منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t161260.html)

نيو فراولة 14-05-11 10:14 PM

6- غيوم السعادة


وتركت أنطونيا غرفة النوم وجلست مدة ساعتين في الغرفة التي أحتلتها منذ أن كانت طفلة , ومر الوقت ببطء لم تختبر مثل بطئه من قبل , الى أن لم يبق الى وقت طعام العشاء سوى خمس وأربعين دقيقة , فرجعت الى غرفة النوم حيث كان زوجها مستلقيا في الفراش.
وكان ظهره الى الباب , فحين دخلت وسارت بخطى هادئة نحو السرير , رأت عينيه مغلقتين , ولكنها لم تعتقد أنه كان غافيا.
وكانت قد رأته نائما في الصباح التالي لزواجهما , فتذكرت بوضوح كيف كانت ملامح وجهه آنذاك , فهي تختلف عما كانت عليه الآن , ومع أنه فتح عينيه وبدا كأنه أستيقظ , فأنها مالت الى الأعتقاد أنه لم ينم منذ أن فارقته.
فسألته وهي تجلس الى جانبه:
" هل أنت أحسن حالا الآن؟".
فأجابها وهو ينظر الى الساعة قرب السرير:
" نعم , شكرا , لدي وقت كاف لأستحم مرة أخرى قبل العشاء , هل تستحمين أنت أيضا؟".
" نعم , ولكن هناك غرفة حمام أخرى , فليس عليك أن تنتظرني ريثما أنتهي".
وأخذ كال وقتا أطول للأستحمام مما أخذته أنطونيا , وعندما خرج من الغرفة كان يرتدي سروالا رماديا , بينما بقي نصفه الأعلى عاريا.
وكانت أنطونيا جالسة أمام المرآة تتكحل وهي , عن سابق تصور وتصميم , لم تكمل أرتداء ملابسها.
ولمحت كال ينظر اليها , ثم سار نحو خزانة الثياب , وكان أكتفى بأخذ حقيبة واحدة للثياب معه الى نيويورك ولكن أنطونيا جلبت له معها حقيبة أخرى ملأتها بالثياب وراقبته وهو يرتدي قميصا بأزرار ويدخله تحت سرواله , وفي لندن لم يكن يلبس سترة وربطة عنق لتناول طعام العشاء في البيت , ولكنه فعل ذلك الآن , لعلمه أن خالها يواكين يرتدي دائما ثيابه الرسمية في فالنسيا.
وما أن أنهت تجميل وجهها , كان كال مستعدا للنزول الى الطبقة السفلى , وكانت الساعة تشير الى أقتراب الوقت المعين لتناول طعام العشاء.
ونهضت أنطونيا من مكانها وتناولت ثوبا من الحرير الشفاف وقبل أن ترتديه قالت له:
" ليتك تساعدني على تزريره من الوراء!".
" نعم , بكل سرور!".
غير أن عينيه لم تنظرا الى جسمها , ثم أن السرعة التي زرر فيها الثوب هي من شأن الزوج القديم العهد بالزواج , لا العريس الذي لم يمض على زواجه ألا أسابيع قليلة.
منتديات ليلاس
وكانت أنطونيا قررت كيف تجابه هذا المأزق الجديد , ففي أثناء أستراحة كال , تذكرت حديثا قصيرا جرى بين والدتها ووالدة أمبارو , كانتا تبحثان قضية صديقة وقع زوجها في غرام أمرأة أخرى , فأتفقتا على أنه خير لهذه الصديقة ألا تظهر تعاستها , بل أن تكتمها وتتظاهر بأنها لا تعلم بخيانة زوجها لها , على أن تبذل كل جهدها في أن تكون ساحرة جذابة في نظره.
وهذا ما نوت أنطونيا أن تفعله في تلك الحالة....... كال تزوجها وجعلها تقع في غرامه , وفي هذه الليلة سيجد فيها زوجة مشتاقة الى الأستجابة له.
أثناء تناول الطعام , تصرف كال تصرفا أعتياديا , حتى أنها شعرت أن لا أحد من الحاضرين شك في وجود ما يعكر صفو العلاقة القائمة بينهما.
وقبل الفراغ من تناول الطعام بقليل , بدأ الرجلان يتحدثان في الشؤون السياسية , فأنسحبت تيا أنجلا وأختها وسائر النساء الى الغرفة المجاورة , وبعد نحو نصف ساعة أستأذنت أنطونيا للذهاب الى فراشها , فقبلت خالتها وأمها , ثم عبرت الغرفة الى حيث جلس خالها وكال وقالت:
" طابت ليلتكما... أرجو ألا يطول سهرك يا كال.. رغم قيلولتك , فلا بد أنك لا تزال مرهقا من التعب".
فأجابها خالها :
" لا تقلقي , لن أدعه يتكلم طويلا يا عزيزتي , عشر دقائق لا أكثر , أعدك بذلك!".
فقالت أنطونيا لكال:
" أرى أنه يجب عليك أن تنام باكرا بعد هذه السفرة الشاقة , خصوصا أذا كنت تنوي الذهاب غدا في الصباح فأذا أبقاك خالي ساهرا مدة طويلة , فسآتي وأنقذك منه , فأنا أعرف حماسه حين يتحدث في السياسة".
وفي طريقها الى الطبقة العليا , صادفت بنافيز أحدى خادمات خالتها اللواتي خدمن العائلة منذ صغرهن ,فقالت لها:
" ماذا جرى لسيدي زوجك ؟ أمنذ وقت طويل يشكو من أنفه ؟".
فأجابتها بحسرة:
" من أنفه؟".
" أنه يشخر كثيرا , ولكي لا يزعجك أمرني أن أهيء له فراشا في غرفة الملابس , عليك أن تجعليه يستشير طبيبا يا سيدتي , فالرجال يهملون أوجاعهم , كما تعلمين.....".
قالت بنافيز هذا الكلام وتابعت سيرها.
هذا التحول في مجرى الأمور لم تحسب له حسابا ,على أن الغرفة التي سينام فيها لم تكن تتصل مباشرة بالحمام , فكان على كال أن يمر بغرفة نومها.

نيو فراولة 14-05-11 10:16 PM

وكانت جالسة على الكرسي تتصفح المجلة التي أشتراها لها لتطالعها في الطائرة , وحين دخل الغرفة قالت له:
" لماذا لم تقل لي أنك تشكو من زكام في أنفك؟".
" لا أشكو من شيء , هذا عذر أختلقته لأبرر نومي في غرفة وحدي ... أعتقدت أنك لا تريدين البدء بحياتنا الجديدة ألا في منزلنا الريفي!".
فسارت أنطونيا نحوه الى الجانب الآخر من الغرفة وقالت له :
" أريد ما تريده أنت يا كال!".
وبرقت عينا كال للحظة , ثم قال لها:
" لا أزال أشعر بالتعب يا أنطونيا , أنتظرنا طويلا , وأظن أن بأمكاننا الأنتظار وقتا قصيرا بعد".
قال ذلك وعبر الغرفة من أمامها الى الحمام , وحين خرج من الغرفة كانت جالسة في فراشها , فقالت له:
" طابت ليلتك!".
فأجابها من دون أن ينظر اليها:
" طابت ليلتك!".
وفي الصباح أستمرت في التظاهر بأن ما منعه عن مشاركتها فراشها هو الأرهاق الشديد الذي سببته له الرحلة.
وفيما هما في الطريق الى المنزل الريفي , لم تأسف لمغادرة فالنسيا , فبعد أكثر من شهرين في أنكلترا , حيث الشمس بركة ينتظرها الناس بفارغ الصبر , وجدت بيت عائلتها أعتم مما كان يبدو لها في الماضي , ومع أن الحرارة في فالنسيا أكثر حرارة مما في أنكلترا , فأنها رأت أن بالأمكان الأحتفاظ بالبرودة من دون التضحية بجو البيوت الأنكليزية الأكثر مرحا والذي أعتادت عليه.
ووصل كال وأنطونيا الى المنزل الريفي عند الظهر , وبعد أن سبحا في بركة السباحة أستلقيا في الشمس , وكانت الشمس لوحت جسم أنطونيا وهي في لندن , ومع ذلك رأت من الحكمة أن تدهن جسمها , بعلاج يرد عنه خطر الأحتراق بحرارة الشمس , وفيما هي تفعل ذلك طلبت من كال أن يساعدها على دهن ظهرها , ثم أخذت تفكر كيف لمس أصابعه لظهرها العاري , ولم يظهر كال أية حماسة وهو يدهن ظهرها بكفه بدل أصابعه , ثم أنه فعل ذلك بسرعة , كما لو كانت طفلة أو أمرأة متقدمة في السن , وعندما فرغ من عمله , تنهد كما لو كان يعمل عملا شاقا لا يروق له , فشكرته أنطونيا وهي تشعر في أعماقها بخيبة أمل شديدة , ذلك أنها أملت أن يدغدغها بحب وحنان كما هي العادة بين الرجل وحبيبته.
وقال لها:
" سأسبح مرة ثانية......".
ثم سمعته يغطس في الماء , وتأكدت الآن أنه خانها في نيويورك , أذ لا يمكن لأي رجل في عز الرجولة أن يقاوم أغراء زوجته , ألا أذا كان خارجا لتوه من أحضان أمرأة أخرى .
وربطت أنطونيا حمالة المايوه وأنتصبت جالسة وأخذت تراقب كال وهو يسبح من طرف البركة الى طرفها الآخر , كان يتقن السباحة جيدا , فوجدت متعة في المظر اليه.
وفجأة خطر لها أنه أمضى وقتا لا بأس به في السباحة من دون أن يظهر عليه أي أثر للتعب , كان يسبح بقوة وعزم من غير توقف , فهل يكون أن ملامسته لها حركت عواطفه فراح يخفف عنه بالسباحة لئلا يفقد السيطرة على أعصابه ؟ لو عرفت ديانا حقيقة الزواج الذي تم بينها وبين كال لحاولت , ربما أن تقنعه بأمكان ألغائه من دون عناء.
وبعد حين , خرج كال من البركة وجلس على حافتها يلهث من شدة الأعياء وكان جسمه الملوح بحرارة الشمس يلمع تحت قطرات اماء المنصبة منه.
ونهضت أنطونيا ومشت حول البركة بهدف الجلوس الى جانبه , فما أن رآها تقترب نحوه حتى نهض واقفا على قدميه بخفة الرجل الذي يتمتع بكامل الصحة والعافية , وبادرها قائلا:
" أنا ذاهب لأهيء نفسي للغداء , ولو كنت محلك , بسترت جسدي مدة من الزمن أتقاء للحر الشديد...
وبما أن العلاج الذي دهنت به جسمها يقيها أي خطر من حرارة الشمس فلم تجد تفسيرا لملاحظته هذه أنه يعتبر أن وجودها معه وهي لابسة أخف ظلا منها وهي بملابس السباحة.
وحين تبعته الى غرفة النوم المكيفة بالهواء والتي أعدتها لهما الخادمة ماريا , كان كال بدل ثيابه وبدأ يمشط شعره.
فتجاهل دخولها , ولكن حين عبرت الغرفة الى حيث كان واقفا , ربتت على كتفه فلم يعد بأمكانه أن يتجاهل وجودها , فألتفت اليها ورمقها بنظرة جافة , فقالت له وقد وضعت كفيها على صدره :
" ألا ترى أنه يحسن بنا أن نتابع ما بدأناه في المطار؟".
ولمدة طويلة لم تلمح في عينيه الزرقاوين أي أثر للتجاوب الحار , ولكنه فجأة أخذها بذراعيه وغرق معها في عناق عميق لا قرار له , فأخذت أنطونيا ترتجف , وحلقت في آفاق الحب , فهي الآن أصبحت لا تجد في كل ما يفعله بها ألا البهجة والسعادة التي تاقت اليهما.

نيو فراولة 14-05-11 10:17 PM


على أنها سرعان ما وجدت أن ذلك العناق لم يكن مقدمة لما كانت تنتظره من زوجها بعد أن أصبحت مغرمة به أشد الغرام , أذ أنه أفلت منها بعزم وتصميم قائلا:
" يا ألهي! كان يجب ألا أفعل هذا!".
فصاحت به:
" لماذا لا يا كال؟".
فحوّل وجهه عنها , وبدا لها أنه كان يصارع مشكلة ما في داخله , وتأكد ذلك لها حين أجاب:
" لأن لي ما أقوله لك".

وفجأة رأت وجهه شاحبا وهو يقول لها:
" أستعدي لسماع خبر يهزك من الأعماق... .. الشخص الذي أعتقدت أنه مات , لم يمت ..... باكو بنيتيز لا يزال على قيد الحياة!".
فصاحت أنطونيا غير مصدقة:
" باكو على قيد الحياة! كيف يكون ذلك... قالوا لي أنه قتل!".
" لا , أذا تذكرت ما حدث آنذاك لوجدت أن لا أحدا أخبرك أنه مات , بل هذا ما أعتقدته بنفسك ,ولم يال أحد بتصحيحه لك".
وبعد حين من التفكير في الأمر قالت لكال بعصبية ظاهرة:
" لماذا أخفوا الحقيقة عني, لماذا؟".
" لا أدري...... العالم ملآن بالذين يعتقدون أن الغاية تبرر الوسيلة , ويبدو أن خالتك من هؤلاء الناس!".
" وأمي؟ كيف فعلت ذلك وهي تعلم التعاسة التي يسببها موته لي!".
" لعلّها أعتقدت أن بضعة أشهر من التعاسة خير من سنوات كلها تعاسة!".
" ولكنهم لم يكونوا يعلمون أنني سأندم , ومن قال لهم أنني سأكون تعيسة مع باكو ؟ ما أقبح ما فعلوه بي".
وقال لها كل موافقا:
" نعم , معك حق.... وأنا عندما عرفت الحقيقة لم أوافقهم على أخفائها عنك.......".
" وكيف عرفت الحقيقة؟".
" باحت بها أمك عن غير قصد منها , كانت تخبرني كم هي سعيدة بأن تراك هانئة بزواجك , مما يريح ضميرها لموافقة خالتك على أخفاء حقيقة كون باكو على قيد الحياة".
فقالت بصوت خافت:
" لن أغفر لخالتي تيا أنجلا أو لأمي ما فعلتاه ولكنهما كانتا على حق في معارضة زواجي بباكو , لم يكن حبا ما شعرت نحوه , بل هياما عابرا , كنت بعد صغيرة السن وغير ناضجة.... الآن أصبحت أحسن حالا منذ أخذتني الى أنكلترا".
" لا تستطيعين أن تتأكدي من ذلك قبل أن تقابلي باكو مرة أخرى , هو يعمل في مدريد , حيث ساعده خالك بطلب من خالتك على أيجاد وظيفة جيدة أفضل بكثير من الوظيفة التي كان يقوم بها في فالنسيا".
وهنا صاحت أنطونيا بتهكم:
" آه , لو كان يحبني حقا لما أستبدلني بوظيفة في مدريد ...... ولكن كيف تمكنوا أن يقنعوا أمه , بالسير معهم في هذه الخدعة ؟ أعرف أنها لم تكن تريدني زوجة لأبنها , ولكنها بدت لي أمرأة صادقة نزيهة , وكم دهشت حين ألتقيتها في الشارع وهي تلبس السواد وصاحت بي قائلة أن اللوم يقع عليّ لموت أبنها......".
" لعلها كانت تلبس السواد حزنا على شخص آخر... وهل أنت متأكدة أنها أشارت الى موت أبنها بكلام واضح؟ قد يكون أنها لم تستعمل كلمة (موت)بل كلمة مثل فقدان أو ذهاب وما الى ذلك... فبالنظر الى كونها من الطبقة الفقيرة , فمدريد بالنسبة اليها أبعد بكثير مما هي بالنسبة الينا......".
" لا أستطيع أن أتذكر ما تلفظت به بالضبط أعرف أنني تأثرت من كلامها جدا , فما أتعس أن يحمل الأنسان اللوم على موت أنسان آخر!".
" دعك من هذا الآن....".
فقاطعته قائلة:
" ظننت أنني كنت سبب موته ...... لم أتذكر كيف وقع الحادث..... قال لي الطبيب أنني قد لا أتذكره أو قد أتذكره فجأة في يوم من الأيام , وفقدت الأمل على أن لا أتذكره أبدا....".
"اللوم لا يقع عليك ولا على باكو, وأنما على سائق سيارة أخرى......".
تفوهت أنطونيا بهذا الكلام وأخذت تشهق بالبكاء ..... وكان الكبت أضناها في المدة الأخيرة , فأستسلمت الى البكاء ووجهها بين يديها.
منتديات ليلاس
فأقبل كال نحوها وأحاطها بذراعيه , فمالت نحوه كطفل بائس, وبقيت كذلك الى أن توقفت عن البكاء بعد حين , فحملها كال بين ذراعيه الى الفراش , حيث أعانها بتجفيف دموعها , ثم رفع غطاء الفراش وغطى ساقيها وهي لابسة ثوبها.
وقال لها:
" أصابتك هزة عنيفة... فأنت بحاجة الى النوم , أضطجعي وحاولي أن تريحي أعصابك".
فأطاعته ومالت على جنبها وهي تتأوه , ثم لم تلبث أن غرقت في النوم.
وحين أستفاقت كان الوقت عصرا , وقالت لها ماريا عندما دخلت المطبخ لتشرب قدحا من القهوة:
" السيد برنارد ذهب الى القرية ليستعمل التلفون الجديد".
وكانت أنطونيا , عند مرورها في القرية ذلك الصباح لاحظت غرفة التلفون العمومية التي بنيت حديثا في الشارع.

نيو فراولة 14-05-11 10:20 PM

وبعد حين عاد كال وقال لها:
" تحدثت الى خالك بالتلفون , فوعدني أنه سيتولى أمر أحضار باكو الى فالنسيا غدا".
" لماذا؟ لماذا سيحضره الى هناك؟".
" لأنني أريدك أن تقابليه..... وبذلك فقط تتأكدان من حقيقة ما يشعره واحدكما نحو الآخر.
" لو كان باكو يحبني كما أريد أن أحب , لما سمح لهم أن يشتروا حبه لي بوظيفة مهما كانت عالية.... لا أريد أن أراه .... فأنا أحتقره!".
فقال لها كال بلهجة جافة:
" الحب شعور غريب , فهو لا يتوقف على مجرد الأعجاب وكثيرا ما يتغلب على كل رأي حكيم".
فأجابته بنبرة تدل على أعتقاد جازم:
" لا , لا , الأعجاب ضرورة للحب.... أذ كيف تحب شخصا آخر أذا كنت لا تحترم سلوكه أو ذكاءه أو غير ذلك من الصفات التي لا تزول بزوال نضارة شبابه؟".
فحدق اليها مليا وقال:
" نعم, أراك كبرت ونضجت.... وعلى كل حال أريدك أن تلتقي باكو ..... هذا أضمن لمستقبلنا.... لن نذهب الى بيت والدتك الليلة , فالأفضل ألا تريها أو تري خالتك حتى يتسنى لك الوقت الكافي لتدركي أن ما فعلتا أنما كان لصالحك".
" أصدق ذلك عن أمي لا عن خالتي... فهي لم توافق على زواج أمي بأبي , وهي لم تحبني يوما... ولذلك أظن أن غايتها الوحيدة كانت منع زواجي من شخص تعتبره أدنى من شأننا".
" آراء خالتك مر عليها الزمن , وكما قلت , فالصفة التي تبقى في آخر الأمر , ليست الحسب والنسب , ولعل باكو لم يخنك بمثل السهولة التي تتصورينها , فحتى في هذه الأيام , هنالك مخاطر تتعرض لها فتاة من طبقة ثرية تتزوج فتى من طبقة فقيرة , ولا ريب عندي أن خالتك وأمك أقنعتاه بأنه أذا كان بالفعل يحبك , فعليه أن يضحي بعلاقته بك......".
" نعم , أحب أن أعتقد ذلك , ولكن كيف لي وقد قبل المكافأة التي منحوها له؟ فلو كان يحبني لرفضها ..... وأنت , أما كنت تفعل ذلك لو كنت محله؟ قل, أما كنت تفعل ذلك؟".
" مبادرات كهذه أكثر مما يستطيع شخص فقير أن يقوم به...... وعلى كل حال , فلو كنت محله لساومت معهما في الأمر على أن أقبل الوظيفة مقابل ألا أراك لمدة سنة , فأذا أحتفظنا بحب واحدنا للآخر , فعليهما أن لا يقفا في وجه زواجنا , وفضلا عن ذلك , كنت وضعت شرطا آخر لا أتنازل عنه على الأطلاق , وهو أن أقابلك قبل أن أفارقك......".
وكانت ماريا أعدت لعشائهما طعاما أشتهرت به , وهو كناية عن ضلوع محشية ومطبوخة بالبقدونس ساعات من نقعها بعصير البندورة والقرفة , فتناولت أنطونيا قليلا من هذا الطعام الشهي, فيما أكثر كال منه لأن شهيته لم تتأثر بما حدث.
وبعد أن عادت ماريا الى بيتها كالعادة لتقضي ليلتها , قضى كال وأنطونيا السهرة في الأستماع الى الموسيقى , ثم أقترح الذهاب الى النوم.
وقال كال:
" عوض أن أجعل ماريا تتساءل لماذا فرشت لأنام في غرفة أخرى , أرى أنه من الأفضل أن أستلقي على أحد المقاعد..... فهذه ليست المرة الأولى التي أفعل فيها هكذا".
هذه ليلة ثانية تنام فيها أنطونيا نوما مضطربا , وعندما أفاقت لم تكن في أحسن أحوالها..... كانت تمانع في لقاء باكو , ولم تفهم لماذا يصر كال على هذا اللقاء , فهل أنه كان يأمل أن يعود حبها الى الحياة حالما يقع نظرها على باكو , وبذلك تترك له حرية نجديد علاقته بديانا؟
وفي اليوم التالي , بعد تناول طعام الفطور بقليل , أندهشت ماريا حين ودعاها وعادا من حيث أتيا في اليوم الفائت.
وعلى مسافة أربعين كيلومترا من المدينة , حوّل كال أتجاه السيارة عن الطريق العام في أتجاه مدينة كولبرا , ومن هناك أتبع طريقا فرعية بمحاذاة الساحل الى قرية يؤمها السياح لجمالها , فحجز غرفة في أحد الفنادق التي تطل على البحر.
وكان الحر شديدا , وبعد أن أغتسلا دخل كال الى غرفة التلفون , وحين خرج قال لأنطونيا:
" تحدثت الى خالك , فقال لي أن باكو سيصل الى هنا في الرابعة بعد الظهر , فعلينا أن نترك له خبرا في المطار بأن يلاقيك في مكان ما.......... فأين تريدين أن تلاقيه؟ في أحد الفنادق؟".
" كلا.. ..لا أريد أن ألاقيه في أحد الفنادق ... قد يرانا أحد يعرفني , وهذا يسبب لي حرجا".
" ما رأيك أن تلاقيه في مكان كنتما تجتمعان فيه؟".
ورجعت أنطونيا بالذاكرة الى أماكن لقاءاتها السرية مع باكو , فكانت كأنها تسترجع أحداثا جرت في الحلم , وشعرت أن الحقيقة موجودة هنا في تلك الغرفة مع ذلك الرجل الذي أصبحت تحبه بكل قلبها والذي لا تجرؤ على مكاشفتها بحبها له , مخافة أن ترى في عينيه ما يشير الى أنه لا يستطيع أن يبادلها الحب!

نيو فراولة 14-05-11 10:23 PM

وقالت له:
" كنا نجتمع أحيانا في مقهى يدعى سانتا كاتالينا...".
فنهض كال الى التلفون وطلب المطار وترك خبرا لباكو بأن يلاقي أنطونيا في ذلك المقهى , ثم أقترح عليها أن يقضيا ما لديهما من وقت في السباحة , لأن البحر رائق وممتع.
وبعد أن سبحا قليلا أستلقيا على رمال الشاطىء , وبدا كال في منتهى الهدوء والراحة , ولكن أنطونيا كانت متوترة الأعصاب, تحدق الى البحر وهي غارقة في التأمل والتفكير.
ثم تناولا طعام الغداء على الطريقة الأسبانية , وكان كال يأكل بشهية كعادته بخلاف أنطونيا التي كانت منشغلة البال تسائل نفسها عما يتوقعه باكو من وراء دعوته للمجيء الى فالنسيا , وماذا سيكون شعوره حين يجد خبرا بالذهاب الى المكان الذي سبق لهما أن ألتقيا فيه كعاشقين.
وسألت كال فجأة:
" وأنت , ماذا ستفعل وأنا في مقهى سانتا كاتالينا؟".
وكان كال يراقب الجالسين حول طاولة بجوارهما , فحوّل وجهه نحو أنطونيا ليرد على سؤالها بهدوء قائلا:
" سأوصلك الى المقهى وأعود الى هنا ....... فلا لزوم لأنتظارك هناك , بأمكانك أن تستأجري سيارة تنقلك الى هنا , أذا شئت , أعني أنك لست مضطرة الى العودة أذا كنت غير راغبة فيها.
فأتسعت حدقتا عينيها ولكنها كبحت جماح غضبها من كلامه وقالت بهدوء:
" أنا زوجنك!".
" أعرف ذلك , ولكنك لست عبدتي ...... فأنا لا أريد أن تكوني زوجتي , بالرغم عنك!".
فأرتجفت شفتاها وهي تقول له:
" لعلك أنت لا ترغب في أن أكون زوجة لك!".
وحين نهضا عن الطعام كان وقت ذهابها الى موعدها مع باكو قد حان , وفي الطريق الى هناك كان كال يحدثها لماما وبلهجة لا تأثر فيها ولا توتر , وكانت المدينة حين وصلا اليها , لا تزال في فترة هدوئها , كما في عصر كل يوم معظم ستائر الشبابيك مسدلة , مما يشير الى أن وقت القيلولة لم يبلغ نهايته بعد.
وكان كال يعرف المدينة جيدا , فلم يكن يحتاج الى أنطونيا لتدله الى المقهى , وما أن وصلا الى هناك حتى نزل من السيارة وفتح لها الباب فقالت له:
" سأراك فيما بعد........".
وأغلق كال الباب ونظر الى وجهها المضطرب وقال بعبوس ظاهر:
" أرجو ذلك......".
وفيما هو يدخل السيارة ليقودها تطلع نحوها وقال:
" أريد سعادتك قبل كل شيء يا أنطونيا..... فأذا كنت لا تزالين تحبين باكو , فسأهين عليك الحصول عليه...... أنت تقولين أنه لم يعد يعني شيئا لك , وعما قريب ستتأكدين أذا كان أعتقادك هذا صحيحا..... ولا تعودي اليّ أذا كنت مستعدة , ليس بالضرورة لأن تحبيني , وأنما على الأقل لتقبلي حبي لك!".
ودخل السيارة بقامته الفارعة وأنطلق من دون أن يترك لها مجال الرد على كلامه , وعبثا صرخت تناديه, لأنه لم يكن بأمكانه أن يسمعها أو أن يراها , ولم تلبث السيارة أن توارت عن أنظارها وبقيت كلمته ( حبي لك) ترن في مسامعها , فأدركت أنه أذا كان قد أغرم بديانا وبستر يوما , فهو لم يعد مغرما بها بعد , فهو لم يكن من الرجال الذين يقولون ما لا يقصدون.
منتديات ليلاس
وفكرت أن تستأجر سيارة وتلحق به , ولكنها تذكرت أن باكو بأنتظارها في المقهى ويجب أن تصرف خمس دقائق على الأقل معه.
وكان باكو , بالفعل بأنتظارها وهو يرتدي بزة صيفية , ويداعب أحدى فتيات المقهى.
وسرها ألا يكون كال معها ليرى أي شاب هو هذا الذي أعتقدت أنها تحبه حتى الموت , وعندما لمحها باكو مقبلة نحوه تصنّع القلق والأضطراب ولم يقف ليستقبلها فقالت:
" كيف حالك , يا باكو!".
" بخير , وأنت؟".
وأفسح لها مجال الجلوس الى جانبه على المقعد , كما كان يفعل في السابق ,ولكن أنطونيا أخذت أحدى الكراسي وجلست قبالته ,وبذلك تسنى لها أن تنظر اليه وجها الى وجه , وأن ترى في المرآة جميع الحاضرين في المقهى.
وقالت له:
" لن آخذ من وقتك كثيرا , أعرف أنك تتتوق الى رؤية عائلتك , وأنا وقتي ضيق أيضا , لا يسمح لي بالجلوس معك طويلا ......".
وهنا جاءت الخادمة , بأبريق من الشاي وقطعة من الحلوى , كما كانت تفعل من قبل , فأعتذرت أنطونيا قائلة للخادمة:
" لا , لا شكرا , لم أطلب هذا لنفسي".
وقال باكو للخادمة أيضا:
" وأنا كذلك ولكن لا بأس , دعي كل شيء على الطاولة".
وفيما أبتعدت الخادمة عنهما , قالت لأنطونيا:
" تقولين أنك مستعجلة...... مع أنه قيل لي أنك تريدين أن تجتمعي بي!".
" كل هذا الوقت حتى البارحة كنت أعتقد أنك ميت , ولكن زوجي أخبرني الحقيقة , فشعرت بضرورة لقائك ... كيف أستطعت أن تكون شريكا في هذه الخديعة يا باكو ؟ لم أكن لأصدق!".


الساعة الآن 09:34 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية