت بعض اللافتات التي تعلن عن حفل موسيقي . "
أجابها : " هل تعلمين بأن شعبنا يحب الموسيقى ؟ أنتِ كذلك؟ إن هذا على الأقل هو أحد القواسم المشتركة بيننا . "
" وهل تحب لورا ... لورا مارشان .. الموسيقى كذلك؟ "
عندما استدارت عيناه الباردتان نحوها , تمنت ابيغيل لو كان من الممكن أن تختفي تحت الطاولة . ولكنها لم تستطع منع نفسها من طرح ذلك السؤال . فكرت , فأنا أردت أن يقول رولف لي , بأن لورا لا تعني شيئاً بالنسبة له حتى أنه لا يعرف ما تحب وما تكره في عدة مجالات , كالموسيقى مثلاً .
" عفواً لقد تفوهت بالكلمات الخاطئة مجدداً . فهذا ليس من شأني . أبداً . هل أنت ذاهب؟ "
" اتعنين إلى الحفل الموسيقي؟ نعم وأنتِ سترافقينني كذلك لقد ابتعت بطاقة لك . "
كانت تتمنى لو تسأله إذ كان قد ابتاع تلك البطاقة للورا التي لن تتمكن ربما من مرافقته إلى الحفل . بدلاً من ذلك شكرته وقالت : " من المؤكد بأنني سوف أدفع ثمنها , عندما ... "
" عندما ترثين ثروة من عمك الغني الذي ليس له وجود على وجه الأرض؟ " قال رولف ذلك ممازحاً إياها وتابع : " لقد دفعت ثمنها , آبي . "
عندما عادا إلى الفندق .
سألها : " هل أنتِ مرتاحة هنا؟ كان يجب علي أن أرتب أمر حصولك على جناح كامل . سوف أطلب منهم نقلك إلى جناح , هل توافقين على ذلك؟ "
أجابت ابيغيل وهي تفكر بالمبلغ الباهظ الذي عليها أن تدفعه مقابل حصولها على جناح : " كلا شكراً لك , ولكنني لن أمكث هنا لمدة طويلة لذلك لا داعي للتغيير . "
" لن تمكثي هنا لمدة طويلة؟ هل تريدين التراجع عما وعدت به والدي والتخلي عن العمل الذي كلفك به؟ "
" كلا بالطبع لا . لم يكن ذلك هو ما عنيته . "
" ما الذي عنيته إذاً؟ "
قالت مشيرة إلى يدها : " إن هذا الخاتم لا يعني شيئاً لذلك ليس هناك أي ارتباط حقيقي بيننا . ليس لديك الحق . "
غدت نظراته قاسية من شدة غضبه . استدار رولف وتوجه نحو الباب .
" رولف " استدار هذا الأخير , فأضافت ابيغيل : " أشكرك لهذا النهار الممتع . "


الفصل السابع

" هل تودين المجيء مع رايموند ومعي إلى الجبال؟ "
سألت مارتينا ابيغيل : " لقد بذلت مجهوداً كبيراً في اليومين الأخيرين وقد سجنت نفسك في مكتب أبي لذلك نحن نعتقد بأنك تحتاجين إلى بعض الهواء النقي . "
" على كل , اليوم هو السبت . " قال رايموند وقد وقف وراء شقيقته عند باب ابيغيل : " حتى الرجال العاملين مثلي ... يحتاجون إلى بعض الراحة إن الجبال ليست مكللة بالثلوج . " أكملت مارتينا وهي تجلس في إحدى الكراسي في غرفة ابيغيل : " إنها ليست كذلك في هذا الوقت من العام , على كل . "
" أرشداني على الطريق وسوف أتبعكما . "
" إن رولف مشغول بأعماله الخاصة . هل تعلمين أنه يملك مصنعاُ في زوريخ؟ حسناً فقد أعلمته صديقته ببعض التحذيرات ويبدو أنه أخذها على محمل الجد . إن التحذيرات تتعلق بشركته وليس به شخصياً . "
انضم الثلاثة عند المحطة . كان القطار يسير بهدوء , فكرت ابيغيل كما لو أنه يتحرك طوال النهار على أرض مسطحة . ولكن الحال لن يكون دائماً كذلك كما قال لها رايموند .
في بادئ الأمر , مشى القطار بمحاذاة ضفاف البحيرة ماراً بين الشاليهات والبيوت التي كانت كما قال لها رفيقاها , معظمها مقسمة إلى شقق ودوت صفارة القطار بصوتها القوي قبل أن يدخلوا النفق ثم خرج القطار فرأوا مناظر كثرت فيها الحدائق المحاطة ببعض الهضاب . قطع القطار الوادي وما لبثوا أن وصلوا إلى الجبال التي كانت الهضاب فيها تعج بالأشجار الخضراء .
شرح رايموند : " لقد بدلت الدواليب العادية بعجلات أخرى , أنها تسمى بنظام عجلات الريغنباجس وبواسطتها , يستطيع القطار أن يجتاز الأراضي المائلة . "
وصلوا أخيراً بعد أن تجاوزوا واجهات المحلات والشوارع حيث كثرت الشرفات المزدانة بالورود . كان العلم السويسري يرفرف بفخر , وهو يكاد لا يتحرك بسبب سكون الهواء .
قالت مارتينا : " سوف أراكما بعد قليل . لدي زبونة أريد أن أراها . أنها تعيش في إحدى هذه الشقق هناك , وهي تريد أن تختار إحدى تصاميمي سوف نقوم بخياطة رداء لها . " ثم اختفت مارتينا داخل البناية بعد أن لوحت بيدها .
نظرت ابيغيل حولها فرأت قمم الجبال الشامخة تحيط بالمدينة وكانت مصفوفة الواحدة تلو الأخرى , بينما تبدلت أشكالها بسبب التآكل الذي حصل مع مرور الوقت . كانت تلك الجبال المهيبة تحيط بالمدينة وتغوي العيون إذ تتأمل قممها الشامخة .
شرح رايموند لأبيغيل : " في الشتاء يتحول هذا المكان إلى منتج للتزلج . لذلك يجب ألا يخدعك اخضرارها الآن فتسلق هذه الجبال ليس سهلاً ويجب أن تكوني بارعة في الرياضة قبل أن تحاولي تسلقها . "
لاحظت ابيغيل بأن العديد من المخازن كانت تعرض أدوات التزلج وثياب الرياضة المخصصة لتلك الرياضة .
" إننا على علو آلاف الأمتار عن سطح البحر , أي أننا تقريباً على ارتفاع ثلاثة آلاف و مئتي قدم إنه منتجع صيفي كذلك , وهو أيضاً نقطة انطلاق رحلات استكشاف الجبال . " ثم أشار رايموند إلى بعض الشبان الذين كانوا يلبسون السترات , الجزمات والثياب الدافئة ويحملون بعض الرزم على ظهورهم .
سألت ابيغيل وهي تشك بذلك : " هل يريدون تسلق تلك الجبال؟ "
أجابها رايموند : " في هذا الوقت من العام يمكن لأناس كهؤلاء تسلق الجبال ولكن يجب أن تري القمم في الشتاء . "
أومأت ابيغيل وهي تحاول تصور منظر الجبال في الشتاء . انضمت مارتينا إليهما ثم ذهبوا للغداء في المطعم المفضل لدى رايموند . تكلم مطولاً مع المضيفة التي كان يناديها باسمها بينما دونت مارتينا بعض الملاحظات . أما ابيغيل فقد تفحصت المطعم وتأملت المناظر في الخارج حيث كثرت واجهات المخازن وعمت الطرقات بالسياح . تنزهوا لبعض الوقت في المنتزه ثم جلسوا واستمعوا إلى فرقة موسيقية وجالت عينا ابيغيل على المنظر وفقها حيث رأت الهضاب الخضراء التي تقع خلف المنتزه وتوزعت الشاليهات ذات الشرفات الرحبة على الطرف الآخر من المنحدرات التي كانت محاطة بالأشجار إذ كونت خطاً رفيعاً على القمة .
" إن مهرجان الحفلات الموسيقية سوف تبدأ بعد ثلاثة أيام . "
قالت مارتينا ذلك في طريق عودتهم وعي تضع ملفها بالقرب منها , بينما جلس رايموند على المقعد إلى جانب ابيغيل .
" سوف تأتين معنا يا آبي , أليس كذلك؟ "
أجابت ابيغيل : " لقد ابتاع رولف بطاقة لي . "
قال رايموند : " إن مارتينا لا تستطيع أبداً نسيان موعد الحفلة الموسيقية الأولى . أتعرفين لماذا يا آبي؟ " قال ذلك وهو ينظر إلى شقيقته مبتسماً ابتسامة ساخرة : " إنها معجبة بأحد العازفين . "
ورأت ابيغيل للمرة الأولى الارتباك يعلو وجه مارتينا التي توردت وجنتاها من شدة الخجل .
قال رايموند بإلحاح : " إنها تحاول إنكار ذلك , ولكن اسمه هو اوتوكوفمان . إنه عازف بيانو مشهور . لا بد أنكِ رأيت صورته على الملصقات الإعلانية في المدينة . "
" هل هو داكن الشعر وحالم النظرات؟ "
" نعم إنه هو " حلم " هي العبارة المناسبة فعلاً . إنه حلم مارتينا أليس كذلك؟ " سأل رايموند شقيقته الصامتة .
" وإن كان الأمر كذالك؟ لقد رأيته عن بعد فقط ولكن يجب أن أقول يا آبي بأنني فعلاً أتوق لسماع عزفه . "
ضحك أخوها وقال : " من الصعب أن تعلمي ما يخبئه لك المستقبل . من الممكن أن يوافق أحد منظمي الحفلة الموسيقية على اصطحابك إلى الكواليس وعلى تعريفك به عندما ينتهي الحفل . "
وغرقت مارتينا في بحر أفكارها ثم قالت : " هل تريدين ثوباً مناسباً للحفلة يا آبي . "
" ببساطة لا يمكنني الموافقة على ارتداء إحدى تصاميمك يا مارتينا على الأقل لا يمكنني ذلك إلا إذا دفعت ثمنها ولكنني في الحقيقة عاجزة عن تحمل تكاليف تصاميمك مع أنني أحبها كثيراً . "
أجابت مارتينا موافقة : " حسناً ولكن يجب عليك أن تأخذي بعين الاعتبار بأن الحفلة هي مناسبة مميزة . فهناك فرقة موسيقية ذات شهرة عالمية ... بالإضافة إلى عازف البيانو .. أعتقد بأن الأمر سوف يروق لك يا آبي . "
سأل رايموند بتعجب عن سبب الملاحظة الأخيرة التي أبدتها مارتينا , فأجابته ابيغيل : " لا يتعلق الأمر بتاتاَ بعازف البيانو فأنا قد قلت لمارتينا بأنني أعزف البيانو , أو بأنني أعرف طريقة استعمال هذه الآلة . لقد درست البيانو ولكن المال نفذ عندما توفي والدي . "
جلست ابيغيل إلى طاولة الغداء مع مارتينا وشقيقها . انتقلوا إلى الردهة وتجاذبوا أطراف الحديث حتى تثاءبت مارتينا ثم أوصل رايموند ابيغيل حتى باب غرفتها .
قال رايموند : " أعتقد , بأن طريق حياتك مقطوعة أمامي تماماً مثل ... "
قاطعته ابيغيل : " لا تفعل ذلك يا رايموند . "
لم تعلم كم إذاها هذا الحوار إلا بعدما غادر رايموند . قال رولف : " اعتذر لأنني تسببت لك بصدمة كهذه ولكني متعب جداً وعندما يكون الإنسان بهذه الحالة , فهو يذهب إلى أي مكان أو بالأحرى إلى أي شخص يعتقد بأنه سيفهمه هل أنا مخطئ؟ "
سألت ابيغيل : " كيف دخلت إلى هنا؟ "
تحسس رولف مفتاحه ورفعه ثم قال : " هل قمت بعمل ممنوع إذ أنني سمحت لنفسي بالدخول إلى غرفة من غرف الزائرين دون أخذ الإذن بذلك؟ "
قال وهو يعيد المفتاح إلى جيبه : " هل ستشتكين الأمر إلى الإدارة؟ "
قالت ابيغيل : " أنت تهينني ... " لم تكمل ابيغيل كلامها إذ سألها : " أين كنتِ؟ "
" هل ستصدقني إن قلت لك بأنني قد قضيت الوقت ... مع رايموند و مارتينا . لقد تكلمنا ساعات وهذا هو كل ما في الأمر . "
بدا استياؤه واضحاً , مما يعني بأنها فشلت في إقناعه .
" أنا متعب جداً لقد اشتركت في معركة , كلا , ليست معركة قتال ولكنها معركة اقتصادية . إن شخصاً اعرفه قد نبهني إلى وجود خطر . "
فكرت ابيغيل بأنها تعلم من يكون ذلك الشخص .
" لقد حصلت المزايدة بالنسبة لمجموعة فنادق فلدر . بفضل لورا ... علمت بالأمر قبل الوقت , فاستطاعت التحرك لردع الخطر , وبذلك أصبحت الشركة في مأمن . لقد ذهبت إلى جنوبي البلاد , ثم قطعت بالسيارة مسافات بعيدة حتى أرى أبي وأتباحث مع بالأمر وعدت بالطائرة بعد ساعتين من ذلك لقد عانيت الأمرين في هذين اليومين . "
في الصباح التالي , سمعت صوتاً في الردهة ... وكان صوت رولف ... وهو يرد على الجهاز الذي كانت ابيغيل قد لاحظت بأنه غالباً ما يحمله معه فمن المؤكد بأنه قد نودي لأمر طارئ .
اتصلت مارتينا بها هاتفياً وسألتها : " هل اشتريتِ ثياباً أم بعد؟ "
" اتعنين ثياباً للحفلة الموسيقية؟ كلا لم افعل ذلك , ولكن لدي ثوب جلبته معي ... " وقطعت مارتينا الخط بسرعة بعد أربع دقائق , سمع قرع على الباب ودخلت إليها بسرعة حتى أن ابيغيل تراجعت من أمامها .
" لن اسمح لك أبداً بالاعتراض يا آبي هذا الرداء جزء من مجموعتي . لست متأكدة إن كان سيعجب الناس , لذلك أريدك أن تجربيه لي وتخرجي به أرجوك . سوف أتبعك كل الأمسية وأنا أحمل دفتري وقلمي لأدون ملاحظات عن ردات فعل الناس تجاه الرداء . هل تسدين لي هذه الخدمة ؟ " ولم تنتظر أي جواب بل تابعت " هيا جربيه . " : إنه ثوب رائع . "
هتفت مارتينا : " وهو يناسبك تماماً . انظري إلى نفسك كلا أعني انظري إلى الرداء . " قالت مارتينا وهي تفتش في الحقيبة : " سوف تحسن هذه القطع من منظره . "
وأخرجت عقداً يتكون من طبقات من الحبوب الحمراء . الكهرمانية والسوداء ثم سألت مارتينا وهي تميل برأسها إلى جنب واحد : " لن تتراجعي الآن . "
أجابت ابيغيل وهي تتنهد : " حسناً " لن افعل ذلك من أجلك فقط . " ثم نظرت بتمعن إلى شكلها في المرآة . " إن ذلك رائع فهو يناسبني تماماً حتى هذه الحبوب هي جميلة جداً . " قالت ابيغيل ذلك وهي تشير إلى الحبوب الموجودة في العقد .
" لقد اتفقنا إذن وبعد ذلك , سوف نعيد الثياب إلى المجموعة التي صممتها خصيصاً للحفلة التي ستقام في المنزل . فالمنزل سوف يصبح جاهزاً , هل تعلمين ذلك؟ والعائلة سوف تنتقل إليه عما قريب . "
فكرت ابيغيل : إن ذلك يتركني في الصقيع منتديات ليلاس
عبست مارتينا هل عرفت ماذا تفكر ابيغيل؟ : " هل أنتِ تفكرين بحزم أمتعتك والعودة إلى ديارك؟ ولكن سنكون بحاجة إليك في منزل فلدر أليس كذلك؟ فأنتِ تقومين بمساعدة والدي في أعماله . "
" ولكن ... "
لكن مارتينا استهجنت كلام ابيغيل بشدة : " ليس باستطاعتك الذهاب والابتعاد عنا يا آبي فأنتِ الحاجز الوحيد بين تلك المرأة لورا مارشان ورولف خاصة وأن هذه المرأة تود أن تقنعه بتغيير رأيه . "
وجاء دور ابيغيل لتقطب حاجبيها : " لا يمكنني تصور الأمر بهذه الطريقة . "
قالت مارتينا : " أنتِ تلبسين الخاتم , لذلك فإن رولف لا يستطيع أبداً الارتباط علناً بلورا ألا تفهمين ذلك؟ "
قالت ابيغيل : " شكراً لأنك أعرتني الرداء سوف أحاول عدم توسيخه أو تلطيخه . "



الفصل الثامن

تكدست رزمة أوراق الملاحظات إذ أن ماكس كان قد أرسلها بواسطة البريد وآلة الفاكس . عملت ابيغيل طوال اليومين التاليين فقالت في نفسها بأنها وبهذه الطريقة لن ترى رولف كثيراً . كان قد اختفى مجدداً وقد قالت لها مارتينا بأنه عاد إلى زوريخ .
في عشية الحفل الموسيقية , اتصل رايموند بالمكتب وقال بأنه ينتظرها مع مارتينا في قاعة الاستقبال . أضاف رايموند : " ألم يعد رولف من زوريخ بعد ولكن ذلك لا يهم لأننا سنعتني بك . "
نزلت ابيغيل السلالم ببطء إذ أن المصعد كان يعج بالناس , فلم تستطع انتظار وصوله ثم فتشت عن صديقيها ولكن من دون جدوى وفكرت بأنها ربما قد وصلت في وقت مبكر ولكنها كانت قد تعمدت المجيء على الوقت تماماً . وصلت إلى درجة السلم الأخيرة عندما خرج رولف من الظل .
سألت ابيغيل وهي تأمل أن تخفي سرورها لرؤيته وذلك بواسطة الحديث : " أين , أين رايموند و مارتينا؟ "
" لقد ذهبا . هل كنتِ تفضلين أن يرافقاك إلى الحفلة الموسيقية؟ "
أجابت ابيغيل بسرعة : " كلا بالطبع . كل ما في الأمر أنني ... "
" كنتِ تتوقعين أن يكونا هنا . لقد قالا لي ذلك ولكنني أجبتهما بأنني سوف أتولى الأمر . "
" إن شقيقتك قد أقنعتني على ارتداء هذا الرداء . فهو من بين المجموعة التي سوف تعرضها في الحفلة عندما ستنتهي الأعمال في المنزل - أعني منزل العائلة . "
" لقد حزرت بأن هذا الثوب يمكن أن يكون من تصميم وصنع مارتينا . " " قالت بأنها لم تكن أكيدة منه لذلك فقد طلبت مني أسدي لها خدمة , لذلك ارتديته . "
ضحك رولف وقال : " يجب أن أعترف بذلك , أنها ذكية وليس فقط من الناحية الفنية . لقد خدعتك فعلاً , فأنتِ سوف ترتدين هذا وهو لن يعود بعدها جديداً . على كل حال , لا يمكن أن تسمح مارتينا بأن يعرض أي من تصاميمها إن لم تكن واثقة من انه سوف يرضي أذواق الناس . ولكن هدفها هو عرض تصميمها في هذه المناسبة الاجتماعية التي سوف تضم عدداً من السيدات . فهي تستطيع أن تقول لهن بأن الثوب هو من تصميمها وتجعلهن يتأملن صنعه ثم تعرض عليهن التعاون معها من أجل العمل . "
" أنا لا أمانع بالنسبة لحصول ذلك في الحقيقة أشعر أنه لي الشرف بأن أرتدي إحدى تصاميم مارتينا . "
سأل رولف : " ألم يخطر على بالك بأنه من الممكن أن يكون الشرف لمارتينا إذ وافقتِ على ارتداء إحدى تصاميمها؟ "
كانا قد غادرا المصعد ومشيا نحو موقف السيارات الموجود تحت الأرض : " كلا , لم يخطر ذلك على بالي قط .فأنا فتاة عاملة وعادية جداً ولكن عندما أعود إلى دياري , لن أتمكن من العمل مجدداً . فأنا من دون وظيفة . من هي ابيغيل هايلي بالمقارنة مع زبائن مارتينا؟ "
قادها رولف إلى مقعدها وأخرج السيارة من الموقف .
" أليس لديك طموح في الحياة سوى إيجاد عمل عندما تعودين إلى بلدك؟ "
شعرت ابيغيل بأن حدة النقاش التي كانت تشعر بها قد خفت بسبب أمرين . أولاً لقد بدأ رولف وكأنه يقبل تماماً فكرة مغادرتها البلاد في وقت قريب . ثانياً فقد فكرت بأنه ربما يمتحن موقفها حيال ( المكانة الاجتماعية الرفيعة والمال ) فهو يصر على اعتبارهما هدف النساء الوحيد .وصلا إلى ردهة البناء حيث ستقام الحفلة الموسيقية وسلم رولف المفاتيح إلى المشرف الذي كان ينتظر وقيدت السيارة إلى الموقف .
تأثرت ابيغيل لهيبة البناء مع مناظر حجارته العريقة التي امتدت إلى اليمين واليسار .
وكانت سلال الزهور معلقة على كل قنطرة , وأضفت روعة وجاذبية بسبب لونها ورائحتها التي فاحت فعطرت جو تلك الأمسية .
دخلت ابيغيل برفقة رولف ووصلا إلى مدخل ردهة الاحتفالات حيث تسلم البطاقات ولوحت الأيادي باتجاه رولف بيد أن بعض الأشخاص صافحوه باليد . فكرت ابيغيل . من المؤكد أن رولف فلدر لم يكن فقط معروفاً في الأوساط السويسرية بل هو كان محبوباً كذلك .
وأحست بأن نظرات الناس التي كانت تنظر إليها أتسمت بالحشرية فقد قدمها رولف على أنها صديقة العائلة وقد خيب ذلك أملها . ولكنها قالت في نفسها بأن ذلك كان طبيعياً جداً . كان الجو مؤثر بالنسبة لمن يحضر إلى الحفل لأول مرة , خاصة إن كان زائراً أجنبياً عن البلاد كما كانت الحال بالنسبة لأبيغيل .
فكرت ابيغيل وهي تنظر إلى نفسها كم مارتينا محقة وفي هذه المناسبة حيث يكثر الأثرياء مع أن العارضة كانت هي ابيغيل هايلي وليس أية عارضة محترفة ومهمة ... كانت كملتا مهرجان الموسيقى , مكتوبة بحروف كبيرة على لافتات طويلة علقت على الجدران .
وشعرت ابيغيل بأنها ستضيع لكثرة الزحام ولكن لفتت انتباه ابيغيل صرخة صغيرة ويد تلوح لها , فعلمت بأن مارتينا و رايموند هما قريبان من مكان وجودها .
" إن أخي الكبير الذي لا يحترم أللياقات قد تركك وحيدة , لذلك سوف يكون لي الشرف أنا رايموند فلدر بأن أقودك إلى مقعدك . "
قالت ابيغيل : " إن رولف لم يشأ تركي ولكن أحدهم قد تقدم منه و ... "
" لا تحاولي الدفاع عنه , على كل حال , إنسي الخاتم يا آبي لقد قلت لك مراراً بأنه مجرد من أي معنى . "
اشتكت مارتينا : " إن حظي سيئ . " ثم ابتعدت وتبعتها ابيغيل أما رايموند فقد سار وراءهما .
توقفت مارتينا إلى جانب إحدى الطاولات حيث عرضت الأشرطة . كان هناك صور تعرفت ابيغيل على بعض منها , وكان معظمها يعود لأحد العازفين المنفردين في الأمسية
همس رايموند : " أنظري إلى شقيقتي , إنها ترمق صورة كوفمان انظري إنها تبتاع إحدى أشرطته . "
هتفت مارتينا ببرود وهي تنظر إلى الصورة على الغلاف : " أرجوك اهدأ قليلاً في يوم ما سوف التقي به . " ثم رن الجرس . " هيا تعالا , يجب أن نشق طريقنا إلى مقاعدنا . "
نظرت ابيغيل بكثير من الأمل محاولة النظر إلى رولف ولكن رايموند الذي فقد صبره حاول أن يبعدها .
قال رايموند , انسه , بالطبع لقد نسيك . إنه على الأرجح يتكلم في موضوع الأعمال . لقد قلت لك قبل أن تأتي إلى هنا بأنه مدمن على العمل . فشقيقتي وشقيقي هما من النوع ذاته ولآن هذه هي مقاعدنا وها هي أرقامنا يا مارتينا إن المقعد الذي يقع مباشرة على طرف الممر الرئيسي هو مقعد رولف . "
أعطى رايموند كل الفتاتين نسخة عن برنامج الحفل , فقرأته مارتينا بعمق وقرأت ابيغيل البرنامج بصورة سطحية إذ أن تفكيرها كان مركزاً على المقعد الخالي الموجود إلى جانب مقعدها ووجدت نفسها أكثر عصبية إذ أنها لم تر رولف . وبقي مختفياً حتى بعد أن جلس أفراد الفرقة الموسيقية في أماكنهم عند الفسحة النصف دائرية الموجودة تحت المنبر .
سأل رايموند شقيقته بسخرية : " لم لا تضعين هذا الشريط جانباً؟ "
قالت مارتينا وهي تمد عنقها لتحاول أن ترى إن كان كوفمان موجوداً بين أفراد الفرقة الموسيقية : " كلا . "
قالت ابيغيل موجهة حديثها إلى مارتينا : " إنه العازف المنفرد , مما يعني بأنه لن يأتي الآن . "
عندما خففت حدة الأضواء ظهر رولف وجلس في مقعده .
قال رولف بهدوء : " لقد حجزت , أنها الحقيقة واعتذر لأنني تركتك وحيدة هكذا . "
قالت ابيغيل وهي تكذب : " لا بأس . "
قال رايموند وهو يقطب حاجبيه : " لقد أوصلتها إلى مقعدها . "
" رايموند , أنا ... "
قال رايموند : " حسناً ليس المكان ولا الوقت مناسبين للمحادثة ولا للعراك مع أخي . "
خيم سكون عميق في القاعة ثم رفع قائد الفرقة الموسيقية يديه .
قرابة نهاية النصف الأول من الحفل , غادر قائد الفرقة الموسيقية المنبر ثم عاد إلى الظهور مع العازف المنفرد ودوى التصفيق إذ ظهر شاب وانحنى يحي الحضور .
هتفت مارتينا لأبيغيل : " يا للروعة . "
تعجبت ابيغيل إذ أن مارتينا التي تتمالك أعصابها في العادة وتتكلم بواقعية كبيرة قد بدأت تهتم بشخص يصعب عليها التعرف إليه .
طوال وقت عزف كوفمان كانت مارتينا صامتة وتصغي بانتباه ثم حان وقت الاستراحة , فشق رولف طريقه نحو الخارج حيث اشترى المرطبات . نظر رايموند حوله بينما بدأت مارتينا بالتحادث مع امرأة كانت جالسة بين الجموع . هم رولف بالتكلم مع ابيغيل ولكن وفي اللحظة نفسها ناداه أحدهم فعلمت ابيغيل بأنه سوف يختفي للمرة الثانية .
كانت مارتينا تقول : " نعم , أنا مصممة أزياء . " ثم تصافحت السيدتان وتابعت : " صدف أن صديقتي من انكلترا هي معي هنا , ها هي الآن ... " قالت وهي تشير إلى ابيغيل :" وهي ترتدي إحدى تصاميمي هل تمانعيني يا آبي . "
أجابت ابيغيل : " لقد وافقت على إسداء هذه الخدمة لك أتذكرين؟ "
قالت المرأة : " هذا حسن أنا فعلاً معجبة بتناسق الألوان وبالشكل العام للرداء . " ثم تحسست حقيبتها . " لدي قلم هنا ... " ولكنها لم تجده .
قالت مارتينا : " اسمحي لي بإعطائك بطاقتي . "
" حسناً ما اسرعك . " تمتم رايموند من الخلف : " كذلك يبدو أن مارتينا تحمل بطاقة عملها بالصدفة . إنها تحاول الحصول على زبائن جدد . "
رن الجرس معلناً انتهاء الاستراحة , عاد رولف الذي جلس في مقعده . ورأت هذه الأخيرة مارتينا تبكي عندما عزف اوتوكوفمان الكونشرتو الخامس للبيانو الذي ألفه بيتهوفن . تساءلت ابيغيل إن كان ذلك بسبب التعاسة . إذ أنه كان من الصعب أن تلتقي مارتينا بالموسيقار , أم بسبب روعة الموسيقى ولكن تساؤلها بقي دون جواب .
بعدما أنهى كوفمان عزفه , تعالت أصوات التصفيق ووقفت مارتينا بعد أن مسحت دموعها , فصفقت بحرارة مع الباقين وارتاحت ابيغيل إذ رأت بأن صديقتها قد استعادت اتزانها . اقترح رولف عليهم الانضمام إلى الحشود التي تجمعت وراء الكواليس , وذلك بعدما تكلم مع أناس كانوا على علاقة بمنظمي الحفل الموسيقي . لاحظت ابيغيل بأن مارتينا قد أخرجت الشريط الذي ابتاعته حديثاً من حقيبتها , وكانت تمسك به بإحكام بينما عيناها تبحثان عن العازف المنفرد في الأمسية ربما كانت تأمل في الحصول على توقيعه .
اقتربت السيدة التي أبدت اهتماماً كبيراً بتصاميم مارتينا عند الاستراحة وعرفت بنفسها فقالت بأن اسمها هو سيلفيا هافتر وهي أمريكية متزوجة من رجل أعمال سويسري . " اسمحي لي بأن أقدمك إلى شقيقي . "
فكرت ابيغيل بأنها تستطيع فعلا أن تحس بقلب مارتينا يخفق بشدة . ترنحت مارتينا فخافت عليها من أن تقع . كانت سيلفيا هافتر تقودهما نحو اوتوكوفمان الذي كان واقفاً وراء الكواليس .
نظر إليها وحيا اوتو الفتاة ثم عرفت سيلفيا بأبيغيل ولكن ردة فعل العازف اقتصرت على ابتسامة مهذبة . ارتجف صوت مارتينا إذ بدأ اوتو بالتكلم معها , ثم عاد إلى نبرته الطبيعية , فارتحت ابيغيل .
نظرت ابيغيل إلى رولف فشعرت بالحزن إذ أنها رأت بأن وجه المرأة التي كان يحادثها هو مألوف لديها . وكانت ابيغيل قد فرحت لغيابها من الأمسية فهي بالنسبة للجميع وخاصة لعائلة فلدر , صديقة رولف . ولكنها أدركت بأن الازدحام حال دون تنبهها إلى وجود لورا مارشان في الحفل .
على الأرجح , لورا مارشان هي التي احتجزت رولف لهذه المدة الطويلة قبل بدء الحفلة كذلك فهي السبب وراء اختفائه عند الاستراحة . أليس الأمر طبيعياً؟ ألم تحذره لورا التي تتمتع بالنفوذ إذ أنها مراسلة اقتصادية , لتلك المناقصة التي لم يتوقع قط حدوثها؟
وبينما كان رولف يتكلم , كانت عيناه تجولان بين الجموع وبدا أنه من الصعب لفت انتباهه ... حتى وقع نظره على ابيغيل . توقف عن الكلام ولم يكمل جملته بل لوح بيده نحوها وبدا الاستياء على وجه لورا إذ رأت أن رولف يلوح بيده إليها ثم غيرت وضعيتها فوقفت بين رولف و ابيغيل مكونة حاجزاً بينهما . ولكن رولف تحرك وهو يهتف : " ابيغيل . " ثم رفع صوته فتغلب على الضجيج وكانت نبرته قوية رنانة .
وصل رايموند إليها وسألها : " هل تشعرين بالوحدة يا آبي؟ " قال رايموند ذلك وهو يشير نحو مارتينا : " إنها بعيدة عنا الآن , يبدو أن حلمها قد أصبح حقيقة . انظري ’ ها هو اوتوكوفمان يدون عنوانها ورقم هاتفها . أتمنى لو أني كنت مثله . " ثم أوقف محاولة ابيغيل بالاحتجاج على ما قاله وتابع .
" أعتذر منك . أرى بأنك تحاولين منع نفسك من التثاؤب , مما يعني بأنك متعبة وتودين العودة إلى الفندق . تعالي معي لنستقل سيارة أجرة . "
تركها رايموند عند باب غرفتها . تنهدت ولكنها جفلت عندما رن جرس الهاتف . مشت ببطء لتصل إلى مكان وجود الهاتف .
" مرحباً . " قالت مارتينا بلهجة حماسية .
وافترضت مارتينا بأن ابيغيل سوف تعلم في الحال عمن تتكلم : " يجب أن أقوم لك بأن شقيقته قد طلبت مني بأن أصنع بعض الأثواب لها . وهل تعلمين ماذا فعلت؟ لقد دعوته إلى الحفلة في المنزل , وهو قبل دعوتي . قال اوتو بأنه غير مرتبط باي موعد في ذلك اليوم وهو مسرور لعلمه بوجود بيانو في البيت , لأنه إن شعر برغبة بالهروب من جو الحفل , يمكنه فعل ذلك , خاصة وأنه لا يحب الحفلات كثيراً . أكدت له بأنه يوجد لدينا أحد أفضل أنواع البيانوهات .
قالت ابيغيل ممازحة : " إذن , أصبحت تناديه اوتو الآن , أليس كذلك؟ "
" لقد أصر على ذلك يا آبي , أشعر بأنني سعيدة كثيراً . ألم أخبرك؟ سوف تستعمل الألعاب النارية في الحفل وكذلك عند عرض الأزياء الذي سأنظمه , بالإضافة إلى وجود الكثير من الطعام . "
" ولكن المهم في كل ذلك هو عازف بيانو شهير اسمه اوتوكوفمان , أليس كذلك؟ "
" أنت محقة , ستكون الحفلة رائعة ولكن هناك شيئاً واحداً لن نقوم به , وهو أن نطلب منه العزف . فنحن لا نستطيع أن نتحمل نفقات حفله من حفلاته . "
بعد انتهاء المكالمة مع مارتينا , أتى رولف ليكلمها . ما أن وصل , حتى رن جرس الهاتف فركضت ابيغيل لترد عليه . سألت ابيغيل : " من المتكلم؟ السيد فلدر؟ هل عدت؟ لم أكن على علم بذلك؟ . هل تريد التكلم مع رولف؟ " ثم غطت ابيغيل قسماً من السماعة بيدها وقالت : " إنه والدك . " ثم أعطت السماعة إلى رولف .
" أبي . " أنصت رولف إلى كلام أبيه ثم أجاب : " كلا , إن رايموند لا يعلم مكان وجودي ولا مارتينا وبالتأكيد حتى موظف الاستقبال يجهل ذلك ." ثم صمت مجدداً وبعدها قال : " لقد علمت أي تجدني , أليس كذلك , حسناً ها أنا هنا ونعم ... "
وتبع حديث باللغة السويسرية .
قالت ابيغيل إذ رأت بعض التجهم في ملامح وجه رولف : " ما لأمر يا رولف؟ "
" لقد اتصل به العمال في منزلنا ... أعني منزل العائلة و قالوا له بأن العمل قد انهي وبأن المكان قد أصبح جاهزاً للسكن ولم يبق علينا سوى زيارته للتأكد من أن كل شيء على ما يرام . "
" هل هذا يعني بأن موعد الحفل قد اقترب؟ "
كان ذلك يعني بأن أيام إقامتها مع عائلة فلدر قد أصبحت معدودة .
" نعم , بالتأكيد لن يكون هناك أي عائق لانتقالنا إلى هناك إن أردنا ذلك عن قريب . لدي الكثير من الوقت , إنه ليس في مكان بعيد ولكنه يتطلب منا الذهاب إلى منطقة رائعة الجمال . أتودين الذهاب معي إلى هناك؟ "
" أود ذلك."
" حسناً , هذا جيد . " وتوجه نحو الباب ليخرج .




الفصل التاسع


صعد رولف و ابيغيل إلى الهضاب العالية وذلك بواسطة الباص . كانت الطريق وعرة تكثر فيها الزواريب والمنعطفات حتى أنه بدا من الصعب أن ينجح ذلك الباص على قطعها بسلام . عند كل منعطف , كان الزمور يطلق صوتاً عالياً , ونغمات موسيقية يطيب للأذن سماعها , ولكن وظيفتها الرئيسية كانت تنبيه الآليات الأخرى . وخافت ابيغيل التي كانت جالسة من رولف , مما يمكن أن يحدث إن جاءت آلية أخرى . عندما اقتربت سيارة وهي تسير باتجاه الباص . حبست ابيغيل أنفاسها ووضعت يدها على فمها .
قال مطمئناً إياها : " لدى السائق خبرة طويلة بالقيادة انظري , أنه يتوقف في هذه الفسحة وينتظر مرور السيارة . "
نظرت إلى الأسفل , ثم أغمضت عينيها فجأة إذ رأت وعودة الطريق بواسطة نافذة الباص وبقي السائق منتظراً مرور السيارة .
ظل الضباب يغطي التلال حتى بعدما انتهت رحلة الصعود لكنه لم يغط الأنواع المتعددة من الزهور الملونة التي نبتت على طرفي الطريق وكان مالكو البيوت قد جمعوا القش تحضيراً للشتاء , فشكل أكواما وضعت على الحائط . وكانت قد كدست كما شرح رولف كي تستعملها النساء في موسم تجميع التبن .
وصل الباص إلى القمة , فخرجا منه ووقعت أنظارهما على مشهد ريفي رائع .
" هذا جميل , أنه يختلف عن كل الأمكنة التي زرتها من قبل . فهو ريفي وأعتقد بأن هذه الكلمة هي الأفضل للتعبير عما أراه فهي تتجانس مع طابع المكان , هل فهمت قصدي؟ "
نظرت ابيغيل إليه وقالت : " أنت فخور بموطنك , أليس كذلك؟ "
قال رولف وهو يشير إلى المناظر الساحرة حولهما : " وهل هناك أحد ليس فخوراً به؟ "
كيفما جال نظرها , كانت ابيغيل ترى التعرجات في الأرض وقد سببتها الهضاب التي بدت معظمها وكأنها مائلة . وسطعت الشمس في البعيد , فلمعت القمم الشاهقة تحت أشعتها وظهرت ألوانها الفاتنة . كانت الطرقات تتقاطع وهي تقود إلى مزارع وبيوت متفرقة .
مشى رولف و ابيغيل لبعض الوقت , ثم توقفا قليلاً إذ أنه أشار إليها مجدداً إلى موقع المدينة التي تركاها وراءهما . كانت السقوف الحمراء موزعة في التلال والهضاب , كذلك فقد كان البعض منها موجوداً على طرفي الطريق .
توقفت ابيغيل عند حظيرة الماشية حيث كان هناك ملصقات معروضة فقالت لرولف : " هل تستطيع أن تترجم لي محتوى هذه الملصقات؟ "
فعل ذلك بكل رحابة صدر : " إنها شهادات امتياز لقد وضعها فلاحون هنا , وذلك لأنهم فخورون إذ ربح قطيعهم جوائز في عدة مباريات . " ثم سلك رولف طريق العودة : " هناك شخص ما يجب أن أراه . تعالي , هل تريدين أن تأكلي شيئاً؟ . "
" قليلاً . " ثم نظرت حولها , وهي تتساءل عن احتمال وجود مكان يقدم الطعام في الجوار .
اقترابا من مقهى بني من الخشب , أما سقفه , فقد كان من القرميد الأحمر . قادها إلى المطعم حيث يمكن رؤية الطبيعة دون سقف أو حاجز , ثم جلست إلى الطاولة , بعدها وضع لائحة الطعام بين يديها .
" سوف أنهي عملي خلال عشر دقائق . "
غاب رولف لوقت أطول , ثم ابتسمت ابتسامة ارتياح إذ عاد أخيراً .
سألت ابيغيل وهي تبتسم : " هل ابتعت هذا المقهى أيضاً؟ "
قال رولف وهو يجلس : " الجواب على سؤالك هو نعم على الأرجح . "
سألته ابيغيل : " هل تقضي معظم وقتك ساعياً وراء شراء العقارات كي تضيفها إلى مجموعة فلدر؟ "
" نعم , وفي بعض المناسبات . فأنا كنت الآن أقوم بالتحقيقات اللازمة , هذا كل ما في الأمر . ولكن قلبي هو مع شركة الهندسة التي املكها في زوريخ . "
وفكرت ابيغيل بأن قلب رولف سوف يبقى هناك , مع العمل . ألم يحذرها رايموند؟ فهو قد وصف رولف بالمدمن على العمل . ففي حياته , لم يكن هناك مكان دائم لأي شخص تذكري دوماً ذلك.
اختارت وجبة خفيفة مع قهوة وحاورتها النادلة بالانجليزية إذ أنها سمعتها تتكلم بتلك اللغة .
سألت ابيغيل تلك الشابة : " هل هو موطنك الأم؟ "
" أنا من هولندا . "
" ولكن أنتِ تتقنين اللغة الانجليزية , لذلك اعتقدت بأنكِ انجليزية."
" إنه إطراء لطيف . "
ثم قال رولف للنادلة : " هل تعيشين هنا الآن؟ "
" نعم ولكن ذلك سيدوم فترة قصيرة والآن لدي غرفة في الطابق العلوي من المطعم . ولكني سوف أعود إلى دياري عما قريب فأنا على وشك الزواج . "
قالت ابيغيل : " إن ذلك رائع . " ولكنها ما لبثت أن مقتت البهجة التي تلألأت في صوتها .
قال رولف للنادلة : " هذا يعني بأنه سيكون هناك مكاناً شاغراً هنا؟ هل أعلن عن الحاجة إلى نادلة؟ "
" سوف يوضع الإعلان عندما سأعرف موعد سفري . "
قالت ابيغيل في نفسها إن كانت مجموعة فلدر مهتمة بشراء هذا المقهى من الطبيعي بأن يغدو أمر تأمين نادلة أخرى من بين اهتمامات رولف .
نظر رولف إلى ساعته وكأنه يفكر بأمر ما وعملت بأن ذلك النهار الرائع قد شارف على نهايته .منتديات ليلاس
قال لها : " سوف أقوم باتصال هاتفي , واراك هنا بعد قليل . فالأمر لن يستغرق الكثير من الوقت . "
جلست وانتظرت وقتاً طويلاً حتى عاد رولف . غدت أفكارها مشوبة بالغيوم السوداء خلال فترة قصيرة .
وأدركت ابيغيل مصدر أفكارها السوداء تلك . فهي سمعت صوت رولف الذي تكلم بالهاتف ... ولكنه استخدم لغته الأم في الحديث وفكرت ابيغيل بأن ذلك طبيعي جداً ولكن تفكيرها تبدل إذ سمعت رولف يتلفظ باسم محدثته ... لورا مارشان .

لم يكن هناك أي مجال للشك . إذاً , فلورا مارشان هي المرأة التي سوف تتزوجه في يوم من الأيام , فكرت وهي متأكدة من إمكانية حدوث هذا الأمر .
هل من الممكن أن يصمد رولف لمدة طويلة؟ سألت ابيغيل نفسها بيأس فهو بالإضافة إلى كل ما سبق , يرى لورا غالباً بحكم ظروف عمله , خاصة أنها تتمتع بالمؤهلات التي تخولها إعطاء النصائح لرولف فلدر .
توجهت ابيغيل نحو المدخل وهي مرفوعة الرأس , وسار رولف بسرعة حتى يصل إليها ولكن للأسف اضطرت إلى التوقف لانتظاره إذ أنها لم تعلم إن كانت وجهة سيرها صحيحة .
قال رولف : " حسناً , حسناً اهدئي . "
عندما استدارت ونظرت إليه , كان الباص يصعد الهضبة ثم توقف بانتظار الركاب .
مشى رولف نحو الباص . ثم توقف ليفسح المجال أمامها حتى تصعد قبله ولكنه فعل كل ذلك بطريقة باردة ومهذبة في آن معاً وفي طريق العودة بديا كغريبين جلسا بالصدفة على مقعد واحد .
كانت ابيغيل تعمل في المكتب إذ أن ماكس فلدر قد أعطاها , عند عودته من السفر , رزمة أخرى من الأوراق حيث دون ملاحظاته وفجأة رن جرس الهاتف .
جفلت ولكنها وبخت نفسها , فمن غير الممكن أن يكون المتحدث هو رولف , إذ أن هذا الأخير كان قد ذهب إلى فرانكفورت لإنهاء صفقة وهو سيكون بعيداً عنها لعدة أيام كما قال لها قبل يومين أي بعد انتهاء رحلتهما في الباص . فقد كانا صامتين طوال طريق العودة حتى بلغا المصعد ,
عندها , وبينما كان رولف ينتظر وصوله وهو يقف إلى جانبها , قالت له وقد غلبت مرارة يأسها على تفكيرها السليم : " اعتقدت بأنك ستأخذ لورا مارشان معك , أليس كذلك؟ "
أجاب رولف ببرودة : " هذا صحيح . "
وشعرت ابيغيل بأنها ستبكي من شدة الألم .
بدأ الباب يفتح فقالت قبل أن يقفل الباب تماماًً فيحجب صورة رولف عن ناظريها : " أتمنى أن تستمتع برحلتك . "
وعادت ابيغيل إلى الواقع إذ سمعت صوت مارتينا التي كانت تقول لها : " إن الثوب الذي وعدت بتصميمه لترتدينه يوم حفلة العودة إلى المنزل قد أصبح جاهزاً . هل تستطيعين أعطائي بعض الوقت والمجيء إلى هنا لقياسه الآن؟ إن لم يكن العمل الذي تقومين به طارئاً . "
أكدت ابيغيل لمارتينا بأن عملها لم يكن كذلك , ثم جرت نفسها إلى مشغل صديقتها .
" إن وجهك قاتم يا ابيغيل قولي لي ما الذي يقلقك؟ هل يتعلق الأمر بأخي؟ "
سألت ابيغيل وهي تدعي الجهل : " أيهما؟ "
" بالتأكيد لا يتعلق الأمر برايموند هل أنا محقة؟ "
" لا أعلم ربما الأمر صحيح . "
قالت مارتينا : " أقدم لكن صديقتي آبي . " وتوجهت بالكلام إلى النساء الثلاث اللواتي كن يعملن .
أومأت النساء بالتحية وكانت اثنتان منهن ترتبن بعض التصاميم التي حملت طابعها الخاص . أما الثالثة ليليان فقد توقفت قليلاً عن الخياطة وقالت : " مرحباً . "
جالت ابيغيل متفحصة كل الملابس التي كانت جاهزة لتعرض خلال الحفلة ولكنها لاحظت أن هناك فستاناً قد غطي بالقماش ووضع بالزاوية , ارتدت ابيغيل الثوب الذي طلب منها قياسه ونظرت إلى صورتها بالمرآة .
قالت ابيغيل وهي تنظر بإعجاب إلى شكل الفستان الذي كان يلائمها تماماً : " هذا رائع ولكنني لا استطيع قبول هذا الثوب منك . يا مارتينا , كلا لا استطيع ذلك أبدا . . "
قالت مارتينا : " بلى , وسوف تقبلينه بكل طيبة خاطر . "
وكانت تشبه كثيراً شقيقها رولف في تلك اللحظة , فكرت وهي تتساءل عما إذا كان هناك امرأة تمتلك طباعاً قريبة من طباع رولف : " لا تستطيعين أن ترفضي قبول الهدية التي أقدمها لك , مفهوم؟ "
قالت وقد استسلمت , ثم ارتسمت ابتسامة مضيئة على وجهها : " مفهوم . "
توجهت نحو الباب , وقال لها مارتينا : " بعد الظهر سوف نذهب , رايموند وأنا إلى البيت لنتأكد من أنه سينظف بعناية ومن أن كل شيء أصبح جاهزاً للحفلة التي ستقام نهار السبت هل تودين المجيء معنا؟ "
فكرت ابيغيل برزمة الأوراق التي كانت تنتظرها في المكتب ثم قالت مارتينا وكأنها علمت بماذا تفكر : " لقد قلت لي ليس لديك أي عمل يجب عليك إنهاؤه بسرعة . "
" نعم , هذا صحيح , وأنا أوافق على المجيء معكما , شكراً لك . " وبينما كانت عائدة إلى مكتبها , فكرت ابيغيل بأنها مستعدة لعمل أي شيء يشغل تفكيرها عن لورا مارشان . قاد رايموند السيارة متوجهاً نحو المنزل . تسلقت السيارة هضبة فوصلت إلى مكان محاط بصف من الأشجار ثم دخلت مجتازة عدة بوابات أوصلتها إلى منحدر وعر . كان المنزل كبيراً , كما اعتقدت ابيغيل وهو يكفي لإيواء عائلة فلدر . كانت جدرانه قد طليت باللون الأبيض , وقد غطي سقفه بحجر القرميد الأحمر مع جزء ثاني فوق البلكونات الخشبية .
" هيا أدخلي . " قالت مارتينا إذ فتح أخوها باب المنزل , ثم تنشقت الهواء . الدهان , الفرنيش , ورائحة السجاد الجديد .
اضافت ابيغيل : " كذلك الزهور فهناك العديد منها! "
أومأت مارتينا موافقة : " لقد عمل بائعو الزهور بجد . فنحن قد استخدمناهم خصيصاً لينسقوا الزهور لمناسبة حفلة التدشين . "
كانت السجادات الرائعة ناعمة , أما بالنسبة للمفروشات , فقد دفعت الكثير من الأموال لجعلها تبدو رائعة وبهية . كانت حيطان المطبخ ذو لون ابيض يبهر العيون , أما أدوات المطبخ , فقد كانت موزعة في عدة نواح , وكانت تبدو عليها آثار الاستعمال المتكرر .
قالت مارتينا : " إن متعهدي تقديم الطعام قد عملوا بجد كذلك . فهم يحضرون ليوم الاحتفال . "
وفتنت عينا ابيغيل إذ تأملت المشاهد الجميلة التي كانت تتراءى لها من خلال نوافذ المنزل .
كانت قطعة الأرض التي تشكل جزءاً من أملاك عائلة فلدر تقع تحت النافذة مباشرة وهي تمتد على مسافة كبيرة وتصل حتى البحيرة .
شرح رايموند لأبيغيل : " هناك , على شاطئ البحيرة , يوجد ميناء السفن أما البناء الصغير هناك , بالقرب منه فهو منزل خادمتنا وزوجها . "
قالت ابيغيل وهي تبتسم : " عندما تعرفت إليك في لندن , لم تكن لدي أي أدنى فكرة عن محيطك العائلي , فلم تخطر ببالي أنك غني إلى هذا الحد . لقد بدوت كأي إنسان عادي متوسط الحال , أليس كذلك . "
" سوف أبوح لك بسر يا آبي . أنا شاب عادي لكني طموح وقنوع . "
" ولكن العائلة هي ... "
" تملك المال الكثير؟ هل تعترضين على ذلك؟ حقاً , يجب أن نقنع أخي ليرى فيك مثال المرأة التي لا تبحث فقط عن المال والمركز الاجتماعي الرفيع , كما يقول عادة , بل أنها تسير في اتجاه مختلف تماماً . "
أرجو أن تقول ذلك إلى أخيك , فكرت ابيغيل في نفسها . قالت مارتينا وهي تنظر في أنحاء المكان : " هذا رائع , إن المكان نظيف وجاهز للسكن غداً , يا رايموند , يجب أن نحزم أمتعتنا ونحضر أغراضنا لكي ننتقل إلى هنا بعد ثلاثة أيام . "
لا , بهذه السرعة؟ فكرت ابيغيل . إن غادرت عائلة فلدر الفندق , يجب أن انتقل منه أنا أيضاً .
قالت ابيغيل بتجرد : " سوف احجز بطاقة سفر على متن طائرة . "
وبدت على وجه مارتينا علامات الدهشة : " إلى أين سوف تذهبين؟ إن السيارة كافية لنقلنا من فندق بانوراما ولا حاجة بنا إلى طائرة . "
" سأعود إلى دياري وإلا فإلى أين؟ "
" إلى ديارك؟ تعنين بأنك ستعودين إلى وطنك؟ ولكن هناك مكان لك في هذا المنزل . رايموند ... استعمل مواهبك لإقناع ابيغيل . فأنت ناجح في الإقناع . "
" ولكن أساليبي لا تنجح مع هذه الفتاة . " اعترف رايموند وهو ينظر إلى الأسفل .
" يجب أن أكلم شقيقي رولف . " وفكرت ابيغيل بأن اهتمامات مارتينا لا تنحصر كما يبدو فقط بالعمل , بل أن تلك الفتاة تلاحظ التغيرات العديدة التي تحصل في نفوس الناس كنتيجة للاختبارات التي يمرون بها . " ربما يجب علي أن اطلب مساعدة رولف وموهبته في الإقناع . أنا أعرف رقم هاتف المكتب الذي استأجره في فرانكفورت . "
" مرحباً رولف؟ " استمعت مارتينا وقد قطبت حاجبيها , ثم غطت سماعة الهاتف بيدها وهي تصر على أسنانها وتزمجر ... إن صديقة رولف تتكلم الألمانية . فهي تعتقد نفسها في غاية الذكاء . ولكن في يوم من الأيام سوف تعي بأنها تتذاكى كثيراً : " مرحباً لورا . حسناً أنتِ تعلمين جيداً أنه باستطاعتي التكلم بلغتكم ليس هناك من داع للـتـ ... "
وخنقت مارتينا كلمة " تباهي " فتابعت قائلة : " تكلمي معي كما لو كنت خبيرة باللغة الانجليزية . نعم أود التكلم مع أخي إن سمحتِ . " وسرت ابيغيل إذ أن الألم الذي احست به لم يظهر للعيان ولكن تملك بقلبها جيداً وبشكل قوي . طبعاً , فرولف كان صريحاً جداً معها , وهو قد أخبرها بأن لورا سوف ترافقه : " رولف؟ أن رايموند وأنا موجودان في البيت وهو جاهز لننتقل إليه . ولكن ابيغيل ... نعم ... تتمسك برأيها فهي ترفض الانضمام إلينا . يجب أن تقنعها بتغيير موقفها . أنها هنا الآن وسوف تتكلم معك . " ثم أعطت مارتينا السماعة إلى ابيغيل .
" ابيغيل؟ " لماذا بدا رولف غاضباً إلى هذا الحد , تساءلت ابيغيل . فهي سوف تزيل عقبة عن طريقه إن عادت إلى ديارها : " هل أن ما تقوله شقيقتي صحيح؟ "
" سأحجز تذكرة إياب إلى دياري . لماذا؟ لأنني لست فرداً من عائلة فلدر . "
سأل رولف : " هل تحاولين حقاً إغضابي؟ هناك غرفة للضيوف في المنزل ... أو أكثر من غرفة واحدة . كذلك توجد غرفة صغيرة يمكنك استعمالها كمكتب لك على كل حال , هناك الوعد الذي قطعته بمساعدة أبي . "
" أنت من يتكلم عن الوعود , بينما... ؟ "
وفشلت ابيغيل بمتابعة كلامها .
أعادت السماعة إلى مكانها , فأنهت الاتصال ولكنها كانت غير قادرة على وقف انهمار دموعها . تلفظ رايموند ببعض الكلمات باللغة الألمانية .
أفرغت ابيغيل كل المرارة التي كانت تشعر بها , وما كان منها إلا أن ذرفت دموعاً غزيرة بعد وقت طويل , توقفت عن البكاء وجففت دموعها .
تمتمت مارتينا وهي تحرك الستارة بقوة كأنها تضرب شخصاً غير مرئي : " تلك المرأة لورا سوف أخرجها من حياة رولف بطريقة ما . وأعتقد بأني وجدت الطريقة المناسبة . انتبهي يا لورا مارشان أنا مارتينا فلدر مصممة الثياب الشهيرة في عالم الأزياء ... حتى ولو كانت تلك الشهرة محصورة مؤقتاً في بلدي . إن الآنسة مارشان لن تصبح أبداً زوجة رولف فلدر , فأنا لن أوافق أبداً على أمر كهذا . "
بعد ثلاثة أيام , حزم أفراد عائلة فلدر أمتعتهم و أصبحوا جاهزين للانتقال إلى المنزل . طلب رايموند وجبة عشاء في مطعم الفندق , ودعا ابيغيل إلى الانضمام إليه . قبلت دعوته على مضض إذ أنها كانت قد فقدت شهيتها في الأيام الأخيرة وكانت تفضل قضاء الأمسية وحدها وربما التنزه على ضفاف البحيرة .
مشى رايموند و ابيغيل فتوجها نحو الباب ليخرجا الناس من المطعم , ثم أشار رايموند إلى البيانو . لامست ابيغيل الخشب الداكن اللون واللامع بحب ثم عبثت قليلاً بالمفاتيح : " هيا اعزفي البيانو , أنا أعلم بأنك تتحرقين شوقاً لتجربة هذه الآلة ."
" لا أحد يعلم ما الأمر بعد , ولكن عزفك سيبدو رائعاً ربما, تماماً كعزف اوتو صديق مارتينا . "
جلست ابيغيل على الكرسي بعد أن عدلت ارتفاعه ليلاءم قوامها .
سألها رايموند : " هل تعلمين إلى أين ذهبت شقيقتي؟ "
قالت ابيغيل : " رايتها تركض بعد أن خرجت من الباب , وكانت تلوح بورقة . لقد بدت متحمسة جداً . "
" نعم فتلك الورقة هي عبارة عن تذكرة قدمها لها ... هل حزرت من؟ هذا صحيح , فقد قدمها لها اوتوكوفمان . لقد كان في المنزل عندما زارت مارتينا شقيقته لتجربة الثوب الذي تخيطه لها . هيا اعزفي يا آبي . "
نقرت أصابع ابيغيل على المفاتيح إذ كانت تبحث في ذاكرتها عن معزوفات تتلاءم مع مزاجها . وخرجت من بين أصابعها أنغام جميلة وحزينة قليلاً , أعادت ذكريات جميلة وصافية , مفرحة وآمنة ... وقد امتزجت بالرغم من كل ذلك , بالألم والقلق .
وإذ كان تعزف , رفعت ابيغيل عينيها ونظرت إلى وجه رايموند ولكنها بسبب لعبة الأضواء , رأت شقيقه بدلاً منه وهو لم يكن مبتسماً أبداً , بل أن تعابيره كانت قاسية وكأنها تعنفها , أما عيناه فكانتا تلمعان بسبب العتاب والغضب .
رفعت ابيغيل عينيها وتوقفت عن العزف .
تنقلت عينا رايموند من رولف إلى ابيغيل . فهو بالطبع قد لاحظ علامات الغضب على وجه أخيه , كذلك فقد رأى بأن أنامل ابيغيل ترتجفان .
" إن أخي قد عاد أخيراً . هل تود أن تعرف ما قالته صديقتي عنك؟ " قال رايموند ذلك وهو يستدير لينظر إلى أخيه بينما أغلقت ابيغيل غطاء البيانو ولكنها بقيت جالسة . قالت ابيغيل : " لا تخبره يا رايموند . " ولكن صرختها لم تلق صدى في نفس رايموند أبداً إلى رجائها .
قال رولف أخيراً : " رايموند يا شقيقي الأصغر , لقد فات الأوان ألم تخبرك ابيغيل بأنها أصبحت معجبة بي؟ "
" ابيغيل؟ " سأل رايموند وهو يكاد لا يصدق ما سمعته أذناه : " إنه مخطئ , أليس كذلك؟ " وعم صمت طويل نظرت في خلاله ابيغيل إلى رايموند ولم تجب .
وبدأ رايموند يمشي مبتعداً كما لو أنه لم يعد يستطيع السيطرة على نفسه لمدة أطول ولكنه استدار وقد رفع قبضته ووجهها باتجاه ذقن رولف . " لماذا أنت ... "
صرخت ابيغيل من دون وعي : " لا! "
" حسناً ..." ثم ابتعدت قبضة رايموند عن وجه أخيه الذي لم يحرك ساكناً : " لن أؤذيه وأنتِ تعلمين ... " قال رايموند ذلك وقد أخذ صوته يرتجف قليلاً ... " مازلت أحترمه وأحبه فهو أخي . " استعد رايموند للرحيل ولكنه توقف مرة أخرى .



الفصل العاشر

شاركت ابيغيل مارتينا بجمع محتوى مشغلها وقد ثم ذلك بمساعدة ليليان التي تملك الخبرة والمهارة واستغرق ذلك عدة ساعات لأن مشغلها حيث تنفذ تصاميمها يكون عادة فريسة الفوضى . لذلك , كان من الصعب وضع التصاميم وغيرها من الأدوات في علب لتنقل إلى المشغل الجديد في البيت . الآن وصلوا إلى الطابق السفلي من البيت وهم يفكون الرزم ويضعون الأشياء تماماً كما قالت لهم مارتينا فهي لا تحتمل أبداً أن يخالف أحد أوامرها . إذ اطل رايموند من الباب واستمع إلى لهجتها الحازمة , أطلق على شقيقته لقب المراقبة القاسية ... كما قال ... وطلب منها أن تتذكر بأن مساعديها هم في الحقيقة قد تطوعوا لذلك وبأنه لم يدفع لأي منهم أي راتب .
أخيراً انتهى العمل فعادت مارتينا إلى الواقع وشكرت مساعديها فقالت ليليان بأنها تقوم بعملها ليس إلا . أما ابيغيل فقد قالت بأنها تعتبر لك العمل قليل الأهمية إذ أن مارتينا كانت كريمة جداً معها وأعطتها بعض الثياب التي صممتها من دون أي مقابل . أخرجت التصاميم من العلب ما عدا تصميماً واحداً بقي مغلفاً . كانت ابيغيل قد أزاحت بعضاً من الورق الذي يغلفه فرأت تحته قطعة من الساتان الأبيض والشرائط . سألت ابيغيل مارتينا : " ما هذا الشيء الرائع هنا؟ إنه يلمع , هل هذا سر أم ... "
" كلا , أرجوك لا تفتحيه! يجب أن يبقى مخبأً بالورق . فأنا لن أبوح لك بالسر بالرغم من أنك صديقتي ولآن أخبريني , هل استقريت في غرفتك؟ هل تريدين أية مساعدة؟ لا؟ إذن تعالي معي لتشاهدي جناحي أبي ورولف بما أنه سبق ورأيت جناحي ؟ "
مشت ابيغيل وصعدت السلالم حتى وصلت إلى الطابق الأرضي ثم صعدت إلى الطابق الأول . كان جناح ماكس فلدر واسعاً ومليئاً بالأثاث .
قالت مارتينا وهي تفتح الباب : " وها هو جناح شقيقي رولف ." كانت قاعة الجلوس فاتحة اللون , كما أنها فرشت بالأثاث البسيط .
قالت مارتينا : " إن الأريكة مصنوعة من اللاستايل الحديث والدهانات هي بقع من الألوان بالإضافة إلى أشياء أخرى . "
ثم أضافت : " هذا أثاث جميل , حسناً ولكن يمكن أن تضاف إليه بعض اللمسات لتلطيف منظره . أنه ذوق رولف , ولكنه عملي جداً , وبالنسبة لي , إنه يكاد يكون صارماً . ربما تنقصه لمسة نسائية , ألا تظنين ذلك؟ والأمر نفسه ينطبق على الغرفة الرئيسية فهي ذو لون واحد , أعني اللون الكريمي . "
ولفتت المشاهد المترائية في الغرفة نظر ابيغيل , فقد كانت مشابهة لتلك التي شاهدتها من نافذة غرفتها , ولكن البحيرة هنا بدت وكأنها تلمع أكثر والجبال أصبحت أكثر وضوحاً وشموخاً . رن الجرس في غرفة الجلوس , فأجابت مارتينا : " مرحباً , يا رايموند . " ثم استمعت : " هل هو هنا؟ إذن , من الأفضل أن نغادر المكان بسرعة . شكراً لأنك حذرتنا! "
منتديات ليلاس
قالت مارتينا : " تعالي! فقد قال رايموند بأن شقيقي رولف آت إلى هنا , فهو قد رآه عند المدخل . "
كانت ابيغيل في الردهة عندما التقت برولف , فهي لم تمش بسرعة كافية .
" مرحباً يا رولف . " قالت مارتينا بصوت عال كأنها تحاول تحذير ابيغيل ولكن هذه الأخيرة لم تجد الوقت للإسراع .
مشى رولف بخطوات واسعة وهو ينظر إلى ابيغيل وقال لها : " أبقي هنا. " ثم أضاف كلمة : " أرجوكِ . "
قالت مارتينا : " وداعاً يا آبي , اعذريني , ولكنني سأذهب بسرعة وأنا ممتنة لك إذ أنك ساعدتني! "
بدا مزاجه معكراً حتى أن ابيغيل تمنت لو أنها هربت تماماً مثل مارتينا .
" ماذا ... ماذا تريد؟ لماذا تودني أن أبقى؟ "
" أنتِ في أرضي , دخلت جناحي بمحض إرادتك! "
" لا يجب عليك أن تنهرني هكذا , أليس كذلك؟ "
لم يتأثر رولف بمحاولتها لترطيب الأجواء .منتديات ليلاس
" أنتِ تزعجيني , ولا تدعي بأنك لا تعلمين عما أتكلم! أنا عنيد أليس كذلك؟ وعديم الشعور؟ وأناني؟ هل اتهمتني بذلك أم لا؟ "
كان على ابيغيل أن تقول الحقيقة فأجابت :" فعلت ذلك ولكن يا رولف أنا ... "
" فعلت ذلك . هذا كل ما أردت أن أعرفه . " كان يجب علي أن اثبت العكس كي أبرئ نفسي على الأقل من هذه التهمة , فأحضرت لك هدية . هلا فتحت يدك! " كان ذلك أمراً وليس سؤالاً .
" لماذا؟ "
" لماذا؟ هناك شيء أردت أن أهديك إياه! "
وأخرج علبة مستطيلة الشكل من جيبه . ولمعت الساعة الذهبية التي رفعها عن القماشة الحريرية الداكنة تحت أشعة شمس بعد الظهر .
لم تستطع ابيغيل إخفاء دهشتها . " ولكن لماذا؟ "
" لم لا؟ "
رأت ابيغيل الماسات التي ثبتت في الواجهة الكهرمانية وكان كل منها يحدد مرور ربع ساعة . قرأت ابيغيل الاسم , وكانت تعلم بأنه اسم ماركة ساعات شهيرة . رأت الإعلانات عنها تسطع تحت الأضواء وفوق محلات بائعي المجوهرات في المدينة .
قالت ابيغيل : " لا بد وأنها كلفتك ثروة أنا ... أنا لا استطيع قبولها يا رولف ! "
امرها صوت في داخلها , أعيديها إليه يجب الا تقبلي بها . ولكن الكلمات لم تسعفها .
" ضعي شكوكك جانباً واحتفظي بها . هل هذا يثبت بأن إحدى اتهاماتك , على الأقل , هو خطأ؟ " ثم غدا صوته أكثر هدوءاً .
" آبي ... هل تعلمين؟ لقد فكرت بك طوال فترة إقامتي خارج المدينة . "
أدارت رأسها لتنظر إليه ثم سألته : " كيف يمكنك قول ذلك , وأنا أعلم بأن لورا مارشان كانت هناك؟ "
ظهرت على وجه رولف علامات الغضب : " هلا تركت لورا مارشان وشأنها؟ " ثم حاول رولف منعها من الهرب .
" لا تكن سخيفاً يا رولف . إنه ... "
" هل أصبحت سخيفاً الآن , يجب علي إضافة ذلك على لائحة الصفات السلبية التي تنعتيني بها . لن تنجحي في خداع أحد فأنا قد رأيتك على حقيقتك . عندما وصلت من دون علمك في تلك الأمسية إلى الفندق وسمعتك تعزفين على البيانو . كنت تنظرين إلى وجه رايموند كما لو كنت تعزفين له ."منتديات ليلاس
صرخت ابيغيل : " أنت مخطئ , لقد كنت .... " كيف لها أن تبوح له بالأمر؟ لقد كنت أتخيل صورة وجهك , فأخوك يشبهك في بعض النواحي . على كل حال , فهو لن يصدقها أبداً وبدا على وجهها التحدي .
قالت كأنها تتهمه :" أنا أعلم السبب الذي قدمت لي هذه الساعة من أجله ."
" لقد قلت لك لم قدمتها لك ."
" ولكنك لم تقل الحقيقة . كن أكثر صراحة معي , فأنت قد فعلت ذلك لتثبت لنفسك بأنك محق ... كل ما تعتقده بالنسبة للنساء فمنذ أن تركتك بياترس لتتزوج رجلاً أكثر ثراء منك ... فالنساء بالنسبة لك لا يطمعن سوى بالثروة وبالمكانة الاجتماعية الرفيعة ولكنهن يطمعن بالثروة قبل كل شيء . "
قال رولف : " وماذا بعد؟ " ولم يحاول الدفاع عن نفسه فشعرت بدموعها على وشك أن تنهمر وكلنها بكت بصمت .
" ... فكرت بأن تمتحنني بشراء شيء يكلفك الكثير من المال , بسبب كل ذلك الذهب والماس ثم تقدمه لي مدعياً بأنك تود إقناعي بكرمك وشفافية شخصيتك . وإن قبلت ستصبح متأكداً تماماً بأن النساء هن منقبات عن الذهب وأنانيات جداً . حسناً ... " تابعت ابيغيل وهي تنزع الساعة من معصمها لتعطيه إياها : " يمكنك إعادتها إلى علبتها ... " ثم أبقت نظرها ورأسها مرفوعين :" شكراً لك لأنك فكرت بذلك . آمل أن أكون قد أثبت لك بأن هناك , على الأقل , امرأة واحدة في العالم لا تتخلى عن مبادئها . يمكنك الاحتفاظ بثروتك , ومكانتك الاجتماعية الرفيعة . " وصلت ابيغيل حتى الباب ثم استدارت : " تستطيع أن تحتفظ بثروتك للمرأة الحقيقة التي تريدها , تلك التي اصطحبتها إلى فرانكفورت . "
" ابيغيل."
همست ابيغيل بصوت أجش :" أنا آسفة يا رولف ."
نظرت إليه نظرة خاطفة فلاحظت الغصة التي ظهرت في نظراته . وعادت إلى غرفتها في الوقت المناسب , فهي لم تكن تستطيع إخفاء دموعها لثانية واحدة أكثر من ذلك .
" إذن , لقد قمت بالانتقال من الفندق إلى منزل عائلة فلدر؟ "
لمعت عينا ابيغيل وكانت جالسة إلى مكتب في الغرفة التي خصصت للعمل .
" وقد كانت رحلتك إلى هنا اقصر من تلك التي وددت القيام بها للوصول إلى ديارك , أليس كذلك؟ " تابع ماكس فدهشت ابيغيل لكلامه .
" كيف علمت , سيد فلدر , بأنني كنت أفكر بالعودة إلى دياري؟ "
" إن ابني البكر قد طلب مني أن أحاول تبديل رأيك بعد أن فشل هو وأخوه وأخته في ذلك . فأنا كنت مستاء جداً لمجرد فكرة خسارة مساعدتي . وأشعر بأنني لم أشكرك كفاية لكل ما فعلته وأرجوك , لا تهربي من هنا , هلا بقيت؟ فهناك الكثير من الملاحظات المدونة وهي بحاجة إلى مهارتك . "
قال ماكس بسرور ظاهر حين نظر إلى يدها : " ما زلت تلبسين الخاتم الذي أعطاك إياه أبني . "
" نعم ولكن كل العائلة تعلم بحقيقة الأمر . " قطعت ابيغيل كلامها إذ أنها كانت على حافة البكاء وأملت بالا يطرح عليها ماكس مزيداً من الأسئلة .منتديات ليلاس
مرت في عيني ماكس نظرة تعاطف عميقة إذ رفع عينيه نحوها . كيف استطاع هذا الرجل الطيب القلب أن يعلم حقيقة أفكارها ؟
قال ماكس : " إن رولف هو رجل مشغول . لقد رحل ثانية . آمل بأنه سوف يعود غداً لكي يأتي إلى الحفل . هل ستأتين؟ بالتأكيد فأنتِ ستحتفلين معنا إذ أنه أصبح لدينا منزل للمرة الأولى منذ سنين . هل أحببت المنزل؟ "
" إنه رائع . "
" هل بإمكانك العيش فيه؟ "
أجابت : " نعم . "
أخذ ماكس حقيبة أخرج منها مغلفاً : " هناك المزيد من الملاحظات يا ابنتي . " ثم وضعها على المكتب : " أنا ممتن لك حقاً ولآن يجب علي مراقبة التحضيرات . لقد قالت لي مارتينا بأنه سوف تفعل ذلك , ولكنها مشغولة جداً بمجموعة الثياب , لذلك أشك بأن يكون لديها الوقت الكافي للإشراف على العمال . و رايموند هو رايموند . "
قال ماكس ذلك وهو يبتسم ابتسامة محبة ويرفع يده . ثم خرج من الغرفة .
قالت مارتينا لأبيغيل : " لم يعد رولف في صباح النهار التالي . إن بقى الطقس على حاله فسوف يقام الحفل على الشرفة وإلا سنقيمها في المنزل . "
بقي الطقس على حاله , ومنذ شروق الشمس , عم النشاط الكبير في المنزل وخاصة في المطابخ فقد جاء منسقو الزهور ليضعوا اللمسات الأخيرة على الزينة . ثم جاء عمال الكهرباء فنصبوا أعمدة على طرفي الشرفة ووضعوا بينها بعض الحبال التي تدلت منها مصابيح متعددة الألوان . رأت ابيغيل مكبرات الصوت في كل من الزوايا فتحت الأبواب الزجاجية على مصاريعها , وحملت الطاولات التي غطت بشراشف بيضاء الكثير من الطعام الذي بدا شهياً كذلك , فقد كان هناك مرطبات عديدة ومتنوعة . " لا بد وأن كل هذا قد كلف مبالغ طائلة . " قالت ابيغيل لمارتينا عندما خرجت هذه الأخيرة من مشغلها وهي منزعجة قليلاً . شرحت بأنها تود أن تفي بالوعد الذي قطعته على والدها والذي يتعلق بمراقبة التحضيرات .
" إن أبي يستطيع تحمل النفقات ولو لم يتمكن من ذلك , فسيكون شقيقي رولف مستعداً لمساعدته . " ثم بدت عليها علامات الحيرة وكان ذلك غير اعتيادي بالنسبة لمارتينا لذلك , نظرت ابيغيل إليها مندهشة : " ابيغيل . "
" نعم "
" إني أود أن أطلب منك خدمة هل توافقين؟ "
" إن استطعت ذلك. "
" بإمكانك المساعدة , وأنا أحتاج إليك في مشغلي لكي تقومي بقياس الثوب . "
تبعت ابيغيل الفتاة إلى الأسفل وهي حائرة وعندما فتحت مارتينا الباب , حبست ابيغيل أنفاسها وتوقفت بسبب الدهشة والإعجاب ووجدت نفسها تحدق بالثوب الذي احتفظت مارتينا به بعيداً عن أعين الناس .
فتحت مارتينا يديها وقالت : " ها هي القطعة الأجمل بين كل القطع التي سوف تعرض في الحفل . إنها قطعة رائعة . "
" إنه ثوب زفاف يا مارتينا وهذا مدهش . "
" نعم .. فهذا الثوب يثير الإعجاب والدهشة يا آبي , إنها ردة الفعل المناسبة عند رؤيته . سوف أجعل أسمي يسطع في عالم الأزياء بواسطة هذا الثوب , وذلك في موطني الأم . أما الخدمة التي أود أن تؤديها لي , فهي يا آبي , تكمن في قياس هذا الثوب وذلك لأرى إن كان يحتاج لبعض التعديلات . "
قالت ابيغيل وهي تنظر حولها : " ولكن ... لقد اعتقدت بأنه كان لديك عارضتان للثياب . "
" فعلاً لدي عارضتان لقد وصلت أندريا ولكن هنرياتا لم تحضر بعد كالعادة , لقد تأخرت . هلا أسديتِ لي هذه الخدمة؟ أرجوك. "
" ألا تستطيع أندريا قياسه لك؟ "
" إن مقاسها هو أكبر من مقاس هنرياتا . "
" ولكن , يا مارتينا , أنا ... "
" كنت أعلم ذلك . فأنتِ ستؤدين لي هذه الخدمة . شكراً جزيلاً والآن أرجو أن تدخلي إلى غرفة القياس تلك . "
قالت ابيغيل بعد عشرة دقائق : " مارتينا , هذا الثوب يناسبني كما لو أنه قد خيط خصيصاً لي . إنه رائع , فأنا لم ألبس أبداً زياً بهذه الروعة . " وعجزت ابيغيل عن إكمال مديحها .
" لو تستطيعين النظر إلى الوراء . نعم , استديري وانظري إلى المرآة هناك . "
ولم تستطع ابيغيل إخفاء إعجابها . فقد رأت وشاحاً كبيراً من الساتان القرمزي اللون .
" إن هذا الثوب سيدهش الجمهور . "
قالت مارتينا , كذلك : " فهو سيدهش الحاضرين في حفلة الزفاف الحقيقة , خاصة عندما سيتعاهد العروسان على الإخلاص واحدهما إلى الآخر . "
" شكراً جزيلاً آبي . بإمكانك أن تصبحي عارضة أزياء جيدة . " أضافت وهي تنظر إليها : "ربما كان عليك المحاولة . "
كان وقت قدوم الزوار قد حان . مشت ابيغيل على الشرفة ثم نظرت إلى زرقة البحيرة تحتها ورأت المراكب التي ملأتها بالخطوط إذ أنها توزعت في عدة مناطق منها . وكان النسيم يتلاعب بأشرعتها البيضاء .
فكرت ابيغيل بأنها لن تنسى أبدا هذا المكان , كذلك فهي ستتذكر دائماً السعادة التي منحت لها , بالرغم من أنها لن تدوم . لقد كانت حياتها في ذلك المنزل شبيهة بالحلم ولكن لكل حلم نهاية محتمة , وفتشت عن سبب هاجسها الذي دفعها بالتفكير في النهاية . لكنها لم تجد الجواب .
" هذا المنظر رائع , أليس كذلك؟ " قال رايموند وهو إلى جانبها : " ويا آبي , إني متأكد بأن هذا الثوب هو من تصميم شقيقتي . "
" هذا صحيح يا رايموند ولكنني لا أزال أشعر بالإحراج . "
اقتربت ليليان وهي تنظر بخجل إلى رايموند :" لا داعي للإحراج يا آبي , فأنا أؤيد رايموند على كلامه . "
" حسناً أنتِ تبدين أنيقة جداً كذلك يا ليليان . " ثم استند رايموند إلى الدرابزين ونظر إلى ليليان ثم قال : " هذا الثوب هو أيضاً من تصميم مارتينا وأنا واثق من ذلك . "
قالت ليليان وهي تبتسم :" إن شقيقتك تثق بفاعلية عرض تصاميمها . "
قال رايموند : " أنا أعرف بأن مارتينا تعلم كيف تسوق تصاميمها . "
" كذلك فهي تعلم كيف تجعل اسمها يلمع في مجال عرض الأزياء , ما هو دورك في هذه الأمسية؟ " ومزحت ابيغيل إذ لاحظت الاهتمام الذي أبداه رايموند بالفتاة .
شعرت هذه الأخيرة بالقنوط , واستدارت لتتأمل المنظر دون أن تراه فعلاً هذه المرة فتلك الصداقة لم يكن لها أي وجود , أليس كذلك؟ كما قالت منذ أيام قليلة , إذ كانت تود الانتقام من رولف , فإن صداقتهما بدأت وانتهت في وقت قليل .
" ما الذي يجعلك تعيسة إلى هذا الحد؟ " قال لها رولف , كيف علم رولف ما يجول في فكرها؟ " لا بد وأنك ذكي . " قالت ابيغيل وهي تحاول المزاح .
قال رولف ببطء : " إذن , هنالك أشياء رهيبة في الماضي تؤثر عليك وتجلب التعاسة إلى وجهك؟ "
همست ابيغيل : " توقف عن ذلك . "
قال : " سوف أعبر لك لاحقاً عن إعجابي , أليس كذلك؟"
" كلا. "
" كلا؟ سوف نرى , أليس كذلك؟ "
" لست المرأة التي تريدها في حياتك . "
" أنتِ التي أريدها يا آبي , أنتِ هي . "
وعندما رأته يبتعد , عاد الشعور بالحزن إلى قلبها مجدداً , ولكنه كان أكثر قوة هذه المرة فهي أحست بأن الستار يغلق على تلك الفترة من حياتها , لكأنها كانت ممثلة في مسرحية ذات نهاية تعيسة ومريرة .




الفصل الحادي عشر


توزع الضيوف على الشرفة ولأراضي المنحدرة المؤدية إلى البحيرة وكان ضيوف آخرون يتوافدون , فعلت أصوات المحادثات أكثر فأكثر , كان رايموند قد ابتدأ بمصافحة الضيوف تماماً كأخيه وكان يتحدث معهم بلغتهم .
" مرحباً . " ورنت نبرات صوت كان يتكلم بلغة فهمتها جيداً ثم اقتربت منها امرأة . " هل تشعرين بالوحدة؟ لقد أرسلني رولف لكي أحادثك وأروح عنك . " ثم لمعت عينا لورا الثاقبتين بها . " إن هذا الرداء يجعلك تبدين رائعة وثرية . كم أن المظهر الخارجي يمكن أن يكون خداعاً . هل هذا الثوب من تصميم مارتينا؟ لقد اعتقدت ذلك . إن تلك الفتاة ترفض تصميم ثوب واحد لي . وأنا أتساءل عن السبب ! " .
وفكرت ابيغيل أن بإمكانها الإجابة على تساؤلات لورا . أنا أستطيع أن أرد لك الجواب وبنفس الطريقة التي ظهرت في كلامك , فكرت ابيغيل .
أجابت ابيغيل وهي تجيل نظرها بين الجموع : " لا أعلم ما هو الجواب على سؤالك . "
" ابيغيل . " سمعت صوت ماكس فلدر يرحب بها فأحست بالفرح : " سوف يكون الحفل جيداً . أليس كذلك؟ هل أخبرناك بأن العازفين سوف يأتون عما قريب؟ "
" لقد قيل لي بأن الألعاب النارية سوف تكون جزءاً من الحفل . "
أجاب ماكس :" سوف يحدث ذلك في نهاية الحفل . لم أكن على علم ... إن لدى عائلة فلدر هذا العدد من الأصدقاء والمعارف . البعض منهم هم أصدقاء ومعارف أبني رولف في العمل , كذلك هناك أصدقاء رايموند و مارتينا . أما أصدقائي , فهم يعدون مثلي من بين مجموعة الطاعنين في السن . "
" لست طاعناً في السن يا سيد فلدر . "
ضحك ماكس وهو يرجع رأسه إلى الوراء , تماماً مثل أبنه :"هل تعلمين أنه في بعض الأحيان , اشعر وكأنني أصغر بعشرين عاماً مما أنا عليه؟ يجب على الآخرين أن يعرفوا هذا جيداً وألا يقطعوا صداقتهم مع كبار السن كما لو لك يكن لدى هؤلاء عقول وتجارب في الحياة , فهم يعاملوننا كما لو كنا طاعنين في السن ولكن ... شكراً على إطرائك . "
نظر ماكس بعدها إلى لورا وهو يقطب حاجبيه إذ رآها قد انتقلت لتقف إلى جانب رولف . قال ماكس : " أتمنى لو كان أبني يتمتع بقدرة أفضل على التمييز , بالأخص في ما يتعلق بأصدقائه . " ثم أدار رأسه نحو ابيغيل : " أتمنى لو لم تكن الصداقة قائمة بين رولف وهذه السيدة ولو كانت بدلاً من ذلك بين رولف و ... " ثم تنهد ماكس دون أن يكمل جملته .
نودي ماكس فنظر حوله ولكنه لم يرغب بترك ابيغيل بمفردها ثم استدار إذ سمع نداء آخر وابتسم عندما رأى أبنته تحاول شق طريقها للوصول إلى ابيغيل .
قالت مارتينا بحماس : " هل تعلمين؟ اوتو هنا , لقد وفى بوعده . أحزري ما الأمر! يقول بأنه من الممكن أن يعزف لنا ! " وكان البيانو قد نقل إلى الشرفة .
" لقد قلت له بأن يرسل الفاتورة المتوجبة علي مقابل عزفه ولكنني أعلمته بأنني لن أتمكن من تسديدها قبل عدة أشهر , فغضب وأكد بأنه لن يأخذ مني فلساً واحداً . فهو سيعزف ... "وهنا خفضت مارتينا صوتها بينما ازداد بريق عينيها : " من أجل صديقة . "
نظرت ابيغيل إلى البعيد وقالت : " يمكنني أن أراه من هنا . أنه يراقبك وهو لا يتكلم مع أي شخص آخر . أذهبي يا مارتينا . "
قالت صديقتها : " كلا . يا آبي , إنه في غاية الذكاء وهو شهير وموهوب .فكيف يمكن لي أن أذهب إليه واكلمه؟ سيجري عرض التصاميم والأزياء عن نهاية العشية وقبل أن تضاء الألعاب النارية . أراك لاحقاً . "
بدأت ابيغيل تتقدم نحو الجموع وكانت تتمنى لو أنها تحسن تكلم اللغة المحكية التي تسمعها . ولاحظت ابيغيل نظرة رولف , ورأت رولف ينادي شقيقه ويشير إلى ناحيتها . أومأ رايموند وشق طريقه باتجاهها .
قال رايموند واصفاً حالها : " إن هذه الجموع تتجاذب أطراف الحديث بلغة لا تفهمين منها كلمة واحدة ... كأنك قد جئت من كوكب آخر , أليس كذلك؟ "
أجابت ابيغيل : " نعم! ولكن ما كان عليك الافتراق عن ليليان . "
" لا بأس , كان يجب عليها الذهاب لتساعد العارضة . والآن تعالي معي . فأنا أعلم أين يوجد الطعام الممتاز . "
كانت الشمس قد بدأت بالمغيب ولكن الجو بقي دافئاً وبدا الشرفة أكثر جمالاً بسبب الألوان التي وزعتها الشمس الغاربة حولها .
قاد رايموند ابيغيل إلى الطاولات المغطاة بالشراشف البيضاء الناصعة , وكانت أرجل كل الطاولة تنوء تحت ثقل الأطباق الشهية التي وضعت عليها بعد أن نظرت ابيغيل إلى تلك الأطباق المتنوعة , علمت فعلاً كم هي بحاجة للطعام .
بعد أن تذوق الاثنان الطعام , انتقل رايموند إلى طاولة أخرى وحث ابيغيل على أن تتبعه . " هاك , جربي هذه الفونديه . " قال لرفيقته وهو يناولها شوكة وقطعة من اللحم المطهو وهو يشير إلى إناء يحتوي على الفونديه .
" اغمسي قطعة اللحم هنا , ثم تذوقي طعمها . "
فعلت ابيغيل كما قال لها رايموند , فأخذت تهمهم بسبب مذاق الطبق ورفعت عينيها نحو السقف , فضحك رايموند .
" أكملي طعامك . فهذا الطعام مغذي ولا يمكنك التوقف عن تذوقه . لقد نسيت أن أخبرك ب1لك , ولكن يجب عليك أن تكوني حذرة جداً . فالتقليد يقول بأنك إن أضعت اللقمة في الفونديه سيكون عليك دفع غرامة . "
استغربت ابيغيل الأمر وقطعت على نفسها عهداً بأن تكون حذرة .
شرح رايموند : " هناك توجد فونديه بورغينيون . إنها جبنة مذوبة كتلك التي تذوقتها لتوك , كذلك فهي تحتوي على البصل و مرقة الأعشاب و البندورة هناك أيضاً العديد من الأطايب هنا , بالإضافة إلى التحليات والمرطبات التي يجب عليك تذوقها . هل تحبين الشوكولا؟ هنا , يوجد بعض الشوكولا المذوب ؟ " أخذ رايموند شوكة ابيغيل ثم أمسك بواسطتها قطعة من التفاح : " والآن يمكنك غمسها . " فعلت ابيغيل كما قال رايموند لها , ثم رفعت الشوكة بحذر من الشوكولا المذوب ولكن قطعة التفاح وقعت مجدداً بداخلها , فنظرت ابيغيل إلى رايموند وقد بدا عليها الاندهاش .
" لقد فعلت ذلك . " صرخ رايموند وهو يضرب الهواء : " لقد أفلتت القطعة منها والآن يجب عليك دفع الغرامة ولا يمكنك أن تتهربي من الأمر أبداً . " ولكن قبضة قوية أوقفت ما يجري ووجدت ابيغيل نفسها بمواجهة شخص قوي .
ما لبث رولف عنهما ثم تركهما لرؤية بقية الضيوف .
بقي رايموند إلى جانبها لبعض الوقت ولعب دور المترجم إذ أن العديد من الأشخاص كانوا يتكلمون معها باللغة الألمانية أو الايطالية أحياناً , أو بالفرنسية التي كانت تستطيع فهمها .
وجدت ابيغيل نفسها أمام ماكس الذي قال لها : " يبدو أنك تستمتعين بوقتك هنا . "
" شكراً لك يا سيد فلدر . "
" حسناً , لقد سمعت بأنك تعزفين على البيانو . "
اعترفت ابيغيل : " لست بارعة جداً بذلك . "
" ولكن ذلك يعني بأنك تحبين الموسيقى . هذا جيد . فنحن السويسريون مغرمون بها , والحفلات الموسيقية هي جزء من حياتنا . هناك بعض الموسيقيين الذين سيأتون إلى هذه الأمسية ليعزفوا لنا . آه , لقد رأيت إحدى معارفي هناك . هلا حللت مكاني يا رولف؟ " ثم ابتسم ماكس وقال إذ ترك ابيغيل بعهدة رولف : " أنا متأكد من أنك لا تحتاج إلى كان ليقنعك بذلك . "
نظرت ابيغيل إليه نظرة تحد : " لا بد وأن هناك ضيوف غيري تفضل وجودك معهم يا سيد فلدر .... "
" سيد فلدر! ها أنا مجدداً يا آنسة هايلي . "
" سيد فلدر .... " نادته خادمة بالألمانية . عندها , تركز اهتمامه على نقطة معينة في القاعة .
كانت لورا تحاول لفت انتباهه بعثت إليه برسالة بلغته فهم رولف ما قالته لورا رغم بعد المسافة وأسرع نحوها . فعلمت ابيغيل بأن لورا كانت أهم منها بكثير بالنسبة لرولف .
" اعذريني يا ابيغيل , يجب علي الذهاب الآن . سأراك لاحقاً . "
صرخت له ابيغيل بمرارة : " لا تزعج نفسك . " ولكن كلماتها ضاعت في الجو إذ أن الضجيج كان يصم الآذان . أحضر المزيد من الطعام إلى الشرفة فاغتنمت ابيغيل الفرصة لتنسحب إلى الغرفة المخصصة للاستراحة . بعد عودتها , لاحظت بأن الموسيقى المتصاعدة من الآلات كانت قد توقفت أما اوتوكوفمان فقد جلس قبالة البيانو .
خيم السكون وبدت السعادة على وجوه المستمعين الذين كانوا يستمعون إلى الأنغام الصادرة الخارجة من البيانو , عزف اوتو مقاطع قصيرة وكانت كلها كلاسيكية ولكنها كانت مناسبة جداً للحفل .
كانت مارتينا نصف مختبئة في زاوية . نظرت ابيغيل مليا إلى التي كانت تقف ويداها مشبكتان , بينما لمعت عيناها ببريق السعادة وكانت ابيغيل على يقين بأن صوت التصفيق سوف يصل إلى آذان الناس المتواجدين على متن السفن في البحيرة إذ أنه كان عالياً ليعبر عن مدى إعجاب المستمعين بالعازف . نهض اوتو وانحنى وقد ركز نظراته على مارتينا التي خرجت من الزاوية ورفعت يديها مصفقة ... انحنى اوتو انحناءة خاصة في اتجاهها ثم غادر وتبدلت أجواء الأمسية للمرة الثانية . كانت مجموعة من الموسيقيين تستعد للجلوس حول البيانو .
تعالت ألحان جميلة ومفرحة من الآلات العازفين فصفقت الأيدي . بدأ المغني يؤدي أغنيته , فتعالت أصداؤها في مختلف أرجاء البيت , وفوق المروج حتى بدت كأنها تصل إلى الجبال العالية . وكانت نغمات الأكورديون التي رافقت الأغنية تظهر المواهب الكامنة في حنجرة المغني .
رافق عازف البيانو الآلات الأخرى , ثم عزف عزفاً منفرداً لفترة وجيزة , فتعالت أصوات القطع الموسيقية التي عزفت واحدة تلو الأخرى .
وقفت تستمع إلى المعزوفات . ثم سمعت أحدهم يناديها , فاستدارت ورأت مارتينا تشير إليها وهي تقوم بعدة حركات لتلفت أنظارها . شقت ابيغيل طريقها بين الجموع ووجدت نفسها مدفوعة نحو مدخل جانبي .
" ساعديني , أرجوك ساعديني . " همست مارتينا بصوت مضطرب : " إن عارضة الأزياء التي كانت سترتدي ثوب الزفاف قد تعرضت لحادث سيارة إذ كانت في طريقها إلى هنا . إن حالتها ليست خطرة , ولكنها لن تتمكن من الحضور . "
تابعت مارتينا بينما كانت في عينيها نظرة رجاء : " أعلم أن الثوب يلائم مقاسك هلا فعلت ذلك من أجلي..؟ قولي بأنك توافقين . "
" هل تعنين حقاً ثوب الزفاف؟ " قالت ابيغيل ذلك بدهشة حدقتا عينيها : " مارتينا لا أعلم كيف ... " وفتحت ابيغيل يديها لتعبر عن حالتها وحيرتها ثم أكملت :" هل يجب علي حقاً فعل ذلك من أجلك؟ "
" هل باستطاعتي طلب ذلك من شخص آخر؟ لقد سبق وارتديت الثوب , أرجوك , أرجوك . افعلي ذلك لأجلي , يا آبي , ولأجل مستقبلي المهني . "
" ولكن .... "
" لقد علمت بأنك ستوافقين! شكراً لك ولكن يجب أن تأتي الآن . فهم يجهزون الممرات ويضعون تصاميمي على التعاليق وينظمون الأضواء وكما تعلمين , سيستغرق ارتداء ثوب الزفاف الكثير من الوقت . ستبدأ العارضات الأخريات العرض وسوف تدخل كل منهن بدورها ثم تخرج وبينما تفعلن ذلك , سوف أكلم الحضور واعرفهم على تصاميمي والخدمات التي أقدمها . "
بعد أن أصبحت جاهزة , وقفت ابيغيل وقد أغمضت عينيها وشعرت بارتجاف يتملكها ثم قالت لليليان بأنها تكره أن تخذل مارتينا , وبأنها لم تكن بهذه العصبية في حياتها ثم توسلت إليها أن تخبرها عما يجب عليها أن تفعله بيديها .
قالت مارتينا : " امسكي هذه الباقة , لقد صممت خصيصاً لكي تحملها العارضة التي سوف ترتدي ثوب الزفاف . ولآن ... " نظرت مارتينا إلى ابيغيل ثم صفقت بيديها دون أن تحدث ضجة : " هذا رائع . كل ما عليك فعله يا ابيغيل هو السير ببطء على طول الممر , تتوقفين قليلاً ثم تستديرين من حين لآخر ... ولكن لا يجب أن تستديري دورة كاملة لأن ذلك سيؤدي إلى الإخلال بشكل الذيل ... هكذا سوف يرى الحاضرون كل جوانب الفستان ثم يجب عليك أن تتقدمي إلى نهاية الممر المؤدي إلى المسرح وأن تقفي هناك . "
" مارتينا .. " نادت ابيغيل بصوت يشوبه الخوف , ولكن صديقتها همست :" لا تخافي سوف أكون إلى جانبك . " بدت مارتينا قلقة ومنشغلة البال , وكانت أعصابها مضطربة بشكل رهيب فعلمت ابيغيل كم كان عرض هذا الثوب مهماً بالنسبة إلى صديقتها , فكل شهرتها كمصممة كانت تعتمد على الثوب الذي ترتديه الآن . صممت ابيغيل على أن تفعل كل ما بوسعها من أجل صديقتها ثم توجهت نحو الستارة التي كانت تخبئ مدخل الممر وفتحتها مارتينا على مهل .
همست : " الآن هيا . " فدخلت ابيغيل وكانت الأنوار تحيط بها .
علت تمتمات إعجاب في الصالة , تبعتها جولة تصفيق مطولة . وحاولت ابيغيل جاهدة أن تفعل تماماً كما قالت صديقتها . فكانت تستدير قليلاً كلما خطت بضع خطوات وعلت هتافات الإعجاب مجدداً إذ انتبه الحاضرون إلى وجود التطريز الجميل على الثوب ثم انفجر الجميع تصفيقاً وكان الصوت أقوى منه في المرة الأولى . رأت ابيغيل رايموند يبتسم وذلك من خلال حاجز الطرحة الضبابي ورفع يديه ليشجعها ويعبر بصمت عن إعجابه وكان وجه ماكس يضيء كذلك بنور الإعجاب .
ثم رأت ابيغيل رولف , وذلك عندما كانت تحاول أن تستدير قليلاً . كان يقف مرفوع الرأس . وقد ضاقت عيناه بينما وضع يديه في جيبي سترته . ولكنه لم يكن وحيداً فقد وقفت إلى جانبه لورا مارشان , وكانت تحدق بثوب الزفاف الثمين الذي صممته مارتينا . هل كانت تفكر بأنها سوف تطلب من مصممة الثوب أن تصنع ثوباً مماثلاً لأجلها عندما يطلب رولف منها أن تقبل به زوجاً , ثم رفعت لورا عينيها وحدقت بدهشة بالعارضة التي كانت ترتدي الثوب كما لاحظت ابيغيل .
ارتفع صوت مارتينا مرددة كلمات جذبت انتباه الحضور وكانت تتخلل صوتها نبرات تدل على الاضطراب الخفيف وعدم الثقة بالنفس ثم تكلمت متوجهة إلى الحضور بلغتها بعد ذلك اتسعت عيون جميع الحاضرين وتركزت على وجه ابيغيل .
فكرت ابيغيل وقد بدأت تتعثر قليلاً , ماذا تقول مارتينا حتى يجعلهم يحدقون بي بهذه الطريقة؟ وبحثت عيناها عن عيني رولف وكانت تتوقع أن ترى فيهما علامات التقدير التي قرأتها في ابتسامات ماكس وحركات رايموند , ولكن رولف بدا غاضباً وبارداً .
يجب عليك التوقف عند نهاية الممر . كانت مارتينا قد أوصتها . شعرت ابيغيل بباقة الزهور العطرة ترتجف في يدها . كان رولف ينظر إليها وكأنه سوف يأتي إلى جانبها ويحاول خنقها بكلتي يديه .
سألت ابيغيل نفسها : " لماذا؟ لماذا؟
وعلا التصفيق القوي في الجو.
إن ذلك يتناسب فعلاً مع المناسبة , فكرت ابيغيل وهي تشعر بالتعب ولكن رولف كان يتحرك ويتقدم نحوها , ثم صعد إلى المسرح .
تعالت أصوات الموسيقى والتصفيق واغتنم رولف هذه الفرصة ليقول : " لا تغفي هنا كما لو كنت لا تعلمين ما الذي يحصل . مارتينا تقول للحضور بأننا سوف نتزوج , لقد اتفقت مع شقيقتي على ذلك . لا تنكري الأمر . إنها طريقتك الخاصة لتتأكدي من أن وضعك في عائلة فلدر آمن وبأنك سوف تتمكنين من البقاء هنا . "
لم تستطع ابيغيل تصديق ما سمعته إذناها , ثم حدقت بوجه رولف الذي تحول إلى قناع بارد .
" لا أفهمك يا رولف ليس لكلامك أي معنى وكذلك الأمر بالنسبة لمارتينا , فأنا أعرض هذا الثوب لأودي لها خدمة . "
" نعم؟ " ودل صوت رولف على أنه لا يصدقها.
" الست مختلفة عن باقي النساء . فأنتِ تلاحقين المال والمكانة الاجتماعية الرفيعة في الحياة . "
استدار رولف نحو الحضور .
تكلم رولف بالألمانية ثم بالانجليزية وقال بصوت مشحون بالهدوء التي أملتها عليه تلك المناسبة : " اسمحوا لي أن أقدم لكم زوجة المستقبل , ابيغيل هايلي . "
علت هتافات التشجيع وكان ضجيج التصفيق يصم الآذان . وقفت مارتينا تحت خشبة المسرح , إلى جانب أخيها , وكانت ضحكتها واسعة . أما عيناها , فكانتا تلمعان وكانت يداها مشبكتين فوق رأسها كما لو أنها فازت بعد مباراة منهكة .
في تلك اللحظة , أضاءت الأنوار الملونة الفضاء واستدار الحضور للتحديق بها ثم أنارت إشكال متنوعة في الفضاء واختفت مخلفة ألواناً ذهبية , فضية , قرمزية , وليلكية هتف الحاضرون ثم صرخوا وصفقوا بينما كانوا ينظرون إلى العرض الرائع كانت تلك هي الألعاب النارية الموعودة , ولكنها تستعمل الآن للاحتفال بإعلان زواج رولف , ذلك الشاب الموهوب وابن ماكس فلدر البكر المحترم إلى فتاة غير معروفة وأجنبية كذلك , وتلك الفتاة تدعى ابيغيل هايلي .
أغمضت ابيغيل عينيها, لمعت الأضواء ثم اختلطت الألوان وانفجرت الأسهم بعدها أخذت تبتعد في الفضاء التي غدت قاتمة الآن , إذ أن كل شيء قد أصبح واضحاً بالنسبة لأبيغيل , فكل الأمر كان مجرد لعبة قامت بها مارتينا وقد اعتقد رولف بأنها هي , ابيغيل هايلي , كانت قد اتفقت مع شقيقته .
على كل , فقد كانت ابيغيل قد قاست الثوب كما طلبت منها مارتينا أليس كذلك؟ وها هي الآن تقوم بعرضه . ثم رنت في أذني ابيغيل كلمات مارتينا عندما رافقتها لتفحص المنزل قبل أن ينتقل الجميع إليه ... حيث قالت : " لورا سوف أخرجها من حياة رولف وذلك بطريقة ما واعتقد بأني وجدت الطريقة المناسبة . انتبهي يا لورا مارشان أنا مارتينا فلدر مصممة الثياب الشهيرة في عالم الأزياء في سويسرا إن الآنسة مارشان لن تصبح أبداً زوجة رولف فلدر فأنا لن أوافق أبداً على أمر كهذا ."
توسلت ابيغيل إليه : " أرجوك يا رولف يجب أن تصدقني لم أكن على علم بأي شيء . "
أخيراً , رفع رولف رأسه وكانت نيران الغضب تتأجج في نظراته بعدها , أدركت ابيغيل أنها وحدها كانت قادرة على رؤيتها بوضوح . قال بصوت خشن :" هل فرحت الآن؟ سوف تصبحين عما قريب زوجة رجل أعمال ثري ومحترم . هل تحققت كل أمنياتك؟ "
انتهى الاحتفال وغادر الزوار البيت . جلست ابيغيل على كرسي قليل الارتفاع في غرفتها ونظرت إلى يدها تلك التي صافحت العديد من الناس إذ وقفت إلى جانب رولف وهي ما تزال ترتدي ثوب الزفاف ولم تستطع نسيان النظرة القاتلة التي رمتها لورا باتجاهها إذ اقتربت من رولف ومنها كذلك فهي لم تنس الكلمات التي قالتها لورا لرولف .
" كيف استطعت أن تفعل ذلك؟ " كانت لورا قد هتفت وقد اصطنعت بعض الدموع :" لقد جعلتني اعتقد بأنني أنا التي ... " سمعت ابيغيل تنهيدة مخنوقة ثم أكملت لورا :" إن كنت تعتقد بأن نجاحات العمل سوف تستمر بعد ذلك فمن المؤكد أن أمالك ستخيب . " ثم رمت لورا ابيغيل بنظرة أخرى حاسدة وابتعدت .
حركت ابيغيل رأسها كأنها تحاول أن تمحو ذكرى هذا الحادث من ذاكرتها , ثم تذكرت كلمات والده : " أنا فرح جداً لأن ابني قد استعاد رشده وقد شعرت بالسعادة العارمة عندما سمعت رولف يعلن خبر زواجه القريب منك . أهلاً بك, يا عزيزتي ابيغيل في عائلة فلدر فالعائلة ستكون رابحة بسبب وجودك بين أفرادها . "
حاولت ابيغيل أن تخبر ماكس بأن الأمر كان مجرد لعبة , وبأن أبنته قد ابتكرت هذه الحيلة لتبعد لورا عن حياة رولف , ولكن ماكس تركها ولم يتسمع إلى أي شيء سوى إلى ما ورده من أخبار سارة سلبت لبه .
لم تحضر مارتينا إلى غرفة القياس إذ كانت ابيغيل تخلع ثوب الزفاف .
ولم يكلمها رولف كلمة واحدة , مع أنه بقي إلى جانبها حتى غادر الضيوف بعد حفل الألعاب النارية . وخرجت ببطء بعد أن قالت : " أرجو معذرتي إذ يجب أن أبدل ثيابي . " ومشت مرفوعة الرأس إلى المنزل بينما رمقها رولف بنظرة حادة .
كان رايموند قد سألها : " هل تودين تحطيم وجه شقيقي؟ أم هل تودين أن أتولى بنفسي هذه المهمة؟ "
دق الباب بقوة ثم دخل رولف ولم يبد مضطرباً بالرغم أنه دخل دون أن تسمح له بذلك ."
" إذاً سوف تصبحين زوجتي . حسناً , حسناً . "
مشى رولف بخطوات بطيئة وتوقف أخيراً بالقرب من ابيغيل بعد أن دار حول الكرسي القليل الارتفاع : " من المستحسن أن تشكل زوجة المستقبل مصدر سعادة بالنسبة لي , أليس كذلك؟ " غضبت ابيغيل إذ سمعت تلك الكلمات التي تلفظ بها رولف بنبرة باردة .
قال رولف : " فأنت بالاتفاق مع شقيقتي , قد أعلنت للجميع بأنك زوجتي وكنت كل الوقت على علم وكذلك مارتينا , بأن الخطوبة مزيفة هي عبارة عن شيء لن يتم الإعلان عنه وأنت قد خالفت شروط هذا الاتفاق . "
قالت ابيغيل : " ليس لديك ذرة من الحب في نفسك , ماعدا حب الذات . "
كانت وجنتاها تحترقان بسبب الغضب التي تأجج في داخلها , ثم نظرت إليه نظرة تحد وعيناها تلمعان .
" يا رولف , أسأل مارتينا عن تلك الأمسية . أقسم بأنني لم أكن على علم بما تنوي فعله . " قالت ابيغيل ذلك إذ كان رولف يتوجه نحو الخارج .
" ألم تكوني على علم بشيء؟ ألم يكن لديك أية فكرة ولا حتى شكوك بالنسبة لما تنوي فعله؟ "
وعادت كلمات مارتينا ترن في ذاكرة ابيغيل : " سوف أخرج لورا من حياة رولف , وذلك بطريقة ما وقد وجدت الطريقة المناسبة ... ولكن لم يكن قد خطر على بال ابيغيل بأن مارتينا تنوي فعل ذلك برولف , ولم تلمس هذه الفكرة مخيلتها حتى بعدما أقنعتها هذه الأخيرة بقياس فستان الزفاف . كم كانت غبية إذ أنها لم تربط بين الحوادث .
ولكن رولف فسر النور في عينيها وشعاع الحيرة بطريقة خاطئة . فهو قد ظن بأنها كانت على علم مسبق بما قررت مارتينا عمله . فاستدار رولف وتركها وسط أفكارها .



الفصل الثاني عشر والأخير

" ألم يزل لديكم مكان شاغر للعمل كنادلة؟ " سألت ابيغيل الفتاة التي جلست إلى المكتب في المقهى . وتمنت أن تفهم هذه الأخيرة لغتها الانجليزية وفعلاً , فقد بدا لها بأن الفتاة قد فهمت ما قالته .
" أنا آسفة . ولكننا وظفنا نادلة أخرى . " استدارت ابيغيل وجلست إلى إحدى الطاولات الفارغة , وادعت بأنها تقرأ لائحة الطعام . ولم تكن حقاً تريد أن تأكل شيئاً بالرغم من أن النهار كان قد مر بسرعة وهي لم تأكل شيئاً طوال اليوم .
فهي قد غادرت المنزل في الصباح , إذ كانت الشمس تشرق ولم يكن أي كان قد استيقظ بعد . حملت حقائبها التي ملأتها بأغراضها وتركت الفساتين التي أعطتها إياها مارتينا وهدايا رايموند الصغيرة كذلك , فقد تركت ابيغيل وراءها كل ما يتعلق بالحساب المصرفي الذي فتحه رولف باسمها , بالإضافة إلى كل ما اشترته بماله . كتبت رسالة إلى ماكس اعتذرت فيها مطولاً إذ اضطرت للرحيل وتركته دون مساعدة , ثم ذهبت إلى مركز استعلامات السياح في المدينة واستفهمت من أين تستطيع أن تستقل الباص . فعلت ابيغيل ذلك, وسمعت أصوات أبواق المتكررة , فأعادت إليها ذكرى الأيام الماضية .
اقتربت منها فتاة وهي تحمل دفتراً صغيراً في يدها , وانتظرت لتسجل ما تطلبه . إنها النادلة التي احتلت مكان الفتاة الهولندية , تلك التي تكلم رولف معها عندما كانا معاً , وبدا لأبيغيل بأن ذلك قد حصل منذ عدة سنوات , ثم طلبت عصير فواكه . وإذ استدارت النادلة لتذهب , سألتها ابيغيل : " هل هناك غرف شاغرة لديكم؟ "
" سوف استعلم عن الأمر . " بعد بضع دقائق , عادت النادلة وهي تحمل العصير . " يقول المدير بأن هناك غرفتين والغرفة الأصغر هي الأرخص ."
" شكراً . " شكرتها ابيغيل ثم دفعت الحساب . سحرت عيناها وقد تذكرت جمال الهضاب , مناظر الحقول الخضراء والأشجار على التلال . كما عاد إلى ذاكرتها منظر الجبال الشاهقة التي ارتفعت بفخر وراءهما وقد بدت بعيدة . قالت ابيغيل للمسؤولة : " أود أن استأجر غرفة وذلك لبضعة أيام . "
نظرت المرأة إليها بقليل من الريبة ثم حدقت بحقيبتها .
" هل لديك المال الكافي لتدفعي الإيجار؟ "
قالت ابيغيل : " هل أبدو فقيرة إلى هذا الحد ؟ " ثم أدركت بأن طلبها للعمل قد أثار شبهات السيدة : " نعم , لدي المبلغ الكافي . " أكدت ابيغيل للسيدة , ثم حملت حقائبها وانتظرت لكي تقودها إلى غرفتها .
مرت الشابتان بالقرب من البيانو الذي لاحظت ابيغيل أمر وجوده إثر زيارتها الأولى للمكان . ومشت ببطء فما لبثت المرأة الأخرى أن استدارت .
سألتها هذه الأخيرة : " هل تجيدين العزف؟ هل تريدين الحصول على عمل؟ " أومأت ابيغيل موافقة فقالت لها : " يمكنك أن تعزفي على البيانو . لن يدفع لك الكثير ولكن يمكنك , بواسطة راتبك تغطية تكاليف الطعام والإقامة . "
عبرت ابيغيل عن فرحتها وبدأت بالعمل في تلك الأمسية ومضى على وجودها في الفندق أسبوع واحد عندما دخلت إليه مجموعة من الجنود . تصاعدت صيحات الفرح وضحكوا كثيراً , لكنهم كانوا جميعاً يصمتون عندما كانت تبدأ بالعزف .
استمعت ابيغيل إلى الأصوات التي كانت تصدر عنهم . ولكن صمتهم الرهيب ملأها بالريبة وفكرت ابيغيل بأن الصوت الصادر عن مقاعدهم كان يعني بأنهم سوف يغادرون . ولكنها اكتشفت بأن الأمر لم يكن ذلك .
تكلم شخص وقف وراءهم . ورنت أصداء كلمات باللغة الألمانية , عندها استدارت ابيغيل ولم تستطع تصديق عينيها : " رولف . "
" هلا جمعت أمتعتك؟ "
" لن أطيع أوامرك أو حتى أتقبلها . فرحيلي من منزل آل فلدر يجب أن يكون قد أوضح لك بأنني لا أود رؤيتك ثانية , أليس كذلك؟"
هم رولف بالرد عليها ولكنه بدل رأيه إذ لاحظ اهتمام الجنود الكبير بما يدور بينهما , فقال بعدها : " هيا , اجلبي أمتعتك , هلا فعلت ذلك؟ فنحن لا نستطيع أن نتكلم هنا . "
تبعت ابيغيل اتجاه نظره ووافقت في قرارة نفسها على كلامه إذ أنها علمت بأنه محق ولكنها صمتت على الاستسلام لقراره نهائياً : " إن ذهبت معك , عدني بأن أبقى محتفظة بحق العودة إلى هنا أو الذهاب إلى مكان آخر . "
مع ذلك , فعلت ابيغيل كما طلب منها رولف . فعادت وهي تحمل أمتعتها ألتي وضعتها بسرعة في الحقائب , ثم وجدت رولف يتحدث مع المسؤولة .
قالت المسؤولة : " لو قلت لي من تكونين لكنت رتبت أمر بقائك في أفضل الغرف وذلك من دون مقابل . "
نظرت ابيغيل إليه :" من أكون؟ " سألته بصمت ولكنه رسم ابتسامة باردة على وجهه . إذن , فهو قد قال للسيدة بأنها خطيبته .
" لقد أوقفت سيارتي في الخارج . " قال رولف ذلك وهو يسير أمامها . ثم أخذ منها الحقائب ووضعها في الجهة الخلفية للسيارة وأشار إلى المقعد الأمامي بيد حازمة , ففكرت ابيغيل بأنها لن تستطيع مخالفة أوامره حتى لو أنها أرادت ذلك .
اهتم رولف بأمر حزام الأمان وأغلق الباب بإحكام , ثم جلس خلف عجلة القيادة وقاد السيارة بمهارة فائقة خاصة وأن الطريق كانت وعرة ومتعجرفة .
سألته ابيغيل : " كيف عرفت أين تجدني؟ "
" كنت قد أخبرتك بأن المسئولين عن مجموعة فنادق فلدر كانوا ينوون شراء هذا المكان . وهكذا كان , فقد اشتريناه وننوي الآن توسيعه . " اعترفت ابيغيل في قرارة نفسها بأنها قد نسيت الأمر ووبخت نفسها على ذلك .
" لقد اتصلت المديرة بالفندق فهي قد لاحظت شارة فندق بانوراما على حقائبك وفكرت بأن تستعلم عنك هناك . لقد وضعت رسالتها على مكتبي ولم أرها سوى عندما عدت من زوريخ . فقد غادرت في الصباح الباكر بعد يوم الاحتفال . "
" وأنا كذلك . "
قال رولف : " لم ألحظ خروجك المفاجئ . عندما قرأت الرسالة بعد الظهر , اعتبرتها القطعة الأخيرة التي كانت لازمة لحل المعضلة , فقد وظفت عدة أشخاص للبحث عنك , ولكنني قد وصلت أولاً إلى هنا . "
وبدا لها بأن الجميع أي العائلة وليليان والخدم كانوا هناك مستعدين لملاقاتها . حدقت ابيغيل مشدوهة .
سألت رولف : " لماذا؟ "
أجابها رايموند : " ألم تعلمي , بأن القصة ظهرت على الصفحات الأولى وعلى عناوين الصحف؟ "
" زوجة رجل أعمال بارع تختفي . " قالت مارتينا وهي تبتسم كأنها تهنئ نفسها على الدور الذي لعبته والذي ساعد على تحرير رولف من براثين لورا .
" يا ابنتي , لماذا فعلت ذلك؟ " سأل ماكس بتعجب :" سوف تحظين بمستقبل باهر وسوف تتحقق كل احلامك . على الرغم من ذلك , فقد لذت بالفرار . "
قال رايموند : " أتساءل لماذا فعلت ذلك هل أن شقيقي , رجل الأعمال الشهير قد أخطاء وللمرة الأولى في حياته المهنية بسبب تمسكه بالآراء المسبقة وهكذا فقد حكم بطريقة خاطئة على أحدهم؟ "
قال شقيقه بحدة : " إهدأ , ولآن رجاء تفرقوا جميعاً ... أرجوك أعذرني يا أبي ... ولكنني سوف أرافق ابيغيل . "
نظرت إلى رولف وهي تشعر بوقع الصدمة . كيف لها أن تشرح له بأن ذلك يعني وضع حد لحياتها كلها ؟ "
استعملت طريقة الدفاع الهجومي فأجابته : " ماذا عن رأيك عني؟ ذاك اليوم انهلت علي بالاهانات إذ تكلمت عن " طموحاتي " التي حاولت تحقيقها ... وذلك بالجري وراء " المكانة الاجتماعية الرفيعة والثروة . " اللذين تدعي – كما قيل لي بأنهما هدف كل النساء ولكن ما خلف جرحاً كبيراً في نفسي هو ادعاؤك بأنني اتفقت مع مارتينا على أن أعلن بأنني زوجتك المستقبلية . في الحقيقة , لقد قمت بقياس الثوب ولكنني فعلت ذلك لأسدي خدمة لها . فهي أرادت التأكد من أن الثوب لا يحتاج إلى تعديلات . وقد كان الثوب فعلاً نجم العرض كله . "
" الفتاة التي كانت سوف تعرضه قد تعرضت لحادث وجرحت بسببه ."
حدقت ابيغيل برولف :" إذن أنت تعرف حقيقة ما جرى . "
" نعم , فمارتينا قد اعترفت لي بكل شيء . لم تصب الفتاة بجراح لقد كانت هناك وراء الستارة وجاهزة لعرض الثوب في حال رفضتِ ذلك وكان هدف مارتينا كما علمنا جميعاً بعد الحفل هو طرد لورا مارشان . "
نظرت ابيغيل إلى الباب ثم إلى رولف . فهو لو كان يشعر بشيء تجاهها لما كان وضعها أما هذا الخيار . على العكس , كان قد رجاها بالا تخرج من حياته .
إن كانت تلك هي نهاية القصة , يجب علي الرضوخ للأمر الواقع , فكرت ابيغيل . ثم نهضت وتوجهت نحو الباب . وإذ وصلت حتى الباب , ترددت كثيراً , استجمعت قواها وتذكرت الخاتم . استدارت لتسلمه إلى رولف وهكذا كان , فقد أخذه رولف دون التفوه بكلمة وعلمت ابيغيل بأنها النهاية حتماً , ويجب عليها أن تواجه المستقبل لوحدها وبشجاعة كبيرة .
" كلا , لن تذهبي . هل اعتقدتِ حقاً بأنني سوف أسمح لك بالذهاب؟ أنا أريدكِ , أيتها المجنونة , ألا تفهمين ذلك؟ "
قالت ابيغيل : " أفهم ذلك؟ كلا لا أفهم . "
قطع رولف كلامها بقوله :" سوف تصبحين زوجتي , قولي لي بأنك سوف تتزوجيني؟ "
سألت ابيغيل بتعجب : " أنت تتزوجني؟ "
" نعم وذلك منذ اللحظة الأولى التي وقع فيها نظري عليك عندما رفعتك عن حافة الطريق حيث وجدتك بعد الحادثة كذلك , عندما كنت في طور الشفاء أعجبت بك . "
بعد قليل من الوقت , جلس الاثنان على أريكة وضعت في مكان يطل على مناظر خلابة .
" هناك العديد من الأعمال التي تجيب علي إنجازها . "
" هل سترحل ثانية؟ ربما لزيارة لورا؟ "
نظر رولف إليها وقال : " هل تشعرين بالغيرة؟ لا يمكن أن يكون الأمر كذلك يا آبي ."
" ولكن عندما وصلت إلى هنا , أخذني رايموند إلى جناحك فرأيت صورة لها هناك ."
" لقد أعطتها لي بنفسها وذلك مع الإطار. ووضعتها هناك إذ أنني لم أعثر على مكان آخر أضعها فيه . هل أتلفظ بتلك العبارات مجدداً؟ "
" المال والمكانة الاجتماعية . " أكملت ابيغيل ثم ضحكا سوية ونظرت ابيغيل إلى رولف ثم تابعت : " متى اكتشفت بأنني لا أجري وراء هذه الأشياء؟ . "
" من الصعب علي أن أقول لكِ ذلك . في بادئ الأمر أردت إرغام نفسي على الاعتقاد بأنك لست مختلفة عن باقي الناس . "
" كنت قد وعدت بالا ترتبط بامرأة ثانية , كما قال لي رايموند . "
" هل فعل ذلك , في يوم من الأيام سوف أحطم جمجمته لأنه يروي الأكاذيب ولكن يجب علي أن اعترف بأن شخصيتك قد حطمت كل أساليبي الدفاعية وقد أزعجني ذلك كثيراً . "
" لماذا أهديتني تلك الساعة؟ "
" لم أود امتحانك كما ادعيت في حينها . هل تصدقيني بأنني وددت وبكل بساطة إهداءك إياها؟ كما قلت في حينها , كنت أريد أن أبرهن لك بأنني لست أنانياً لا يفكر سوى بنفسه . "
" لم استعمل أبداً تلك الكلمة . "
أجابها رولف : " حسناً لقد اضفتها إلى سجلي الحافل , والآن ... هناك شيء ما يجب علي القيام به . " وتوجه إلى حيث يوجد الدرج وأخرج منه علبة طويلة بدا منظرها مألوفاً لدى ابيغيل . " تفضلي . " ثم وضع الساعة في مكانها ولم تستطع ابيغيل سوى أ، تتأملها بإعجاب .
" إنها رائعة يا رولف . لا يمكنني شكرك كفاية لأنك أهديتني إياها . ولكن حقاً , لم يكن ... "
" إن رفضت أخذها ثانية ... سوف استعمل أساليباً أخرى لإقناعك بقبولها . " ثم تابع رولف وهو يدعي الغضب : " لم التق مرة بفتاة ترفض قبول الأشياء الثمينة لمجرد أنها ثمينة وسوف أشتري لك الماس أو أياً من الأحجار الكريمة الأخرى التي ستختارينها . "
" ولكنني أحب خاتم والدتك يا رولف . "
قطب رولف حاجبيه : " ليس له قيمة مالية كبيرة . "
" هذا ليس مهماً فبالنسبة لي , إنه يشكل صلة وصل مع الماضي ... ماضيك ... لذلك فهو بنظري يساوي أكثر بكثير من قيمته المادية . "
بدا رولف مذهولاً , ثم فتش عن الخاتم , وأعاده إليها وقال : " لقد اكتشفت لؤلؤة بين النساء , وليس ماسة والآن تعالي . يجب أن ننزل ونعلن للعائلة عن خطوبتنا , أعني خطوبتنا الحقيقية . "
" رولف ... " توقف رولف لينصت إليها : " إن كنت ... تريدني , فلماذا بدا عليك الغضب عندما أعلنت مارتينا عن أمر خطوبتنا؟ "
" ألن تحزري بعد؟ لقد حدث ذلك لأنني اعتقدت بأنكما قد خنتما ثقتي , مارتينا وأنتِ . فقد اتفقنا على إبقاء الأمر سراً , و بألا نعلم أحداً سوى أفراد العائلة بالإضافة إلى ذلك ... فقد أردت أن أقوم أنا نفسي بالإعلان خطوبتنا ولم أود ترك أي شخص آخر يفعل ذلك . "
" طبعاً , بعد أن تأخذ رأيي , أليس كذلك. وتطلب مني أن أقبل بأن أكون زوجة لك . "
" ليس ذلك ضرورياً . " أجاب رولف وهو يضحك : " فأنا لم أكن لأقبل جواباً سلبياً من قبلك , على كل حال . "
همست ابيغيل : " هل سبق وقال لك أحدهم كم أنت متعجرف؟ "
" حدث ذلك مرات عديدة . "
وصلا إلى الردهة فوجدا العائلة بأكملها تنتظر قدومهما . نظر ماكس إلى يد ابيغيل ورأى الخاتم . سأل ماكس بصوت مخنوق : " الخطوبة , هل أصبحت حقيقية؟ "
" لقد أصبحت حقيقية الآن يا أبي . " ثم نادى أخته : " يا مارتينا ... " وردت هذه الأخيرة عليه بابتسامة فقال : " سوف نحتاج لثوب الزفاف عما قريب . "
صفقت مارتينا ثم أشارت علامة النصر وتقدم رايموند ثم قال : " مبروك يا ابيغيل ."
قال ماكس لأبيغيل : " شكراً إذ أن أبني عاد إلى رشده واختارك زوجه له . " ثم استدار نحو ابنه وصافحه . " سوف أبوح لكما بسر . نحن , أي رايموند وأنا , كنا على اتفاق مع مارتينا في ليلة الاحتفال . "
منتديات ليلاس
..تمت..



اتمنى للجميع قراءة ممتعة

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 22-01-09, 01:40 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jan 2007
العضوية: 22045
المشاركات: 165
الجنس أنثى
معدل التقييم: عيون عسلية عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 82

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عيون عسلية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



 
 

 

عرض البوم صور عيون عسلية   رد مع اقتباس
قديم 22-01-09, 10:44 AM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 100212
المشاركات: 3
الجنس أنثى
معدل التقييم: راحت النفس عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدDubai
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
راحت النفس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

يسلمووووو عزيزتيه عللا الرواية الحلوة ^^

 
 

 

عرض البوم صور راحت النفس   رد مع اقتباس
قديم 23-01-09, 04:04 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29497
المشاركات: 23
الجنس أنثى
معدل التقييم: نوني:-) عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نوني:-) غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

أختـي الغآاليهـ

الله يعطيك العافيه ويسلم ربي اناملكـ


بصرااحه مجهوود تشكررين عليييهـ


ربي يخليييك ويووفقك دنيا وآخـرررهـ


أبدعتـــــــــــــي غاليتـي


بإنتظآأر جديد رواياتـ لان ذووقك ختييييييييييير


مودتــــــــــــي

:

:

نـوني

 
 

 

عرض البوم صور نوني:-)   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لاعود بالحب, ليليان بيك, lilian peake, no promise of love, روايات مكتوبة, روايات عبير, عبير, قلوب عبير
facebook



جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t102522.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 08-04-10 09:02 AM


الساعة الآن 02:45 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية