منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t161260.html)

نيو فراولة 13-05-11 05:49 PM

166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة

الملخص


لماذا لا أتزوج هذا الرجل وأدفن نفسي معه ؟ هكذا قالت أنطونيا بعد أن مات حبها الأول .... باكو , وعاشت بعد الفاجعة مقتنعة بأن قلبها مات ,أمرأة بلا قلب بلا عاطفة تتزوج أي رجل , وما دامت ميتة فما الفرق ؟ تزوجت أنطونيا من كال الرجل الذي أحبها من أول نظرة ودخلت معه بيت الوهم , بيت النسيان, بذل كال ما في وسعه لأسعادها ألا أن أنطونيا مكبلة بالذكريات القديمة وقلبها محطم بسعادة ماضيه سرقت منها .
منتديات ليلاس
وعرف الزوج بحكاية زوجته وأكتشف بأن باكو هجرها لقاء مبلغ من المال, صارحها بالواقع المر ولكن أنطونيا لم تصدق وأعتبرته يغتال أوهامها الجميلة أنتقاما لكرامته, كانت بين حجرين .... حجر الماضي الذي عاد حاضرا .... وحجر الحاضر الذي عاشته تحلم بالماضي وهنا تحرك القلب وقال كلمته الاخيرة فأنصتت أنطونيا وتبعته.

نيو فراولة 13-05-11 05:51 PM

1- شرنقة الذكريات


كانت أنطونيا مارلو أبنة رجل أنكليزي قضى معظم أيام حياته في أسبانيا , وفي صبيحة يوم زواجها من الرجل الذي أعجبت به من دون أن تعشقه , جلستت في غرفة نومها تفكر في ليلة زواجها بشيء من القشعريرة المفاجئة , فحين خطبت منذ شهرين لتتزوج الشاب كال برنارد , الصناعي الأنكليزي المليء بالحيوية والنشاط , بدا لها أن هذا الزواج سيتيح لها الهرب من تعاستها المتزايدة منذ وفاة والدها الحبيب , أما الآن , وقد حان الوقت لتكرس بقية أيام حياتها لرجل لا يزال غريبا عنها , فقد أستولى عليها الشك والخوف.
كانت جالسة أمام المرآة , فيما أخذ أشهر مزين للشعر في مدينة فالتسيا يصفف لها شعرها أستعدادا لحفلة زواجها ذلك اللنهار , ورجعت بها الذاكرة الى اليوم الذي وقع فيه نظرها على الرجل الذي لم يضمها بعد الى صدره ضمة العاشق الولهان , ولكنه مع ذلك سيصبح قبل حلول الظلام زوجها الشرعي.
وعلى الرغم من أنها ولدت في فالتسيا ونشأت فيها ألا أنها أحتفظت بصفات والدها الأنكليزي , ولم ترث عن والدتها الجميلة دونا ألينا سوى عينيها الواسعتين وقامتها الهيفاء , شعرها أشقر كشعر والدها , وكذلك مزاجها , وهذا ما جعلها بعد وفاته تستصعب القيود التي كانت تفرضها على سلوكها في الحياة , أقامتها في ذلك المنزل الذي كان يخص عند ولادتها أجدادها الأسبانيين وأصبح اليوم ملك خالتها الصارمة تيا أنجيلا.
وكانت تيا أنجيلا هي التي قررت بيع المنزل الريفي فينكا دي لا فليسيدا الكائن على سفح الجبل , على مسافة ما يقارب الستين ميلا جنوبي فالنسيا , وكان هذا المنزل الذي أشتراه جون مارلو ورممه وأثثه على الطراز الأنكليزي يشيع جوا من المرح والدفء , لذا شق على أنطونيا أن تعلن خالتها عزمها على بيع ذلك المنزل الريفي الذي كان يروق لها جدا , ففيه قضت أجمل أيام حياتها , وفيه كانت تشعر بأنها تحصل على راحة التامة.
وكانت أنطونيا تشارك والدها في تفضيله الغرف المليئة بالنور , ولذلك كان صدرها يضيق بالقصر العائلي القاتم ... بينما في المنزل الريفي تشعر بأنها شخص آخر , فلا عجب أن يكون أمكان بيع ذلك المأوى الهنيء ضربة أخرى في سنة جلست لها الكثير من التعاسة والشقاء وكانت أنطونيا تعرف أن لا جدوى من مناشدة أمها الوقوف في وجه ما عزمت عليه خالتها , ذلك أن دونا الينا كانت عاجزة عن معاندة شقيقتها الكبرى ذات الأرادة الفولاذية , وداخل أنطونيا الشك في أن خالتها أنّما عزمت على ببيع المنزل الريفي نكاية بزوج شقيقتها الأنكليزي الذي لم تكن تطيقه, والذي جعلها تغار من ولاء شقيقتها له , أما الآن , فبعدما توفي أصبح بمقدورها أن تستبد بأبنته التي كانت تحظى منه بقدر زائد من الحرية , وحرص جون مارلو على أن يفسد طراز المنزل الريفي القديم , عندما أدخل عليه عدة تحسينات زادت في فخامته فضاعفت قيميته المادية , ولذلك لم يكن يقدر على شرائه ألا الأثرياء , مما جعل الأقبال عليه ضئيلا وأراح بال أنطونيا بعض الشيء.
ولكن في يوم من الأيام! أعلن خالها , وهو أرمل يدير شركة صناعية كبرى , أن صديقا له من التجار الأنكليزي يدعى كال برنارد يميل الى شراء المنزل , وأنه دعاه الى قضاء ليلة أو ليلتين , وهو في طريقه من اليكامتي الى فالنسيا.
وفي غطلة الأسبوع التي تلت , ذهبت أنطونيا الى زيارة المنزل الذي تحبه , يرافقها خالها تيو يواكين ووالدتها , وخالتها التي تكره المنزل , وأعتبرت أنطونيا أن هذه الزيارة قد تكون الأخيرة.
وحين وصلوا الى المنزل في الساعة الحادية عشرة صباحا , بقيت أنطونيا هناك , بينما أكمل تيو ووالدتها طريقهما الى عيادة خادم الأسرة وهو على فراش الموت.
ولم يكن أحد يتوقع وصول السيد برنارد قبل وقت تناول طعام الغداء في الساعة الثالثة , فقررت أنطونيا قضاء بقية ساعات الصباح في السيؤ على طريق البغال التي تلف وتدور على سفح الجبل الواقع خلف المنزل , وكانت تلبس بنطالا يقي ساقيها شر الأشواك , وتحمل كيسا وضعت فيه أشياءها وبعض الزاد , مع زجاجة ماء معدني.
وفي طريق عودتها بعد ذلك بسلعتين , شعرت بالحزن وهي تفكر في والدها وفي باكو , ثم ألتقت رجلا طويل القامة , فأدركت في الحال أنه أجنبي , وبما أن الأجانب كثيرون في تلك الأنحاء فأنها أستغربت حين وقف الرجل في طريقها وحياها مصافحا وقال أنه كال برنارد.
ولو لم يكن كال برنارد طامعا في شراء المنزل لأحبته على الفور , فهو بقامته الطويلة وكتفيه العريضتين ذكرها بوالدها , وكان يخيّل اليها , قبل أن تراه , أنه في عمر والدها , فأذا به في عز الشباب وله بنية رقيقة مكتنزة لا تشبه مطلقا تلك التي تميز بها معظم رجال الأعمال الأسبان الساعين وراء الغنى , ذلك أن السيد برنارد الذي لم يبلغ الأربعين من العمر لم يعد من هؤلاء الساعين , فهو وصل الى ما يريد بحيث أصبح ثمن المنزل مع كونه باهظا , في متناول يده .

نيو فراولة 13-05-11 05:53 PM

فأجابته أنطونيا بالأنكليزية :
" صباح الخير , يا سيد برنارد , كيف عرفت من أنا؟".
فأجابها:
" أعطاني أحدهم أوصافك , فقال أن قامتك رائعة الجمال , وشعرك أشقر , وعيناك كبركتي عسل غامق اللون , وظننت أنه يبالغ في هذا الوصف ألى أن رأيتك, ولا يمكن لهذا الوصف أن ينطبق على أكثر من فتاة واحدة في هذه الأنحاء".
فأحمرت وجنتا أنطونيا من الحياء , لا لأنها لم تكن معتادة على المديح فهي منذ طفولتها تسمع الناس يثنون على جمالها ,مع أن والدها لم يكن يحبذ العادة الأسبانية في كيل المديح للأولاد , بل لأن تلك النظرة التي رمقها بها السيد برنارد لم يسبقه الى مثلها أحد من قبل.
فقالت له بفتور:
" آسفة ألا تجد أحدا في المنزل لأستقبالك , خالي ذهب الى مكان ما في الجبال لمقابلة رجل عجوز كان يشتغل عندنا وهو الآن على فراش الموت , وأنا لم أتوقع قدومك ألا بعد حين , ولولا ذلك لما خرجت للنزهة".
فأجابها:
" أنا الذي يجب أن يعتذر على قدومي باكرا , أهيت عملي في أليكانتي بأسرع مما توقعت , فرأيت أن أقضي أطول وقت ممكن هنا في الريف قبل أستئناف سفري الى برشلونة".
وجال بنظره في تلك الأرجاء وتابع قائلا:
" هذا جزء رائع الجمال من أسبانيا , وهو كثير الخضرة كأنكلترا ".
فأجابته أنطونيا:
" نعم , وأنا أحب هذا الوادي , لا سيما في شهر شباط( فبراير) حين يزهر اللوز".
وفيما أخذ يتمتع بمرأى البراعم البيضاء الوردية على أشجار اللوز المنتشرة في الحقول الواطئة , كانت أنطونيا تنظر اليه بتأمل , فهي لم تتعرّف في حياتها كلها الى وطن والدها الأصلي , كما أنها لم تلتق ألا القليل من الأنكليز , وكان المنزل الريفي في منطقة أسبانية ذات مناخ معتدل في الشتاء , مما جعل الأقبال عليها شديدا من قبل المغتربين عن بلادهم , ولكن معظمهم كان من الذين أحيلوا على المعاش بعد بلوغهم سن الشيخوخة.
منتديات ليلاس
وفي الصيف كانت أنطونيا تستحم مع والداها في مسبحهما الخاص , أو تستقبل وأياه مركبا يحملهما الى كهوف لا يمكن الوصول اليها عن طريق الشاطىء حيث يكثر السواح , ولذلك فلم يتسن لها معرفة أحد من جيل كال برنارد وطرازه , وأعتادت أنطونيا أن تعيش بين رجال عيونهم بنية اللون أو رمادية اللون أحيانا , فلا عجب أن تجد عيني كال الزرقاوين أبرز ملامحه , وأكتشفت فيما بعد لماذا كان أنفه غريب الشكل , حين علمت أنه أصيب بلكمة في صغره , وهذا ما أكسب وجهه , أذا نظرت اليه من جانب واحد , مزيدا من الصلابة , وقلّما كان لأحد من الطبقة العليا أو الوسطى من الأسبان ذلك النوع من الوجه الذي كان سائدا لدى الغجر ومصارعي الثيران.
وفيما هذه الفكرة تخطر ببالها , ألتفت كال فجأة , فوجدها تنظر اليه بأمعان , وكان بينهما مرتفع وقف هو في أسفله , ولكنه لطول قامته بقيت عيناه أعلى من مستوى عينيها , فقال لها:
" أنت فتاة غير أعتيادية , يا آنسة مارلو!".
" أنا؟ لماذا؟".
فقال لها:
" لأنك لم تسأليني من وصفك لي ذلك الوصف الشعري , أما لديك حب الأستطلاع لتعرفي من يكون هذا المعجب بك ؟ أم أنك تعودت المديح فلم يعد يثير أهتمامك؟".
فقالت له:
" حظيت بوالدين لا يعوزهما حسن المنظر , أيها السيد برنارد , فأمي أجمل مني بكثير , وفي أية حال , أعتقد أن الذكاء أهم من جمال الوجه , فهو بخلاف الجمال يدوم طوال الحياة".
فقال موافقا:
" هذا صحيح , ولكن الجمال , ما دام باقيا , فهو يبعث البهجة في النفس أكثر من الذكاء".
فأجابت :
" ربما للآخرين , لا للذين يعنيهم الأمر , أنا أفضّل أن أكون ذكية مثل والدي الذي توفي السنة الماضية".
فقال من دون أن يظهر الأسى كما هو مألوف:
" نعم علمت بذلك".
منتديات ليلاس
ونزلا الجبل , واحدهما يتبع الآخر , وكانت أنطونيا في المقدمة , ولما وصلا الى المنزل سألته أذا كان يحب أن يتناول فنجانا من الشاي أو يريد الدخول الى غرفته أولا , فأجابها بأنه يفضل كأسا من الشراب , ثم أخذ يجول بنظراته في غرفة الأستقبال التي كانت رفوفها تغص بالكتب وجدرانها باللوحات الفنية التي حرص والد أنطونيا على أختيارها وجمعها طول حياته.
" هل تهوين القراءة , آنسة مارلو؟".
" نعم , كثيرا جدا".
" بالأنكليزية كما بالأسبانية؟".
" نعم , ولمن بالأنكليزية أكثر".
وهنا عاد الآخرون , ولم تأخذ أنطونيا بنصيب من الحديث طوال بقية النهار , وبدا لها منذ البداية أن كال برنارد أحب المنزل , وحين أقتربت الساعة العاشرة ليلا , وفيما كان الجميع يتناولون طعام العشاء , أعلن كال عن عزمه على شراء المنزل , بما فيه الأثاث وما اليه , لكي يكون صالحا للسكن في الحال.

نيو فراولة 13-05-11 05:54 PM

فوافق خال أنطونيا على ذلك قائلا:
" لا حاجة لنا الى ما يحتوي المنزل من أثاث وما أليه , فهذه الأشياء أختارها صهري وهي لا تلائم ذوقنا في هذه البلاد".
فسارعت أنطونيا الى القول بأحتجاج:
" لكنني أريد الأحتفاظ بأشياء والدي".
فقالت لها أمها:
" وأين تضعينها يا عزيزتي؟ أنا على يقين أن السيد برنارد لا يمانع في أن تحتفظي لنفسك بلوحة أو لوحتين , وربما بعدد قليل من الكتب , أما أن تحتفظي بكل شيء في المنزل فهذا مستحيلّ".
وقال السيد برنارد , وكان جالسا قبالتها:
" نعم , يحق لك أن تحتفظي ببعض ما يذكرك بوالدك يا آنسة مارلو".
فقالت بصوت خافت , والدموع بدأت تتساقط على خديها:
" أشكرك على ذلك!".
ولم يكن يخطر ببالها أنها ستفتقد المنزل ومحتوياته أيضا , بل حسبت أن المحتويات ستخزّن في مكان ما الى أن يصبح لها منزلها الخاص بها , وذلك مع العلم أن هذا لن يحدث في وقت قريب , نظرا لأنتهاء علاقتها مع باكو.
وفي اليوم التالي نوت أنطونيا التغيب تاركة خالها تيو يواكين ووالدتها للأهتمام بخدمة الضيف ,ولكنها لم تكد تسير قليلا في نزهتها حتى سمعت صفيرا على مسافة منها , ولما نظرت الى الصوت شاهدت السيد برنارد يصعد الطريق مقبلا نحوها.
وحين أقترب منها سألها قائلا:
" هل تسمحين لي بمرافقتك؟".
فأجابته بلياقة:
" أهلا وسهلا , يا سيد برنارد!".
ولكن السيد برنارد كان من الفطنة بحيث لاحظ نبرة التردد في جوابها فقال لها:
" هل يزعجك حضوري , يا آنسة مارلو؟ أم أن ما يزعجك بي أنني سأحرمك من المنزل الذي تحبينه كثيرا؟".
فأجابت قائلة:
"آسفة أذا كنت أعطيتك مثل هذا الأنطباع غير الودي... من الصعب على الأنسان أن يفارق منزلا أحبه , قد يبدو ذلك سخيفا في نظرك ,ولكنني دائما شعرت بالغربة في منزل والدتي الذي في فالنسيا ,فأنا في ميولي أشبه والدي , وأشعر أنني أنكليزية أكثر مني أسبانية , على الرغم من أنني عشت هنا طوال حياتي".
" أوافقك على أنك تشبهين والدك أكثر مما تشبهين والدتك, ولكنك بلا ريب لا تشبهين معظم الفتيات الأنكليزيات اللواتي في عمرك".
" صحيح ؟ ومن أية ناحية؟".
" لك صفات لم تعد دارجة في أنكلترا هذه الأيام , من حيث اللطف والتواضع , وكلامك لا تخالطه ألفاظ نابية , ولا في تصرفاتك شيء من الوقاحة , وأكثر الظن أنك لا تزالين عذراء".
فلم تجب أنطونيا بكلمة ,ولكن أحمرار خدّيها دلّ على أن ظنه كان في محله , وفيما هما سائران زلت قدمها , فتأوهت من الألم , وحين أسرع اليها كال وكشف عن موضع الألم وجد أن الورم قد بان عليه.
وقالت أنطونيا:
" آسفة لما حدث , واللوم يقع علي".
وتطلع كال اليها وقال:
" لا , اللوم يقع عليّ لأنني أثرتك بملاحظاتي الصريحة , والآن , فكاحلك يا آنستي يحتاج الى علاج , وعلي أن أحملك الى المنزل , وبما أنني لست سوبرمان , فعليك أن تضعي ذراعيك حول عنقي وتتعلقي بي وأنت مستلقية على ظهري".
وعلى الرغم من الألم الحاد الذي كانت تشعر به , فأكثر ما أثارها هو شعره الداكن اللون القريب من وجها , ورائحة بشرته الذكية التي لا عهد لها بمثلها من قبل.
وعندما وصلا الى المنزل , وجدت أنطونيا والدتها مستسلمة للراحة , وخالها غائبا , وكان كال هو الذي عالج قدمها , فوضع عليه قطعا من الثلج وضمده بقطعة من القماش , وقال لها كال بعد حين:
" سأعود الى هنا بعد شهر , وفي غضون ذلك تكونين قررت أي أشياء تريدين الأحتفاظ بها".
وفي صباح اليوم التالي غادر كال المنزل الى برشلونة , وأنطونيا لا تزال نائمة في فراشها.
وبعد ذلك بأسبوعين جاءها أحد الخدم برزمة عليها طابع بريد أنكليزي فظنت لأول وهلة أنها مرسلة الى والدها من أحدى المكتبات التي كان يتعامل معها , ولما فتحت الرزمة وقلبت غلاف الكتاب , وهو رواية بوليسية مثيرة , قرأت هذه الجملة الموجهة اليها : بأنتظار لقائنا المقبل , حين آمل أن نكتشف أشياء أخرى تكون جامعا مشتركا بين ذوقي وذوقك , وكانت موقعة بالحرفين الأولين من أسمه , ك. ب.
وكان لقاؤهما المقبل في فالنسيا , حين دعاها كال مع أمها وخالها الى تناوا ل طعام العشاء في فندق راي دون جايم وهو أفخم فنادق المدينة , ولو أنه دعاهم الى فندق أستوريا أو ريتا فكتوريا فما قلل ذلك من سرورها , غير أن فندق راي دون جايم كان حديثا وعلى الجانب الشمالي من النهر , وفيما كانت تتناول المآكل الشهية , لم يغب عن بالها أنها عاشت فيما مضى , على مقربة من مكان جلوسها أجمل ساعات حبها الضائع.

نيو فراولة 13-05-11 05:56 PM

كانت مدينة فالنسيا مقسومة الى قسمين بنهر ريو توريا الجاف والسبب في جفاف النهر هو أن مياهه تحولت الى سواقي تروي حقول الأرز وبساتين البرتقال المحيطة بالمدينة , ولم يكن من المستغرب أن ترى قطيعا من الغنم يرعى في ظلال الجسور التي كان يقوم بين أثنين منها ملعب لكرة القدم ,وكان وسط المدينة وأجمل بناياتها وآثارها التاريخية يقع على الجانب الجنوبي من المدينة , بينما أحتفظ الجانب الشمالي بالجامعة ومتحف الفنون الجميلة , وكان فرنسيسكو بنيتيز المعروف لدى الجميع بلقب باكو , يقيم مع عائلته في شقة كائنة على الجانب الشمالي قرب الميناء , وهو موضع لا تزوره عادة فتاة مثل أنطونيا , ذلك أنه كان حيا تقطنه طبقة العمال الذين حرصوا على نظافة مساكنهم وتزيين شرفاتها بأحواض الزهور , وكان الصغار الذين يلعبون في الأزقة مزعجين أحيانا , مثلهم مثل سائر الصغار في أزقة المدن كلها , وفي أيام الدراسة كانوا يلبسون ثيابهم ويسرحون شعورهم كما يجب , بحيث لا يمكن تمييزهم عن تلامذة الأحياء الثرية ألا بشيء واحد , وهو أنهم كانوا يذهبون الى مدارسهم سيرا على الأقدام , عوضا عن نقلهم بسيارات أهاليهم الفخمة التي كان يتولى قيادتها سائقون خصوصيون , وبالتالي لم يكن في مظهر باكو ما يميزه عن أبناء أصدقاء الدونا ألينا.
منتديات ليلاس
وفي ذكرى مولدها التاسع عشر , وقبل وفاة والدها جون مارلو المبكر ببضعة أشهر , ورغم معارضة تيا أنجيلا , أهداها والدها سيارة خضراء جميلة , وفيما هي تقودها في شارع يغص بالسيارات , توقف المحرك عن الدوران , مما حمل السائقين على أستعمال زماميرهم وأثارة الضجيج , وجذب جمالها أتباه المارة من الرجال فتحلقوا حول سيارتها في محاولة لمساعدتها أو لأظهار أحتجاجهم على خلو الطريق من رجال شرطة السير لمعالجة الموقف , وعبثا نجحت أنطونيا في أقناعهم بدفع سيارتها الى جانب الطريق.
ولكن شابا في مثل سنها تقدّم من بين الجماهير مقبلا اليها , وتكلم في أذنها مشيرا عليها بهدوء أن تزيح عن مقعدها وتسمح له بقيادة السيارة , ولما فعلت صعد وراء المقود وأدار المحرك بكل سهولة , وعندئذ شعرت أنطونيا بأنفراج لم تشعر به في حياتها , وخصوصا عندما قاد السيارة الى الأمام وسط الرجال المتجمهرين أمامها , فسألته وهما يقطعان أحد الجسور الكثيرة التي تصل ضفّتي النهر :
" ماذا طرأ على السيارة؟".
" عطل بسيط أوقف المحرك مؤقتا , أين كنت ذاهبة حين وقع الحادث؟".
وألتفت اليها باسما , فأدكت في الحال أنه الرجل الذي تنتظره كل حياتها! وقالت له:
" كنت ذاهبة الى البيت".
" أين هو؟".
ولما أخبرته علا جبينه شيء من العبوس , فظنت أنه أعتبر الطريق بعيدة , فقالت له:
" لا لزوم لمرافقتي الى هناك , يكفي ما أسديته لي من خدمة أشكرك عليها , وأنت الى أين كنت ذاهبا؟".
" الى مكان ما , ربما لأتناول طعام الغداء في أحد المطاعم".
ولم يكن من عادة أنطونيا أن تتحدث الى الغرباء بمثل هذه الجرأة , ولكنها هذه المرة رأت أن فرصتها سنحت وعليها أن تغتنمها , فقالت له:
" لماذا لا تتناول طعام الغداء في منزلي؟ والدتي ليست في البيت هذا النهار , ولكنني أعرف أنها تريد أن تشكرك على ما فعلته لي".
وتردد الفتى قليلا , ثم نظر اليها ثانية وقال:
" نعم , بكل سرور أقبل دعوتك!".
وكان المنزل في الحي اقديم من المدينة , حيث تكثر الأزقة الضيقة , مما حمل الفتى على زيادة الأهتمام بقيادة السيارة , وهذا أتاح لأنطونيا أن تدرسه بأمعان.
كان شعره قصيرا , فهل كان جنديا في الجيش وربما في أجازة ؟ أم أنه كان أنهى حديثا دورة خدمته العسكرية الألزامية؟ وفي أية حال لم يجعله قصر شعره أق وسامة مما هو على طبعته.
ولم يكن في بناء المنزل الخارجي المتواضع ما يفضح للغريب أن داخل تلك النوافذ المغلقة وذلك الباب المطعك الضخم , ما جعله من أفخم قصور المدينة.
وقالت أنطونيا لرفيقها:
" أكبس على الزمور فيجيء فيديريكو ويفتح لنا البوابة".
منتديات ليلاس
وكان خلف البوابة ساحة تحيط بها أسطبلات تستخدم الآن مرائب للسيارات , وفيما وراءها باحة حولها سلالم تصعد الى جوانبها , ومن هذه الجوانب تستطيع أن ترى من خلال الأبواب الزجاجية المستطيلة حديقة جميلة تتوسطها بركة ماء مرتفعة ونبع ماء فوار.
وقالت له أنطونيا وهي تقوده الى الحديقة:
" لا أعرف أسمك ".
" باكو ... أسمي باكو بنيتيز , يا سيدتي".
" أنا أنطونيا مارلو , والدي رجل أنكليزي".
وكانت العادة لدى الأسبان , حتى الذين في مقتبل العمر , أن يتصافحوا بعدما يتعارفون , وحدث أن تيا أنجلا كانت تتناول طعام الغداء خارج المنزل , وهكذا خلا لأنطونيا ورفيقها أن يتناولا طعامهما معا , بمعزل عن رقابة أحد , مما سهل عليها مجال التعارف بمزيد من السرعة . على أن باكو أدرك منذ البداية الحاجز الأجتماعي الذي يفصل بينهما , فقبل أن يودعها عائدا الى عمله كموظف في شركة, قال لها:
" أحب أن أراك ثانية , ولكنني أتقد أن والدتك لا ترحب بذلك".

نيو فراولة 13-05-11 05:57 PM

ووافقت أنطونيا في قرارة نفسها على كلام باكو , فهو من طبقة لم تكن عالية في السلم الأجتماعي الى درجة تسمح له بالدخول الى الوسط الذي تعيش فيه أسرتها.
ولو كان الأمر عائدا لباكو , لتوقفت علاقتهما عند هذا اللقاء الأول , ولكن أنطونيا التي جذبت اليه , وهي بعد في الساد سة عشرة من عمرها , أنظار الشباب في وسطها الأجتماعي , لم تجد في أحد منهم ما يعني لها شيئا , وهي الآن وقعت في غرام باكو , مثلما وقعت والدتها في غرام والدها لأثنين وعشرين سنة خلت , على الرغم من معارضة جدها وجدتها.
وكان , أذن , من الطبيعي أن تتوقع معارضة والدتها وأقربائها لأي علاقة تقيمها مع باكو , ولكنها دهشت أشد الدهشة حين دعاها باكو الى بيته فلاحظت أن والدته هي أيضا لم تكن تنظر بعين الرضى الى مثل تلك العلاقة , وبذلت أنطونيا جهودا أستغرقت عدة أسابيع لأقناع باكو بأن الوسيلة الوحيدة للتغلب على معارضة الأهل هي أن يذهبا معا الى مكان بعيد , وهكذا يوضع الجميع أمام الأمر الواقع , ويعمد خالها الى مساعدة باكو , صهره الجديد , على تحسين وضعه الأجتماعي والمالي.
وأخذت ـنطونيا , بمفردها تعد العدة للهرب والزواج بحبيبها باكو , فحجزت غرفة لهما في أحد الفنادق الفخمة على بعد ستين كيلومترا من مدينة فالنسيا.
منتديات ليلاس
وبعد ذلك لم تعد تتذكر الحادثة التي أفقدتها وعيها والتي وقع فيها باكو قتيلا , وعند أنقضاء يومين على معالجتها في مستشفى قريب من مكان الحادثة , نقلت الى مستشفى خاص في فالنسيا.
وفيما كانت أمها جالسة قربها على السرير , عاد اليها شيء من الوعي فتذكرت أنها قبل أن تستيقظ في فراش لم يكن فراشها كانت في السيارة مع باكو.
وحين تمتمت أسمه , قبضت الدونا ألينا على يدها , ودموع الشفقة والحزن تملأ عينيها وقالت لها:
" ذهب يا حبيبتي, عليك أن تحاولي نسيانه , وأشكري الله على أنه لم يصبح معاقا كسائر الفتيان الذين تنزل بهم الكوارث في الطرق هذه الأيام , أن كنت تحبينه لفضلت فقدانه على رؤيته معاقا...".
ولما جاءت والدتها مرة ثانية لعيادتها , سألتها أنطونيا:
" هل أنت غاضبة عليّ كثيرا؟".
" كلا , بل شاكرة لأنك نجوت".
ومرت أيام كثيرة قبل أن تقبل بواقع وفاة باكو , وغادرت المستشفى وقلبها لا يزال يفطر دم الأسى والحزن المرير , وفي يوم من الأيام , فيما هي تتناول طعام الغداء مع والدتها وخالتها , قالت لهما بعتة:
" يجب أن أذهب لزيارة والدته....".
فتبادلتا النظرات , وقالت خالتها تيا أنجلا بحزم:
" لا , يا عزيزتي , هذا لا يجوز , لأنه يجدد حزنها".
ومنذ وقوع الحادث صارت تيا أنجلا أكثر حنانا من قبل , حتى أنها أمتنعت عن توجيه كلمة تأنيب أو لوم الى أنطونيا.
وألتفتت أنطونيا الى والدتها وسألتها قائلة:
" وما رأيك أنت يا أماه؟".
فترددت الدونا ألينا بالجواب ثم قالت:
" أوافق خالتك على رأيها , فالسيدة بنيتيز لا بد من أن تحسب أنه لولا علاقتك بأبنها باكو , لما حدث له ما حدث.......".
وتعاونت الأم والخالة على أقناع أنطونيا بأن من الحكم أن ترجىء زيارة عائلة باكو الى شعار آخر.
وبعدذلك بنحو شهر , كانت أنطونيا تمر قرب حانوت الزهور في شارع ديل كوديللو بوسط المدينة , أذا بها تلمح السيدة بنيتيز مقبلة نحوها ترتدي السواد من رأسها الى قدميها , وفوق شعرها شال من الحرير الأسود .
منتديات ليلاس
ولم تكن أنطونيا وحدها بل كانت تتسوق برفقة صاحبتها أمباروفيدال وتذكرت أنطونيا تحذير خالتها لها بأن أقل أشاعة عن كيفية وقوع الحادثة سيضر بسمعتها فقالت لأمبارو:
" أرجوك أن تسبقيني الى حانوت الأحذية , وسأتبعك عما قريب بعد أن أتحدث قليلا الى هذه المرأة المقبلة نحونا ".
وأدركت أن السيدة بنيتيز رأتها وعرفتها , فأمتلأت عيناها بالدموع وقالت لها:
" أغفري لي , يا سيدتي.....".
فقاطعتها السيدة بنيتيز قائلة بقساوة:
" لن أغفر لك وكيف تجرؤين على التحدث الي , أيتها الفتاة الشريرة ! أنت السبب في فقداني ولدي , حذرته من أن لا خير ينجم عن صداقته لك , وكان قطع علاقته بك لولا ملاحقتك أياه من دون حياء... يقولون أن أسبانيا أصبحت بلادا ديمقراطية الآن , ولكن يبدو أن الأغنياء لا يزالون ينعمون بخيراتها , فهم قادرون على شراء الحلول لمشاكلهم , بينما نحن الفقراء علينا أن نتحمل كل المتاعب... أوه , ها هو الباص!".
وهرعت السيدة بنيتيز نحو الباص تاركة أنطونيا في ألم وحيرة من أمرها ,ولم يقتصر سماع كلام السيدة على أمبارو , بل تعداه الى المارة.
فسألتها أمبارو قائلة:
" ماذا جرى ؟ وما معنى الكلام الذي وجهته اليك هذه المرأة ؟".
وصعب على أنطونيا أن تلفلف المسألة , فقالت لأمبارو:
" أنا آسفة يا أمبارو... أحس بصداع ويجب أن أعود الى البيت".

نيو فراولة 13-05-11 05:58 PM

وأومأت الى تاكسي , على أمل أن تنسى صاحبتها ما جرى , ولكن أمبارو أشتهرت بالثرثرة , فلم تمض بضعة أيام حتى دخلت تيا أنجلا الى غرفة أنطونيا , وهي في فورة غضب , وقالت لها:
"بذلت أنا وأمك جهودا جبارة لأخفاء الفضيحة ... ولكن تبيّن لي أن من المستحيل الأحتفاظ بالسر طويلا , فالجميع هنا في أوساطنا يتحدث عنها.....".
" وماذا يقولون؟".
" تماما كما توقعت أن يقولوه , وهو أنك فقدت كل حظ بزواج معقول".
" أنا لا أريد الزواج على الأطلاق , بعد أن مات باكو".
" هذا هراء ! وكيف تقضين بقية أيامك من دون زوج وأولاد؟".
" أفكارك لا تزال قديمة , يا خالتي..... فالنساء يعملن في هذه الأيام كالرجال, وأظنك تذكرين أنني أردت أستئناف دراستي الجامعية بعدما توفي والدي , ولكنك أقنعت أمي ألا تسمح لي بذلك".
" أنت لست مؤهلة للعمل في الحياة العامة... ثم أن الجامعات تغص بالمشاغبين وبمن لا خير فيهم!".
وخرجت تيا أنجلا من الغرفة تاركة أنطونيا تفكر كيف كانت الحال تختلف عما عليه الآن لو كان والدها على قيد الحياة , عندها لم تكن مضطرة الى لقاء باكو في الخفاء , لأن والدها لم يكن ليمانع في علاقتها به , ثم أن والدها من الذين لا يرفضون باكو على أساس أنه ثري أو من طبقة أرستقراطية , فهو حين كان على فراش الموت لم يتمالك الخدم من القول , بعضهم لبعض:
" دون جون مختلف عن البشر , ذلك لأنه لم يكن يئن ويتذمر , بل بقي الى آخر يوم من حياته مبتسما ورافضا أن يخضع للداء الفعال الذي كان يعانيه".
وكان يقول لأنطونيا:
" الحياة تظل قصيرة وأن طالت , فحاولي ألا تهدريها يا عزيزتي , كل يوم له قيمته , أستمعي للموسيقى. أذهبي وتمتعي بمرأى الأعمال الفنية في متحف الفنون الجميلة , تلذذي بالطعام , أبتسمي للناس , ولا تنتظري أن يبتسموا لك أولا , وحين يقع أحدهم في غرامك وتستجيبين له لا تتوقعي أن يكون كامل الأوصاف , فكما أنك لست كاملة الأوصاف فكذلك هو , وأذا تفهمت هذا الأمر جيدا سعدت في حياتك".
وبعد ذلك , شعرت أنطونيا أن والدها ,حين أسدى اليها تلك النصيحة الأخيرة , كان يفكر بأمها التي كانت تشكو من نقص فظيع , وهو عجزها عن الوقوف في وجه أختها الكبرى.
ولا تذكر أنطونيا أن والدها ووالدتها تشاجرا يوما , ولكنها كانت دائما تعرف أن وجود خالتها أنجلا في البيت كان يعكر صفوه , ذلك لأن والدها جون مارلو لم يكن مهيأ بنشأته للمشاركة في الروابط الحميمة التي تشد أفراد العائلات الأسبانية بعضهم الى بعض , حتى أن الرابط بين الأخت وأختها قد يبغ من المكانة أحيانا بحيث يتساوى مع الرابط بين الرجل وأمرأته.
ولم يكن والدها يتحرر من مداخلات خالتها أنجلا في شؤونه العائلية ألا عندما يكون في المنزل الريفي , فهي في فالنسيا كانت دائما تتصرف كما لو كانت سيدة البيت , وتعارض أية محاولة لتغيير أو تعديل العادات الموروثة أبا عن جد.
ومن ذلك أنها هي التي أصرت على أن تتلقى أنطونيا دروسها في البيت مع أحدى قريباتها التي ولدت معاقة فلم تستطع الذهاب الى المدرسة , على ذلك لم يمنع أنطونيا من معاشرة أولاد آخرين , ألا أن هؤلاء جميعا كانوا من الوسط الذي تعيش فيه العائلة , والذي لا تنبت فيهالأفكار والعادات الجديدة بالسهولة التي تنبت بها في المدارس والجامعات , وبعد الغداء جلست أنطونيا الى جانب كال وهو يقود السيارة الى المنزل , وتبعتهما والدتها بسيارة خالها تيو , وكان كال يسأل الدونا ألينا أذا كانت تسمح لأنطونيا بركوب السيارة الى جانبه , فوافقت من دون تردد , وأمضى كال معظم الطريق صامتا ,ولكن بعدها أطلا على الجبل الشامخ الذي يظلل منزله الصيفي قال لأنطونيا فجأة:
" في وسعك الأحتفاظ بالمنزل وكل ما يحتويه أذا شئت!".
" ماذا تعني بكلامك هذا؟".
" أريد أن أتزوجك , كنت عازما أن أطلب يدك المرة الماضية , ولكنني خفت ألا تصدقي بأنني أعني ما أقول , أنا من الذين يتخذون قراراتهم بسرعة , فمنذ الساعة الأولى أدركت أن المنزل هو الشيء الذي أريد , وفي يوم واحد أدركت أيضا أنك أنت الفتاة التي أبحث عنها, والآن بعد مرور شهر على ذلك لم أغير رأيي.......".
ومال بالسيارة الى جانب الطريق وأطفأ المحرك ونظر اليها وجها لوجه وقال:
" زواجنا يقتضي أن نسكن في أنكلترا , ولكننا سنجيء الى أسبانيا عدة مرات في السنة , وبما أنك تحسنين اللغة الأنكليزية , فلا تجدين صعوبة في التكيف على الحياة في موطن والدك".
وأمسك كال بيديها اللتين كانتا متشابكتين قليلا في حضنها ورفعهما بيديه الكبيرتين وقال:
" هل تروق لك فكرتي؟".
" لا أعلم , لم أكن أنتظرها... ولم يخطر ببالي أنك وقعت في غرامي".

نيو فراولة 13-05-11 08:04 PM

فأبتسم قائلا:
" لم أقع في غرامك... عبارة كهذه تجعلني أشعر بأنها تنطوي على قفزة في المجهول , قد ينجم عنها نتائج وخيمة , ولذلك أؤثر أن أنمو في حبي لك , خصوصا وأننا نحب الأشياء ذاتها ونشعر بالميل واحدنا نحو الآخر".
وأحنى كال رأسه الى الأمام وعانقها عناقا سريعا , وحين عاد الى جلسته السابقة كانت عيناه الزرقاوان قد أزدادتا بريقا , وقال لها:
" هل أزعجك ذلك؟".
" كلا!".
" كنت أنوي أن أقترح عليك الزواج هذه الليلة , ولكنني لم أستطع الأنتظار , وبما أنني كنت واثقا مما عزمت عليه , رأيت أن أقدم من دون أبطاء , غير أنني لا أتوقع أن تجاوبيني اليوم , فأمامك وقت للتفكير في الأمر".
وأدار محرك السيارة وأستأنف السير وهو غارق في الصمت , وما أن وصلا الى مدخل المنزل حتى كادت تزول الهزة التي أحدثتها المفاجأة , وفيما هي تفرغ أشياءها من الحقيبة في غرفة نومها , أخذت تفكر في كل ما يقدمه لها كال , وأحست بأن الغد قد لا يكون متجهما كما كانت تتخوف.
كان عليها فقط أن تقبل به زوجا لها , فتحتفظ بالمنزل الريفي وتذهب للسكن في أنكلترا بعيدا عن تيا أنجلا , حيث تتصرف كما يحلو لها , بمنأى عن أنتقاداتها ومداخلاتها , فلو كان حبه لها عشقا وولها , لشعرت أن من الخطأ الزواج به وهي تعلم حبها له لن يتعدى المودة الخالصة , أما وأن له , على ما يبدو , نظرة واقعية الى الزواج , فلا داعي لأن تساورها المخاوف في هذا الشأن , ودخلت والدتها الغرفة وسألتها قائلة:
"هل أعجبتك الرحلة مع السيد برنارد , يا عزيزتي؟".
منتديات ليلاس
وجهت اليها هذا السؤال وعلى وجهها ما يدل على أنها أدركت السبب الذي حمل كال على طلب السماح له بالعودة الى المنزل ترافقه أنطونيا .
فقالت لها أنطونيا:
" طلبني للزواج يا أماه!".
" هذا ما تمنيته , فهو أهل لك يا أبنتي , وأنا أعتقد أنك ستكونين أسعد حالا مع زوج أنكليزي, فأنت تشبهين والدك , ولا تشبهينني ألا قليلا... سأفتقدك كثيرا , ولكنك لا ريب ستقضين وقتا طويلا هنا بعد زواجك".
" يبدو لي أنك واثقة من قبولي طلبه".
" بالطبع , فمن الجنون ألا تفعلي , فهو يتمتع بجميع الصفات التي تؤهله للزواج بك , حسن منظره , غناه , شبابه , ولا شك عندي أن والدك كان يوافق عليه.... ولكن لو كنت مكانك لتركته ينتظر جوابك بعض الوقت".
" هل أخبره بقضية باكو؟".
" وماذا يفيد ذلك؟ الماضي لا محل له في المستقبل , السيد برنارد لن يخبرك عن النساء اللواتي تعلق بهن في حياته!".
وفي مساء اليوم التالي ردت أنطونيا الجواب الى كال وهما يتمشيان على ساحل البحر عند موريرا , وهو ميناء صغير لصيادي السمك , قالت له:
" فكرت في ما أقترحته البارحة , أنا لست مغرمة بك , وأنما أحبك وأظن , كما قلت أنت البارحة , أن ذلك أفضل أساس يقوم عليه الزواج ".
وهنا أخرج كال من جيبه خاتما من الماس وقال لها:
" أذن , هل تسمحين لي بأن ألبسك الخاتم؟".
" نعم , يا له من خاتم رائع الجمال , هل هو خاتم تتوارثه العائلة؟".
" كلا , لا شيء كهذا تتوارثه عائلتنا , يمكن لك أبداله أذا كان لا يعجبك , فهو من الزمرد , كما قيل لي".
" لن أبدله , فهو يعجبني جدا... وهل كنت واثقا بأنني سأجيب على طلبك بالأيجاب؟".
" لم أكن واثقا على الأطلاق , وكيف لي ذلك؟".
وقبّل كال يدها قائلا:
" سأبذل جهدي في سبيل أسعادك , يا أنطونيا".
" وأنا كذلك".
منتديات ليلاس
وفي ذلك المساء , حين تركهما خالها ووالدتها بعد العشاء , توقعت منه أن يضمها اليه كما جرت العادة بين خطيبين , ولكن كم كانت دهشتها حين لم يغتنم كال الفرصة لتقبيلها , وأنما قال:
" سألتني قبلا أذا كان الخاتم تتوارثه عائلتنا , فأجبتك كلا , والآن أظن أنه يجب أن أوضح أن خلفيتي العائلية تختلف كثيرا عن خلفيتك العائلية , كان جدي يشتغل في المناجم , وولدي أخترع آلة جنى منها أرباحا طائلة فأنفق في سبيل تعليمي , وهو الآن يسكن بعد موت أمي في منزل ريفي في لرايتون مع أمرأة تدعى مايزي لي كانت تعمل في أحد مقاهي لندن , أما أنا فأسكن في شقة بلندن , لأن هذا يلائمني حتى الآن , ولا شيء مثل هذا ينتظرك في أنكلترا , لأننا حينما نذهب الى هناك , علينا أن نبحث عن مسكن وأترك لك أمر أختيار أثاثه".
ولم يثبط ذلك من عزيمة أنطونيا , بل شعرت بأن لا شيء تفضله عليه.

نيو فراولة 13-05-11 08:05 PM

وتابع كال كلامه قائلا:
"لي أخت أسمها لورا تسكن في شقة بلندن , ولها من العمر 25 عاما وهي مطلقة , أنت وأياها على طرفي نقيض , ولذلك فلا أظن أنكما ستتصادقان , وعلى كل حال , فليس من الضرورة أن تري وجهها ألا لماما".
" ماذا تعني بقولك أننا على طرفي نقيض؟".
" هي أيضا تتمتع بثقافة واسعة , ولكنك لا تلاحظين ذلك , فهي تسب وتشتم وتدخن وتشرب أكثر مما ينبغي , وأذا أعجبها رجل , فلا تتردد في مغازلته , أنت قادرة على مساعدتها , ولكنها ستحاول جهدها على ما أظن , أن تثيرك وتشاكسك".
فسألته أنطونيا قائلة:
" وهل يوافق والدك على زواجنا , وأنا نصف أسبانية؟".
" بالطبع , وهو سيعجب بك في الحال , ولكنني أخشى أن تجديه فظا قاسيا , لورا تخجل من أنتمائها الى عائلة وضيعة, أما أنا فلا , ورأي الناس لا أحفل ب , بل أحفل فقط برأي الذين لا يتأثرون بسوابق الأنسان , وأنما بمواهبه الحسنة".
وذكّرها كلامه هذا بوالدها مرة أخرى , ووجدت في الشبه بينهما ما يريح بالها ويطمئنها , وقبل أن تنام تلك الليلة , ضمها كال اليه برفق كما فعل في السيارة أمس , ولم يخيب أملها كبح جماح عواطفه , أذ أنها آثرت أن يطيل أرجاء ذلك ما أمكن.
وفي غضون الأسابيع الثمانية التي أنقضت على خطوبتهما , لاحظت أنه لا يترك فرصة تمر دون أن ينظر اليها بعينين زرقاوين تنضحان رغبة , ألا أنه كان يكبت عواطفه ويتصرف بأنضباط شديد , وقبل حفلة زواجهما بست وثلاثين ساعة , ذهبا الى مطار فالنسيا لملاقاة والده وشقيقته , وفيما هما جالسان ينتظران وصول الطائرة , جاء رجل وأمرأة وجلسا قربهما وأخذا يتعانقان علانية دون خجل , وتجنبت أنطونيا النظر اليهما , ولكنها لم تتمالك من أنتلمحهما مرة أو مرتين وتعجب كيف أنهما لا يباليان بأجتذاب الأنظار الى تصرفهما , وسألها كال قائلا بهدوء:
" هل هذا يزعجك؟ دعينا أذن ننتقل من هنا".
فأجابته أنطونيا :
" أستغرب تصرفهما هكذا أمام الأنظار ... ألا أن ذلك لا يزعجني الى هذا الحد.... هل أبدو لك أنني أتصنع الحياء؟".
" كلا , وألا لما أردت أن أتزوجك , ولكنني على ثقة بوجود جمر تحت الثلج , وأن قليلا من الحشمة أكثر أثارة من أطلاق العنان للغرائز ... على الأقل قبل الزواج".
ومع أنهما تحدثا عن أمور أخرى خطيرة تتعلق بالزواج , كرغبة كال في عقد قرانه في الكنيسة , فقد كان الكلام على الرجل والمرأة الجالسين بجوارهما أبعد ما توصلا اليه في الكلام على العلاقة الحسية.
وقال لها كال بصوت ناعم أقرب الى المغازلة مما سبق:
" هل هناك نار تحت الثلج, يا أنطونيا؟".
فشعرت بالأحمرار يصعد الى وجهها , فأجابت متلعثمة :
" لا , لا أدري.......".
" وكيف يكون غير ذلك , وفي كل حال , هنا في فالنسيا الباردات قلائل , وأما العشاق الذين لا يحسنون المغازلة فكثيرون!".
وهنا أعلن عن وصول الطائرة , فقال كال:
" أظن أن خالتك , حتى في هذه المرحلة من علاقتنا , لا توافق على أن أحدثك بمثل هذا الحديث!".
وكان والد كال رجلا جسيما وأقصر قامة من ولده , له شعر كث خطه المشيب , وعينان لا يعوزهما الدهاء , فقال لكال وهو يصافح أنطونيا:
" أخترت لنفسك أجمل فتاة رأيتها يا أبني".
ومع أن كال وصف أخته لورا وصفا سيئا , ألا أن أنطونيا أحبت أخته لورا , ربما لأنها أعجبت بطريقة لبسها وتصفيف شعرها.
وفيما بعد , حين دلّتها أنطونيا على غرفة نومها وتركتها تستحم وتبدل ثيابها أستعدادا لتناول طعام الغداء , قالت لها لورا :
" أنت تظهرين أصغر سنا مما أنت في الحقيقة , وأنا آمل أن تتمكني من العيش مع كال , فهو رجل من الصعب تطويعه!".
فقالت لها أنطونيا :
" أنا لا أريد تطويعه , بل أرضاءه!".
" يبدو لي أنك من الوداعة وسهولة الأنقياد بحيث تبعثين فيه الضجر....".
" أصحيح هذا؟ أنت تعرفينه أكثر مني , ولكنني لم ألاحظ عليه أمارات الضجر!".
فقالت لورا بشيء من التهكم:
" لم يكن بيني وبين زوجي السابق أية مشكلة خلال الستة الأشهر الأولى من زواجنا ,فالمشاكل حدثت فيما بعد!".
وفي اليوم التالي , عشية حفلة الزواج , أنهمكت أنطونيا في الأستعداد لها , وكان عليها أن تنهي كتابة رسائل الشكر على الهدايا التي تلقتها من الأقارب والمعارف وسواهم , وكان المنزل يغص بالضيوف من سائر أنحاء أسبانيا , وبما أن سام برنارد وأبنته لورا لم يكونا يعرفان الأسبانية , فكان لا بد من بذل مزيد من الجهد لئلا يشعرا بالغرابة.

نيو فراولة 13-05-11 08:06 PM

وكانت هدية كال لأنطونيا حلقا من الماس , فرحت به كثيرا لجماله وغلاء ثمنه , فكان يتلألأ من خلال حجابها المطرز وهي تهبط السلم بثوب العرس الأبيض الضيق الخصر , ذي الفتحة المنخفضة عند الصدر , وسافر العروسان كال وأنطونيا الى أنكلترا على متن أحدى طائرات شركة الطيران الأسبنية المسماة أبيبريا.
وما أن أقلعت الطائرة حتى قال لها:
" لو كنت محلك يا حبيبتي لأخذت قسطا من النوم الآن , أما أنا فأطالع كتابا أحمله في حقيبة يدي".
وأغمضت أنطونيا عينيها وهي تشعر أن أعصابها متوترة الى حد لا تستطيع عنده النوم, ودهشت حين فوجئت به ينحني نحوها ويقول لها:
" حان أن تستيقظي يا حبيبتي , فستهبط الطائرة بعد قليل".
وكانت الشمس مشرقة وهما في طريقهما من المطار الى وسط لندن, فكانت هذه أول مرة تقع عينا أنطونيا على وطن والدها ومكان سكناها الجديد.
وكانت أمتعة كال تقتصر على حقيبتين , بخلاف أنطونيا التي كانت تنقل عدة حقائب , وحين وصلا الى الفندق وجدا شقتهما جاهزة , فصعدا اليها , وكانت تتألف من ممر وغرفة نوم وغرفة أستقبال , وحمامين , أحدهما خاص بالسيدات والآخر بالرجال.
منتديات ليلاس
وقال لها كال وهما يخرجان أمتعتهما من الحقائب ويعلقانها في الخزائن:
" كلما أسرعت في تذوق الطعام الأنكليزي كان خيرا لك , وبما أننا لم نتناول الطعام في الطائرة , فأغلب الظن أنك جائعة الآن".
وكان كال على حق , خصوصا فيما يتعلق بأنطونيا , أذ كانت حقا تشعر بالجوع , ولجهلها أنواع الطعام الأنكليزي أختار لها كال شرائح من اللحم المحشو باللوز والعسل والتفاح , فلتذذت بها كثيرا , ثم تناولا الحلوى والقهوة , فيما كان كال يحدثها عن الأماكن السياحية التي سيريها أياها في المستقبل.
ووجدت أنطونيا صعوبة في التركيز على فهم ما كان يحدثها به , أذ كان خاطرها مشدودا الى الفراش الواسع الفخم الذي يتوسط غرفة نومهما في الفندق.
ولكن كم كانت دهشتها شديدة حين قال لها وهما خارجان من المطعم:
" الساعة لم تبلغ التاسعة بعد , فما رأيك في أن نتمشى قليلا ".
" كما تريد...".
" سأصعد الى الغرفة وأجلب لك معطفك".
وفيما هي تنتظر عودته , أخذت تسأل نفسها لماذا أقترح القيام بهذه النزهة , فهي لم تكن تشعر بالرغبة في النوم باكرا , ولكنها أستغربت كيف أن كال لم يستعجل العودة الى غرفة النوم.
ورجع كال يحمل معطف الفرو الذي كان هدية من خالها تيو يواكين لمناسبة زواجها , فأمسكه بيديه وأخذ يساعدها في أرتدائه .
وقالت له أنطونيا:
" ألا تحتاج أنت الى معطف؟ فثيابك , كما أرى , رقيقة لمثل هذا النوع من الطقس".
فأجابها:
" لا أحتاج الى معطف ألا حين يكون الطقس باردا جدا".
وخرجا من بوابة الفندق وأنعطفا يمينا حول زاوية الشارع , وقال لها:
" هذا شارع سلون الذي سترتادينه كثيرا في المستقبل لشراء ملابسك".
وفجأة أمسكها بيدها اليسرى ومشى الى جانبها متأبطا ذراعها , وكانت يده ساخنة كأنما كان الطقس في عز الصيف , مما جعل أنطونيا تشعر بحيويته ورجولته.
ولم يظهر عليه ما يدل على ضيق الصدر , حين كانت أنطونيا تتوقف بين الحين والآخر أمام واجهات المخازن , بل كان يشجعها على ذلك ويشير الى الملابس التي يظن أنها تلائمها.
منتديات ليلاس
وتابعا سيرهما في الشوارع المتفرعة من الشارع الذي يقع فيه الفندق, وكانت أنطونيا تعجب كل العجب بما تراه في الحوانيت من بضائع جميلة تفوق حد الوصف , حتى أنها دونت على الورقة عناوين الحوانيت التي ترغب في االعودة الى زيارتها في االمستقبل , ومن حيث لا تدري , شعرت بالراحة لأول مرة ذلك النهار , وحين أقتربا من الفندق في طريق عودتهما اليه , أدركت أنطونيا لماذا أقترح كال هذه النزهة سيرا على الأقدام , وتبادلا النظرات وهما يبتسمان , وشدّ كال على يدها بعطف فشعرت أنها أقل غربة مما كانت عليه من قبل , وأن كال صديق مخلص يبذل كل جهد لتسهيل الأمور لها.
ولكن عندما دخلا الفندق وصعدا بالمصعد الى غرفتهما , تذكرت أنطونيا ماذا ينتظرها تلك الليلة , فعاد الأنقباض اليها أشد مما كان .
وفتح كال باب الغرفة ووقف مفسحا لها طريق الدخول وهو يقول لها:
" أريد أن أستحم".
وأومأت بالأيجاب وأن كان حلقومها جافا من شدة التوتر , فلم تشأ أن تتكلم لئلا يلاحظ , وفي غرفة النوم خلعت عنها معطفها وعلقته في الخزانة , ثم أخرجت ملابسها الليلية ورمقت كال بنظرة في المرآة , وكان كال خلع سترته , وشرع يفك ياقته بهدوء وأتزان , وتلاقت نظراتهما , فحولت أنطونيا عينيها ونهضت مسرعة نحو غرفة الحمام.
وفيما هي تستحم تساءلت كم أمرأة عرفها كال من قبل , وماذا يتوقع منها هي , وتطلعت الى جسمها في مرايا الجدران , وقالت في نفسها أن هذا الجسم لم يعد لها وحدها , بل له هو أيضا ,وبعث هذا الشعور قشعريرة عنيفة في قلبها.

نيو فراولة 13-05-11 08:07 PM

وكان كال سبقها الى غرفة النوم وجلس في كرسي وهو يرتدي ثوب الحمام الأبيض , وسارت أنطونيا الى المرآة , فجلست قبالتها وأخذت تسرح شعرها , وكان من الصعب عليها أن تتصرف على نحو طبيعي وهي تعلم أنه يراقبها , وحين شرعت تنزع الدبابيس من شعرها وتسرحه بالفرشاة سارع كال اليها قائلا:
" دعيني أسرحه لك".
وأخذ كال الفرشاة من يدها ووقف خلفها وراح يسرح شعرها الطويل , وبعد حين رمى بالفرشاة جانبا وجلس قربها قائلا:
" لا تفزعي مني يا أنطونيا".
ووضع يده على وجهها بلطف وأداره وعانقها برفق.
فأرتجفت يداها تحت يديه وأغمضت جفنيها , فهي أن لم تستطع أن تستجيب اليه , فبأستطاعتها على الأقل أن تستسلم اليه , ولكن الأستسلام أصعب مما ظنت , فبعد عدة لحظات , تزايدت سطوته وهو يعانقها.
وفجأة توقف وجلس مسترخيا وهو يتنفس بسرعة , وكانت عيناه تبرقان بريقا غريبا قاسيا , حين قبض على معصمها ووضع يدها على صدره وأخذ يضغطها على قلبه الخافق ويقول:
" هذا ما تفعلينه بي يا أنطونيا!".
وكان قلبها يسرع في خفقانه أيضا , ولكن ليس للسبب نفسه , وتراجعت قليلا , فقال لها:
" ما أجملك يا حبيبتي!".
فلو كانت تحبه لأثارها هذا الكلام , أما وهي لا تحبه , فقد أقلقتها شدة عاطفته وجعلتها تنفر منه , وكم كانت الحال بخلاف ذلك حين كان باكو ينظر اليها.
فما كان منها ألا أن نهضت مذعورة وأسرعت الى الفراش وأرتمت عليه وهي تشهق بالبكاء وتصيح:
" باكو ..... باكو!".
وهنا قبض كال على كتفها وأدارها اليه بقساوة وأخذ يحدق اليها بعينيه الزرقاوين الباردتين كالصقيع , ثم أنتهرها بصوت يتهدج غضبا وقال:
" من هو باكو اللعين هذا؟".

نيو فراولة 13-05-11 08:09 PM

2- خطوبة ثانية


لم يلمس أحد أنطونيا بغضب من قبل , وأذا كانت أمها , في مناسبة من المناسبات القليلة , وجهت اليها ضربة تأديبية خفيفة فهذا من الماضي البعيد ولم يعد محفوظا في ذاكرتها , والمهم في معاملة كال القاسية لها , ليس الألم الذي أحست به في كتفها , وأنما عنصر المفاجأة الذي أنطوت عليه تلك المعاملة.
وفيما هي مستلقية على الفراش لعريض , تجفّف دموعها وتضبط عواطفها , مالت نظرته عن وجهها نزولا ببطء الى كامل جسمها , غير أن ذلك لم يغير على الأطلاق ملامح وجهه القاسية , وقال مرددا هذا السؤال بوجه عابس متجهم:
" من هو باكو؟".
فجلست أنطونيا ومسحت الدموع عن خديها بأناملها وأجابت:
" مات ,كنت مغرمة به , وهو مغرم بي , غرام حب لا أكثر ولا أقل , لم يكن صالحا للزواج بي , في نظر أفراد عائلتي!".
فلم يغه كال بكلمة وأنما نهض فجأة وأجتاز الغرفة الى خزانة ثيابه , فأخرج محارم من الكتان وعاد فوضعهما في يد أنطونيا.
" خير لك أن تستلقي الآن".
منتديات ليلاس
ثم خرج كال الى غرفة الجلوس , وحين عاد الى غرفة النوم كان يحمل في يده كأسا من الشراب , فناولها أياه وعاد الى أغلاق الغرفة , ثم جلس على كرسيه وقال:
" يبدو أنني كنت ساذجا , فأخذت كل شيء على علاّته!".
" ماذا تعني؟".
" ظننت أنك ستتعلمين فن الحب من زوجك مثلما كان شأن الفتيات فيما مضى , ولكن يبدو لي أنهن , حتى في أسبانيا......".
فقاطعته أنطونيا قائلة بصوت خافت:
" أنا.... باكو لم يمسنس مطلقا".
فقال لها كال:
" ولكنك كنت مغرمة به , ولا تزالين!".
فلم تنكر ذلك , فقال :
" أما كان يجب أن تخبريني بهذا الأمر منذ البداية؟".
" لم أعتبره أمرا هاما , فلو قلت لي أنن تحبني لكان من واجبي أن أخبرك بالأمر , ولكنك لم تلفظ هذه العبارة.... حتى في يوم زواجنا هذا !".
فوقف كال على قدميه بعصبية ظاهرة وراح يذرع الغرفة ذهابا وأيابا , ثم قال:
" نعم , لم أقل لك أنني أحبك , لأنني لست واثقا بمعرفتي ما هو الحب , فهو شيء دارج ومألوف , ولكنه في نظري لا يعني شيئا كثيرا!".
توقف قليلا , ثم نظر اليها مليا وقال:
" بي شوق شديد لأبقى معك الآن , وحين ألتقيتك , شعرت أنني وجدت فتاة رائعة الجمال , رفيعة التهذيب , حادة الذكاء تربي أولادي حسب السلوك وبالمقابل كنت مستعدا أن أكون زوجا أمينا وأبا حريصا على هناء عائلته , وبدا لي أن هذا أساس صالح لزواج سعيد لا يتزعزع , والآن عليك أن تذكري لي الأسباب التي دفعتك الى الزواج بي".
وكانت أنطونيا من التعاسة بحيث لم تدرك أن هناك أسبابا من الخير ألا تفصح عنها , فقالت:
" شعرت بميل اليك , ورأيت مع أمي أنني أكون أكثر سعادة مع زوج أنكليزي , وكنت أتوق الى أن يكون لي بيت خاص بي..... وهكذا أبعد عن خالتي".
منتديات ليلاس
ولاحظت أنطونيا أن عينيه تلمعان بالغضب , ولكن صوته كان هادئا حين قال:
" الشر الذي تعرفينه ولا الخير الذي لا تعرفينه , أما هكذا يقول المثل؟ ولقد قد تجدينني سيدا أقسى في معاملتك من خالتك تيا أنجلا".
فأجابته بلطافة:
" لا أظن ذلك".
ورأت أنطونيا بسعة حيلتها التي ورثتها من والدها جون مارلو أن هنالك وسيلة واحدة للخروج من هذا المأزق الذي وجدت نفسها فيه , فنهضت من الفراش وذهبت اليه , حيث كان واقفا وقالت:
" أنا آسفة يا كال , كان هذا النهار متعبا ومرهقا جدا , وأما الآن فتحسنت حالتي , فأرجوك أن تسامحني".
ووضعت يدها على صدره ووقفت على أصابع قدميها وعانقته , فأخرج كال يديه من جيوبه , ولكن ليس لأحتضانها بذراعيه بل لأبعادها عنه بشيء من القساوة , وقال لها:
" هذا لا يجدي نفعا يا أنطونيا , أنا أريد زوجة تكون لي من كل قلبها , لا زوجة تقوم فقط بواجبها نحوي....".
" ولكنني سأكون زوجتك بكل قلبي".
فرفع كال حاجبا وقال لها:
" بكل قلبك؟ لا أظن أن بوسعك أن تدّعي ذلك!".
" عليك أن تساعدني , فكيف لي أن أتحمس لشيء لا أعرفه بعد , أما قلت لي قبلا أن علي تعلّم الحب من زوجي؟".
وتأمل وجهها قليلا قبل أن يجيبها بقوله:
" نعم , وكنت مستعدا تحت ظروف غير هذه الظروف , أن أعلمك , أما الآن فكيف لي ذلك وأنت مغرمة بشخص آخر ؟ وكيف لا أشك وأنا أبادلك الحب بأنك تفكرين بذلك الشخص وتتخيلين أنه هو يعانقك لا أنا....".
وقبل أن تجيب تابع كلامه قائلا:
" هذه الليلة سأنام على أحد المقاعد في غرفة الجلوس , فأذهبي أنت الى الفراش ونامي هناك .... لربم أصبح صافي الذهن غدا صباحا.... فهذا النهار , كما قلت كان مرهقا".
ومرّ من أمامها الى السرير وأخذ واحدة من المخدتين , ثم ودّعها وخرج من الغرفة وأغلق بابها وراءه.

نيو فراولة 13-05-11 08:10 PM

وأستيقظت في صباح اليوم التالي وهو يهزّ كتفيها برفق ويقول :
" طلبت لك طعام الفطور , وسيحضر خلال ربع ساعة".
ولم يكن يلبس ثوب الحمام , بل بيجاما من الكتان بدون قميص وفيما هو يسير متجها الى الحمام , رأت أنطونيا لأول مرة ظهره العاري فتذكرت في الحال ظهر حصان أصيل , وتعجبت كيف يكون له مثل هذه العضلات وهو ينفق معظم وقته في الطائرات ووراء طاولات أجتماعات.
نهضت من الفراش وسارت الى خزانة الثياب وأخذت منها رداء من الحرير الملوّن بلون الزهر ,وفي غرفة الحمام الخاصة بالسيدات أستحمت تاركة عملية التجميل والتزيين الأعتيادية الى ما بعد طعام الفطور , ثم عادت الى غرفة النوم لتسريح شعرها فسمعت صوت الخادم وهو يجر عربة الطعام.
وكان كال طلب الطعام لهما معا , فأكلا بصمت , وحرصت أنطونيا على تركيز نظراتها على صحن الطعام أمامها , ولكنها كانت , بين الحين والآخر , تلاحظ أن كال يراقب حركاتها , فتساءلت أذا كان قد أنتبه الى أن جفونها لا تزال متورمة من كثرة البكاء في اليلة الفائتة.
ففي تلك الليلة لم تنم ألا في ساعات الصباح الأولى وفيما كانت مستيقظة شعرت بالندم لعجزها عن السيطرة على نفسها وهي بين ذراعي كال , فهي لو فعلت لتجنبت المأزق الذي سبّب تلفظها بأسم باكو , ولكانت الآن تتناول الطعام مع عريسها بأطمئنان وأنشراح , وكأنما قرأ كال أفكارها , فقال لها فجأة :
" ليتك تخبريني المزيد عن هذا الشاب الذي يدعى باكو , قلت أنه توفي , فكيف كان ذلك؟".
" قتل في حادث سيارة".
" كم طالت معرفتك به؟".
" مدة قصيرة .... لا تزيد على ستة أشهر".
جوابا على أسئلته سردت أنطونيا عليه قصتها مع باكو من بدايتها الى نهايتها , ومما قالته أنها كانت في السيارة مع باكو , وهما في طريقهما الى الفرار من وجه والدتها , أذ أعتقدت أن ذلك ربما حملها على الفوز بزواجها ممن تحب , وكان باكو فتى نشيطا وذكيا , فلم يكن من الصعب على خالها أن يجد له عملا أفضل بكثير من العمل الذي يقوم به , فقال لها كال:
" لا أريد أن أقلّل من شأن عاطفتك الجامحة نحو الشاب , فالحب الأول يكون دائما مصحوبا بمثل هذه العاطفة خصوصا أذا لاقت مقاومة من الأهل , ولو كنت مكان أمك وخالتك لتركتك وشأنك وبذلك تنطفىء شعلة ذلك الحب شيئا فشيئا........".
ووضع كال سكينه وشوكته على الصحن أمامه وأسند ظهره الى الى الكرسي وتابع قائلا:
" وهذا ما سيحدث مع الأيام , قد تطول وقد تقصر , وسترين كيف ستنسين الماضي كلّما توثّقت علاقة واحدنا بالآخر , والآن أعدك بأنني لن ألمسك ألا أذا أنت رغبت في ذلك , وسنعيش معا كما لو بعد خطيبين ".
وفجأة لمحت في عينيه الدفء والدعابة اللذين عهدتهما فيهما , من قبل , فشعرت بالراحة والأطمئنان , ثم صرفا بقية النهار في التسوق والتنزه , ولما رجعا الى الفندق كانت أنطونيا شاهدت القصر الملكي وأماكن سياحية أخرى تثير الدهشة لفخامتها وروعتها وقيمتها التاريخية الجليلة.
وفي المساء أصطحبها كال الى المسرح الوطني , ثم الى أحد المطاعم المحببة اليه, ولدى عودتهما الى الفندق قالت له أنطونيا وهما في المصعد الى غرفتهما:
" أرجوك يا كال أن تدعني أنام على المقعد لأنني أقصر منك قامة , ونم أنت في السرير , فليس من العدل أن تتحمل أنت وحدك كل هذا العناء".
" المقعد لا يزعجني أبد".
" وأن يكن , ليتك تجيبني الى طلبي فأشعر بمزيد من الراحة".
" هل أنت متضايقة؟".
" نعم ,فلولاي لما كنا في الحالة الشاذة التي نحن فيها ..".
" اللوم لا يقع عليك وحدك , بل عليّ أيضا , لأنه فاتني أن أدرك أن الطريق الى قلبك لم يكن سهلا ممهدا كما ظننت".
" وكيف ذلك؟".
" تذكرين أنني أخبرتك , عندما تلاقينا لأول مرة , كيف وصفك أحدهم لي , ثم قلت لك بعدئذ أنني تعجبت لماذا لم تسأليني من هو الذي وصفك لي , وكان عليّ أن أفهم أن المرأة لا تكون غير مبالية للمديح ألا أذا كان قلبها مليء بحب رجل واحد".
وتوقف المصعد , فخرجا الى الممر وسارا الى باب غرفتهما , وفيما هو يدير المفتاح في القفل , قالت له أنطونيا:
" والآن قل لي , من هو الذي وصفني لك؟".
وقف كال مفسحا لها مجال الدخول , وكانت غرفة اللوس مضاءة بنور خافت , والستائر التي أسدلت في غيابهما أشاعت الدفء في الغرفة , مما جعل أنطونيا تسرع الى خلع معطفها , وفيما هي تفعل ذلك شعرت بكال يمد لها يد المساعدة , قال لها:
" هو رجل فرنسي , الذي وصفك لي , ويدعى روجيه , ألتقاك أنت ووالدك في أحد المؤتمرات التي عقدت في فالنسيل السنة الماضية".
" مع الآسف لا أتذكره".

نيو فراولة 13-05-11 08:11 PM

وألقى كال المعطف على أحد الكراسي , ووضع يديه على كتفيها قائلا:
" كان على حق في وصف عينيك , فالحدقتان كالعسب الغامق الصافي , ولكنه نسي أن يصف فمك , وأذنيك وعنقك الرائع وكنت أتأمل في هذا كله عندما كنا في المسرح".
وكان ظهره الى القنديل , فلم تستطع أنطونيا أن تتبيّن ملامح وجهه في العتمة , غير أن نبرة صوته أثارت شعورا غريبا في أحشائها ... فقالت له:
" قلت لي أنك أعجبت بالمسرحية".
" نعم , ولكنني كنت أجد النظر اليك من حين الى آخر , أجمل من متابعتها".
ورفع يديه عن كتفيها , من دون أن يتراجع الى الوراء وقال:
" وعدتك ألا أغازلك , ولكنني لم أعدك بألا أتغزل بك , وأنني أنوي أن أفعل ذلك ما أستطعت , على أمل أن يأتي يوم لا يعود فيه الكلام كافيا لك , وحين يأتي ذلك اليوم , فسأحلق ذقني وأستحم في الليل , أما الآن فسأستمر على عادتي , فأفعل ذلك في الصباح .... أعطني عشر دقائق لأبدل ثيابي وأستعد للنوم , قبل أن أضع الغرفة كلها تحت تصرفك".
وكانت لا تزال في الحمام , حين ناداها قائلا:
" تصبحين على خير يا أنطونيا".
ولم تستسلم أنطونيا الى النوم بسهولة , وعندما أفاقت في الصباح شعرت بالراحة والأنشراح , فنهضت من فراشها وفتحت الباب بهدوء.
منتديات ليلاس
كان لا يزال نائما , وكان منبطحا على بطنه ويده مطوية تحت صدره , فرأت أنطونيا وجهه , ولما أخذت تتأمل ملامحه وجدت أنه وهو نائم أكثر دعة منه وهو في حال اليقظة , وكانت الساعة بلغت الثامنة , وهو الوقت الذي يستفيق فيه عادة , فأنحنت عليه قائلة بصوت خافت:
" كال..... حان وقت نهوضك ... كال.... كال".
فتحرك كال على ندائها وأخرج من فمه صوتا يدل على تضايقه , فقالت له:
" الساعة الثامنة يا كال!".
فأخذ كال يتقلب في فراشه دون أن يفتح عينيه وقال:
" عودي الى فراشك وأهدأي يا أمرأة!".
ومد ذراعا نحوها , ولو لم تكن قد أنتصبت واقفة لطوق خصرها , ولكن ذراعه الآن لم تستطع الوصول ألا الى ركبتيها , فشدّها اليه حتى وقعت فوقه , فمد ذراعه الأخرى وأحتضنها فصاحت به:
" كال....... أنا أنطونيا....".
ففتح كال عينيه , ولما رآها أرخى ذراعه وتركها تقف على قدميها وتسرع راجعة الى غرفة النوم , وفيما هي تستحم وتتجمّل وتتزيّن , كان كال لبس ثيابه وتهيأ لتناول طعام الفطور , وحين خرجت من غرفة النوم الى غرفة الجلوس , أستقبلها كال بترحاب وأجلسها الى المائدة وهو يحييها تحية الصباح.
وكان كال طلب نسخة من جريدة الصباح , فأعطاها القسم الذي تهتم بقراءته النساء , وأحتفظ بالقسم الآخر , ولكن أنطونيا لم تكن قادرة في ذلك الصباح على حصر أفكارها , وتساءلت أذا كان كال يتمتع بالقراءة كما يتظاهر , ونظر اليها كال من فوق صفحات الجريدة وسألها أذا كانت تتلذذ بطعامها , فأجابته بالأيجاب , ولما عاد الى متابعة القراءة , وجدت نفسها تسأله فجأة:
" من ظننت أنها توقظك هذا الصباح؟".
فنظر اليها متأملا قبل أن يجيبها قائلا:
"لا يمكنك أن تظني أن رجلا في مثل سني لم تكن له علاقة حميمة ".
" كلا , أعرف ذلك , ولكن بدا لي أنك تحب تلك التي حسبتني أنها هي".
فأجابها ببطء:
" لا , لا أحبها , سعدنا بمعاشرة واحدنا للآخر وقتا من الزمن , ولكن لا مبرر لشعورك بالغيرة منها , فيجب أن تتأكدي أنني لم أعشق أمرأة واحدة في حياتي , مثلما أعشقك يا حبيبتي".
وبعد تناول طعام الفطور أخبرها أن عليه القيام بعدة مخابرات تلفونية , وأقترح عليها أن تذهب الى السوق وحدها , وكان كال أعطاها بعض المال وأخبرها أنه بعد وقت قليل سيفتح لها حسابا خاصا في المحلات التجارية الكبرى , ولكنها , في الواقع , لم تشتر سوى أشياء بسيطة , ففكرة أنفاق أموال كال , حين لم تكن أمرأته بالفعل , جعلها تشعر بالضيق والكآبة.
منتديات ليلاس
ولذلك , فعندما رجعت الى الفندق قال لها كال:
" حسبت أنك سترجعين بأكوام من العلب, ماذا جرى؟".
" لم أجد أنني بحاجة الى شيء الآن".
ثم قال لها عندما كانا يتغديان في المطعم:
" آسف أنني أهملك بعض الشيء , ولكن هل تعتقدين أن بأمكانك تسلية نفسك اليوم بعد الظهر ؟ فلدي مشكلة مستعجلة فوجئت بها , ومن الضرورة أن أهتم بها بنفسي".
" كيف لا ؟ فبأمكاني التجول في المدينة وقتا من الزمن , ثم أعود الى الفندق".
وركبا في التاكسي معا الى سوق المدينة , حيث أفترقا على أن يلتقيا في أحد الفنادق القريبة من شارع بوندستريت وقال لها كال:
" قد تجدين من الصعوبة الحصول على تاكسي في ذلك الوقت من النهار".
فأجابت:
" ألا يمكنني أن أستقل قطار تحت الأرض؟".
" أفضل ألا تفعلي ذلك , فهو غير نظيف ومزدحم بالركاب وفيه بعض الأحيان أناس غير مرغوب فيهم".
" أنا لست طفلة يا كال , ثم أنني أتكلم الأنكليزية".
" وأن يكن , من الأفضل أن تبقي فوق الأرض!".

روح الغالين 13-05-11 10:59 PM

يعطيك الف عافية يا نيو فراولة وبصراحه انتي اختياراتك لروايات اللي بتكتبيها صح لانه بعض الروايات تكون يا ناقصة او انه تصوير مش واضح وانا راح انتظر لما تنتهي من روايتك حتى اقراها وراح ابدا بقرات روايتك العاطفة الانتقامية وبصراحه رواية العاطفة الانتقامية تخلي الواحد يفكر ليش البطل بيكره البطلة شوه سبب كرهه وليش لما هو بيكرها شغلها عنده خخخخ البطل عليه حركات اما بالنسبة لهاي الرواية حلوه بس اعتبر البطلة غبيه لانه الواحد ما يقتل نفسة او يدفن نفسه مع حب ولى وراح وندفن مع الايام لازم الواحد يعيش يومه وانطونيا راح ضيع كال من ايدها علي حب انتهى ههههه يا حلاتي لما اتكلم لساني ينطق درر

بنيتي بنيه 14-05-11 07:06 AM

يعطيك الف عافية يا نيو فراولة الروايه جميله :rdd12zp1::98yyyy::re4:

نيو فراولة 14-05-11 10:11 AM

ثم ودعها منصرفا , بعد أن قبّل يدها , وسارت أنطونيا الى محلات مارك أندسبنسر الشهيرة , فدخلتها وسط جمهور الزبائن وأخذت تتفرج على البضائع , غير أن أفكارها كانت مع كال وهو في طريقه الى المدينة.
وفجأة سمعت وسط وابل من اللغات حديثا باللغة الأسبانية , فعاودها الحنين الى مسقط رأسها , ولكن لا الى المكان الذي تعيش فيه خالتها , بل الى أماكن أخرى في فالنسيا , حيث كانت تلتقي باكو وتنعم برفقته , فهل يتلاشى حبها له مع الأيام , كما تنبأ كال , فلا يعود ذكره يثير فيها الألم؟
وخرجت من محلات مارك أندسبنسر وأخذت تتجول في الشارع الى أن أحست بالتعب , فجلست في مقهى على الرصيف نحو نصف ساعة , تناولت خلالها فنجانا م القهوة وفكرت مليت بزواجها وبالنساء اللواتي مررن في حياة زوجها , وسألت نفسها من يا ترى تكون تلك المرأة التي أمرها كال , وهو نصف نائم , بأن تعود الى الفراش وتلزم الهدوء؟
وفجأة سمعت صوت أمرأة تقول لها:
" لا تقلقي يا عزيزتي , فكل شيء يزول بالغسيل!".
ولما أمتلكت كامل وعيها أدركت أن تلك المرأة كانت تقاسمها الطاولة , وهي أمرأة بدينة كانت تتسوق , كما بدا جليا من العلب الكثيرة المكوّمة على الكرسي قربها , وكانت المرأة تهوى الثرثرة , فلم ينقض وقت طويل حتى سردت لأنطونيا نصف سيرة حياتها , وحين ألتقى كال وأنطونيا في الموعد المحدد , أخبرته بحادث المرأة فقال لها:
" وجهك عليه ملامح الرقة والعطف , وألا لما تحدثت اليك تلك المرأة بشؤونها الخاصة".
وأدركت أنطونيا أنه كان عليها أن تبدأ بسؤاله عن المشكلة التي ذهبت لمعالجتها , فأستدركت قائلة:
" هل أنهيت معالجة المشكلة؟".
" المشكلة؟ آوه , نعم , نعم , كل شيء صار على ما يرام... هل ترغبين في مزيد من الطعام؟".
" كلا , شكرا".
ومرّ ببالها ألا يكون هنالك مشكلة على الأطلاق , ولكنه أختلقها ليخلو الى نفسه بعض الوقت , أو ليجتمع بأمرأة أخرى , من يدري؟
وكان هذا الخاطر غير أعتيادي لفتاة في اليوم الثالث من زواجها , ولكن زواجها لم يكن أعتياديا , أضف الى ذلك أنها ترعرت في مجتمع لا تزال العذرية فيه ذات شأن , وهو أمر يسري على الأناث دون الذكور , وقال لها كال:
" ما بال سحنتك تغيّرت هكذا؟".
فأجابت بدهشة:
" تغيّرت؟".
" نعم , تغيّرت كمن يشم رائحة كريهة!".
" يا للغرابة! كنت أفكر في ثوب رأيته في أحد الحوانيت".
" أذا كان أعجبك , فلماذا لم تشتريه؟".
" لم يكن يلائمني".
وفي ذلك المساء ذهبا الى حضور مسرحية أخرى وكانت أنطونيا هي التي أخذت هذه المرة , نرمق بنظراتها جانب وجه كال الذي كان جالسا الى جانبها.
ولاحظ كال ذلك فأبتسم ومدّ يده الى يدها , فأمسكها وأحتفظ بها في يده , وبعد حين أخذ يداعب أناملها وهو منصرف الى مشاهدة المسرحية , حتى خيّل الى أنطونيا أنه يداعبها من دون أن يعي ذلك ,وأدركت أنه من السخف أن تنصرف عن مشاهدة المسرحية الى مثل هذه المداعبة التافهة من زوجها.
وأستمر كال في تحريك أصابعه في كف يدها , وكم كانت دهشتها شديدة حين شعرت في أحشائها بالرجفة ذاتها التي شعرت بها في الليلة الفائتة , كان كال في أعتقادها يعي تماما ما يفعل, ويعرف ما كان يثيره ذلك في أحشاءها.
وهمت أنطونيا بأنتزاع يدها في يده , ولكن الستارة أسدلت على الفصل الثاني من المسرحية , فكان على كال أن يفلت يدها ليشارك المشاهدين في التصفيق.
وأقترح كال أن يخرجا ال مقهى المسرح لناول كوب من الشراب , وسمحت له بأن يذهب وحده أذا شاء , فقال لها:
" لا رغبة لي أنا أيضا في شيء.... هل تروق لك المسرحية؟".
عرفت أنطونيا ماذا يعني, فهو لا يعني المسرحية وأنما مداعبته لها , فتجاهلت الأمر وأجابت:
" نعم , أنها مسلية وممتعة , ألا ترى ذلك؟".
وفيما بعد لم تتذكر تماما ماذا جرى خلال عرض الفصل الثالث من المسرحية , لأنها كانت خائفة من أنه سيعود الى مداعبتها كما فعل من قبل , فهي لم تكن تألف هذا النوع من المداعبة بالأصابع , وأعتبرته مزعجا ثم أنها لم تنظر بعين الرضى الى رجل يعلم أنها لا تحبه , ومع ذلك يحاول أن يثير فيها شعورا تخجل به لأنه لم يكن جزءا من شعورها الكامل بالحب , وتذكرت كيف أنه سألها عندما ينتظران قدوم والده وشقيقته في مطار فالنسيا , أذا كان هنالك نار تحت الثلج , وكيف أنها في ذلك الوقت فكرت بأنه من يستطيع أطفاء اللهيب الذي أشعله باكو في قلبها , وبعد أن تناولا طعام العشاء توقف التاكسي بهما خارج الفندق , حيث كان هناك رجل في منتصف العمر مع رفيقته الحسناء , وعندما نزل كال من التاكسي عرفه الرجل وصاح به:
" كال برنارد , كيف حالك ؟ وصلت اليوم بالطائرة ,وكنت سأتصل بك غدا".

نيو فراولة 14-05-11 10:12 AM

فصافحه كال قائلا:
" أهلا بك يا أيرفنغ , هذه مفاجأة سارة , لم أكن على علم بأنك ستحضر الى هنا".
" جئت على غير موعد , أسمح لي أن أقدم لك ليزا".
فصافحته ليزا بصوت عال ومدت اليه يدا تغص بالخواتم والأساور , وألتفت كال الى أنطونيا وقال لها:
" هذا أيرفنغ هاربر يا حبيبتي , وهو صديق من أميركا".
ثم قال لايرفنغ:
" أقدم لك أنطونيا , تزوجنا البارحة".
فصاح أيرفنغ بلهجة أميركية:
" تزوجتما؟ لم أكن أتوقع منك أن تتنازل عن حريتك يا كال , ولكن حين أنظر الى السيدة برنارد أدرك لماذا فعلت ذلك".
ومدّ يديه الأثنتين لمصافحتها مهنئا وقال:
" كنت سأدعوكما الى قضاء بقية السهرة معنا , ولكن أذا كنتما تزوجتما البارحة فلن يرحب كال بدعوتي هذه".
منتديات ليلاس
قال ذلك وضحك ضحكة عالية , وكذلك رفيقته الحسناء , ثم قال:
" ومع ذلك دعنا نجلس هنيهة ونضرب موعدا للقائنا , بعد عودتي من باريس وميلانو!".
فوافق كال على هذه الفكرة , فدخلوا جميعا الى مقهى الفندق ونزعت ليزا عنها معطفها , فظهر كتفاها العاريتان , وكانت ساقاها في جزمة جلدية ذات كعب عال , وحقيبة يدها مطعمة بالفضة , قامتها مكتنزة , حتى أن ثوبها كاد ينفجر!
وقالت لأنطونيا , فيما الرجلان يتحدثان عن مسائلهما المالية:
" من أي جزء من أسبانيا أنت يا أنطونيا؟".
" من فالنسيا , هل تعرفين أسبانيا؟".
" لم أزر فالنسيا , زرت ماريبلا وتوريملينوس , فسحرني جمالهما , كم أحببت الحياة هناك , فبالأمكان قضاء النهار كله تحت تلك الشمس الرائعة ثم التأخر في تناول طعام العشاء وقضاء السهرة في العراء..".
أخرج أيرفنغ علبة السكاير من جيبه , وتذكر السيدتين فقدم لأنطونيا سيكارة فقالت:
" شكرا , أنا لا أدخن".
وأما ليزا فتناولت سيكارة بأناملها ذات الأظافر الطويلة المصبوغة باللون الزهري , فأسرع كال وأشعلها لها , وتطلعت ليزا اليه شاكرة , ثم أخذت تجيل فيه نظراتها كأنما أعجبها , فعجبت أنطونيا كيف أن أمرأة تنظر الى رجل مثل هذه النظرات بحضور أمرأته ... ولاحظ كال نظرات ليزا فقابلها بعدم أكتراث , ثم نظر الى أنطونيا وأبتسم لها فحسبت لوهلة أن في عينيه ما يريد أن يوصله اليها , وهو أنه يعتبرها أجمل بكثير من تلك المرأة الشقراء المدّعية التي كانت ترحب به في غرفتها لو أنها ألتقته قبل أن تلتقي أيرفنغ أو أي رجل آخر , وبعد حين ألتفت اليها أيرفنغ وقال:
" والآن علينا أن نتابع طريقنا... . معذرة على أزعاجكما في شهر العسل".
فأبتسمت أنطونيا وقالت له:
" أنا غريبة في لندن , وأبنتك أخبرتني أين يحسن بي أن أجد حاجياتي , فوفّرت عليّ كثيرا من الوقت والجهد".
فأرتبك أيرفنغ لكلامها وقال:
" يسرني أن أسمع ذلك ,آمل أن نلتقي قريبا فأتعرف عليك أكثر , ربما الشهر المقبل , أكرر تهاني بزواجكما يا كال , أنت رجل محظوظ .... محظوظ جدا".
وفي المصعد , وكال أنطونيا في طريقهما الى الغرفة , سألته أنطونيا:
" لماذا تبتسم؟".
" تذكرت الملامح التي برزت على وجه أيرفنغ عندما أشرت الى المرأة التي يصطحبها على أنها أبنته!".
" من هي أذن ؟ زوجته؟ أعذرني يا كال على هذا الخطأ الذي أرتكبته".
" ولا هي زوجته , وأشك أنه عرفها قبل هذه الليلة , ثم أن لهجتها ليست لهجة أميركية أصيل , وأغلب الظن أنها من سكان لندن".
" هل تقصد أنها ساقطة؟".
" أن لم تكن كذلك , فهي ترتدي ملابسها كالساقطات".
" هل أيرفنغ هاربر متزوج؟".
" تزوج مرتين وطلّق".
منتديات ليلاس
" ولكنه قال أنه وصل الى لندن البارحة , فأين يستطيع أن يجد أمرأة كهذه بمثل هذه السرعة؟ هل في الفندق مقهى تؤمه النساء اللواتي عل شاكلتها؟".
" كلا , هذا النوع من النساء لا يتردّدن على الفنادق وحدهن , غير أن مدير الخدم في كل فندق كبير , غالبا ما يتولى تزويد أي نزيل عند يطالب بأمرأة ترافقه , أعرف هذا بالسمع لا بالخبرة!".
قال كال هذه العبارة الأخيرة بلهجة ساخرة , وقالت أنطونيا تعليقا عليها:
" لم يخطر ببالي أنك تفعل ذلك !".
" لماذا لا؟".
" لأن صديقك هذا ليس رجلا وسيما , بينما أنت رجل وسيم جدا , فلا حاجة بك الى أستئجار أمرأة , والبرهان على ذلك نظرات ليزا اليك , فهي كانت على أستعداد لمعاشرتك مجانا!".
" أشك في صحة كلامك , فأنا لم أعرف أكثر منها جشعا في الحصول على المال , ولكنني أشكرك على مديحك لي فمنذ نحو يومين كنت أحسب أنك تعتبرينني قبيحا , ويبدو لي الآن أن أمورنا تتحسن !".

نيو فراولة 14-05-11 10:13 AM

وهنا وصلا الى شقتهما , وهمت أنطونيا بأجتياز غرفة الجلوس الى غرفة النوم فأستوقفها كال ونزع عنها معطفها ورمى به جانبا وقال:
" جرت العادة أن يودّع الرجل خطيبته بعناق".
وأمسكها بيد واحدة وسار بها الى المقعد , ثم جلس الى جانبها وطوّقها بذراعيه , كان عناقه رقيقا هادئا كالعادة , وخشيت أنطونيا أن يثور أن هي أبدت أي ممانعة , فأستسلمت اليه من دون أية عاطفة.
وفي تلك الليلة , وهي آخر ليلة لهما في الفندق , سألها كال قائلا:
" نريد خدما للبيت , فهل يمكن أن نجد رجلا أسبانيا وزوجته؟ ربما نكون أكثر راحة في الوقت الحاضر مع أمرأة أسبانية في المطبخ".
فأجابت أنطونيا:
" بكل تأكيد , ولكن هذا يعني أننا سنأكل طعاما أسبانيا , ألا تفضّل الطعام الأنكليزي؟".
" لا يهمني نوع الطعام أذا كان شهيا".
وفيما هو يتكلم تناول سماعة الهاتف وأدار رقما , ودهشت حين ناولها السماعة .
فأخذتها من يده وقالت متسائلة:
" مع من تريدني أن أتكلم؟".
" مع والدتك , أذا وجدتها في البيت".
وكانت أنطونيا في أيام والدها تحضر أحيانا حين كان يتحدث على الهاتف مع أحدهم في بلاد أخرى ,ولكنها لم تتحدث بنفسها مرة واحدة , وكم كانت دهشتها شديدة عندما وجدت أن صوت والدتها واضح كل الوضوح , وقبل أن تنتهي المخابرة أشار اليها كال بأنه يريد أن يتحدث الى حماته , وبعد أن تحدث وأغلق الخط , قالت له أنطونيا :
" أشكرك على هذه الفكرة يا كال!".
" كان يجب أن تخطر لي في اليلة الأولى من زواجنا , لا شك في أن والدتك كانت تسر أذا علمت في ذلك الوقت أننا وصلنا الى هنا بالسلامة ,ولكنني أظن أنها تسامحت وغفرت لنا تقصيرنا لأن العروسين عادة يكونان منشغلين عن الآخرين في الأيام الأولى من زواجهما".
" نعم أوافقك على ذلك".
وفي غضون الأسبوع الثاني من شهر العسل , كان الطقس رائعا , فذهبا في عدة رحلات سياحية الى الأماكن الأثرية في أنحاء البلاد.
فقال لها:
" ألا يمكنني أن أجعل قلبك يزداد خفوقا ولو قليلا؟".
قال ذلك وفمه قرب أذنها , ويده تمتد الى موضع القلب , وكان أمتنع من قبل أن يلمسها في مكان حميم , فلماذا فعل ذلك الآن ؟ أحست بأن قلبها أخذ يترنح في صدرها , وأذ أنشغلت بمشاعرها فأنها لم تشعر بأصابعه تحاول فك ثوبها , وراح يداعبها ويضمها اليه بحماسة شديدة , فما كان من أنطونيا ألا أن حاولت التملص منه وهي تصيح:
" أرجوك , يا كال!".
فأفلتها كال في الحال وقال لها:
" نعم ذهبت الى أبعد مما وعدتك".
ولمحت أنطونيا في أبتسامته أيمانا أكيدا بأنه سيتغلّب على ممانعتها في يوم قريب , وقال لها:
" والآن أذهبي الى فراشك يا حبيبتي".
ونهض واقفا على قدميه وهي تنسحب بهدوء الى غرفة النوم , وبعد هذه الحادثة , مالت أنطونيا الى الأعتقاد بأنها ستتغلب على عقدة حبها لباكو أذا طالت خطبتها لكال , أو أذا تمكن كال أن يضبط عواطفه جيدا , أما الآن فهي بين نارين! نار الحكمة التي تقضي بقبول واقع زواجها , ونار رفض الأستسلام الى رجل لا تحبه ولو كان زوجها , وفي الصباح , وهما يتناولان طعام الفطور , قال لها كال:
" أظن أن علينا اليوم أن نبحث عن شقة مفروشة لنقيم فيها بضعة أشهر ريثما ننتهي من تجهيز مسكننا الدائم".
ولم يأت وقت الظهر حتى كانا شاهدا ثلاث شقق , لم تعجبهما أية واحدة منا , وبعد الغداء , أخذهما السمسار الى رؤية مسكنين , فكانت النتيجة أن كال أعجب بواحد منهما , فقررا أستئجاره وسأل السمسار أذا كان بأمكانه أن ينتقل اليه غدا , فأجابه بالأيجاب .
شهر أيار ( مايو ) شهر جميل في أنكلترا , فالأشجار مبرعمة ومورقة , وزهور الليلك تملأ السفوح والأودية , وقد سرّت أنطونيا كثيرا بربيع تلك البلاد , كما سرت بمعالمها الأثرية العديدة , وجنائنها الغناء المترامية الأطراف , وتمتعت أنطونيا بحضور الأوبرا , وسحرها ما يحيط بدار الأوبرا في العاصمة البريطانية من جنائن تفوق الوصف , وفي أحدى المرات , بعدما حضرت هي وكل الأوبرا الشهيرة زواج الفيغارو ذهبا الى المطعم لتناول العشاء , وفيما هما جالسان الى المائدة , لاحظت أنطونيا أن أمرأة جالسة الى مائدة مجاورة ترمقها بأهتمام بالغ , وحسبت أنطونيا أن شيئا ما فيها جذب اليه تلك المرأة , أو لعلها ألتقتها في مكان ما , وكانت المرأة ترتدي السواد وتجلس مع خمسة آخرين , وفجأة أقبلت المرأة نحوها وقالت :
" مساء الخير يا كال".
وكان صوتها خشنا لكثرة التدخين , ونهض كال يرد لها التحية قائلا:
" أهلا بك يا ديانا , كيف حالك؟".
" أنا بخير , وأنت؟".
" وأنا كذلك , شكرا".
وألتفت الى أنطونيا قائلا لها:
" أقدم اليك ديانا وبستر , فلو كنت أقمت هنا مدة أطول لعرفت أنها وراء عدد كبير من الفائزين بجوائز في برامج التلفزيون".

نيو فراولة 14-05-11 10:14 AM

فقاطعته ديانا بقولها لأنطونيا:
" كيف حالك ؟ يبدو لي أنك قادمة من خارج أنكلترا".
" نعم , من أسبانيا".
" ماذا جاء بك الى أنكلترا؟".
أسرع كال الى الجواب عنها فقال:
" أنا جئت بها الى هنا , وهي ليست مثلك ذات مهنة ما , فهي زوجتي".
فحملقت ديانا بعينيها الرماديتين وقالت:
" صحيح؟ متى حدث ذلك؟ لم أقرأ الخبر في الصحف".
" تزوجنا في أسبانيا , ولم نجد من الضرورة أذاعة الخبر في الصحف هنا".
" ولكن يسر أصحابك ومعارفك أن يأخذوا علما بهذا الحدث المدهش".
وألتفتت الى أنطونيا وقالت لها:
" الحدث الآخر الوحيد الذي يعتبره الأصحاب والمعرف مدهشا هو أن يسمعوا بخبر زواجي أنا.... والآن عليّ أن أعود الى رفاقي , ولكن آمل أن نلتقي قريبا , أكرر تهاني لكما وتمنياتي بزواج سعيد".
وفيما هي تهم بالعودة , عاد كال الى الجلوس في مكانه , وتوقعت أنطونيا منه أن يحدثها عن تلك المرأة : متى عرفها؟ وأين ألتقيا , وما الى ذلك ... كما يفعل معظم الناس عادة في مثل هذه الحال .
غير أن كال لم يقل شيئا الى أن سألته قائلة:
" لماذا يندهش الناس أذا سمعوا أن الآنسة وبستر تزوجت؟ أنا أندهشت حين عرفت أنها عزباء.... هل هي مطلقة؟".
منتديات ليلاس
" لا , ديانا ليست آنسة ولا سيدة , فهي لا تحب هذين اللقبين لأنها من دعاة المساواة بالرجل , وتقول لماذا يلقب الرجل بالسيد , سواء كان أعزب أو متزوجا , وأما المرأة فأذا كانت عزباء فتلقب بالأنسة وأذا كانت متزوجة فتلقّب بالسيدة؟ ديانا صديقة حميمة لأختي ولشدة أيمانها بالمساواة بالرجل لم تنجح في زواجها".
وبعد ذلك في طريق عودتهما الى لندن , سألته أنطونيا:
" ولماذا طلقت أختك لورا زوجها؟".
" كانت لورا تشغل وظيفة ليلية في التلفزيون , مما أزعج زوجها كثيرا جدا , وفي أحدى اليالي عادت لورا من عملها لتجده في البيت مع أمرأة فرنسية شقراء , فجن جنونها , ولكنه أدّعى أن علاقته بالمرأة لا تتعدى المودة المتبادلة ,ولم تستطع لورا حتى الآن أن تقتنع بأن اللوم يقع عليها في ما فعله زوجها , فأذا كان وقت عمل المرأة يتناقض مع وقت عمل الرجل , فيجب على أحدهما أن يتكيّف مع الآخر , وليس من الضرورة أن تتكيف المرأة دائما , ولكن في ما يتعلق بهذه القضية فقد كان على لورا أن تفعل ذلك".
فقالت أنطونيا:
" من الصعب على المرأة أن تتخلى عن وظيفة تحبها لمجرد كونها متزوجة!".
" نعم ولكن الحياة تفرض الأولويات , وكان على لورا أن تجابه المشكلة مسبقا , بأن لا تتزوج ألا رجلا لا يتعارض عمله مع تلك الوظيفة".
ومضى الآن على زواج كال أسبوعان , فقال لها كال:
" أظن أن الوقت حان للخروج من عزلنا , سأتصل ببعض الأصطاب وأعطيهم رقم تلفونا , وبعد أن ينتهوا من دعواتهم لنا الى العشاء , يمكنك بعدئذ أن تلعبي دور المضيفة".
وكان يمكن لأنطونيا أن تتهيّب هذا الدور الجديد لو لم يكن في خدمتها طاهية أسبانية تدعى روشيو وزوجها ماركوس بالأضافة الى خادمة تأتي كل صباح , والى بستاني يتولى العناية بالحديقة مرتين في الأسبوع , وهؤلاء جميعا دبرتهم وكالة للمستخدمين.
منتديات ليلاس
وأستغربت أنطونيا أن تجد نفسها سيدة بيتها الخاص ,ولها كل الحرية أن تروح وتجيء كما تشاء , من دون أن يسألها أحد أين كانت وبرفقة من؟
وأحتلت أنطونيا غرفة النوم الكبرى , بينما أكتفى كال بغرفة النوم الثانية في الطبقة نفسها , أما كيف فسّرت روشيو وزجها هذا الترتيب الشاذ , فأمر لم تستطع أنطونيا أن تتخيله , ولم تعد أنطونيا وكال يتناولان طعام الفطور معا, أذ كانت عادة كال في مجرى حياته العادية أن ينهض من فراشه في الخامسة فجرا , فيهيء طعام فطوره بنفسه , ثم يغادر البيت الى مكتبه في الثامنة , قبل أن يحضر أحد من مستخدميه.
وكان يقول لأنطونيا:
" لم أكن في حياتي بحاجة الى نوم طويل , ست ساعات , بل أربع أعتبرها كافية".
أما أنطونيا فكان يومها , وهي في أسبانيا , ينتهي في منتصف الليل أو بعد ذلك, ويبدأ في العاشرة صباحا حين يؤتى اليها بطعام الفطور , وبعدما أنتقلت الى السكن في لندن , رأت أن تتناول طعام فطورها في الثامنة صباحا , وأن تستحم في الثامنة والنصف.
وكل خبرتها في أعداد الطعام أنها كانت تساعد والدها في شوي شرائح اللحم , ولكنها الآن وجدت أن من الضرورة أن تتعلم طهي بعض ألوان الطعام لكي يمكنها أن تحل محل روشيو في يوم عطلتها , وفي أحد الأيام , بينما أنطونيا جالسة في الحديقة بعد الظهر , تكتب رسالة طويلة الى والدتها , أذا بلورا مقبلة اليها ,وفيما هي تري لورا البيت , ذكرت لها أنها وكال ألتقيا في أحد المطاعم صديقتها ديانا , فقالت لها لورا:
" ألم تستول عليها الدهشة حين عرفت من أنت؟".
" ولماذا تستولي عليها الدهشة؟".
" لأنها , رغم رفضها الزواج بكال , لا بد لها من الشعور بشيء من الغصة لفقدانها ميزة كونها المرأة الوحيدة التي أراد كال الزواج بها".

نيو فراولة 14-05-11 10:15 AM

3- نسيم الحب

وكانت أنطونيا ولورا صاعدتين الى غرف النوم , فقالت لها لورا :
" لا بد أن يكون عليّ أن لا آتي على ذكرها!".
فألتفتت اليها أنطونيا ورمقتها بنظرة لامبالية وقالت مبتسمة:
" ولماذا لا ؟ أظن أن كال يخبرني كل شيء عن ماضيه أذا سألته, ولكنني لا أفعل , فالماضي أقل شأنا من الحاضر والمستقبل".
وفي غرفة النوم الكبرى جالت لورا بنظرها وقالت:
" بما أنك لا تشغلين أية وظيفة , فلن يطول الوقت حتى تبدأي بأنشاء عائلة... هل تريدين كثيرا من الأولاد؟".
" أربعة أولاد يطفي , أبنان وأبنتان".
فحدقت اليها لورا بأستغراب وقالت:
" هل هذا حقا , كل ما تطلبينه من الحياة؟ زوج وأولاد؟".
" هم هدفي الرئيسي , لا كل هدفي , حين أخذني كال الى حضور الأوبرا! أدركت كم معرفتي بالموسيقى ضئيلة , وأنا أريد أن أتقن الطهي جيدا , وأن أتكلم الفرنسية بطلاقة.... فهل هذا يبدو لك أليفا ومضجرا؟".
ففكرت لورا قليلا قبل أن تجيب ثم قالت:
" كلا , لا يبدو لي ذلك أليفا ومضجرا على الأطلاق!".
ثم تابعت كلامها فقالت :
" ولكن النساء هذه الأيام يردن أن يشغلن وظيفة ما الى جانب كونهن زوجات!".
" لو كنت مؤهلة لأن أكون طبيبة أو مهندسة وما الى ذلك من المهن الحرة لفعلت , ولكن ماذا يضير المرأة أن تكون زوجة فتدير شؤون بيتها بحيث يشعر أهله بأنهم آمنون هانئون , وتقيم الحفلات العائلية المرحة , وترتدي أجمل الثياب , وتربي أولادها على حسن السلوك.. أليس في هذا العمل مساهمة ضخمة؟".
فقالت لها لورا:
" ولكن الأطفال يبعثون الضجر , فهم لا يتوقفون طول النهار عن طرح السؤالات السخيفة عن هذا الشيء أو ذاك , لي أصدقاء كادوا يفقدون رشدهم بسبب ذلك!".
أجابت أنطونيا:
" ولكن ذلك لا يدوم وقتا طويلا .... ثم أن المرأة في وظيفتها خارج بيتها لا بد أن تلتقي كثيرا من الصغار أزعاجا , وأن بطريقة أخرى".
" آه , نعم , هذا صحيح كل الصحة , ولكن مع ذلك , فأنا أتحمل الضجر من الكبار أكثر من الصغار , في كل حال , فسيساعدك أنت في تربية أولادك الأربعة خدم وعلى رأسهم مربية , مع أن لي صديقات لم ينجّهن الخدم ولا المربيات من مضايقة صغارهن , كما أن لي صديقات أخريات لا قدرة لهن على أستخدام من يساعدهن؟".
" ألا تساعدهن أمهاتهن أحيانا؟".
" في هذه البلاد الآن , غالبا ما تكون الأمهات مقيمات في مكان بعيد, وأذا كن مقيمات في المدينة ذاتها , فهن يعملن لتوفير ثمن السيارة والثلاجة!".
" قال لي كال أن الأنسان لا يمكنه الحصول على كل شيء في الحياة , ولذلك فعليه أن يختار ما يفضله على غيره!".
" نعم , من السهل على كال أن يبتدع النظريات , فهو رجل يستطيع الحصول على كل ما يريد!".
" ليس دائما , والمثل على ذلك الآنسة ديانا وبستر , فهي لم تقبل به زوجا لها , لأن مهنتها أهم منه في نظرها".
ندمت أنطونيا على أبداء هذه الملاحظة , ولكن بعد فوات الآوان , أذ أجابتها لورا قائلة:
" لم تقبل به زوجا لها , لا رفيق , فهو عاشرها ستة أشهر , ولعله هو الذي أنفصل عنها وأن كانت هي التي أشاعت أنها رفضته ,فما من رجل يشيع أن أمرأة ما رفضت الزواج , وعلى الأخص كال , على أنه لم ينكر الأشاعة , لأنه لم يشأ أن يهينها".
ووضعت أنطونيا حدا لهذا الحديث بدعوتها لورا الى تناول الشاي في الحديقة , ثم أنقضت بقية الزيارة في الحديث عن الأزياء , ومع أن أنطونيا نوت أن تكون حلوة المعشر مع لورا , ألا أنها أنشرحت حين فارقتها , وكان واضحا أن لورا لم تكن سعيدة في حياتها , وهذا ما جعلها رفيقة مزعجة.
منتديات ليلاس
على أن أنطونيا ألتقت بعد حين في ذلك النهار, أمرأة أقدر منها , فشعرت بالتجاوب معها في الحال , كانت تدعى فاني رانكن , وكان زوجها طوم رئيس أحدى الشركات , وصدف أن كانا أول من دعا كال وأنطونيا الى تناول طعام العشاء , ولما سألت أنطونيا كال عن رأيه فيهما , رفض وقال لها أنه يفضّل أن يتركها تكوّن بنفسها هذا الرأي.
وكان طوم وزوجته يقيمان في منزل قديم يصله بالطريق العام درب ضيق متعرج , وحين وصل كال وأنطونيا الى هناك , وجدا دراجة متوقفة الى جانب الرصيف , وفيما كان كال يوقف سيارته ويزيح الدراجة عن الطريق , خرجت فتاة في سن المراهقة من زاوية المنزل وقالت لاهثة:
" آسفة يا كال , أنه فردي اللعين , كان عليه أن يوقف دراجته في مكانها قبل أن يدخل لتناول طعام العشاء , زلكنه كثيرا ما ينسى أن يفعل ذلك!".

نيو فراولة 14-05-11 10:17 AM

وهمت الفتاة أن تمسك الدراجة لنقلها , ولكن كال سارع الى أمساكها وقال:
" دعيني آخذها الى الكاراج , وأذهبي أنت وأنطونيا وعرّفي بنفسك....".
وأقبلت الفتاة نحو السيارة , فنزلت أنطونيا لتحيتها , ولكن الفتاة بادرتها بالقول:
" مساء الخير أيتها السيدة برنارد .... أسمي روز وأنا أصغر أخوتي , وأخشى أن تنفقي وقتا طويلا على تمييز واحدنا من الآخر , فنحن سبعة أولاد , أربعة منهم هم الكبار , والباقون هم الصغار.... وكونك قادمة من أسبانيا , يجعلك معتادة على مثل هذه العائلات الكبيرة".
" طالما تمنيت أن أنتمي الى واحدة منها , ليس لي أخوة أو أخوات , مع الأسف".
وهنا قالت لها روز بحرارة:
" ما أجمل ثوبك.......".
" شكرا".
وتعجبت أنطونيا لقرب روز من القلب , على الرغم من أن أبناء جيلها يكونون عادة متوتري الأعصاب في حضرة الغرباء , ولكن سرعان ما أتضح فيما بعد أن حسن الضيافة والمرح هما شعار عائلة رانكن , ثم تعرفت أنطونيا على فاني في المطبخ وهي تهيء طعام العشاء مع عدد من أولادها.
وكان المطبخ كبيرا بحيث أتسع لثلاث خزائن , ولكنه لم يكن كغيره من المطابخ العصرية المصفحة بالبياض , وعندما دخلت أنطونيا أستقبلتها فاني بترحاب , فأمسكت يدها بيديها الأثنتين وصافحتها بحرارة قائلة:
" يسرني أن أتعرف اليك بعد طول أنتظار , كال صديق حميم لنا , وكم كنا نحاول أن نجد فتاة تليق به , والآن وجدها بنفسه ونحن سعداء لذلك".
وبعد حين دخل كال وطوم رانكن , فصافح كال فاني والتفت الى زوجته مخاطبا طوم:
" هذه هي زوجتي يا طوم , فما رأيك فيها؟".
" كثيرون من الناس سيرون فيها ما تراه أنت يا كال , ولكنني أتساءل ماذا رأت هي فيك........".
وأرسل ضحكة عاتية وأمسك بيد أنطونيا وقال بالأنكليزية جملة منقولة عن الأسبانية:
" بيتي هو بيتك يا أنطونيا!".
فقالت له أنطونيا وهي تحاول أن تبدو مرتاحة لذراع زوجها التي كانت تطوق خصرها:
" هل تعرف أسبانيا؟".
" قليلا , مع الأسف , ولكنني آمل أن أزيد معرفتي بها.....".
وتوقف عن الكلام لأن جرس التلفون رن في مكان ما في المنزل , ثم قال لأبنه ديفي البالغ من العمر نحو أحدى عشر سنة , وكان معه بعض القشطة بالمخفقة:
" أعتني بالسيدة برنارد يا ديفي ".
فقال كال لديفي:
" شراب البرتقال لي ولزوجتي , يا ديفي , ونكون لك من الشاكرين".
وقالت فاني:
" السيد فلتشر وزوجته سيصلان الى هنا قريبا , دعونا ننتقل الى غرفة الجلوس".
وعلى الرغم من أن غرفة الجلوس تختلف من حيث الشكل عن غرفة الجلوس في المنزل الريفي , ألا أنها ذكّرت أنطونيا بها , وفي أثناء السهرة أتيح لها أن تتأمل تفاصيل الغرفة , فوجدت أن الشبه بين الغرفتين يكمن في السجاد القديم , ولكن الرائع الجمال , الذي كان يفرش الأرض , وفي رفوف الكتب واللوحات الفنية المعلقة على الجدران , وفي أواني الخزف الصينية وستائر الكتان , وكان السيد فلتشر وزوجته أصغر سنا من السيد رانكن وزوجته ,ولكنهما كانا أكبر سنا ما أنطونيا , أما السيد فلتشر , ويدعى روس , فكان من عمر كال وأما زوجته , تدعى ليلياس , فكانت على الأرجح في أواخر العشرينات من عمرها .
وفيما كان الجميع جالسين حول مائدة الطعام , سألت ليلياس أنطونيا قائلة:
" أين ذهبتما لقضاء شهر العسل , أيتها السيدة برنارد؟".
فقالت لها أنطونيا:
" أرجوك أن تناديني بأسمي الأول ..... جئنا الى لندن لقضاء شهر العسل , فعلى الرغم من أن والدي أنكليزي , ألا أنني لم أزر هذه البلاد بعد , ولذلك فضلت أن أقضي شهر العسل في التعرف على ما أمكن من المعالم الشهيرة في أنكلترا".
وكم كان دهشتها عظيمة حين رأت أن الجميع ضحكوا لكلامها , فقالت لها فاني:
" لا أظن أن كال بوجودك يأبه لأن يرى أي شيء آخر!".
فقالت أنطونيا:
" وعلى كل حال , فهنالك أسباب مختلفة جعلتنا نختصر شهر العسل رسميا , ولكن عما قريب سيكون لنا شهر عسل آخر أطول من هذا , وعندئذ سأختار أين سنقضيه".
قالت هذا الكلام ونظرت بأبتسام الى كال , وهنا قالت ليلياس لزوجها روس:
" أما نحن فلم يكن شهر عسلنا موفقا , فقد ذهبنا لقضاء أسبوعين في مكان ما في الريف , فلم يتوقف المطر طوال تلك المدة , كما أننا أصبنا بزكام حاد , فبدل أن تفوح مني رائحة النساء كانت تفوح مني رائحة الدواء".
وشعرت أنطونيا بالأرتياح حين أنتقل الحديث من الكلام عن شهر العسل ألى اكلام عن البيوت , فسألها روس أين يسكنان , ولما علم أنهما يسكنان مؤقتا في لندن , أراد أن يعرف هل تفضل السكن في الأرياف أم في لندن , فأجابت:
" لا فرق عندي , الأمر لكال".

نيو فراولة 14-05-11 10:18 AM

فخاطب روس ليلياس وفاني قائلا:
" هل سمعتن هذا الكلام من زوجة حديثة العهد بالزواج؟ وأنت يا كال أغتنم هذه الفرصة وأفعل ما تريد الآن , ففرصة خضوع عروسك لأوامرك لن تطول , فبعد سنة أو سنتين تنقلب الآية وتصبح أنت خاضعا لها في كل شيء!".
فقال له كال:
" الحق عليكم في خضوعكم لزوجاتكم , لأنكم لم تأخذوا طريق الحزم منذ البداية , فالنساء مثل الخيول , يعوزهن فارس!".
وهمت ليلياس بالأجابة على هذا التحدي , فسارعت فاني الى الكلام قائلة لها:
" لا تجيبي على هذا التحدي يا ليلياس, سمعت كال يردد هذا الكلام من قبل , ولكن من قبل الأثارة لا أكثر ولا أقل , قد يكون في أعماله التجارية عنيدا حازما , ولكنني واثقة أنه في حياته الخاصة سيكون كالختاتم في خنصر أـنطونيا".
فقال كل:
" هذا غير صحيح , ولا أظن أن أنطونيا تريدني أن أكون كالخاتم في خنصرها , فالمرأة الحقيقة تأبى أن تكون مع الرجل على قدر المساواة , فهي تريده أن يقود لكي تتبع , وأن يتخذ القرارات الهامة ويترك لها القرارات الثانوية , وأن يكون هو الذي يأمر عند الضرورة وهي التي تطيع".
وقال طوم:
" هل علمت يا أنطونيا أن زوجك رجل متعصب لجنسه , قبل أن تتزوجيه , أم أن حركة التحرر النسائية لم تصل بعد الى أسبانيا؟".
وقبل أن تجيبه أنطونيا سارع كال الى القول:
" لسوء الطالع أن معظم المساوىء التي تشكو منها أوروبا الشمالية تنتشر في أسبانيا بسرعة البرق , كالعدمية والمشاكل الصناعية والأعلانات التلفزيونية التي تجعل الناس يعتقدون أن السعادة رهن بتحصيل المال وأنفاقه , وأنا لا علم لي بتأثير حركة التحرر النسائية في أسبانيا ,ولكنني أعلم أن معظم الفتيات نفحة من البراءة , وأن الشباب بفضل التجنيد الألزامي يتمتعون بالرجولة التي غالبا ما يفتقدها شباب سائر البلدان ".
وبعد الأنتهاء من تناول طعام العشاء عاد الجميع الى غرفة الجلوس التي يمكن الخروج منها ال غرفة واسعة يستعملها الأولاد عادة للرقص في الحفلات , وما أن شربوا القهوة وأخذوا يتجاذبون أطراف الأحديث , حتى نهض كال من كرسيه وذهب الى حيث وضعت الأسطوانات وسأل فاني قائلا:
" أتسمحين لي بأن أستمع الى أسطوانة؟".
" بكل تأكيد !".
فوضع الأسطوانة وأدارها وأقبل نحو أنطونيا , وكانت تصغي الى حديث بين المرأتي من دون أن تشترك فيه , وقال لها باسطا ييده :
" تعالي نرقص".
ولم تكن رقصت معه من قبل وكانت الموسيقى هادئة ناعمة فما أن دخلا حلبة الرقص حتى أحتضنها بين ذراعيه وراح يراقصها بشغف.
وعلى الرغم من كعب حذائها الطويل , فقد جعلها كال تبدو صغيرة وعاجزة أمام قوته أذا ما شاء أن يستخدمها , وهو قد لا يفعل ولكن حين قال على مائدة الطعام أن النساء بحاجة الى فارس , كان بريق القساوة لا الدعابة فحسب في عينيه , ولذلك مالت الى الظن أن فاني كانت على خطأ حين أعتقدت أنه كان ينبغي الأثارة لا أكثر ولا أقل , ولم يكن كال كالرحلين الآخرين في السهرة , فمع أنها كانت تجهل سيرتهما , ألا أنها حسبت أن أجدادهما عاشوا حياة ترف ورفاهية عشرات السنين , في حين أن الزمن الذي يفصل كال عن شظف العيش في مناجم الفحم لا يتعدى الجيلين , وشعرت أنطونيا كذلك أن الحيوية الكامنة في كال أستهلكت في الرجلين الآخرين بفعل عدة أجيال من الرخاء الموروث , فهما يوفران الرغد والحماية لذويهما ما دام العالم الذي يعيشون فيه يسير في طريقه الأعتيادية , غير أن كال كان من الرجال الذين يحتفظون بقدرتهم على توفير الحياة الكريمة للذين في عهدتهم , وأذ وجد نفسه معزولا في القفار أو في الأدغال , يبقى على قيد الحياة في حين يموت الآخرون , لأنه لا يستسلم ما بقيت فيه ذرة من القدرة على الأحتمال , ولكن , لماذا أثار رقصها معه مثل هذه الخواطر؟ وبالغ كال في تطويقها بذراعيه , ولعلمه أنها لا تقدر أن تحتج وتعترض جعل شفتيه تلامس صدغها , وبذلك ظهرا كما يجب أن يظهر عروسان في شهر العسل.
وتمتم كال في أذنها قائلا:
" يجب أن نعتاد على هذا!".
فشعرت أنطونيا بالضيق لأنه هو الذي يأخذ المبادرة دائما لأثارة غيظها فلماذا لا تحاول هي , من حين الى آخر , أغاظته والتهكم عليه , وشد كال بيده الواحدة على يدها , وأخذ يداعب بالأخرى أعلى ظهرها , ثم أتجه بها الى حيث لا يرى الجالسون في الغرفة الأخرى ما نوي أن يفعل , وهناك أخذ يلامس بأابعه عمود ظهرها الفقري من أعلى ألى أسفل , وقال لها بهدوء:
" يجب أن لا تبتدئي شيئا لست مستعدة لأنهائه!".

نيو فراولة 14-05-11 10:19 AM

فتطلعت ونظرت في عينيه , فأذا هما تقدحان شررا كما رأتهما في ليلة عرسها , ولما حاولت أن تتراجع لم يمانع في ذلك , ولكن البريق ترك عينيه , والأبتسامة فارقت شفتيه , والى أن بلغت الأسطوانة نهايتها , كان يطوقها كما لو كان يراقص أمرأة لا صلة حميمة له بها وفي نهاية السهرة , وهما يودعان روس وزوجته فاني , قالت هذه الأخيرة لأنطونيا:
" تعالي الى زيارتي وحدك أذا شئت , قد تشعرين بالوحشة في بادىء الأمر لوجودك في بلاد لا تعرفينها جيدا , ولكن حين تجدين بيتا خاصا بك , فلن تجدي الوقت الكافي لتدبير شؤونه , كم سترين ذلك ممتعا , وأنني أرى من ثيابك التي ترتدينها أن لك ذوقا رفيعا ".
وألتفتت الى كال وتابعت كلامها قائلة:
" وجدت كنزا ثمينا يا عزيزي كال...... وأنت تستحقه".
وأنحنى كال وقبلها على خدها , وفيما هو يغادر المنزل مع أنطونيا وضع يده على كتفها , ثم فتح لها باب السيارة حين وصلا اليها , وفي طريقهما الى حيث يقيمان لزم كال الصمت ولم يشأ أن يحدثها عن السهرة , وقالت له أنطونيا:
" آسفة لأنني أغظتك ونحن نرقص".
فلم يجب , مما أثار غضبها وجعلها تنوي أن لا تتفوه بكلمة تلك الليلة , وكان بودها دخول البيت وحدها , فلا تنتظر عودته من الكاراج , ولكنها أكتشفت أن المفتاح لم يكن معها ولم تشأ أن تدق جرس الباب لتوقظ الخدم من النوم , ولما عاد وفتح لها الباب وأدخلها قبله كالعادة , أسرعت الى صعود السلم الداخلي الى غرفة النوم فناداها وطلب منها ألا تفعل , فتوقفت عند أسفل درجات السلم وألتفتت اليه بعينين متسائلتين , ولما أقترب منها , تذكرت المرة الأولى التي ألتقته فيها عل الطريق قرب المنزل الريفي في أسبانيا , وقال لها:
" أنت لم تثيري غضبي يا أنطونيا , بل جعلتني أرغب بأن تحبيني وهذه لعبة خطرة , فأياك أن تلعبيها معي , من الآن فصاعدا , ألا أذا كنت على أستعداد لتحمل العاقبة , وأذا كنت في مرة مقبلة ستستجيبين لمداعبتي لك أثناء الرقص , سأفهم من ذلك أنك ترغبينني , والآن , طابت ليتك".
وأدار ظهره وتوجه الى غرفة الجلوس وأغلق الباب وراءه , وفيما هي تصعد السلم , وجدت نفسها ترتجف من الخوف الممزوج بالأسى والغيظ , ذلك أن كال أراها جانبا من شخصيته كانت لا تشك في وجوده أحيانا , ولكنها لم تكن متأكدة منه , وهو الجانب الشرس العنيد الكامن وراء مظاهر التهذيب واللياقة فيه , فهو حين أسمعها ذلك الكلام أنما أراد أن يجعلها تدرك أنه لم يكن زوجها فحسب , بل سيدها أيضا , وأنه يقدر أن يفعل ما يشاء بها.
أولم يسألها طوم أثناء السهرة قائلا:
" هل علمت أنه متعصب لجنسه , قبل أن تتزوجيه . يا أنطونيا ؟".
كان هذا السؤال في معرض المزاح , ولكن حين قال كال عن الرجل أنه يأمر ليطاع , فأنه كان جادا في قوله لا مازحا , ولذلك خيّل لها أنها أذا طلبت منه أن يتركها وشأنها , لا يرفض فحسب , بل لا يتورع عن أخذها بالقوة المجردة , وأنما بنوع ما من أنواع العنف , مع أن أنطونيا لم تكن تجتمع كثيرا بكال ألا في الليالي , لأنشغاله بالأجتماعات والمؤتمرات , فأنه كرس يوما في الأسبوع للتجول معها في البلاد لتزداد معرفتها بها , وفي بعض الأحيان حين كان يطير الى سفرة بعيدة ليتفقد عملا من الأعمال , كان يصطحبها , ولكن كان عليها أن تسلّي نفسها أثناء أنصرافه الى قضاء مهمته , وكان كال قادرا على قيادة الطائرة بنفسه , ولكنّه قلّما فعل , مفضلا أن يقضي الوقت في مطالعة التقارير , وكانت أنطونيا تتمتع كثيرا بهذه الرحلات , لأن الطائرة كانت تطير على أرتفاع يسمح لها بأن ترى الحقول والغابات , وكانا , عند وصولهما الى المكان الذي يقصدانه , يجدان سائقا ينتظرهما مع سيارته , وكانت تنزل من السيارة في أقرب مدينة في المكان الذي كان يعمل فيه كال , وكان كال يلاقيها بعض الأحيان في مطعم ما لتناول طعام الغداء , ولكنه غالبا ما كان يتناوله في عمله , وعندئذ كانت أنطونيا تأكل طعامها وحدها في أحد المقاهي.
وكان من عادته ألا يتركها تتجول في مكان دون أن يعرف ما يستحق الأهتمام وأين يوجد , فيزودها بجميع المعلومات الخاصة بهذا الشأن , ومع أن جهازه الأداري كان يتحضيرها لها حرص على كتابتها بخط يده البارز الواضح.
وبهذه الطريقة أتيح لأنطونيا أن تشاهد في كافتنري الكاتدرائية الحديثة ذات الحجارة الوردية والسجادة التي صممها الفنان غراهام سوزرلاند ثم حيكت في فرنسا .

نيو فراولة 14-05-11 04:03 PM

وفي مدينة بيرمنغهام زارت أنطونيا , بناء على مشورة كال المتحف الوطني فشاهدت أعمال الرسام بيرن جونز ووليم الذي سمعت بأسمه لأن البيت لذي أستأجرته هي وكال يحتوي على ورق جدران صممها ذلك الفنان , وحين كانا يتجولان معا , كانا يذهبان عادة الى داخل البلاد , وأكثر ما أثار بهجتها منظر الطبيعة في مقاطعة بكنغهام شاير لأنه جاء مطابقا لما تصورته عن أنكلترا : سوداء وبيضاء , ودروب ملتوية , وكنائس ريفية قديمة محاطة بحائط تختلف كل الأختلاف عن الحدائق القائمة والمحاطة بأسوار من الحجارة البيضاء في ضواحي القرى الأسبانية وفي أحدى المرات تناولا الطعام في أحدى تلك الحدائق , فسرّها جدا , خصوصا لأن كال لم يأت على ذكر أي شأن من شؤونه الخاصة , بل تحدث عن الصناعة وأثرها في النفس , وهو موضوع يثير أهتمامه جدا , وقد أصغت اليه بسرور شديد.
وبعدما فرغا من تناول الطعام ذهبا الى مشاهدة المنزل المعلق الذي عاشت فيه الممرضة الشهيرة فلورنس ناينتغيل برهة من الزمن , ثم أمتلكنه الدولة وجعلته مزارا يحتوي على أشياء الممرضة التي بقيت سيدة المصباح في حرب القرم بين الروس وأنكلترا , وسألت كال قائلة:
" هل علمت من قبل بعلاقة الآنسة نايتنغل بهذا المنزل؟".
" نعم , وأعتقدت أن مشاهدتك لهذا المنزل يجعل سيرة حياة الآنسة ناينتغل التي تطالعينها هذه الأيام أكثر متعة".
منتديات ليلاس
وتأثرت أنطونيا من شدة أهتمامه بها , وفي أحدى الأمسيات قال لها:
" أرجو ألا يكون عندك غدا أي أرتباط".
" كلا , لماذا؟".
" لأنني هيأت لك موعدا للغداء في الساعة الواحدة في فندق هايد بارك".
" معك؟".
" كلا ... مع خالك!".
" تيو يواكين؟ هل هو قادم الى لندن؟".
" فقط لثلاث أو أربع ساعات , قدم الى باريس لتصريف بعض الأعمال , وتلفن هذا الصباح وطلب مني أن أحجز مائدة في كان ميز , وبما أن زيارته قصيرة , فقد تفضلين تناول الطعام معه على أنفراد".
" لماذا لا يقضي الليلة عندنا؟ هل أقترحت ذلك عليه؟".
" طبعا , ولكنه لم يقتنع , أظن أنه لا يريد أزعاجنا في مطلع زواجنا...".
" هذا يذكّرني بأنه يجب أن نزور والدك يا كال!".
" سنفعل عما قريب , ولكن العائلات الأنكليزية ليست كالعائلات الأسبانية تشعر بالقرابة كشعور حميم , فوالدي لا يجتمع بي ألا لماما , ولا يشعر بالأساءة أذا أرجأنا زيارتنا له أسبوعا أو أسبوعين!".
ولم يرق ذلك لأنطونيا , وتساءلت أذا كان هو أيضا سيقف هذا الموقف مع أولاده فيما بعد , على أنها تذكرت أنه ذكر وجوب أهتمام الأب بأولاده في حديثه , مرة , عن دور الأب في حياة عائلته.
وفي كل حال , لم يكن موقفها هي من أفراد عائلتها فاترا كوقف كال من أفراد عائلته , ولذلك فأنها كادت ألا يغمض لها جفن تلك الليلة لشوقها الى رؤية خالها في يوم غد.
ولما ألتقته في مطعم الفندق بالموعد المعين , كان أول سؤال وجهه اليها هو:
" هل أنت سعيدة في أنكلترا يا أنطونيا؟ هل يوفر لك زوجك الهناء؟".
فأجابته قائلة:
" أحب أنكلترا كثيرا , ولندن مدينة رائعة , وقد ينفق الواحد سنة كاملة للتعرف الى متاحفها المتعددة وقصورها التاريخية الشهيرة , هذا فضلا عن أسواقها وبضائعها التي تثير الأعجاب".
وأسرفت أنطونيا في أمتداح لندن وسعادتها في أقامتها هناك , على أمل أن تصرف خالها عن الأستعلام منها عن سعادتها الزوجية فنجحت الى حين.
وقال لها خالها:
"يبدو أنك نسيت أنني قضيت بضع سنوات في لندن وأنا في عمر الشباب , ولكن هذا كان لخمس وعشرين سنة خلت , والحال تغيّرت اليوم كثيرا , كما في غير لندن في المدن , ففي تلك الأيام بم يكن هنالك ضجيج , مثلا , كما في هذه الأيام".
وفي أثناء الغداء نجحت أنطونيا في أبعاد الحديث عن شؤونها الخاصة , وذلك بالأكثار من الأسئلة عن أقربائها في أسبانيا وبتحريض خالها على الأسهاب في وصف حياته عندما كان يسكن في لندن.
وبعد الأنتهاء من الغداء أستقلا تاكسي الى شارع ريجنت ليشتري بعض الهدايا لأختيه.
وفي السيارة قال لأنطونيا:
" ويجب أن أشتري لك هدية أو هديتين , عزيزتي ليزداد سروري , مع العلم أن كال يحتكر اليوم هذا السرور!".
وتوقف عن الكلام ونظر اليها متفحصا , فتجنبت نظراته من دون أن تميل بوجهها عنه لئلا يشك في حقيقة أمرها مع كال.
وتابع كلامه قائلا:
" لم أجدك مزدهرة كما توقعت , ولكن ربما يكون هنالك سبب عندك , فكثير من النساء لا يكنّ في أفضل حالاتهن وهن حاملات!".

نيو فراولة 14-05-11 04:05 PM

فأحمر وجهها وقالت:
" أنا لست حاملا يا تيو , فأنا وكال لا نريد أن نبدأ بأنشاء عائلة منذ الآن, خصوصا وأنا بعد في مقتبل العمر ولدي وقت طويل , وقد تنقضي سنة أو أكثر على زواجنا قبل أن نفكر بالأنجاب!".
" وهل أنت تتعلمين أن تحبيه يا عزيزتي؟".
فأحمر وجهها أيضا وقالت:
" مع الوقت يا تيو , أعطني وقتا , وأذا كنت ذابلة الوجه اليوم , فلأنني صرفت معظم الليل متشوقة للقائك , ليتك تقضي اليلة معنا , ألا تقدر؟ وهل هذا مستحيل؟".
" هذه المرة , نعم مستحيل , في المرة المقبلة آمل أن أصرف هنا وقتا أطول , خصوصا أذا كنتما في ذلك الحين مستقرين في بيتكما الخاص بكما , والبيت الذي أستأجرتماه يبدو مريحا , كما وصفته لي في رسالت , ولكنك على ما أعتقد تتطلعين بشوق الى اليوم الذي يكون لكما فيه بيت خاص بكما , وكال أحسن صنعا حين أتى لك بخدم من الأسبان؟".
" نعم , لا أحد كان في وسعه أن يفعل أكثر مما فعله كال ليجعلني أشعر هنا كأنني في وطني , ثم أن معرفتي بالأنكليزية ساعدت على ذلك كثيرا.....".
" أراك تغيرت قليلا , كان فيك دائما شيء من صفات والدك وأراه الآن أزداد بروزا".
" صحيح؟ ولكنني لا أشعر بالأختلاف!".
ورفض خالها أن ترافقه الى المطار , فودعها على رصيف الفندق وأستقل سيارة أجرة.
وتركت أنطونيا الهدية التي أشتراها لها خالها في الفندق , ريثما تذهب وتشتري كتابا نزل ذلك اليوم الى الأسواق وكان كال ينتظر صدوره بفارغ صبر.
وحين وصلت الى البيت عزمت على وضع الكتاب بجانب سريره ليجده قبل أن ينام تلك الليلة , وكانت هذه هي المرة الأولى التي دخلت فيها الى غرفة نومه , فجالت بنظرها في أرجائها لترى أذا كان كال طبعها بطابعه الشخصي.
كان أول شيء لاحظته هو ترتيب الغرفة , ولكن هذا لم يكن بالضرورة عائدا الى كال نفسه , أذ كان الخادم كارلوس مسؤولا عن الأعتناء بالغرفة وعلى كل حال , فهي لم تتذكر أنها أحتاجت الى القيام بترتيب أي شيء يخص كال , حين كانا ينامان في غرفة واحدة.
وكان البرهان الوحيد على أن الغرفة يسكنها أحد هو وجود رأس يمثل دون ولنغتون ,ورف كتب قرب السرير , ومعظمها يبحث موضوعات تحوز أهتمام كال , ولكن كم كان عجبها شديدا حين وجدت بين الكتب رواية ومجموعة شعر!
وماذا عن رأس الدوق؟ أيكون من مخلفات البيت الذي كان يسكنه قبل الزواج , أم أن كال أحتفظ به لأنه معجب بذلك القائد العظيم الذي غلب نابليون ؟ وعلى كل حال , فأنها رأت أن من الخير أن تزداد معرفة بسيرة حياته.
وكان اليوم التالي يوما يقضيه كال برفقتها , وفيما هما يخرجان من المنزل قال لها:
" أشكرك على الهدية التي وجدتها قرب سريري الليلة الماضية!".
وهمّت بأن تجيبه أنها لا تستحق الشكر على ذلك لأن الهدية من ماله الخاص , ألا أنها غيّرت رأيها وقالت:
" قلت لي أنك تريد أن تقرأ ذلك الكتاب , وأنني أرجو أن يكون شيقا ومفيدا كما وصف النقاد".
" نعم , أنه كتاب رائع حقا.........حرمني النوم معظم الليل ".
ونظر اليها هنيهة ثم قال:
" أرجو ألا تكوني من الذين لا ينامون والضوء مشتعل في الغرفة , لأنني سأكون حزينا أذا حرمت من القراءة في الفراش".
فقالت له:
" وأنا أيضا أحب أن أقرأ في الفراش , وأذا أردت أن تتابع القراءة بعد أن أكون أنتهيت منها , فبأمكانك أن تفعل ذلك لأن الضوء لا يزعجني".
" وكيف لك أن تعرفي ذلك وأنت لم تشاركي أحدا في غرفة نومك؟".
" كنت أشارك بنات أختي في النوم مرارا!".
" ولا مع رجل؟".
" كلا".
فقال ساخرا:
" نحن الرجال لسنا جنسا غريبا عجيبا , شرط أن تعتاد المرأة علينا.. أذا جرحنا أحد , أفلا تتزف دما؟ وأذا أسيء الينا , أفلا ننتقم؟".
وتجاهلت أنطونيا لهجته التهكمية وقالت:
" ذكرني كلامك بأن أسالك هل ندعو أختك لورا الى العشاء يوما ما ؟ خيل الي يوم جاءت لزيارتي أنها أمرأة يائسة , هل بالأمكان مصالحتها مع زوجها؟".
فأجابها كال بعدم لامبالاة:
" لا أظن ذلك , أدعيها الى العشاء أذا شئت , ولكن توقفي عند هذا الحد , علينا أن نحل مشاكلنا الزوجية قبل أن نعنى بحل مشاكل سوانا...".
وشعرت بوطأة كلامه , فلزمت الصمت الى أن وصلا الى حيث يقصدان , وهو قلعة وندسور التي توصف بأنها أضخم قلعة مسكونة في العالم .
وقال كال:
" في الشهر المقبل ستنزل الملكة في هذه القلعة لمناسبة سباق الخيل , في أسكوت التي تبعد بضعة أميال من هنا.....".
وبعد أن طافا في القلعة وشاهدا الأشياء الأثرية والتاريخية القديمة الرائعة , عادا الى السيارة وتناولا الطعام من الزاد الذي حملاه معهما , فعلا ذلك عل ضفة نهر التايمس , حيث كان يقابلهما على الضفة الأخرى جامعة أيتن الشهيرة.

نيو فراولة 14-05-11 04:06 PM

وقال لها كال بلهجة لها مغزاها:
" ما رأيك هل نرسل أولادنا , يوما ما الى هذه الجامعة؟".
" هل في مقدورنا أن نفعل ذلك ؟ حسبت أن أولاد الطبقة الأرستقراطية وحدهم يحق لهم الألتحاق بهذه الجامعة!".
" كان ذلك فيما مضى , لا في هذه الأيام التي أصبح فيها للمال قيمة تفوق قيمة الحسب والنسب".
تعجبت للهجته الأنتقادية , فلاحظ ذلك وقال لها:
" أنا عضو في مجلس أمناء مدرستي , وما ذلك على الأكثر ألا لأنهم ينتظرون مني مساهمة مالية لبناء مختبر جديد لو لتعزيز قسم الرياضة البدنية".
" ما رأيك في مدرستك؟".
" كانت على أيمي معهدا راقيا جدا , يتولى أموره رئيس ومعلمون في غاية الأهلية والكفاءة , يعنون بتربية شخصية الطالب لا تلقينه المعارف فقط , فقد تعلمت من المبادىء الرقيقة والقيم الخالدة , وأنا أشرب الشاي مع معلمي وزوجاتهم, أكثر مما تعلمت على مقعد الدراسة , ولكن مستوى تلك المدرسة , مع الأسف , أنحدر مع الأيام , فالرئيس القديم توفي , وخلفه آخر لا كفاءة له...".
" هل خضعت للتأديب بالعصا؟".
" نعم , عدة مرات , لم يلحقني من جراء ذلك أي أذى , ولم أمتعص منه لأنني كنت أستحق التأديب".
" وهل كنت تدخن في تلك الأيام؟".
" نعم ,ولسنوات من بعد , الى أن أتضح لي جليا أن التدخين مضر بالصحة , وأنا أحب الحياة كثيرا , فلا أريد أن أضع عقبة في طريقها , وأنت هل جربت التدخين مرة؟".
" دخنت سيكارة واحدة , فلم ترق لي".
" الأنسان عادة لا يتمتع بالسيكارة الأولى , ولكن لا يطول الوقت حتى يصبح مدمنا على التدخين , وفضلا عن الضرر , فتالدخين يعيق التمتع بلذائذ أخرى......".
" هل تقصد تسلق الجبال والغوص في مياه البحر , وما ألى ذلك؟ ".
" نعم , ولكنني كنت أفكر بشيء آخر , فأنا لا أبالي بطعم أحمر الشفاه , ولكنني أتضايق من نكهة التبغ .......".
فأحرجها هذا الكلام , فمالت لتنظر الى واجهة حانوت فيه أشياء أثرية , وأظهرت أعجابها حين شاهدت كرسيا خشبيا قديما وعليه طراحة حريرية ذات لون أخضر فاتح.
فسألها كال قائلا:
" هل تريدينها ؟".
" نعم , فهي جميلة جدا , ولكن.....".
فلم يدعها تكمل جملتها , أذ سرعان ما أدخلها الى الحانوت وأشترى لها الكرسي , وقد تبيّن أن الكرسي من عهد الملك لويس السادس عشر , وحين علمت أنطونيا بثمنها , شهقت لفخامته.
وقال لها:
" هذه الكرسي أول قطعة من أثاث بيتنا العتيد... وهي تليق بغرفة نومنا".
ولم يخف ضمير الجمع في كلمة ( نومنا ) على أنطونيا.
منتديات ليلاس
وفي تلك الليلة , وأنطونيا مستلقية في فراشها ,تذكرت زيارة لورا لها وما أخبرتها عن كال وديانا وبستر , من أن كال قضى في عشرتها ستة أشهر , فهل هذا يعني أن ديانا عاشت معه تحت سقف واحد؟ أم أنهما أقتصرا في علاقتهما على الحب كلما أتيحت لهما الفرصة؟
وأقرت أنطونيا أن ماضي كال لا شأن لها فيه , وأن لا حق لها أن تغار , وفي الواقع فهي لم تكن تشعر بالغيرة ألا شعورا أعتياديا , ذلك لأنه كان منزها عن البغض , كل ما في الأمر أنها شعرت بالأنزعاج من كون ديانا هي المرأة الثانية التي وقع عليها أختيار كال, وأنا لم تكن متزوجة من أحد وهي لا تزال تميل الى كال ولو لم تقبل به زوجا .
وتساءلت أنطونيا أذا كان كال أحب ديانا ولا يزال يحبها , كما تساءلت أذا كانت هي أيضا أحبته ولا تزال تحبه , وتعجبت أنطوني كيف أنها رفضت الزواج به أذا كانت أحبته حقا!
وفي الصباح التالي , حين جاءت روشيو بصينية طعام الفطور الى أنطونيا وهي في الفراش , كان على الصينية رزمة صغيرة , وكانت روشيو برفقة ماركوس الذي كان يحمل أناء زهور بيضاء.
فقالت أنطونيا متعجبة:
" ولكن اليوم ليس ذكرى مولدي , فلماذا هذه الزهور؟".
فأجابتها روشيو مبتسمة:
" السيد برنارد مغرم بك أكثر مما أنت مغرمة به , سيدتي أنطونيا , هذا اليوم ذكرى مرور شهر على زواجكما , والليلة ستحتفلان بهذه الذكرى السعيدة , لأن السيد ترك تعليمات بأن تشتري لك ثوبا جديدا , وستذهبان معا الى المسرح , ثم تعودان الى هنا لتناول عشاء خاص بالمناسبة".
وخرج ماركوس من الغرفة بعدما وضع أناء الزهور على الطاولة , ولكن روشيو تأخرت عن الخروج لترى ماذا في الرزمة.
وفتحت أنطونيا الرزمة , فصرخت المرأتان من الدهشة عندما وقعت أعينهما على عقد من الماس في علبة من المخمل الأزرق , وكان شكل العقد غاية في البساطة وقد نقش على الماسة التي تتوسط العقد الحرف ( أ).
وأسرعت روشيو الى طاولة التزيين وجلبت لأنطونيا مرآة اليد وقالت لها:
" جربيه يا سنيورا! يا لها من هدية رائعة ... آه , كم هو يحبك!".

نيو فراولة 14-05-11 04:07 PM

ووضعت أنطونيا العقد حول عنقها وتطلعت اليه في المرآة , فأذا هو على قياسها تماما , وسرتها بساطته التي تفضلها على الأسراف في الزخرفة والنقش, ثم أن بساطته جعلته صالحا لأن يلبس في كل المناسبات.
وأعادت أنطونيا العقد الى علبته بعناية , ولما خرجت روشيو من الغرفة تناولت طعام الفطور وهي تتساءل لماذا خطر ببال كال أن يقدم اليهما هذه الهدية الثمينة.
فهو , كما عرفته , رجل عملي لا يأبه كثيرا للمبادرات الغرامية الرومنسية , وأذن فهناك سبب واقعي حمله على تقديم هدية كهذه , فما هو ذلك السبب؟
وبعد التفكير لم تجد أنطونيا ألا واحدا من أمرين : أما أنه قدم اليها الهدية لأن ضميره يؤنبه لخيانته لها مع أمرأة أخرى , وأما أنه يريدها هي أن تشعر بتأنيب الضمير لأنها لا تعامله معاملة الزوجة لزوجها.
ونظرت الى أناء الزهور البيضاء وتساءلت : هل أراد بهذه الزهور البيضاء أن يذكرني بطهارتي؟
وفيما بعد وجدت في قاعة البيت ظرفا معنونا بأسمها , ولما فتحته وجدت في داخله شيكا على بياض وقعه كال لأمرها , لتشتري الثوب الخاص بتلك المناسبة.
على أن أنطونيا لم تذهب الى شراء الثوب الجديد, لا لأنها كانت تتضايق من أنفاق مال كال لقاء لا شيء تعطيه أياه , بل لأن في خزانتها ثوبا لم تلبسه بعد , يليق بالمناسبة ويتلاءم مع العقد الماسي.
وحين خرجت من البيت الى لقاء كال تلك الليلة , هتفت روشيو من شدة الأعجاب قائلة:
" آه , ما أجملك يا سيدتي!".
كانت أنطونيا تدرك أنها تبدو فاتنة الجمال , لا سيما أنها صرفت معظم النهار في تصفيف شعرها عند أشهر المزيين , وفي صبغ أناملها بالطلاء , وكان ثوبها من الحرير الأسود الشفاف ,وحذاؤها من جلد الحية الأسود , أشترته من أفخم حانوت لبيع الأحذية النسائية في فالنسيا , وكذلك حقيبة يدها الصغيرة , وكان العقد الماسي يطوق عنقها , والحلق الذي هو من الماس أيضا يزين أذنيها , وكانت أساور الزمرد والياقوت في يدها اليسرى , فيما ألقت معطفها الفرو الثمين على يدها اليمنى.
كان الطقس في تلك الليلة الصيفية رائعا , وفيما التاكسي التي أستدعاها لها ماركوس تسير بها الى حيث موعدها مع كال , لم تتمالك من الشعور بالغبطة لكونها في عز الفتوة ومنتهى الجمال , وفي طريقها الى لقاء رجل ذي مكانة مرموقة , ولم يخطر ببالها قط أن السهرة قد لا تنتهي على ما يرام مثلما أبتدأت.
وكان كال بأنتظارها في باحة مطعم شهير , حيث حجز طاولة لأثنين , وبدا لأنطونيا وهي تصافحه أنه وصل الى هناك مبكرا , ذلك أنها لاحظت وجود قدح شراب فارغ .
وقال لها:
"هل لاحظت أن أنظار جميع الجالسين هنا شخصت اليك حين دخلت؟".
" أظنهم دهشوا لهذا !".
وأشارت الى عقد الماس في عنقها , وأضافت قائلة:
" أنه رائع الجمال يا كال , ولكنه ثمين جدا لهذه المناسبة!".
فأجابها بصوت خافت:
" عندما يكون للرجل أمرأة جميلة , فهو لا يحتاج الى مناسبة أو مبرر ليشتري لها حلى , جمالها مناسبة كافية ومبرر وجيه , ثم أن الماس للبشرة الفتية , ولكن غالبا ما تلبسه العجائز ! والآن يجب أن تتأكدي أن الناس هنا دهشوا لفرط أعجابهم بك لا بحلاك!".
وحين تكلم اليها بمثل هذه اللهجة , شعرت في أعماقها برغبته الجامحة التي تضطرم في نفسه , فقالت له:
" على كل حال , أشكرك.... وأشكرك أيضا على آنية الزهور , روشيو تعتقد أنك عاشق ولهان!".
فحدق اليها بأمعان وقال:
" تعجبني طريقة تصفيف شعرك هذه , والثوب أيضا , والآن دعينا نشرب نخب الشهور الآتية.......".
وأستغربت أنطونيا أن تروق لها ثقته بزواجهما , فهو شديد الثقة بالنفس وبما يعمل , وتذكرت أن أباها كان كذلك , بخلاف باكو الذي كان يفتقر الى من يعزز ثقته بنفسه, وهذا طبيعي لأنه لم ينشأ على أصدار الأوامر وأتخاذ القرارات.
ولا كال أيضا وهو في صباه , مع أنه تربى في معهد راق يعني بأنماء صفات القيادة والأتكال على النفس , ومالت أنطونيا الى الأعتقاد أن كال ,ولو أنه لم ينشأ على تلك الصفات , فهو بطبيعته قيادي ويصعد الى القمة في كل ما يعمل.
وسألته أنطونيا وهما يأكلان طعاما خفيفا يرد عنهما الجوع الى نهاية المسرحية:
" الى أي مسرح نحن ذاهبان؟".
" الى المسرح الملكي في هاليماركت".
وكانت أنطونيا تأمل أن يختار الذهاب الى هذا المسرح , لأنها قرأت في الصحف ذلك الصباح مديحا للمسرحية التي كانت تعرض فيه.
وبعد نحو نصف ساعة كانا يأخذان مكانهما في المسرح وتساءلت أنطونيا أذا كان كال سيكرر التصرف ذاته الذي بدر منه في المرة السابقة.
ولكن ما أن بدأت المسرحية حتى شغلت بها عن أي شيء آخر , وحين أسدل الستار على الفصل الأول بقيا في مقعديهما لأنهما لا يدخنان , فأقبل عليهما رجل متقدم في السن يعرف كال , ولما قدمه كال الى أنطونيا , جلس في المقعد الشاغر وأخذ يحدثهما الى أن عاد المشاهدون الى أحتلال مقاعدهم لمشاهدة بقية المسرحية.

نيو فراولة 14-05-11 04:09 PM

وأنتهى الفصلان الثاني والثالث من دون أن يبدر عن كال أي تصرف يمنعهما من التركيز التام على المسرحية , وفي طريقها الى الخارج وضع كال يده عليها ليقودها وسط أزدحام الخارجين من المسرح .
وعندما وصلا الى البيت وجدت أنطونيا طاولة عليها الشموع , أقيمت في غرفة الجلوس , وكان ماركوس واقفا ينتظر قدومهما للقيام بخدمتهما.
وكان الطعام الذي أمر كال ماركوس أن يهيئه طعاما أسبانيا شهيرا , وبعد أن فرغا من الطعام وتناولا القهوة غادرهما ماركوس مودعا.
وقال لها كال:
" علينا من الأن فصاعدا أن نبحث عن بيت نشتريه لنا , وأحب أن يتم ذلك قبل نهاية السنة....".
وتوقف عن الكلام , ثم تابع قائلا وهو يخرج دفتر شيكاته من جيبه:
" على فكرة , هل لك أن تملأي أرومة الشيك الذي دفعت به ثمن هذا الثوب الذي ترتدينه؟".
" لم أستعمل الشيك يا كال , كان هذا الثوب في خزانتي ولم ألبسه فرأيت أنه يناسب العقد الذي أهديتني أياه , وضعت الشيك في الغرفة الأخرى , فدعني أجلبه لك".
وفيما هي تمر قربه أمسكها بمعصمها وقال لها:
"لماذا لا تشترين به شيئا آخر؟".
" هذا كرم فائق منك , ولكنني لا أحتاج الى شيء الآن , شكرا ".
فقال لها كال بعصبية:
" لم نسمع أن أمرأة أحتاجت الى ثياب قبلما تشتريها .. وبما أنني حرمت أن أن أنوع عنك ثيابك , فدعيني على الأقل ألبسك أياها!".
قال هذا الكلام بلهجة جعلت خديها يتقدان حمرة , وحاولت أن تفلت معصمها من قبضته , ألا أنه زاد في الشد عليها , وجذبها اليه وأقعدها في حضنه وأخذ يعانقها وهي عاجزة مشدوهة.
وقال لها:
" سأنزع عنك حلاك...".
ولم تبد أية مقاومة , بل أستسلمت اليه بصمت , وشعرت أنه لم يعد غريبا بالنسبة اليها , وأنما أصبح رجلا أخذت تغرم به شيئا فشيئا لشهامته وطول أنانه.
وفي لحظة كانت أنطونيا عارية الكتفين , بينما راح كال يلتهم بنظراته عنقها الغض,
وحين أدركت أنطونيا أنها لم تعد تستطيع المقاومة غلبها البكاء وهي تستسلم اليه , ونهض كال وأوقفها على قدميها وقال لها بصوت أجش:
" لا ترتعبي... لن أحنث بوعدي لك هذه الليلة... يمكنني الأنتظار , ولكن لا الى وقت طويل".
وفيما هو يخرج من الغرفة , همت بأن تتبعه , غير أنها شعرت , على الرغم من أنه لم يعد غريبا بالنسبة اليها , بأنها لم تصبح بعد مستعدة لمبادلته الحب بالطريقة التي يطلبها منها.
منتديات ليلاس
وبعدما خرج كال من الغرفة أعادت ثوبها كالسابق وهي تعجب للتغيير الذي طرأ عليها منذ ليلة زواجهما حتى الآن , فهي لم تشعر كما شعرت تلك الليلة , بالنفور والأشمئزاز ولا بخيانة ذكرى باكو أن هي وهبت نفسها لكال الذي أثار فيها هذه المرة أحاسيس أعمق مما أتيح لها أن تختبره من قبل , وبدا لها الآن أن في أعماق نفسها جمرة متقدة أذا تعرضت لنسيم الحب تأججت وأستحالت الى لهيب..... فهل لهذا علاقة بالحب.

نيو فراولة 14-05-11 04:11 PM

4- وأنهارت أسوار القلب


ولم تجتمع أنطونيا بزوجها كال حتى مساء النهار اتالي , وبدا لها أن ذلك النهار لا ينتهي , لأنها لم تستطع التفكير ألا بما حدث في الليلة الفائتة , وتساءلت أذا كانت الأفكار نفسها التي تراودها تراود كال أيضا.
وفي تلك الليلة كانا على موعد للذهاب الى حفلة عشاء في بيت آل فلتشرز , ورجع كال الى البيت متأخرا , بحيث لم يكن لديه ألا الوقت الكافي للأستحمام وأرتداء ثيابه قبل الذهاب الى الحفلة .
ولم تكلمه أنطونيا بكلمة , أذ ما عساها أن تقول له ؟ وفيما هو يقود السيارة أمسك يدها بيده اليسرى وأدناها الى شفتيه وطبع عليها قبلة.
ولأول وهلة لم تفهم أنطونيا المغزى من مبادرته هذه , ألا أن الدموع تساقطت من عينيها , وقبل أن يعيد يدها الى حضنها , شدت على يده بأناملها .
ووصلا الى البيت وهما يتبادلان الشعور بالمودة والوفاق.
ودعي كال وأنطونيا أيضا بعد وقت قصير لقضاء سهرة في ضيافة أحد شركاء كال في الريف , ويدعى مارشال.
وعندما أخبرها كال عن الدعوة قال لها:
" قبول الدعوة يعني أننا سنقضي الليلة هناك , وسنضطر الى النوم في غرفة واحدة وأغلب الظن أن الأسّرة في غرف نوم الضيوف ذات سريرين".
وكان آل مارشال يقطنون في منزل قديم أضافوا اليه بركة سباحة , وحين وصل كال وأنطونيا كانت البركة تغص بالأولاد , بينما جلس الآباء والأمهات حولها يشربون الشاي ويتجاذبون أطراف الأحاديث.
ونهض هاري مارشال وزوجته ألى أستقبالهما بالترحاب , ثم جلس كال وأنطونيا أيضا حول البركة.
وكان أستقبال هاري وزوجته جولييت لهما حارا كأستقبال طوم وفاني رانكن, وكان هاري في نحو الأربعين من العمر ,ولكن جولييت تكبر أنطونيا ببضع سنوات فقط , وكان كال أخبر أنطونيا أن جولييت هي زوجة هاري الثانية بعد أن طلّق زوجته الأولى طلاقا حبّيا وأنجب منها ثلاثة أولاد يقضون معظم أيام عطلتهم المدرسية في بيته.
" هاري تزوج وهو في العشرين من العمر , حين لم يكن يعرف بعد من المرأة ألا وجهها الجميل وقامتها الهيفاء , وفي كل حال , كانت زوجته الأولى أسعد حالا في زواجها أياه لو بقي كما كان عندما تزوجته , غير أنه تغيّر ولم تستطع أن تتكيّف حسب هذا التغيير الذي طرأ عليه , وسترين حين تتعرفين اليه أنه يميل الى الأبهة والفخفخة ,ولكنه رجل طيب القلب , أما زوجته جولييت فلا أدري ماذا سيكون رأيك فيها , وأنا أظن أنها لا تختلف كثيرا عن زوجته السابقة , وأهم أختلاف فيما بينهما هو أنها تنفق مال زوجها هاري بحكمة وتعقل".
ولما تعرفت أنطونيا على جولييت , أدركت في الحال أن ما يجمعهما بالرغم من تقاربهما في السن , أقل مما يجمع بينها وبين فاني رانكن .
ولم تكتشف أنطونيا أن غرفة النوم التي خصصت لها ولكال كانت ذات سرير مزدوج ألا عندما صعدت اليها لتبدل ثوبها أستعدادا لحضور السهرة.
وكان الخادم أفرغ حقائبها , وعلّق ثيابهما في الخزانة , ووضع أشياءها الأخرى في أماكنها الخاصة بها , وكان قميص نومها ملقى على حافة السرير اليسرى ,وبيجامة كال على الحافة اليمنى.
وفيما هي تتأمل في ذلك , دخل كال الغرفة وقال:
" جئت لآتي بقميصي الصوفي , فالطقس أخذ يميل الى البرودة , وأنا وهاري ذاهبان للنزهة سيرا على الأقدام وسنعود في غضون ساعة من الزمن , ولذلك فعندك الوقت الكافي للأستحمام وتبديل ثيابك , أما أنا فسأستحم قبل النوم .... وعليّ أن أخبرك قبل أن أنسى أن جولييت قالت لي وأنا صاعد الى هنا أن في وسعك الأستعانة بأدوات زينتها أذا أعوزك منها شيء".
فقالت أنطونيا:
"هذا لطف منها.... وأظن أن قميصك الصوفي لا بد أن يكون في تلك الخزانة هناك".
فوجد كال قميصه , وفيما هو يلبسه لاحظ السرير المزدوج بشيء من الأمتعاض وقال:
" كلما جئت من قبل الى قضاء الليلة هنا كنت أنام في غرفة ذات سريرين , فماذا جرى هذه المرة؟".
ورمقها بنظرة طويلة ذات مغزى وقال:
" آسف أن أكون ضللتك في هذا الأمر , ولكنني لن أطلب تغيير الغرفة , وعلى كل حال , فالغرف كلها مشغولة , لأن الضيوف هنا كثيرون هذه المرة".
فقالت أنطونيا:
" بالطبع لا يمكنك أن تطلب تغيير الغرفة. فعلينا أذن أن نتدبر أمرنا بالتي هي أحسن".
فوافقها كال على ذلك وخرج من الغرفة وأغلق الباب وراءه بهدوء تاركا أنطونيا في حيرة وأضطراب.
وحين فرغت من أرتداء ثيابها وهمت بالخروج من الغرفة رجع كال الى الغرفة وأقترح عليها أن تسبقه حتى يغيّر ثيابه , وهي تشعر بالخيبة لأنه لم يفه بكلمة تعليقا على ثوبها الجديد الذي لم تلبسه من قبل.

نيو فراولة 14-05-11 04:12 PM

وحين وصلت الى غرفة الأستقبال , حيث كانت مضيفتها مع بعض الضيوف , وجدت أن الغرفة , على فخامتها وما يزين جدرانها من لوحات فنية ويملأ أرجاءها من أثاث نفيس فاخر , كانت ذات جو أصطناعي , وأعتقدت أنطونيا أن ذلك عائد الى أن كل شيء في الغرفة جديد , حتى أن اللوحات الفنية نفسها ,وهي روائع قديمة شهيرة , أعيد وضعها في أطر جديدة , فلم يكن هنالك أية قطع فنية أثرية تذهب الى أبعد من جيل أو جيلين من الزمان , كما أنه لم يكن في الغرفة شيء ملقى هنا وهناك عفو الخاطر , كما كانت الحال في بيت فاني رانكن الذي يفوقه جاذبية وسحرا , وكل ما يستخلصه الناظر الى غرفة الأستقبال تلك في بيت جولييت مارشال أن أصحابها أثرياء , ولكنهم يفتقرون الى الثقة بذوقهم فآثروا عليه الذوق العام السائد.
وحين جلسوا الى المائدة لم تندهش أنطونيا عندما بدأوا تناول الطعام بكأس من الشراب تبعته قطعة كبيرة من اللحم المشوي مع بعض الفاصوليا المسلوقة والبطاطا المقلية , وهي من دون شك مثلجة لا طازجة , وكان يرافق ذلك صحن من الخضار الخالي من الزيت والخل والثوم وما يكسبه نكهة لذيذة وطعما شهيا.
وكانت أنطونيا تجلس بين رجلين , أحدهما كرّس أهتمامه للطعام والآخر أنشغل بالحديث مع المرأة الجالسة بعيدا بجانب الرجل الذي على يمينها , وهكذا وجدت أنطونيا أن من الصعوبة أن تتفادى النظر الى كال مرة بعد أخرى!
ففي المرة الأولى رأته يصغي الى أحدهم عبر المائدة وهو يتكىء بذراعيه عليها , فلما جاء دوره للكلام أنزل يده اليسرى وأخذ يستعين بيده اليمنى في الحديث كعادة الأسبان , ولعله أكتسب هذه العادة من أسفاره المتكررة.
وفيما هي تتأمل حركة يده اليمنى تذكرت أن هذه اليد هي التي نزعت عنها منذ ليلتين أعلى ثوبها وحلاها , ثم سمرتها في مكانها من دون أن تقوى على الحراك.
وكان كال وعدها بأنه لن يفعل مرة أخرى , ولكنه لم يعدها بأنه لن يشاركها في فراشها , وكم سيكون عسيرا عليه أن يبر بوعده هذا وهما يضطجعان جنبا الى جنب في الظلمة ؟ أنطونيا أن ذلك سيكون عسيرا حقا , وأذا طالت الحال على ما فكرت هي عليه فلا تستبعد أن يلجأ الى أحضان أمرأة أخرى تعويضا عن الحرمان , وهذا أمر لم تكن تطيقه منذ البدء , فكيف الآن بعد أن خبرته ووجدت فيه صفات محببة اليها كل الحب ,ولكن هل لها الحق أن تلومه أذا أقام علاقة مع أمرأة أخرى؟
وحانت منها ألتفاتة الى كال فوجدته ينظر اليها هو الآخر , فأبتسم لها فبادلته الأبتسامة , وكان في أبتسامته تلك مغزى لم يخف عليها.
وبعد العشاء بدأ الرقص , فدعاها كال لتراقصه , وفي هذه المرة كان يشدها الى صدره كما فعل في المرة الفائتة في بيت آل رانكن , كما أنه لم يراقصها ألا مرة واحدة تلك الليلة .
وفيما هي ترقص مع مضيفها , قال لها أنه يتعجب كيف أن كال لم يأخذها لمشاهدة ستراتغور – أون – أفون – حيث شكسبير , فتذكرت هذا البيت من مسرحية هاملت.
وبغتة خيل اليها أن وجود غرفة بسرير واحد بدل سريرين كان علامة من علامات القدر , لوضع حد للمهزلة التي كان عليه زواجهما حتى الآن.
وعند الساعة الحادية عشرة تمتمت أنطونيا في أذن جولييت :
" قضينا أسبوعا متعبا جدا , فهل لي أن آوي الى فراشي الآن باكرا؟".
" أفعلي ما يروق لك , يا عزيزتي , ويمكنك أن تتأخري في النهوض عند الصباح أيضا , ففي يوم الأحاد لا نتناول طعام الفطور , بل نسد جوعنا بقليل من القوت عند الظهر , ولكن في غرفتك , أذا لاحظت أبريق على الكهرباء وشاي وقهوة وكعك".
" فكرة ممتازة..... وسأتبعها في بيتنا!".
" ليس أتعس من نهوض لضيف باكرا في الصباح والأنتظار ساعة أو ساعتين لتناول قدح من الشاي أو القهوة ..... والآن أرجو لك نوما هانئا يا أنطونيا , أظن أن كال في غرفة البليارد , أذا كنت تريدين أن تخبريه بأنك صاعدة الى غرفة النوم".
وكان كال يلعب البليارد مع هاري ورجلين آخرين , حين دخلت أنطونيا ووقفت عند الباب أولا , ثم خطت الى الأمام وقالت لكال:
" أنا ذاهبة الى الفراش يا كال , وجولييت على علم بذلك".
فأقبل نحوها وقال لها وبريق السخرية في عينيه:
" هل تمانعين أذا كنت لا أصعد معك للنوم؟".
" كلا.... وهل يطول أنتهاؤك من هذه اللعبة؟".
" الى نحو منتصف الليل على ما أظن , ولكنني سأحاول ألا أوقظك حين أدخل الفراش , مساؤك خير يا حبيبتي!".
ورمقته بنظرة لم يفته مغزاها , ثم ودعت سائر الضيوف وصعدت السلم الى غرفتها وهي تتذكر كلمة التحبب التي يخاطبها بها أمام الناس ويكتمها عنها حين يكونان وحدهما معا , فأحست بشعور هنيء.

نيو فراولة 14-05-11 04:13 PM

وفي الفراش حاولت أن تقرأ , ولكنها لم تستطع التركيز لأنها أنصرفت الى التفكير في عودة كال وأضطجاعه الى جانبها في الفراش , وتساءلت عنا ستكون عليه الحال , ومر الوقت ببطء كأنه دهر , قبل أن ينتصف الليل.
ولم يكن مغزى رغبتها في الذهاب باكرا الى الفراش ليخفى على كال وهو رجل حاد الذكاء , وخصوصا في مثل هذه الأمور .
ولما سئمت المطالعة , طوت الكتاب وراحت تراقب عقارب الساعة.
ولما أنقضى منتصف الليل ولم يحضر , تساءلت أذا كان يتعمد التأخر أنتقما لما أنزلت به من مهانة وخيبة أمل منذ زواجهما الى الآن.
وأزداد فروغ صبرها , حتى أذا جاوزت الساعة منتصف الليل بنصف ساعة , بدأ مزاجها يتغيّر من رغبة في المصالحة الى الشعور بالحيرة البالغة حد الغضب.
وغلبها النعاس حينا من الزمن , ثم أستيقظت فجأة ونظرت الى عقارب الساعة , فأذا بها تشير الى الدقيقة العاشرة بعد الواحدة , فأستولى عليها الغيظ وأطفأت النور وأضطجعت بمزيج من الخيبة والأرتياح وهي حائرة في تفسير قصده من التأخر : هل هو عن جهل أم عن تجاهل؟
وحين أستيقظت للمرة الثانية لم تستطع أن تتبيّن الوقت , فقد تكون قضت في النوم عشر دقائق أو ساعات.. وتساءلت أيكون رأسه الآن على المخدة قرب مخدتها , وجسمه مضطجعا في الفراش على قيد شعرة من جسمها ؟ وتوقفت عن التنفس وأصغت بكامل قواها السمعية لربما يبدر منه ما يدل على وجوده , ولكن عبثا.
منتديات ليلاس
وفيما هي كذلك فتح باب الغرفة وأغلق بهدوء , ثم فتح باب الحمام وأغلق أيضا , وكان الباب محكما , فلو كانت نائمة لما سمعت صوت الماء في حوض الحمام.
وأصلحت أنطونيا من طريقة أستلقائها في الفراش , حتى أذا ما دخله وجد فيه متسعا , وكان عليها أن لا تبدي حراكا الى أن يغفو أحدهما.
وبدا لها أنه أخذ وقتا طويلا في الأستعداد للنوم , وأخيرا أنفتح باب الحمام ولكنه لم يغلق , وخيل اليها أنه ترك غرفة الحمام مضاءة والباب مفتوحا ليرى طريقه الى الفراش ويلبس بيجامته.
وكان الفراش جامدا بحيث كان يستطيع أن يدخله من دون أن يثير أية حركة تؤدي الى أيقاظها.
ثم ساد الصمت طويلا , حتى حسبت أنطونيا قبل أن يغلبها النعاس أنه صمت لن ينتهي.
وكانت الساعة بلغت التاسعة صباحا حين أفاقت , وكانت في أثناء الليل زحلت الى وسط الفراش , ولما فتحت جفنيها وجدت أنها وحيدة , ولم يكن كال في غرفة النوم ولا في الحمام , وكان الباب مشرعا , والجانب المحجوب في الغرفة ينعكس في المرآة الملصقة على الجدار.
وغطت أنطونيا وتثاءبت وهي تتساءل أين ذهب وهل كان عليها أن تنهض من الفراش في الحال وتلبس ثيابها أستعدادا لعودته , هذا أذا كان سيعود ثم أنها قد لا تراه ألا عند تناول طعام الغداء , وهذا ما رجحته , فأغمشت جفنيها وأستسلمت لغفوة خفيفة , تعويضا عما فاتها أثناء الليل , ولم تستفق ألا على أدوات مطبخية , فلما فتحت عينيها رأت كال يهييء أبريقا من القهوة الصباحية.
فتبادلا تحية الصباح , ثم قال لها:
" خرجت للنزهة , هل ترغبين في فنجان من القهوة؟".
" نعم , شكرا".
وتناولت رداءها الحريري المبطن وأرتدته فوق ثوب نومها الرقيق قبل أن تخرج من الفراش.
وحين خرجت من الحمام , قال لها:
" هل تتناولين القهوة في الفراش , أنك تخافين أن أتناولها أنا أيضا في الفراش الى جانبك؟".
وكان في الغرفة كرسيان مريحتان قرب الشباك , فتجاهلت أنطونيا ملاحظته التهكمية وجلست في أحدى الكرسيين وقالت له:
" أظن أن الجلوس هنا أهنأ وأريح الآن من الجلوس في الفراش! ".
وفيما هما يشربان القهوة ويأكلان الكعك , بادرها بالقول:
" سنغادر لندن في نحو الساعة الثالثة , أخبرت هاري وجولييت أن لدي مواعيد في روتردام غدا صباحا , وهذا صحيح , عدا أن موعدي الأول هو عند الظهر ...... وسأعود من هناك يوم الخميس, فأذا شعرت بالضجر , فلك أن تتصلي بفاني , لعلها تدعوك الى تناول الطعام معها... وكنت أحب أن أصطحبك في هذه الرحلة , ألا أنني سأكون مشغولا جدا , بحيث لا يكون لي متسع من الوقت للعناية بك , ولا أظن أنك ستجدين لذة ومتعة في التجول بمفردك في مدن غريبة!".
منتديات ليلاس
وفي اليوم الثاني من غيابه , جاءت لورا الى زيارتها وأصرت أن تصطحبها الى السهرة في تلك الليلة , فترددت أنطونيا في القبول , ولكن لورا وعدتها بأنها ستعرفها الى أناس يروق لها معشرهم , وقالت لها:
" يجب ألا تجعلي أخي محور عالمك , فهو لا يسر أذا لم يكن عندك أهتمامات وصداقات خاصة بك, ومن الخير لك وله أن يكون في حقيبتك أخبار تنقلينها اليه عند رجوعه , لا أن تنتظري منه دائما أن يأتيك بأخباره وما جرى له".

نيو فراولة 14-05-11 04:15 PM

وأقتنعت أنطونيا بصحة ما قالته لورا , ولكن حين علمت في الطريق أن السهرة لم تكن في لندن , وأنما في مكان يبعد عنها نحو أربعين ميلا , ساورتها الشكوك غير أنها لم تستطع التراجع لأنها كانت قطعت جانبا من المسافة برفقة لورا في سيارتها.
وكانت لورا تقود السيارة بسرعة فائقة , ولذلك لم تتمتع أنطونيا بالرحلة , مع أن الليلة كانت ليلة صيف والطبيعة في أوج جمالها , وكانت لورا ترتدي سروالا أسود , وقميصا قرمزيا من الحرير الشفاف , وأساورها الكثيرة التي تحيط بمعصمها النحيل ترن وتجلجل كلما حركت يدها اليسرى لتمسك السيكارة باليد اليمنى , وخشيت أنطونيا أن تمنعها كثرة التدخين وفضلا عن كعب حذائها العالي , من أحكام السيطرة على مقود السيارة وهي تسير بتلك السرعة الجنونية .
أما أنطونيا فكانت ترتدي فستانا من الكتان الأخضر الفاتح اللون لا يرتفع عن كاحليها ألا قليلا ولا ينخفض عند الصدر ألا كما تقتضي الحشمة , ويطوق خصرها زنار أخضر غامق اللون ينسجم مع حذائها , وهكذا بدت في غاية البساطة واللياقة والتهذيب.
وحالما وصلتا الى مكان السهرة , أدركت أنطونيا أنها لم تكن في الوسط الذي يليق بها على الأطلاق , وأن هؤلاء الناس لم يكونوا من النوع الذي يرضى لها كال بمعاشرتهم , وأذا كان أحد منهم يثير شيئا من الأهتمام , فلأنه يعمل في التلفزيون أو السينما , غير أن النساء أعدن الى ذاكرة أنطونيا تلك الفتاة الشقراء التي كانت برفقة صديق كال الأميركي الذي ألتقياه عند خروجهما من الفندق في ليلة سابقة.
وعرّفتها لورا الى أحد الرجال , ويدعى باري , وكان أصلع الرأس من الأمام , ألا أنه ترك شعره يطول حتى بلغ أعلى كتفيه , فما أن تعرفت اليه حتى ودعته ومالت عنه , وكان جميع الحاضرين يحيونها ويهتفون لها مرحبين , فهم يعرفونها معرفة حميمة.
وكانت السهرة في باحة تحيط ببركة للسباحة , وتقدم باري نحو أنطونيا وقادها الى مائدة الجلوس والشراب , ثم أخذ يحدثها بأسهاب وشغف , وكأنه لم يطمح الى مبادلته الحديث , وكان وهو يحدثها يتأمل قامتها وفمها , حتى ضاق صدرها وحارت كيف تتخلص منه , وحين أعوزتها الوسيلة قالت له:
" هل تعرف جغرافية هذا المنزل ؟ أرجوك أن تكون دليلي !".
فأندهش باري ولم يفهم ما ترمي اليه , فأفهمته بقولها أنها تريد أن تعرف مكان الحمام!
فلمس باري بساعد أحدى النساء الواقفات على مقربة منه وقال لها:
" هاي جاني , هل تعرفين جغرافية هذا المنزل ؟ أنطونيا تسأل عن الحمام!".
فأجابت جاني بأبتسامة:
" بكل سرور , تعالي معي يا طوني!".
فقالت لها أنطونيا وهما يبتعدان نحو داخل المنزل:
" أسمي أنطونيا لا طوني!".
فقالت لها جاني:
" أنا أسمي جانين ولكن باري يدعوني جاني , فهو يحب أختصار الأسماء ... هل جئت الى هنا برفقته؟".
" كلا , جئت مع لورا كارتر شقيقة زوجي... هل تعرفينها؟".
" لا أظن أنني أعرفها".
ووجدت أنطونيا أن داخل المنزل كان في غاية الفخامة , وكانت تعلم من قبل أنه يخص رودي لانكستر بطل السباق الشهير الذي شاهدته مرارا في التلفزيون , ولكنها لم تحظ بمعرفته وجها الى وجه .
وبعد أن أوصلتها جانين الى الحمام , شكرتها أنطونيا وقالت لها:
" أرجوك لا تنتظرينني .. بأمكاني العودة وحدي".
وأغلقت أنطونيا باب الحمام وأخذت تفكر ماذا تعمل لخلاص من تلك السهرة , كان المنزل بعيدا , ومن المستحيل الحصول على تاكسي تنقلها راجعة الى البيت ولم تعتقد أن لورا تحسب أن من واجبها الأهتمام بالأمر , وأذا فعلت فستغضب وتقود السيارة في طريق العودة بسرعة تزيد عن السرعة التي قادت بها السيارة في طريق المجيء , ولذلك رأت لورا أن من الخير لها أن تحتمل البقاء لساعات أخرى , ثم تطلب من لورا أن تكتفي بهذا القدر من التمتع بالسهرة , وتساءلت أذا كان في ذلك المنزل الضخم غرفة تستطيع أن تلجأ اليها لقضاء الوقت في المطالعة , فأذا فعلت , فلن يلاحظ غيابها غير لورا وباري , وهذان على ما أعتقدت لن يحاولا البحث عنها.
وأخذت تتمشى في المنزل , ولشد ما كان سرورها عظيما حين فتحت أحدى الغرف الخالية في الطبقة السفلى فوجدتها صالحة للجلوس والأستراحة , فدخلتها وأغلقت الباب وراءها بهدوء وسارت نحو رفوف الكتب , وكان عليها كدسة من أشهر المجلات الصادرة حديثا , فتناولت أحدى هذه المجلات وراحت تتصفحها.

نيو فراولة 14-05-11 04:16 PM

وبعد مرور نحو نصف ساعة من الزمن , فوجئت بالباب ينفتح ويدخل منه رجل عرفت في الحال أنه صاحب الدعو , فخاطبها قائلا:
" مرحبا بك , من أنت؟".
وكانت أنطونيا نزعت حذاءها وتربعت على قدميها , فلما رأته حاولت النهوض , فبادرها الرجل قائلا:
" لا , لا تتحركي".
ولكنها لم تسمع له , بل نهضت وهو مقبل نحوها ولبست حذاءها وقالت له:
" أنا أنطونيا برنارد , يا سيد لانكستر , يجب أن أعتذر لك للمجيء الى هنا من دون أستئذان ولكن ألا ترى......".
فقاطعها قائلا:
" السهرة تضجرك , هذا لا يدهشني , فهي تضجرني أيضا , من جاء بك الى هنا؟".
" لورا...... لورا كارتر".
" أوه , لورا؟".
قال ذلك وهو يبدي علامات التعجب , كان بخلاف كال متوسط القامة , ممشوق القوام , في العشرينات من عمرع , بحيث ظهرت ثيابه الحديث الزي أكثر لياقة عليه مما على الرجل الآخر باري .
وقال لها:
"أذن أنت صديقة للورا , ما كان هذا يخطر ببالي لو لم تخبريني , فلا يبدو لي أن هنالك ما يجمع بينكما".
" أخوها يجمع بيننا".
" هل هو صديقك؟".
" كلا , زوجي".
فرفع السيد لانكستر حاجبيه , وكانا سوداوان كشعر رأسه , مما جعله يبدو كأنه من الأسبان , وقال لها:
" ماذا يشغله عنك , كي تذهبي برفقة لورا الى حضور الحفلات الساهرة؟".
" هو مسافر الى خارج البلاد الآن , وهذه أول سهرة أحضرها برفقة لورا وستكون الأخيرة..... لا أقصد أهانة أحد , ولكن مثل هذه السهرات لا تروق لي".
" ولا تروق لي أنا أيضا , وأنني أتساءل أحيانا من أين يأتي هذا الصنف من الناس , ولماذا أتحملهم ؟ هل تناولت طعام العشاء؟".
" كلا , لست جائعة , شكرا".
" هذا لا يجوز , يجب أن تسندي جوعك بشيء من الطعام".
ونهض ليدعو الخادم, ثم قال:
" أين تسكنين في لندن؟".
" نعم".
" دعينا نأكل بعض الطعام , ثم أوصلك بسيارتي الى بيتك – أو ألى أي مكان تشائين".
" وماذا عن سائر ضيوفك؟".
" هم هنا للأكل والشرب , لا للتمتع بصحتي , ولذلك فهم لا ينتقدونني على الأطلاق!".
وهنا دخل الغرفة رجل قصير القامة , فأمره رودي بأن يأتي اليه بزجاجة من الشراب , فأحنى الرجل رأسه وغادر الغرفة.
وقال لها رودي:
" لو كنت زوجتي لأصطحبتك دائما في سفري .. فأنت من الجمال بحيث يجب ألا تتركي وحدك حتى لبضعة أيام".
" هل أنت متزوج , يا سيد لانكستر؟".
" ناديني رودي , أرجوك .... كلا , لست متزوجا ولن أتزوج ألا حين أتقاعد عن العمل وهذا يأخذ وقتا طويلا .... نساء الكثيرين من سائقي السباق يهلكن من شدة التوتر والقلق ... وأنا الآن على علاقات مؤقتة مع النساء .. وأنت , هل تحبين زوجك؟".
فلما ترددت في الجواب قال لها:
" كلا , وألا لما كنت هنا , قد لا تكونين في طلب مغامرة كمعظم هؤلاء النساء , ولكنك ولا شك تطلبين شيئا ما , فهل بأمكاني توفيره لك؟".
فقفزت أنطونيا واقفة على قدميها قائلة:
" أنت مخطىء يا سيد لانكستر , أنا لا أطلب شيئا من هذا , جئت الى هنا لأن لورا أقنعتني أن هذه السهرة هي من النوع الذي يصح لأمرأة متزوجة أن تحضرها من دون زوجها .. ولم يمض بعد على زواجي سوى شهرين , والنساء عادة لا يتعبن من أزواجهن بمثل هذه السرعة , حتى في العالم الذي نعيش فيه!".
" هذا يتوقف على ما للزوج من العمر..... فأنا أعرف زيجات ضجرت منها الزوجة حتى قبل حفلة عرسها وتمنت أن تصبح أرملة ثرية.......".
منتديات ليلاس
ربما , ولكن زواجي غير ذلك , فزوجي ليس متقدما في السن".
وهنا دخل الخادم وهو يقود عجلة عليها مختلف أنواع الطعام والشراب , فأدركت أنطونيا أنها كانت جائعة من دون أن تحس , وبعدما خرج الخادم قال رودي:
" لا تظني بي سوءا , قفلت الباب حتى لا يزعجنا أحد يبحث عن خلوة مع رفيقته , مع أن الوقت لا يزال مبكرا".
قال ذلك ووضع في الصحن شريحة من اللحك المشوي وبضعة أنواع من سلطة الخضار , ثم أخذ فوطة وفرشها على ركبتي أنطونيا قبل أن يناولها الصحن.
وكان في هذه الأثناء علم منها أنها نشأت في أسبانيا , فقال لها:
" أعرف القارة الأوروبية جيدا , ولكنني لم أزر من أسبانيا سوى برشلونة وينيدروم".
" بنيدروم لا تمثل أسبانيا... كانت مدينة جميلة قبل أن تبنى فيها تلك الفنادق الكثيرة فتشوهها وتفسد روعتها".

نيو فراولة 14-05-11 04:17 PM

" كلامك كلام من أعتاد على السكن في الأماكن الممتعة , فلو كنت نشأت في مدينة صناعية بأنكلترا أو ألمانيا , لوجدت أن قضاء أسبوعين تحت شمس بنيدروم أشبه ما يكون بالجنة!".
" لعلك مصيب في ذلك.... من أية مدينة أنت يا سيد لانكستر؟".
" أذا توقفت عن مناداتي بسيد فأنني أسرد عليك سيرة حياتي!".
وقال لها:
" سأرافقك الآن الى لندن... لا تقلقي من أجل لورا فهي بالغة الرشد وتعي ما تفعل".
وكانت العودة الى لندن هادئة رائعة كما وعدها رودي , فهو أحتفظ بأعتداله في السرعة وبسيطرته على السيارة , ولم يتحدثا طويلا وهما في الطريق , ولكن حين أجتازا أحد المراقص قال لها:
" الليل في أوله , فما رأيك أن نقضي هنا ساعة للرقص؟".
فأعتذرت بشدة وقالت:
" أنا متأكدة أن زوجي لا يوافق على ذلك".
" لا أظن أنه يوافق...... ولكن ألا توافقين أنت؟".
فتردت أنطونيا قليلا ثم أجابت:
" لو ألتقيتك قبل أن أتزوج , لسرني أن أراقصك , يا رودي , أما الآن فأنا أخص كال".
" هل ستخبرينه أنني عدت بك الى البيت؟".
" نعم , ولم لا ؟ وسيكون لك من الشاكرين".
وحين وصلا الى البيت , أطفأ المحرك , ثم نزل وسار الى الباب وفتحه لها قائلا:
" سأوصلك الى الداخل".
فسألته قائلة :
" كم الساعة الآن؟".
فأجاب:
" بعد منتصف الليل بقليل!".
وأخرجت مفتاح البيت من حقيبة يدها , فتناوله منها وأداره في القفل , ثم توقف وأنتزع منها عناقا , قبل أن تعي ماذا يفعل.
وهنا أنفتح الباب وظهر كال بنفسه , فتراجعت أنطونيا من شدة الدهشة وصاحت:
" كال , هل عدت؟".
فسألها قائلا بعنف:
" أين كنت في مثل هذا الوقت , أخبريني!".
" كنت في سهرة.. .... هذا رودي لانكستر!".
وللحظة خيل اليها أن زوجها سينهال عليها بضربة قاسية , وهذا ما خيل لرودي أيضا وهو يتراجع مودعا.
فبادره كال قائلا بلهجة قاسية:
" قف! أريد أن أكلمك , يا لانكستر.... أياك أن تدعني أشاهدك برفقة زوجتي مرة ثانية , وألا ندمت كل الندم!".
فأحتجت أنطونيا على كلامه وقالت:
" كان لطيفا كل اللطف معي.. أنقذني من ورطة وقعت فيها ولا يحق لك أن تهدده هكذا!".
فأجابها كال بعصبية:
" ليكن معلوما لديك أنني أهدد أي أنسان يجرؤ على لمسك , أنت زوجتي , أم أنك نسيت هذه الحقيقة؟".
وهنا تدخل رودي قائلا:
" أنت مخطىء يا سيد برنارد , زوجتك أخبرتني منذ البدء أنها لا تهتم بأحد سواك , فلو لم تفتح الباب أنت بنفسك وتراني أودعها لأنهالت هي عليّ باللوم على تصرفي.... لك ملء الحق أن تغضب على هذا الغضب , ولكن أرجوك أن لا تلومها على أمر لم تستطع أن تمنع حدوثه ... وعليك قبل كل شيء أن تسألها عن سبب تغيّبها قبل أن تسارع الى الأستنتاج الخاطىء".
وسار رودي عائدا الى حيث توقفت سيارته , وبعد أن تأملته أنطونيا قليلا , أسرعت الى الداخل وهمت أن تدخل الى غرفة النوم , ولكن كال أقبل عليها وأمسكها قائلا:
" أنقذ لانكستر نفسه بخبث ودهاء..... وأنا أريد منك أنت تفسيرا أكثر أقناعا من تفسيره ,أين كنت الليلة , ولماذا لم تتركي لي رقم التلفون لأتصل بك حين عودتي؟".
وكان كال يسد على زندها بقوة وهي تقول:
"لم يخطر لي بأنك قد تريد مخابرتي بالتلفون ....دعتني أختك الى مرافقتها , ولكنني أصبت هناك بصداع , فتلطف رودي وأوصلني الى البيت.....".
" بالطبع , ولم تبخلي عليه بالمكافأة ! ولو لم أظهر في الباب , لكنت على الأرجح دعوته الى الدخول...".
" أنت تعلم جيدا أنني لا أفعل ذلك".
" وكيف لي أن أعلم؟".
وشدّها اليه فجأة وأحتضنها بين ذراعيه القويتين , كأنه قصد أن يجعلها تشعر بتفوقه عليها , وكم هي عاجزة عن مقازمته أذا أراد أن يقسو عليها.
" كما كان بوسعك أن تعانقيه عناق الوداع هذه الليلة , فكذلك بوسعك أن تعانقيني أنا أيضا".
وكانت هذه هي المرة الثانية التي يعانقها فيها , بعد تلك التي فقد فيها السيطرة على نفسه , ولو لم تكن بعد متأثرة من تصرفه نحوها , لطوّقته بذراعيها , وأستسلمت اليه , وأفلتها كال قائلا لها:
" سنتابع هذا الحديث غدا صباحا..".
قال ذلك وتوارى في الممر الخارجي.

نيو فراولة 14-05-11 04:18 PM

وكان كال هو الذي حمل اليها طعام الفطور في الصباح وبادرها قائلا:
" أين أخذتك لورا في اليلة الماضية؟".
" الى سهرة ظننتها في لندن , فأذا بها في بيت رودي بالريف! ".
" أريد أن أعتذر لك عن سوء الفهم الذي وقعت فيه الليلة الماضية , حين رجعت الى البيت متوقعا أن أراك هنا , قال لي ماركوس أنك ذهبت مع لورا الى مكان ما , فأستولت علي الهواجس , لأن الوسط الذي تعاشره لورا يضم رجالا لا يمكنك أن تدفعي أذاهم عنك أذا فقدوا السيطرة على أنفسهم".
ووقف عند طرف السرير يتأملها , وكان قميص نومها من الكتان المعرق الذي لا شفافية له , ثم قال لها:
" أذكر أنني نبّهتك أن لورا ليست من طينتك , ولم أعتقد , آنذاك , أنك قد تذهبين الى حد التعامل معها , وألا لكنت حذرتك وأخبرتك بالتفصيل عن معاشرتها لقوم لا خير فيهم , وأذا كان رودي لانكستر أعقل قليلا من بعضهم , فهو لا يتورع عن تقبيل زوجة رجل آخر...".
منتديات ليلاس
ورأت أنطونيا بريق الغضب في عينيه الرماديتين فقالت:
" أخبرني أن لورا تتصرف خطأ , فهل بأمكاننا أن نفعل شيئا من أجلها؟".
فأجابها قائلا:
" منذ أن كانت في السادسة عشر من العمر وأنا أنقذها من المشاكل التي تسببها لنفسها , فأذا لم تتعلم بعد من تجاربها , فلن تتعلم من مواعظي وأرشاداتي ولا من تنبيهاتك أنت ونصائحك , فبعض الناس وجدوا لأيقاع الضرر بحياتهم , ولورا واحدة منهم , هذا مؤسف , ولكن لا سبيل الى أصلاحه".
قال ذلك وأضاف:
" هل حقا أصابك صداع ليلة أمس؟ أم نك وجدت نفسك في وضع لا يمكنك أن تتحمليه؟".
فأجابت :
" لم تكن السهرة من النوع الذي توقعت أن يكون".
" لا جدوى من الشفقة على لورا , فهي لم تكن لتهب الى غيرتك لو أصابك مكروه , وأغلب الظن أن هدفها من أصطحابك الى السهرة هو أن تسبب لي الأنزعاج , وعلى كل حال , فأياك أن ترافقيها من الآن فصاعدا أثناء غيابي , من دون أن تتركي لي عنوان المكان التي توجدين فيه".
" سأفعل ذلك.... أنا آسفة لأنني جعلتك تقلق عليّ!".
ونظر كال الى ساعة يده وقال:
" يجب أن أذهب الآن , وسأراك الليلة!".
وفي اليوم التالي , تلفنت لورا , وحين سمعت صوت أنطونيا بادرتها بالقول :
" يا لك من أمرأة ماهرة ! أيمثل تلك السرعة أستطعت أن تفوزي برودي لنفسك ؟ وماذا سيقول أخي أذا أكتشف الأمر ؟ ولكن لا تخافي , فهو لن يسمع الخبر مني!".
فقالت لها أنطونيا:
" أخوك يعرف ما جرى , عاد من رحلته بأسرع مما توقع , وكان في البيت حين أوصلني رودي".
" يا ألهي! هل ثار غضبه؟".
" أنزعج لأنني لم أترك عنوان المكان الذي ذهبت اليه".
" أنزعج فقط ؟ أنا أعرف الناس بأخي , فهو لا ينزعج فقط أذا علم بأن أحدا أوصلك الى البيت في أواخر الليل , بل يجن جنونه.... أين أخذك رودي تلك الليلة ؟".
" لم نذهب الى أي مكان , جئنا رأسا الى البيت , هل تلقيت رسالتي اليك بأنني غادرت السهرة؟".
" نعم ولكنني لم أحملها على محمل الجد , وأنما أستنتجت منها أنك ذهبت معه الى مكان ما لقضاء الليلة في المدينة.......وكم شق ذلك على كاترين !".
" ومن هي ماترين هذه؟".
" رفيقة رودي...... أو رفيقته السابقى .... هل تعرفت عليها؟ فهي شقراء , وكانت ترتدي ثوبا أخضر اللون....".
" كلا , لم أتعرف عليها , ولا مبرر لأنشغال بالها , السيد لانكستر أظهر أنه مضيف يهتم بضيوفه عندما تطوع لمرافقتي الى البيت لصداع أصابني....".
" هل شعرت حقا بصداع؟ يؤسفني أن أسمع ذلك , أيكون أنك حامل منذ الآن؟ هذا غير ممكن!".
" لست حاملا , وأنما أصابني صداع لا أكثر ولا أقل , أعذريني أذ تركتك ترجعين الى البيت وحدك".
" لم أرجع الى البيت , بل قضيت الليل هناك مع آخرين , ثم تناولنا طعام الفطور.... فأنا حين أسهر خارج البين أستغل المناسبة الى أقصى حد".
منتديات ليلاس
وأغلقت لورا خط التلفون تاركة أنطونيا تفكر في الطبيعة البشرية المريضة التي حملت لورا على الظن أن زوجة أخيها , بعد أسابيع قليلة من زواجها , قد تخون زوجها حالما يدير ظهره , وتساءلت أذا كان تصرف لورا عائدا الى أنها تعرف أن أخاها خونها مع أمرأة أخرى , ولذلك يصبح من حقها أن تكون لها الحرية نفسها!
وبعد عشرة أيام عزم كال على السفر مرة أخرى , فقالت له أنطونيا:
" هل لي بمرافقتك هذه المرة؟".
" لو كنت سأنزل في فندق لتمنيت أن ترافقيني , ولكنني في أول ليلتين سأنزل عند أحد الأصدقاء ,ولذلك لا أريد أن يتكرر ما جرى لنا في بيت مارشال , فقد لا أستطيع السيطرة على نفسي كما فعلت آنذاك , فمشاركتك الغرفة الواحدة يهون بالنسبة الى مشاركتك الفراش الواحد!".

نيو فراولة 14-05-11 04:20 PM

وفي الليلة الثانية بعد سفره , تناولت أنطونيا طعام العشاء في بيت رانكن ,كان طوم غائبا عن البيت , وبعد العشاء تفرق الأولاد تاركين والدتهم وضيفتها في غرفة الجلوس , وقالت فاني أنطونيا:
" هل تسمحين لي أن أشتغل بتطريز هذه القطعة من القماش ونحن نتحدث؟ هل أنت من هواة التطريز يا أنطونيا؟".
" كلا , ولكنني أحب أن أكون , وكم أعجبت بالمخدات الجميلة التي صنعتها والتي رأيتها للمرة الأولى في زيارتنا السابقة , فهل تظنين أن بأمكاني أن أصنع مثلها؟".
" ولماذا لا , وبسهولة , خصوص أذا وضعت قطعة القماش ضمن أطار , غير أنني لا أستعمل الأطار خصوصا عندما أكون في السيارة أو في زيارة لأحدى الصديقات , وكثيرا ما أطرز وأنا في المطار أنتظر أقلاع الطائرة.. هل تريدين أن تجربي ؟ سأعطيك بكل سرور قطعة قماش وأبرة وكل ما يلزمك في التطريز..".
وصعدت مع أنطونيا الى غرفة الخياطة وأرتها ما كانت تصنعه لأولادها من ملابس مطرزة أو مشغولة بخيطان الصوف , وقالت لها:
" كان عليّ أن أخيط ثيابا لي في مطلع زواجنا , لأننا لم نكن نملك المال الكافي...... أما الآن فأقوم بذلك لمجرد المتعة ....... ثم أنني لا أحب الثياب الجاهزة لأن معظمها في هذه الأيام مصنوع من مادة أصطناعية لا طبيعية".
وقبل أن ترجع أنطونيا الى البيت في تلك الليلة كانت قد طرزت جانبا من قطعة قماش كغطاء لمخدة , فوجدت العمل ممتعا جدا , حتى أنها حين دخلت فراشها قضت ساعة على الأقل في التطريز , ثم أستأنفته في صباح اليوم التالي.
وبعد ذلك بقيت وحدها في البيت , أذ أن الخادمين ماركوس وزوجته ذهبا لقضاء بقية النهار خارج البيت , وعندما أقترب المساء , رن جرس الباب , وأندهشت أنطونيا حين فتحت الباب ووجدت فاني على العتبة فصاحت:
" فاني! أهر وسهلا بك , أدخلي , ماذا جاء بك الى هنا؟ أنشغلت بالعمل في تطريز المخدة طيلة النهار..".
قالت ذلك وقادت فاني الى غرفة الجلوس, غير أنها سرعان ما لاحظت أن فاني لم تكن هادئة البال كما كانت في اليلة الماضية , فقالت لها متسائلة:
" هل هنالك ما يشغل بالك ؟ الأولاد.......".
فقاطعتها فاني قائلة:
" كلا , كلا , الأولاد بخير , ولكنني أحمل اليك خبرا غير سار يا عزيزتي , طائرة كال خطفت وهي في الفضاء!".
" خطفت ؟ كيف عرفت؟".
" الخبر لم يذع بعد , بل أرسل بالتلكس الى مكتب كال , في لندن , ومن هناك نقل الينا بالتلفون , وكان كال ترك تعليمات بأن أي مكروه قد يصيبه بجب أن نتلقى خبره , أنا وطوم , أولا لكي يكون أحدنا معك حين ننقله اليك".
وطوقتها فاني بذراعيها كما لو كانت أبنتها وقالت:
" سأبقى بلقرب منك الى أن نسمع بأن كل شيء أنتهى الى نتيجة حسنة وأن كال في طريقه الى هنا , لا تخافي , كل شيء سيكون على ما يرام... أنا متأكدة من ذلك.. كال له تسع أرواح!".
وأنشدّت أنطونيا الى فاني قليلا , ثم سيطرت على نفسها وسألت فاني قائلة:
" من خطف الطائرة , هل تعرفين؟".
" كلا , لا أحد يعرف التفاصيل بعد ...... هل ترغبين في كوب من الشراب؟".
وسارت فاني الى المطبخ , ثم أضافت قائلة:
ط لنفتح التلفزيون الآن , لأن بين ركاب الطائرة , على ما يبدو , بعض الأشخاص البارزين , مما يجعل القائمين عليه يوردون أخبار خطف الطائرة تباعا حال ورودها".
" حسبت أن المراقبة أصبحت شديدة في المطارات هذه الأيام, للحد من محاولات الخطف.......".
فأجابت فاني وهي تعود حاملة كوبي الشراب:
" وأنا كذلك كفانا أرهاب لا جدوى منه سوى أقلاق راحة المئات , بل الألوف من الناس الأمنين!".
" نعم , خطف الطائرات مثل القرصنة في الأيام الماضية , وأذا كان قضي على القرصنة فلأن القرصان كان يعدم حالما يقبض عليه! هكذا سمعت كال يقول مرة".
" أوافقه على هذا الكلام , مع أنني ضد الحكم بالأعدام على وجه الهموم , فالذين يقتلون الآخرون من دون مبرر ولا تمييز يجب أن يعاملوا كالكلاب المسعورة".
" أخشى أن يفقد كال صوابه أذا مسّ شعوره أحد الخاطفين..".
" نعم , كال شديد الغضب , ولكنه على ما أعرف يتحلى بالقدرة على ضبط النفس , فلا أظنه يتصرف بحمق يا عزيزتي , فهو رجل يشعر بالمسؤولية أتجاه الآخرين على الأقل , فلا يعرضهم للخطر بتصرفاته ...والآن أخبريني كيف تعرفت عليه؟".
" جاء الى شراء منزل والدي الريفي".
" هل كان حبك له حبا من أول نظرة؟".
ولما ترددت أنطونيا في الجواب أستدركت فاني قائلة:
" هذا سؤال تافه , أذ كيف لأحد أن يقع في حب غريب؟ فالحب الحقيقي يأخذ وقتا طويلا على ما أظن!".
وكان على فاني وأنطونيا أن تنتظرا أذاعة نشرة الأخبار المسائية الأولى فكان كل ما عرفتاه هو أن الطائرة لا تزال محلقة في الفضاءلأن مطارين حتى الآن رفضا السماح لها بالهبوط , ولم يكشف النقاب بعد عن هوية الخاطفين على نحو مؤكد.

نيو فراولة 14-05-11 04:21 PM

وهنا دخل طوم وأعلن أن على أنطونيا أن تقضي تلك الليلة مع فاني ومعه في بيتهما , فقالت أنطونيا:
" هذا لطف منك يا طوم , ولكنني أفضل أن أبقى هنا , فالطائرة لا بد أن تهبط قريبا لحاجتها الى الوقود , وأذا تغلب الخاطفون فأول ما سيفعله كال هو الأتصال بي , ثم أن روشيو لا بد أن تقلق كثيرا على كال حين تعلم بالخبر , فتحتاج حينئذ اليّ للتخفيف عنها وفوق هذا كله , فمن الخير ألا نزعج الأولاد بحادث كهذا , ولكن ليت فاني تبقى معي هذه الليلة يا طوم!".
فأجابها طوم:
" بكل تأكيد يا عزيزتي , أهنئك على شجاعتك في مواجهة هذا الحادث المؤسف!".
فقالت وهي تكاد تختنق بالدموع :
" أنا نصف أنكليزية كما تعلم , ودمي كما يقال بارد".
ودعت طوم الى مشاركتهما في تناول طعام العشاء , فقبل الدعوة , وبعد أن سمعوا نشرة الأخبار المسائية الثانية التي لم تحتو على معلومات أضافية عن مصير الطائرة , ودّعهما طوم عائدا الى بيته.
ورجع ماركوس وزوجته روشيو الى البيت في ساعة متأخرة من الليل وكانا قد سمعا بخبر خطف الطائرة ولكنهما لم يعلما بأن كال في جملة المخطوفين , ولما علمت روشيو بالأمر عمدت , كما توقعت أنطونيا , الى البكاء والنحيب , مما حمل فاني على تأنيبها , ذلك أن أظهار عواطف الحزن , على هذا النحو , ليس من تقليد الأنكليز , حتى أن أنطونيا وهي نصف أنكليزية , تعلمت منذ الصغر أن تواجه المصائب بشجاعة وضبط نفس , فما كان منها ألا أن كلمت روشيو بالأسبانية لتخفف عنها وتهون عليها , ثم أشارت عليها أن تأوي الى فراشها , ففي الصباح لا بد أن يطلق سراح المخطوفين وينتهي الأمر.
منتديات ليلاس
وبقيت أنطونيا وفاني جالستين الى أن أغلقت محطة التلفزيون , وكانتا , طوال هذه المدة تطرزان وتتجاذبان أطراف الأحاديث , مما ساعدهما على الصبر والسلوان.
وكانت فاني مهتمة بمعرفة الفرق بين الحياة في أسبانيا والحياة في أنكلترا , فهي لم تكن تعرف أسبانيا ألا من خلال رحلتين سياحيتين قامت بهما الى تلك البلاد.
كانت أنطونيا تجيب على أسئلتها من دون أن تغيب من مخيلتها صورة كال وهو جالس في طائرة تسيطر عليها عصابة من الأرهابيين الأشرار , وشرد بها الخيال الى رؤية الطائرة وقد هبطت هبوطا أضطراريا في مكان ما , فأذا ببعض المخطوفين قضوا نحبهم والبعض الآخر في حالة يرثى لها , ومن بين هؤلاء كال نفسه , وهنا تأوهت آهة صادرة من أعماق قلبها , مما أسترعى أنتباه فاني فقالت لها:
" ما بالك يا عزيزتي؟".
" لا شيء على الأطلاق , كنت غارقة في التفكير..".
فأشارت عليها فاني بأن تتناول دواء يعينها على النوم , فأجابتها ألا دواء عندها من هذا النوع , وهي لم تقتنيه في حياتها.
" وأنا لا أقتنيه أيضا , ولكنني أعتقد أنه مفيد في مثل هذا الظرف... هل تتعرفين من هو طبيب كال الخاص ؟ فمع أن الوقت ليل فلا بأس أن تستشيريه في الأمر..".
" لا أظن أن لكال طبيبا خاصا , هذا شيء لم نأت على ذكره حتى الآن".
ودهشت فاني لكلامها , أذ كيف يعقل ألا يكون لأمرأة في مطلع زواجها طبيب خاص , فسواء عزمت على الحبل في الحال أم أرجائه الى حين , فلا بد من الخضوع الى رعاية طبيب أخصائي , على أن فاني أكتفت بالقول لها:
" يحسن بك أن تبحثي هذا الأمر مع كال عند رجوعه , فمن الضرورة أن يكون لكما طبيب خاص في مطلق الأحوال , والآن , فأذا لم يكن لديك حبوب منومة , فبأمكانك أستدراج النعاس الى أجفانك بتناول كوب من الحليب الساخن...".
منتديات ليلاس
ولكن بالرغم من كوب الحليب الساخن والأعياء الذي كانت تشعر به , فأنها أحتفظت بوعيها التام وهي مستلقية في فراشها الزوجي العريض الذي لم يشاركها فيه زوجها بعد.
وكان أشد ما جال في خاطرها أيلاما أن يموت كال , كأن لم يكفها موت حبيبها الأول باكو , وهنا أدركت الى أي حد ستكون نكبتها الجديدة أذا وقعت لا سمح الله , قاسية لا تطاق , ومن خلال هذا الأدراك تبيّن لها مقدار تقدمها في التعلق بحب كال , حتى أنها لم تفكر في باكو لعدة أسابيع خلت , وأذا أستمر التقدم الذي تحقق في غضون شهرين من بدء زواجهما , فلم يكن بمستغرب أن تبلغ الهدف في وقت قريب , وهنا تساءلت هل يختفي كال بزواجهما مرة ثانية كما وعد؟ وهل يا ترى سيعود ؟ ومتى؟ أم أنها الآن أصبحت أرملة من دون أن تدري؟ أرملة لم تتزوج في الواقع بعد؟
ورزحت أنطونيا تحت عبء هذه الأفكار السوداء , فوضعت وجهها على المخدة وأخذت تشهق بالبكاء الى أن غلبها النعاس , فأستسلمت اليه.

نيو فراولة 14-05-11 04:22 PM

وأستيقظت أنطونيا على رنين جرس التلفون الخافت قرب سريرها , فتناولت السماعة وهي نصف نائمة وصاحت:
" هلو!".
" أنطونيا؟ أنا كال , أنا بخير , كلنا بخير!".
فأنفتحت عيناها واسعتين عند سماعها صوت كال , وهبت جالسة في فراشها وهي تصيح:
" أين أنت؟".
وكان صوت كال عاليا كأنه يتكلم من مكان قريب , في حين أنه كان على بعد مئات الأميال , وقال لها:
" ستسمعين التفاصيل في نشرة أخبار التلفزيون هذا النهار , ولذلك فلا لزوم لسردها عليك الآن , خصوصا وأنني متعب بسبب ما عانيت في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة , على أنني سأوصل القيام برحلتي كما بدأتها , وسأعود الى لندن يوم الجمعة , هل أنت بخير؟".
" نعم , نعم .... بخير , فاني هنا معي في البيت منذ سمعت بخبر الطائرة , أو يا كال , كم أنا مسرورة لسلامتك!".
" وأنا كذلك , مرت علي لحظات ظننت فيها أنني سأفقد رأسي , ولكنه بقي في مكانه , يجب أن أودعك الآن الى يوم الجمعة......".
وقبل أن تجيب أغلق الخط , وفيما هي تضع السماعة في مكانها , طرق البب ودخات فاني وهي تقول:
" سمعت رنين جرس التلفون , ولكنني أنتظرت الى أن أعدت السماعة الى مكانها, فهل كال بخير؟".
" نعم , نعم , يا له من خبر سار لم يكن لديه مجال للدخول في التفاصيل , ولكنه سيعود يوم الجمعة .... آه , كم أنا مشتاقة الى رؤيته.... ليته يحضر قبل ذلك اليوم".
فقالت فاني:
" كم أنا مسرورة لأجلك يا عزيزتي , دعيني أضمك اليّ مهنّئة , ولا تنسي أن كال أقرب أصدقاء طوم اليه , وأولادنا يحبونه كثيرا.. لو كان أصابه مكروه.....".
ولم تستطع فاني أن تكمل عبارتها , فقالت أنطونيا:
" لو أصابه مكروه لما أستطعت أن أتحمل , لأثرت الموت , أوه يا فاني , أنني أحبه..... أحبه كثيرا!".

نيو فراولة 14-05-11 04:24 PM

5- وداعا يا حبيبي



وفي مساء ذلك اليوم , أطلعت أنطونيا على تفاصيل خطف الطائرة وعلى المقابلات الصحافية التي أجريت مع المخطوفين العائدين الى لندن , وتوقعت أن يخاطبها كال بالتلفون مرة أخرى , ولكنه لم يفعل فشعرت بالحرج والضيق.
وفي اليوم التالي نشرت الصحف قائمة بأسماء المسافرين على تلك الطائرة المخطوفة , فلم يتوقف التلفون عن الرنين للسؤال عن صحة كال , خصوصا لأنهم , وهم أصدقاؤه ومعارفه , لم يشاهدوا وجهه على شاشة التلفزيون في الليلة الفائتة.
وألى ذلك الحين لم يخاطبها كال بالتلفون , فقالت لنفسها قد يكون السبب أنشغال الخطوط التلفونية لكثرة المكالمات , وهو لا بد أن يخبرها متى ستحط به الطائرة في مطار لندن يوم الجمعة لتكون في أستقباله!
وكان شعورها بأنها تحب رجلا حيا , لا رجلا ميتا , قد بعث في نفسها الأرتياح , فهي منذ وقت طويل شعرت بأن قلبها مات مع باكو ولن يعود الى الحياة , ولكن المستقبل الآن تحوّل الى أفق لا حدود له من الأمكانات والأحتمالات , بعد أن كان في نظرها خاليا كسطح القمر.
منتديات ليلاس
فأن تصبح ملأى بالحياة مرة أخرى بعث فيها أحساسا غريبا , سيمضي وقت طويل قبل أن تتعود عليه , وأدركت أن خالتها وأمها كانتا على صواب , فعاطفتها نحو باكو , بالقياس الى حبها لزوجها , لم تكن سوى نزعة جامحة لا أكثر.
وحين أسترجعت تلك العلاقة مع باكو أدركت أنها كانت هي الشريك المسيطر , فلو كان كال محل باكو , لكان هو الذي أقترح ونظم عملية الهروب للزواج بها , أو لكان رفض القيام بها , كان كال رجلا بكل معنى الكلمة , وأما باكو فكان شابا ضعيف الشخصية قد يشتد عوده مع الأيام على أنها لا تستطيع ألا الشعور بالحنان نحوه وأن تلوم نفسها لأنها السبب في موته المبكر , وأن كانت وقعت في غرامه , فلأنه كان وسيما.
غير أن كال هو الآخر , يحوز على أعجابها , ولكن بطريقة أخرى , كان صلبا , واثقا من نفسه , مما جعله موضع ثقة وأطمئنان , فلا يمكن لأمرأة أن تسيطر عليه , ولكنه أذا أحب أمرأة فلا حدود للتساهل والتسامح معها.
خطرت هذه الأفكار ببال أنطونيا وهي تنتظر رجوع كال من رحلته , حتى توصلت في آخر الأمر الى التساؤل أذا كان حب زوجها لها بقي كما كان يوم عرض عليها فكرة الزواج به.
ففي ذلك الحين قال لها: ما أن أنطر اليك حتى أريدك , وهذا قول ينم عن رغبة فقط لا عن حب بالمعنى الصحيح.
ثم أنها في بادىء الأمر أعتقدت أن الحب شيء لم يختبره , مكتفيا بالعلاقات العابرة , أما الآن , فعلمت مما قالته لها لورا أن هناك أمرأة تمنى أن يقيم معها علاقة أبعد من ذلك .
وخيل اليها أن ديانا وبستر تناسبه من كل الوجوه , فهي ذكية , مستقلة الرأي , قادرة على النجاح في حقل لا يزال يسيطر فيه الرجال , وأذن , فكيف لها , هي أنطونيا , أن تنافس أمرأة كهذه من الناحية العقلية؟ بل كيف لها أيضا , حتى في الأنوثة , أن تتطاول عليها وهي لا تقل عنها جمالا وذوقا في المسلك واللبس؟
منتديات ليلاس
على أن الجمال , في آخر الأمر مسألة ذوق , ولعل كال يؤثر أن يرى عند الصباح رأس أمرأة شقراء لا سمراء.
وجاء يوم الجمعة بعد طول أنتظار , ولكن بدون أن تعرف بالتحديد متى يصل كال الى البيت , ولولا أنهماكها في التطريز كل تلك المدة لأنهارت أعصابها من فروغ الصبر , وبعد أن تناولت طعام الفطور لبست وتزينت بمنتهى العناية , على الرغم من أنها كانت على يقين أن كال لن يحضر قبل وقت العصر.
وبدت لها ساعات بعد الظهر لا تنتهي , وأسفت , وهي تصنع آخر قطبة في غطاء المخدة الذي تطرزه , أنها لم تشتر وجه مخدة آخر حين مرت البارحة أمام حانوت مختص ببيع مواد التطريز.
وحاولت أنطونيا أن تركز على المطالعة , فلما وجدت ذلك مستحيلا دخلت المطبخ لتتحدث الى روشيو التي كانت تهيء العشاء أحتفاء بعود كال .
وجلست أنطونيا على كرسي مرتفع وراحت تراقب روشيو في عملها , قالت لها روشيو:
" ليس هنا مكانك الآن يا سيدتي , فرائحة البصل تفسد ثيابك وشعرك".
" لا بأس , زوجي يحب رائحة البصل".
" أنني أتساءل ماذا ستكون هديته لك هذه المرة".
" هو لا يحمل لي هدية حين يعود من رحلاته".
" هل نسيت؟ اليوم ذكرى مرور شهرين على زواجكما , فحين مرّ شهر واحد أهداك ذلك العقد الرائع , ولعله بعد مرور شهرين يهديك أسوارة تنسجم مع العقد , فهو لا ينسى التواريخ يا سيدتي , حتى لو نسيتها أنت وكان عليّ أن أذكرك بها.......".

نيو فراولة 14-05-11 04:25 PM

وفي تلك اللحظة رن جرس التلفون , فقفزت أنطونيا من مكانها وأنتزعت السماعة وقالت:
" أنطونيا برنارد!".
فجاءها جواب كال:
" سأكون عندك بعد نحو ساعتين!".
" هل عدت؟ آه يا كال لماذا لم تخبرني قبل الآن عن عودتك؟ كان في ودي أن أذهب للقائك , أين أنت. في المطار؟".
" كلا , في مكتبي , يجب تصريف بعض الشؤون المستعجلة حتى لا أعمل غدا , سأحاول أن أصل الى البيت قبل الخامسة ليكون أمامي متسع من الوقت للأستحمام وتغيير ثيابي قبل الخروج لتناول طعام العشاء.....".
" ولكن.......".
وقبل أن تتمكن من أخباره أن روشيو تعد له عشاء خاصا قاطعها قائلا:
" هل نسيت دعوتنا الى الحفلة؟ هذا شيء مزعج , ولكن علينا أن نلبي الدعوة , ويمكننا ألا نمكث هناك أكثر من ساعة واحدة.
وأغلق الخط كعادته حين لم يكن لديه شيء يقوله , فقالت له روشيو:
" ما الخبر يا سيدتي ؟ لماذا أراك قلقة متجهمة الوجه؟".
" لا شيء يقلق يا روشيو ....... أنما نسيت أن علينا الذهاب الى حفلة أستقبال قبل أن نتمكن من تناول عشائنا".
وبعد مضي ساعتين أو أكثر حضرت أحدى سيارات الشركة يقودها سائق خاص , ولما توقفت أمام البوابة الأمامية نزل منها كال قبل أن يتمكن السائق من فتح الباب له.
ظنت أنطونيا أنه سيأتي من المطار مباشرة , فعزمت أن تسرع نحوه وتعانقه دليلا على فرحه بعودته اليها سالما معافى , ولكن فجأة فقدت حماسها للقائه على هذا النحو.
وسار كال بأقدام ثابتة في الممر الخارجي , فرأى أنطونيا واقفة في الشباك تلوح له بيدها , ثم أسرعت الى مدخل البيت ترحب به , فقال لها معانقا:
" كيف حالك يا حلوتي!".
وأقبل ماركوس وروشيو يرحبان بسيدهما , ثم لم يلبثا أن أنسحبا تاركين كال وأنطونيا ليخلو لهما الجو , على أن كال بعد أنسحابهما لم يرافق أنطونيا الى غرفة الجلوس بل قال لها:
" الوقت أمامي ضيق , فالأفضل أن أسارع الى الأستحمام وتغيير ثيابي في الحال , ويمكننا أن نتحدث ونحن في طريقنا الى الحفلة... قولي لروشيو أن تضع لهاريسون السائق أبريقا من الشاي......".
وراقبت أنطونيا زوجها يصعد الدرج الى الطبقة العليا , فأبتسمت وألتفتت الى السائق ودعته قائلة:
" تفضل الى المطبخ".
فلو كانت العلاقة بينها وبين كال علاقة زوجية طبيعية لرافقته الى الحمام وجلست على حافة الحوض تحدثه وهو يستريح في الماء الساخن ,أما والحالة كما كانت عليه , فلم تره ألا بعد أن أستحم ولبس ثيابه ونزل الى غرفة الجلوس وعليه أمارات الراحة والهدوء , وقال لها:
" لدينا وقت لتناول فنجان من الشاي أو القهوة , فماذا تفضلين؟".
" القهوة!".
وطلبت أنطونيا من روشيو أعداد فنجانين من القهوة , ثم خاطبت كال قائلة:
" كم شعرت بالقلق عليك يا كال!".
" نعم , أنتظار الأخبار يهلك الأعصاب... وأرجو ألا أجبر على تكرار سرد ما حدث ردا على أسئلة الذين سيحضرون الحفلة , تحدثت عن هذا الأمر ما فيه الكفاية! هل أزعجك الصحافيون بأسئلتهم؟".
" هنالك قائمة قرب التلفون بأسماء اللذين أتصلوا للأطمئنان عليك!".
" سأقرأها في وقت آخر... في هذه الليلة أريد أن أنسى كل شيء..".
وألتفت فرأى المخدة التي قامت أنطونيا بتطريزها , فصاح :
" ما هذا؟".
" فاني علمتني التطريز , فساعدني ذلك على تمضية الوقت في غيابك".
وراقبته وهو يدير قرص التلفون ثم تحدث الى فاني بمودة وهو يحتسي الشاي.
ثم قال لأنطونيا بعد أن أنهى حديثه:
" حان وقت أنصرافنا ......هيا بنا يا عزيزتي!".
وكان هاريسون في السيارة يقرأ الجريدة , وحين رآهما نزل من السيارة وفتح لهما الباب الخلفي, وفي الطريق الى مكان الحفلة , قال لها كال:
" وجدت بأنتظاري في المكتب تفاصيل منزلين للبيع , وسنذهب غدا لنراهما..".
وعدا ذلك لم يدر بينهما حديث يذكر , أذ جلس كل منهما بعيدا عن الآخر كأنهما لم يكونا عريسين , وكأن أحدهما لم يرجع حيا من بين شدقي الموت , ورغبت أنطونيا الأقتراب منه وألقاء خدها على كتفه , ولكن كال كان يحدق الى الأمام وهو غارق في التفكير بأمور لا علاقة لها بها.
وحين وصلا الى مكان الحفلة , لم تر بين الحضور لأول وهلة وجها تعرفه , الى أن حانت منها ألتفاتة الى صدر القاعة فلمحت ديانا وبستر , فتساءلت هل كان كال يعلم أنها ستكون في الحفلة؟ ألهذا السبب أصر على الحضور ,مع أنه قال لها مرارا أنه يكرح الحفلات التقليدية.

نيو فراولة 14-05-11 04:26 PM

ولقي كال , كما توقع , أناسا كثيرين همهم أن يعرفوا تفاصيل ما جرى للطائرة المخطوفة , وأقبلت ديانا نحو أنطونيا من بعيد , وكان بوسعها أن تتجاهل وجودها , ورأت أنطونيا أنه كان على ديانا أن لا تقبل نحوها لئلا يتندر الحاضرون بمرأى زوجة كال ورفيقته الابقة جنبا الى جنب , على أن ديانا لم تكن من النساء اللواتي يخطر ببالهن مثل هذه الخواطر , فهي لم تسلم على أنطونيا فحسب , بل دعتها الى الجلوس في مقعد قريب , وتساءلت أنطونيا ماذا يمكن لكال أن يفكر حين يراهما معا.
وقالت لها ديانا:
" ما أجمل ثيابك".
وكانت أنطونيا ترتدي ثيابا أنكليزية الصنع والتصميم , ألا أن حذاءها كان أسبانيا , ذلك لأنها وجدت الأحذية الأنكليزية باهظة الثمن وواسعة من الأمام فلا تنسجم مع قدمها النحياة.
وقالت لديانا:
" مهنتك صعبة جدا ... فماذا أغراك بها؟".
منتديات ليلاس
" أتخذت مهنة العمل في التلفزيون صدفة , وبعد أن درست الأدب الأنكليزي في جامعة أكسفورد وكان في نيتي أن أمتهن التدريس , غير أنني ككثيرات غيري من الفتيات الذكيات لم أحترس في معاشرة الرجال , فحصل ما حصل.... كان ذلك مصيبة آنذاك , خصوصا أنه كان علي أن أقضي الشهرين الأخيرين في الفراش , ولحسن طالعي كان والد أبني في وضع مالي يمكنه من أعالتي , ولكنني كرهت أن أكون عالة عليه , فأقترح أحد الأصدقاء عليّ أن أعمل في شركة التلفزيون , وتدرجت في هذا العمل الى أن بلغت مكانة مرموقة , وهكذا أنقلب ما أعتبرته مصيبة الى عكسها , فلي مهنة تناسبني أكثر مما كانت تناسبني مهنة التدريس , ولي أبن يشبهني في كثير من الوجوه".
" كم عمره؟".
" 14 سنة , وأنا اليوم في الخامسة والثلاثين من العمر".
وفكرت أنطونيا أن ديانا , أذن أكبر سنا من كال , وتعجبت لهذا الواقع , أذ حسبت أن ديانا لم تكن تتجاوز الثلاثين من عمرها , ذلك أن وجهها غض البشرة , لا أثر للتجاعيد فيه.
وتابعت ديانا كلامها قائلة:
" العمل في التلفزيون كالعمل في الصحافة , ولكن هنالك متعة في الظهور أمام الجمهور ... أنت , هل تخليت عن مهنة ما عندما تزوجت كال؟".
فأجابتها أنطونيا :
" كلا , كان بودي أن أتابع دراستي الجامعية ألا أن ذلك لم يرق لعائلتي!".
" وكيف قبلت بأن يمنعوك من ذلك؟ يجب أن يكون مزاجك مطواعا أكثر مما ظننت".
ومع أن ديانا نطقت بهذه الملاحظة بلباقة وخفة ظل , ألا أن نطونيا أشتمت فيها شيئا من اللؤم فقالت:
" كان ذلك مخيبا للآمال , ولكنه كما في تجربتك أنت أنقلب الى الخير , فلو ذهبت الى الجامعة , لما كنت هنا زوجة لكال".
" ومغرمة به على ما يبدو....... هذا يلائم مزاجه كل الملاءمة!".
" كل أنسان يلائمه الحب........".
" نعم , ولكن ضمن المعقول , فالمبالغة في الحب أمر خانق , غير أن كال , لا يسمح لأية أمرأة أن تتدخل في أستقلاله......فأنا أعرفه حق المعرفة .... لصداقتي مع لورا!".
" نعم..... أخبرني أنك ولورا من المؤمنات بحركة تحرير المرأة !".
" وهل حذرك من خطر تعاليمها؟".
" أعرب لي عن آرائه في هذا الموضوع ....... ولم يقل لي ماذا عليّ أن أعتقد!".
" وماذا تعتقدين؟".
" بما أنني عانيت الكبت والقمع من النساء لا من الرجال , فأنا لا أميل الى وضع الحق على الرجال في كل ما عانيت من مصاعب في الحياة".
" تقصدين أمك؟".
" كلا , أمي أمرأة طيبة القلب , ولكن لي خالة متجبرة أستبدت بأدارة البيت بعد وفاة جدتي!".
" لا بد أن خالتك تعاني من خيبة أمل , فيجب العطف عليها , فلو سمح لها بالخروج طليقة الى العالم والعمل بما هو أكثر أبداعا من أدارة الشؤون المنزلية , لما أصبحت متجبرة مستبدة... وأنا أعلم أنني لو عشت منذ نصف قرن لجن جنوني بسبب أضطراري للخضوع لمشيئة والدي الى أن يأتي من يتزوجني أو أبقى عانسا مسحوقة طول حياتي ".
" أوافق على كلامك , ولكن ليس الى حد أعتبار أدارة الشؤون المنزلية عملا لا أبداع فيه.. هل تعرفين طون رانكن وزوجته فاني؟ ".
" كلا".
" فاني رانكن لها سبعو أولاد وبيت كبير تدير شؤونه وهي أمرأة واسعة الأطلاع وحلوة المعشر الى حد بعيد , حتى أنها جعلت من كونها زوجة عملا فنيا قائما بذاته , فحين يكبر أولادها تكون أرسلت الى العالم بسبعة أشخاص مثقفين , فأذا لم يكن هذا أنجازا عظيما , فما هو الأنجاز العظيم أذن؟".
وقبل أن تتمكن ديانا من الأجابة سمعت كال يقول:
" لا بد أنك تكررين أنشودتك المفضلة يا ديانا.... ولكنك لن تستطيعي أقناع أنطونيا بآرائك .... فهي مغسولة الدماغ جيدا من أصحاب الآراء المعاكسة...".
فأجابته ديانا على الفور:
" لا أحلم بأن أكون قادرة على أقناع زوجتك يا كال , فأنت تجهل التطور الذي طرأ على آرائي , كنت ضد الزواج فيما مضى , ولكنني الآن أعترف بخطأ ذلك".

نيو فراولة 14-05-11 10:07 PM

ونهضت ديانا من مكانها ووقفت وجها لوجه أمام كال وقالت له:
" لو عشت سنواتي الماضية من جديد , لما جزمت بأن الزواج لا يلائمني , بل كنت أذا جاءني من أحب تخليت مسرورة عن مهنتي وتزوجته من دون تردد ....أما الآن ففاتني القطار".
ورمقت أنطونيا بنظرة وقالت لها:
" وداعا يا سيدة برنارد".
وفيما هي تشق طريقها وسط الجمع قال كال لأنطونيا:
" دعينا نخرج من هذا الجحيم!".
" هيا!".
ولزم كال الصمت في طريق العودة الى البيت , فتساءلت أنطونيا أذا كان نادما لأنه لم يجتهد بما فيه الكفاية لأقناع ديانا بالزواج به.
وبعد حين قالت لكال:
" هل ألتقيت أبن ديانا وبستر يا كال؟".
نظر اليها وقال:
" يا ألهي! هل أخبرتك قصة حاتها؟ نعم ألتقيت بأبتها , فوجدته فتى لا بأس به أذا قيس بوالد الذي هو نموذج أنساني تعس!".
" لماذا؟ ألأنه لم يتزوج ديانا؟".
" كان يريد أن يتزوجها على ما أظن , ولكنها هي التي رفضت , قلت ذلك عن الرجل لأنه سمح لها أن تنكر عليه رؤية ولده , فهو لا يعرف عنه شيئا ألا من التقارير!".
وفي تلك الليلة , وهي في فراشها راحت تفكر في قول ديانا لها : أنت مغرمة بكال على ما يبدو.. هذا يلائم مزاجه الى حد بعيد!".
وتساءلت أنطونيا كيف بدا لديانا ذلك؟ وأذا كان بدا لها , فلماذا لم يبد لكال؟ فهل وقعت في غرام رجل لا يهتم ألا بالمشاكل العملية؟ ثم تذكرت أحد الكتب التي وجدتها في غرفته , وهو كتاب شعر , فمن يعنى بقراءة الشعر لا يكون أنسانا عاديا..
وأنتهت أنطونيا في تفكيرها الى الجزم بأنها تحبه ولكنها لا تفهمه , ثم أغمضت عينيها لتستقبل النوم بحسرة عميقة.
حالما رأت أنطونيا المنزل المسمى مالبري لودج أدركت أنها , أذا أستطاعت أن تجعل كال يقع في غرامها – فأنها ستكون سعيدة جدا بالأقامة معه , كان منزلا قديما صغيرا , حجارته قرميدية أعاد الى ذاكرتها سفوح الجبل الكائن وراء فنكادي لافيسيدا بأسبانيا , وكان المنزل خاليا بعد أن سكنته أمرأة في الرابعة والثمانين لم تعد قادرة على تدبير شؤونه وصيانته , وعلى الرغم من حاجته الى الترميم , فأنه بدا رائع الجمال ويخيم عليه السحر , وكانت تحيط به حديقة غناء , مغطاة بالعشب الأخضر , ولا يعوزها ألا شيء من العناية لتعود الى سابق عهدها من الروعة.
منتديات ليلاس
على أن المطبخ وتوابعه لم يرق لكال , ولكن أنطونيا رأت أن هذا النقص يهون لو أخذ كال بعين الأعتبار غرفة الجلوس ذات الجدران الخشبية والنوافذ العالية , والموقدة الضخمة التي تتصدرها , وتخيلت أنطونيا في الحال تلك النوافذ وعليها ستائر طويلة الى الأرض , كما تخيلت وجود مقعدين طويلين مريحين على جانبي الموقدة , تتوسطهما سجادة شرقية , وتعلوهما هنا وهناك لوحة تمثل منظرا للريف أو البحر.
بقي عليها أن تعرف رأي كال , ألا أنها ترددت في سؤاله مخافة ألا يشاركها حماسها للمنزل , وكانا قد شاهدا منزلا قبل الظهر , فلم يبد كال رأيه فيه , ذلك المنزل أقرب الى لندن وأكثر ترتيبا من هذا المنزل .
وقالت له بعد أن فرغا من الطواف في الحديقة:
" هل نعيد النظر في داخل المنزل مرة أخرى؟".
فأجابها وكأنه أتخذ قراره ولكنه لا يمانع في تلبية طلبها :
" نعم , بكل تأكيد , فلدينا متسع من الوقت".
وفي أحدى الغرف المشمسة في الطبقة العليا قالت له:
" هذه غرفة للأطفال... آه ما أجملها!".
فبادرها قائلا:
" هل ملاحظتك هذه نظرية أم عملية؟".
فحوّلت نظرها نحو النافذة وقالت:
" حسبت أن رغبتك في أنجاب الأولاد هي أحد الأسباب التي دفعتك للزواج بي....".
" نعم , أحد الأسباب!".
وتساءلت أنطونيا عما يجول في خاطره : هل يكون أنه بعد أن عرف أن ديانا غيرت رأيها في الزواج , لم يعد مستعجلا ! بل فضل التفكير على مهل في فسخ عقد زواجه؟ فأذا كان الأمر كذلك , فلماذا جاء بها لشراء منزل؟ أم هل هو يا ترى من الرجال الذين أذا تزوجوا يحافظون على زواجهم , لا لسبب عاطفي بل لأنهم وقّعوا بأمضائهم على عقد ولا يريدون ألغاءه.
وتابعت أنطونيا تفكيرها , فقالت لنفسها:
" أذا كان كال قويا الى حد أخراج ديانا من حياته , فأنا أيضا يجب أن أكون قوية الى حد الوقوع في غرامه وأعطائه كل شيء من غير مقابل , ولكن كيف أتأكد أنه عزم على أخراجها من حياته؟

نيو فراولة 14-05-11 10:09 PM

وبادرها كال بالقول:
" يبدو لي أنك أحببت هذا المنزل!".
" نعم , لكنه قد لا يكون المنزل الذي ترغب فيه أنت!".
"البيت , على وجه العموم , يهم المرأة أكثر مما يهم الرجل , قلت لك مرة أنني آكل أنواع الطعام , شرط أن يكون النوع الذي آكله جيد الطهي , وكذلك , فأذا كان البيت مريحا ودافئا في الشتاء وباردا في الصبف , فلا يهمني أذا كان قديما أم جديدا , أترك الأمر لك , ألا أن البيوت القديمة يصعب العناية بهها وصيانتها , ولكنها من ناحية ثانية تتمتع بموقع أفضل من البيوت الجديدة , فأذا كنت تحبين هذا المنزل, وكان وضعه على ما يرام , فهو لك!".
وبعد ذلك ببضعة أيام أخبرها كال أنه أتم شراء مالبري لودج , وقال لها:
" ولكن يجب أن ننتظر على الأقل ستة أشهر , وهو الوقت اللازم لتسييج احديقة جيدا , وأجراء بعض الأصلاحات الضرورية , ناهيك بتأثيثه وتجميله , فما أن يصبح صالحا حتى نصبح بحاجة الى غرفة الأطفال . ......هل بدأت تنظرين الى شهر العسل الثاني برحابة صدر أوسع مما نظرت الى شهر العسل الأول؟".
وعلا الأحمرار وجه أنطونيا على ذكر غرفة الأطفال , فقالت بنبرة خافتة:
" لا شك أن واحدنا يعرف الآخر الآن أكثر مما كان يعرفه عندما تزوجنا".
" هل هذا صحيح ؟ هاتان العينان العسليتان لا تعكسان كثيرا مما يكمن وراءهما....... يا لك من مخلوقة كتومة يا أنطونيا!".
" هل أنا كذلك؟ لا أدري , كنت أحسبك قادرا على قراءتي ككتاب مفتوح!".
" بعض الأحيان , ولكنني بين الحين والآخر أصل الى صفحة مطوية يصعب فتحها!".
" أذا كان الأمر كذلك , فلماذا لا تطلب مني أن أفتحها لك؟".
وقطع حديثهما رنين جرس التلفون , فلما أنهى كال المكالمة عاد الى أستئناف الحديث.
وحين أعادت أنطونيا الى ذاكرتها ما قالته , لم تتمالك من الأستنتاج أن ملاحظته عن أمكان عدم موافقته على كل أفكارها الخاصة أنما تشير الى باكو , ولكن باكو قد مات , وأما ديانا فلا تزال على قيد الحياة وفي هذه المدينة بالذات.
وفي الأسبوعين اللذين تليا , سنحت لكال أكثر من فرصة لمخابرتها بالتلفون من مكتبه ليقول لها أنه سيتأخر في المجيء الى البيت وقت العشاء , وكانت العادة في أسبانيا لا تزال تسمح للرجال بأن يقضوا وقتا قليلا مع عائلاتهم خلال الأسبوع ولكن شرط أن يصرفوا يوم الأحد كله في العناية بنسائهم وملاعبة أولادهم , ولذلك كان على أنطونيا أذا ما قضى كال ليلته خارج البيت , أن تحسب أنه قضاها في النادي يتحدث في الشؤون السياسية مع الرجال , وكانت أشترت قطعة قماش أخرى للتطريز , فساعدتها على ملء الفراغ والأنصراف الى وضع التصاميم للمنزل الجديد.
غير أنها , وقد علمت بعلاقة كال بديانا , لم تتمالك من التساؤل أذا كان تأخر كال أو غيابه مدعاة للشك والغيرة.
وفي زيارتها الثانية للمنزل الجديد برفقة المهندس الذي أستخدمه كال لمساعدتها في ترميم المنزل وتجميله , قال لها زوجها:
" لا تسمحي له بأن يحملك على فعل أي شيء لا يروق لك , فمهمته هي مساعدتك وأسداء المشورة , لا فرض ذوقه عليك ".
ولكن المهندس , في تلك الزيارة الأولى , برهن على أنه كان منزها عن الغطرسة , فبذل كل جهد لمعرفة ذوق أنطونيا وخياراتها , فكانت الساعة التي قضتها معه ممتعة أنستها ولو الى حين مشاكلها العاطفية.
ولم يمض وقت طويل حتى سافر كال الى الولايات المتحدة الأميركية في رحلة عمل.
وقبل سفره , أقترح على أنطونيا أن تزور والدتها خلال مدة غيابه , ثم يلاقيها في فالنسيا ومن هناك يذهبان الى منزلهما الريفي لقضاء بضعة أيام.
وبما أن طائرتيهما كانتا ستتركان لندن في وقت واحد تقريبا , ركبا اسيارة معا الى المطار , وفيما هما يقتربان من المطار , قال لها:
" ما بالك هادئة؟ ألا تثور أعصابك من فكرة الطيران وحدك ؟".
" كلا , أبدا".
وفي الحقيقة كانت شديدة التوتر , ولكن لا للسبب الذي ذكره كال , بل لأنها عزمت عند وداعه أن تتخذ خطوة جريئة نحو حل المشكلة القائمة بينهما.
وكانت طائرة كال ستقلع أولا , وحين أعلن عن أقلاعها قال لأنطونيا:
" أعتني بنفسك".
وكان سيكتفي من وداعها بقبلة خفيفة على وجنتها , غير أن أنطونيا طوّقته بذراعيها وأغلقت عينيها وأستسلمت.
ومع أنها لم تتوقع أن يرفض , ألا أنه لم يدر في خلدها أنه وهما في مكان عام سيتجاوب بحماسة فائقة , فلبضع دقائق وجدت نفسها تكاد تنسحق أزاء قوته.
وحين تمتم في أذنها أنه مستعد لألغاء سفرته أذا كانت قررت فجأة أنها تريده أن يبقى معها , أجابت بسرعة:
" لا , لا , دعنا نلتقي في أسبانيا كما قررنا , وحين نذهب الى منزلنا الريفي أحب...... أعني..... أريد أن تكون الأمور غير ما كانت عليه حتى الآن بيننا".

نيو فراولة 14-05-11 10:11 PM

وأبعدها عنه تاركا يديه على كتفيها , وقال:
" هل حقا تعنين ما تقولين ؟ هل أنت واثقة من ذلك؟ لماذا اليوم؟ لماذا لم يكن ذلك البارحة؟".
" لا أعلم.... لا أعلم , يجب أن نقول وداعا الآن يا.......حبيبي!".
وحين سمع منها كلمة ( حبيبي ) لأول مرة ثار الدم في عروقه وصاح:
" ليت هذه الرحلة لم تكن .. كيف يمكنني أن أحصر أهتمامي بالمهمة التي أنا ذاهب لأجلها , حين..".
فقاطعته قائلة:
" لا , أرجوك , أريدك أن تسافر , أفضل ألا نبدأ حيا
نا الجديدة هنا في لندن , بل هناك في منزلنا الريفي حيث كنت دائما أشعر بالهناء والسعادة".
وهنا لم يجد بدا من الأنصياع لأرادتها , فودعها وسار في طريقه الى الطائرة.
كان شعورها غريبا حين عادت الى فالنسيا لتجد نفسها كأنها أجنبية في المدينة التي كانت لزمن طويل محل سكناها.
وكما توقعت , فقد أعطيت أجمل الغرف المخصصة للضيوف , وهي كناية عن غرفة جلوس , وغرفتي حمام , وغرفة نوم وتوابعها.
منتديات ليلاس
وعندما تذكرت آخر مرة أشتركت فيها مع كال في غرفة ذات سرير مزدوج , شعرت بالدم يجري حارا في عروقها عند التفكير في أنها ستعيد التجربة ذاتها.
وأول مرة أنفقت على شيء خاص بها كان شراء قميص نوم من الحرير الأخضر الفاقع , وهو أفخر من القميص الأبيض الشفاف الذي أرتدته ليلة عرسها..
ومرت أيام الأنتظار ببطء , ومع أن كال قال لها أنه لن يخاطبها بالتلفون , ألا أنها أعتقدت أن طريقة الوداع قد تحمله على تغيير رأيه هذا , ولذلك خاب أملها حين كاد يمضي الوقت من دون أن يتلفن اليها من أميركا.
وفي اليوم الثالث لوجودها في أسبانيا ذهبت الى المزين مع والدتها وهناك أخذت تقلب صفحات أحدى المجلات , فجذبت نظرها صورة بعض الناس يهبطون سلم الطائرة وكم كانت دهشتها شديدة حين عرفت من بينهم ديانا وبستر!
وحين قرأت في أسفل الصورة أن الطائرة هبطت في مطار نيويورك , شعرت بأنزعاج شديد , صحيح أن المجلة صادرة حديثا , ألا أن الصورة قد تكون أخذت منذ زمن , فهل ديانا وبستر لا تزال في نيويورك؟ وهل لهذا السبب ذهب كال الى هناك ؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه مصادفة؟
وفكرت أنها كانت غبية حين رفضت أن يقلع عن رحلته ويبقى معها , قد لا يكون خطط لملاقاة ديانا في نيويورك , ولكنه قد يصادفها في مكان ما , وأذا فعل فلا بد أنها ستحاول أغراءه وأثارة عواطفه لها.
وفي تلك الليلة قالت لها أمها ألينا:
" أنت تفتقدين زوجك كثيرا , عندما وصلت الى هنا كنت سعيدة ومليئة بالحيوية , والآن أراك مستوحشة في غيابه , عليك بالصبر , فلا يزال أمامك بضعة أيام من الأنتظار ... لماذا لا تطلبينه بالتلفون؟".
" أنه يقضي معظم وقته خارج الفندق يا أماه , فأذا تركت له رسالة قد يظن أن مكروها أصابني ... وكما قلت , فليس أمامي سوى بضعة أيام من الأنتظار...".
وفي الواقع لم يمض يومان حتى قيل لها , وهي راجعة من زيارة لها في الريف , أن كال وصل في غيابها.
فصاحت وقلبها يكاد يطير من شدة الخفقان:
" أين هو؟".
ولما علمت أنه مع أمها ألينا , صعدت السلم راكضة ودخلت غرفة أمها كالسهم وهي تصيح:
" كال.... كال هل عدت؟".
وألقت نفسها بيم ذراعيه , فضمها اليه , ولكنها حين نظرت الى وجهه ورأته متجهما خاليا من الأبتسامة , أدركت أن في الأمر سوءا.
وفيما هي تتراجع أنحنى وقبلها على خديها كما لو كان يقبل أمها ألينا , أو خالتها تيا أنجلا.
وقالت ألينا:
" سأترككما وحدكما..... فالسفر في الطائرة هذه الأيام متعب جدا ..... فلعلك يا كال تحب أن تستريح قليلا قبل العشاء".
وحين خرجت من الغرفة , أرتمى كال المقعد وقال:
" نعم , أشعر بالأرهاق الشديد , فالقيام بعمل يستغرق أسبوعا كاملا في أربعة أيام أمر مرهق حقا... كيف قضيت الوقت مدة غيابي؟".
" كالعادة , تحدثت مع أمي , وقمت بزيارة بعض الأصدقاء , آسفة لأنني لم أكن هنا عند وصولك".
" لا يهم , لم أتوقع أن أجدك هنا بأنتظاري , فالطقس حار جدا , سنستأنف حديثنا بعد أن أستحم.... أتسمحين؟".
" نعم بكل تأكيد , سأريك الغرفة التي خصصت لأقامتنا ".
وقادته في الممر , وعقلها يسبح في بحر من الرعب , فهذا لم يكن اللقاء الذي أنتظرته بقلق الشوق , وبدا لها أن ما حدث في مطار لندن لم يكن سوى حلم لا أساس له من الواقع.
وفي غرفة النوم ألتفتت اليه وبادرته بالقول:
" أفتقدتك كثيرا , تلك الأيام القليلة بدت لي كأنها أسابيع!".
فأجابها بتحفظ ظاهر:
" تمنيت عبثا أن آخذ قسطي من النوم وأنا في الطائرة , ولذلك فلا أظن أنني سأكون حلو المعشر قبل أن أرتاح ساعة على الأقل , آسف لذلك , والآن سأستحم وأنام قليلا , ثم ألقاك على مائدة العشاء....".
فلم يكن أمامها ألا القول:
" نعم ,كما تريد".
وفكرت أنطونيا أنه ربما كان صادقا في شعوره بالأرهاق بعد سفر أجتاز فيه الأطلسي مرتين , ولكنها في الوقت نفسه أحست أن ذلك لم يكن السبب الوحيد لتصرفه ذلك التصرف.
فمنذ أفتراقهما , لا بد أن يكون طرأ ما غيّر مزاجه نحوها , فماذا يمكن أن يطرأ في نيويورك ويكون له تأثير على زواجهما غير لقائه ديانا؟

نيو فراولة 14-05-11 10:14 PM

6- غيوم السعادة


وتركت أنطونيا غرفة النوم وجلست مدة ساعتين في الغرفة التي أحتلتها منذ أن كانت طفلة , ومر الوقت ببطء لم تختبر مثل بطئه من قبل , الى أن لم يبق الى وقت طعام العشاء سوى خمس وأربعين دقيقة , فرجعت الى غرفة النوم حيث كان زوجها مستلقيا في الفراش.
وكان ظهره الى الباب , فحين دخلت وسارت بخطى هادئة نحو السرير , رأت عينيه مغلقتين , ولكنها لم تعتقد أنه كان غافيا.
وكانت قد رأته نائما في الصباح التالي لزواجهما , فتذكرت بوضوح كيف كانت ملامح وجهه آنذاك , فهي تختلف عما كانت عليه الآن , ومع أنه فتح عينيه وبدا كأنه أستيقظ , فأنها مالت الى الأعتقاد أنه لم ينم منذ أن فارقته.
فسألته وهي تجلس الى جانبه:
" هل أنت أحسن حالا الآن؟".
فأجابها وهو ينظر الى الساعة قرب السرير:
" نعم , شكرا , لدي وقت كاف لأستحم مرة أخرى قبل العشاء , هل تستحمين أنت أيضا؟".
" نعم , ولكن هناك غرفة حمام أخرى , فليس عليك أن تنتظرني ريثما أنتهي".
وأخذ كال وقتا أطول للأستحمام مما أخذته أنطونيا , وعندما خرج من الغرفة كان يرتدي سروالا رماديا , بينما بقي نصفه الأعلى عاريا.
وكانت أنطونيا جالسة أمام المرآة تتكحل وهي , عن سابق تصور وتصميم , لم تكمل أرتداء ملابسها.
ولمحت كال ينظر اليها , ثم سار نحو خزانة الثياب , وكان أكتفى بأخذ حقيبة واحدة للثياب معه الى نيويورك ولكن أنطونيا جلبت له معها حقيبة أخرى ملأتها بالثياب وراقبته وهو يرتدي قميصا بأزرار ويدخله تحت سرواله , وفي لندن لم يكن يلبس سترة وربطة عنق لتناول طعام العشاء في البيت , ولكنه فعل ذلك الآن , لعلمه أن خالها يواكين يرتدي دائما ثيابه الرسمية في فالنسيا.
وما أن أنهت تجميل وجهها , كان كال مستعدا للنزول الى الطبقة السفلى , وكانت الساعة تشير الى أقتراب الوقت المعين لتناول طعام العشاء.
ونهضت أنطونيا من مكانها وتناولت ثوبا من الحرير الشفاف وقبل أن ترتديه قالت له:
" ليتك تساعدني على تزريره من الوراء!".
" نعم , بكل سرور!".
غير أن عينيه لم تنظرا الى جسمها , ثم أن السرعة التي زرر فيها الثوب هي من شأن الزوج القديم العهد بالزواج , لا العريس الذي لم يمض على زواجه ألا أسابيع قليلة.
منتديات ليلاس
وكانت أنطونيا قررت كيف تجابه هذا المأزق الجديد , ففي أثناء أستراحة كال , تذكرت حديثا قصيرا جرى بين والدتها ووالدة أمبارو , كانتا تبحثان قضية صديقة وقع زوجها في غرام أمرأة أخرى , فأتفقتا على أنه خير لهذه الصديقة ألا تظهر تعاستها , بل أن تكتمها وتتظاهر بأنها لا تعلم بخيانة زوجها لها , على أن تبذل كل جهدها في أن تكون ساحرة جذابة في نظره.
وهذا ما نوت أنطونيا أن تفعله في تلك الحالة....... كال تزوجها وجعلها تقع في غرامه , وفي هذه الليلة سيجد فيها زوجة مشتاقة الى الأستجابة له.
أثناء تناول الطعام , تصرف كال تصرفا أعتياديا , حتى أنها شعرت أن لا أحد من الحاضرين شك في وجود ما يعكر صفو العلاقة القائمة بينهما.
وقبل الفراغ من تناول الطعام بقليل , بدأ الرجلان يتحدثان في الشؤون السياسية , فأنسحبت تيا أنجلا وأختها وسائر النساء الى الغرفة المجاورة , وبعد نحو نصف ساعة أستأذنت أنطونيا للذهاب الى فراشها , فقبلت خالتها وأمها , ثم عبرت الغرفة الى حيث جلس خالها وكال وقالت:
" طابت ليلتكما... أرجو ألا يطول سهرك يا كال.. رغم قيلولتك , فلا بد أنك لا تزال مرهقا من التعب".
فأجابها خالها :
" لا تقلقي , لن أدعه يتكلم طويلا يا عزيزتي , عشر دقائق لا أكثر , أعدك بذلك!".
فقالت أنطونيا لكال:
" أرى أنه يجب عليك أن تنام باكرا بعد هذه السفرة الشاقة , خصوصا أذا كنت تنوي الذهاب غدا في الصباح فأذا أبقاك خالي ساهرا مدة طويلة , فسآتي وأنقذك منه , فأنا أعرف حماسه حين يتحدث في السياسة".
وفي طريقها الى الطبقة العليا , صادفت بنافيز أحدى خادمات خالتها اللواتي خدمن العائلة منذ صغرهن ,فقالت لها:
" ماذا جرى لسيدي زوجك ؟ أمنذ وقت طويل يشكو من أنفه ؟".
فأجابتها بحسرة:
" من أنفه؟".
" أنه يشخر كثيرا , ولكي لا يزعجك أمرني أن أهيء له فراشا في غرفة الملابس , عليك أن تجعليه يستشير طبيبا يا سيدتي , فالرجال يهملون أوجاعهم , كما تعلمين.....".
قالت بنافيز هذا الكلام وتابعت سيرها.
هذا التحول في مجرى الأمور لم تحسب له حسابا ,على أن الغرفة التي سينام فيها لم تكن تتصل مباشرة بالحمام , فكان على كال أن يمر بغرفة نومها.

نيو فراولة 14-05-11 10:16 PM

وكانت جالسة على الكرسي تتصفح المجلة التي أشتراها لها لتطالعها في الطائرة , وحين دخل الغرفة قالت له:
" لماذا لم تقل لي أنك تشكو من زكام في أنفك؟".
" لا أشكو من شيء , هذا عذر أختلقته لأبرر نومي في غرفة وحدي ... أعتقدت أنك لا تريدين البدء بحياتنا الجديدة ألا في منزلنا الريفي!".
فسارت أنطونيا نحوه الى الجانب الآخر من الغرفة وقالت له :
" أريد ما تريده أنت يا كال!".
وبرقت عينا كال للحظة , ثم قال لها:
" لا أزال أشعر بالتعب يا أنطونيا , أنتظرنا طويلا , وأظن أن بأمكاننا الأنتظار وقتا قصيرا بعد".
قال ذلك وعبر الغرفة من أمامها الى الحمام , وحين خرج من الغرفة كانت جالسة في فراشها , فقالت له:
" طابت ليلتك!".
فأجابها من دون أن ينظر اليها:
" طابت ليلتك!".
وفي الصباح أستمرت في التظاهر بأن ما منعه عن مشاركتها فراشها هو الأرهاق الشديد الذي سببته له الرحلة.
وفيما هما في الطريق الى المنزل الريفي , لم تأسف لمغادرة فالنسيا , فبعد أكثر من شهرين في أنكلترا , حيث الشمس بركة ينتظرها الناس بفارغ الصبر , وجدت بيت عائلتها أعتم مما كان يبدو لها في الماضي , ومع أن الحرارة في فالنسيا أكثر حرارة مما في أنكلترا , فأنها رأت أن بالأمكان الأحتفاظ بالبرودة من دون التضحية بجو البيوت الأنكليزية الأكثر مرحا والذي أعتادت عليه.
ووصل كال وأنطونيا الى المنزل الريفي عند الظهر , وبعد أن سبحا في بركة السباحة أستلقيا في الشمس , وكانت الشمس لوحت جسم أنطونيا وهي في لندن , ومع ذلك رأت من الحكمة أن تدهن جسمها , بعلاج يرد عنه خطر الأحتراق بحرارة الشمس , وفيما هي تفعل ذلك طلبت من كال أن يساعدها على دهن ظهرها , ثم أخذت تفكر كيف لمس أصابعه لظهرها العاري , ولم يظهر كال أية حماسة وهو يدهن ظهرها بكفه بدل أصابعه , ثم أنه فعل ذلك بسرعة , كما لو كانت طفلة أو أمرأة متقدمة في السن , وعندما فرغ من عمله , تنهد كما لو كان يعمل عملا شاقا لا يروق له , فشكرته أنطونيا وهي تشعر في أعماقها بخيبة أمل شديدة , ذلك أنها أملت أن يدغدغها بحب وحنان كما هي العادة بين الرجل وحبيبته.
وقال لها:
" سأسبح مرة ثانية......".
ثم سمعته يغطس في الماء , وتأكدت الآن أنه خانها في نيويورك , أذ لا يمكن لأي رجل في عز الرجولة أن يقاوم أغراء زوجته , ألا أذا كان خارجا لتوه من أحضان أمرأة أخرى .
وربطت أنطونيا حمالة المايوه وأنتصبت جالسة وأخذت تراقب كال وهو يسبح من طرف البركة الى طرفها الآخر , كان يتقن السباحة جيدا , فوجدت متعة في المظر اليه.
وفجأة خطر لها أنه أمضى وقتا لا بأس به في السباحة من دون أن يظهر عليه أي أثر للتعب , كان يسبح بقوة وعزم من غير توقف , فهل يكون أن ملامسته لها حركت عواطفه فراح يخفف عنه بالسباحة لئلا يفقد السيطرة على أعصابه ؟ لو عرفت ديانا حقيقة الزواج الذي تم بينها وبين كال لحاولت , ربما أن تقنعه بأمكان ألغائه من دون عناء.
وبعد حين , خرج كال من البركة وجلس على حافتها يلهث من شدة الأعياء وكان جسمه الملوح بحرارة الشمس يلمع تحت قطرات اماء المنصبة منه.
ونهضت أنطونيا ومشت حول البركة بهدف الجلوس الى جانبه , فما أن رآها تقترب نحوه حتى نهض واقفا على قدميه بخفة الرجل الذي يتمتع بكامل الصحة والعافية , وبادرها قائلا:
" أنا ذاهب لأهيء نفسي للغداء , ولو كنت محلك , بسترت جسدي مدة من الزمن أتقاء للحر الشديد...
وبما أن العلاج الذي دهنت به جسمها يقيها أي خطر من حرارة الشمس فلم تجد تفسيرا لملاحظته هذه أنه يعتبر أن وجودها معه وهي لابسة أخف ظلا منها وهي بملابس السباحة.
وحين تبعته الى غرفة النوم المكيفة بالهواء والتي أعدتها لهما الخادمة ماريا , كان كال بدل ثيابه وبدأ يمشط شعره.
فتجاهل دخولها , ولكن حين عبرت الغرفة الى حيث كان واقفا , ربتت على كتفه فلم يعد بأمكانه أن يتجاهل وجودها , فألتفت اليها ورمقها بنظرة جافة , فقالت له وقد وضعت كفيها على صدره :
" ألا ترى أنه يحسن بنا أن نتابع ما بدأناه في المطار؟".
ولمدة طويلة لم تلمح في عينيه الزرقاوين أي أثر للتجاوب الحار , ولكنه فجأة أخذها بذراعيه وغرق معها في عناق عميق لا قرار له , فأخذت أنطونيا ترتجف , وحلقت في آفاق الحب , فهي الآن أصبحت لا تجد في كل ما يفعله بها ألا البهجة والسعادة التي تاقت اليهما.

نيو فراولة 14-05-11 10:17 PM


على أنها سرعان ما وجدت أن ذلك العناق لم يكن مقدمة لما كانت تنتظره من زوجها بعد أن أصبحت مغرمة به أشد الغرام , أذ أنه أفلت منها بعزم وتصميم قائلا:
" يا ألهي! كان يجب ألا أفعل هذا!".
فصاحت به:
" لماذا لا يا كال؟".
فحوّل وجهه عنها , وبدا لها أنه كان يصارع مشكلة ما في داخله , وتأكد ذلك لها حين أجاب:
" لأن لي ما أقوله لك".

وفجأة رأت وجهه شاحبا وهو يقول لها:
" أستعدي لسماع خبر يهزك من الأعماق... .. الشخص الذي أعتقدت أنه مات , لم يمت ..... باكو بنيتيز لا يزال على قيد الحياة!".
فصاحت أنطونيا غير مصدقة:
" باكو على قيد الحياة! كيف يكون ذلك... قالوا لي أنه قتل!".
" لا , أذا تذكرت ما حدث آنذاك لوجدت أن لا أحدا أخبرك أنه مات , بل هذا ما أعتقدته بنفسك ,ولم يال أحد بتصحيحه لك".
وبعد حين من التفكير في الأمر قالت لكال بعصبية ظاهرة:
" لماذا أخفوا الحقيقة عني, لماذا؟".
" لا أدري...... العالم ملآن بالذين يعتقدون أن الغاية تبرر الوسيلة , ويبدو أن خالتك من هؤلاء الناس!".
" وأمي؟ كيف فعلت ذلك وهي تعلم التعاسة التي يسببها موته لي!".
" لعلّها أعتقدت أن بضعة أشهر من التعاسة خير من سنوات كلها تعاسة!".
" ولكنهم لم يكونوا يعلمون أنني سأندم , ومن قال لهم أنني سأكون تعيسة مع باكو ؟ ما أقبح ما فعلوه بي".
وقال لها كل موافقا:
" نعم , معك حق.... وأنا عندما عرفت الحقيقة لم أوافقهم على أخفائها عنك.......".
" وكيف عرفت الحقيقة؟".
" باحت بها أمك عن غير قصد منها , كانت تخبرني كم هي سعيدة بأن تراك هانئة بزواجك , مما يريح ضميرها لموافقة خالتك على أخفاء حقيقة كون باكو على قيد الحياة".
فقالت بصوت خافت:
" لن أغفر لخالتي تيا أنجلا أو لأمي ما فعلتاه ولكنهما كانتا على حق في معارضة زواجي بباكو , لم يكن حبا ما شعرت نحوه , بل هياما عابرا , كنت بعد صغيرة السن وغير ناضجة.... الآن أصبحت أحسن حالا منذ أخذتني الى أنكلترا".
" لا تستطيعين أن تتأكدي من ذلك قبل أن تقابلي باكو مرة أخرى , هو يعمل في مدريد , حيث ساعده خالك بطلب من خالتك على أيجاد وظيفة جيدة أفضل بكثير من الوظيفة التي كان يقوم بها في فالنسيا".
وهنا صاحت أنطونيا بتهكم:
" آه , لو كان يحبني حقا لما أستبدلني بوظيفة في مدريد ...... ولكن كيف تمكنوا أن يقنعوا أمه , بالسير معهم في هذه الخدعة ؟ أعرف أنها لم تكن تريدني زوجة لأبنها , ولكنها بدت لي أمرأة صادقة نزيهة , وكم دهشت حين ألتقيتها في الشارع وهي تلبس السواد وصاحت بي قائلة أن اللوم يقع عليّ لموت أبنها......".
" لعلها كانت تلبس السواد حزنا على شخص آخر... وهل أنت متأكدة أنها أشارت الى موت أبنها بكلام واضح؟ قد يكون أنها لم تستعمل كلمة (موت)بل كلمة مثل فقدان أو ذهاب وما الى ذلك... فبالنظر الى كونها من الطبقة الفقيرة , فمدريد بالنسبة اليها أبعد بكثير مما هي بالنسبة الينا......".
" لا أستطيع أن أتذكر ما تلفظت به بالضبط أعرف أنني تأثرت من كلامها جدا , فما أتعس أن يحمل الأنسان اللوم على موت أنسان آخر!".
" دعك من هذا الآن....".
فقاطعته قائلة:
" ظننت أنني كنت سبب موته ...... لم أتذكر كيف وقع الحادث..... قال لي الطبيب أنني قد لا أتذكره أو قد أتذكره فجأة في يوم من الأيام , وفقدت الأمل على أن لا أتذكره أبدا....".
"اللوم لا يقع عليك ولا على باكو, وأنما على سائق سيارة أخرى......".
تفوهت أنطونيا بهذا الكلام وأخذت تشهق بالبكاء ..... وكان الكبت أضناها في المدة الأخيرة , فأستسلمت الى البكاء ووجهها بين يديها.
منتديات ليلاس
فأقبل كال نحوها وأحاطها بذراعيه , فمالت نحوه كطفل بائس, وبقيت كذلك الى أن توقفت عن البكاء بعد حين , فحملها كال بين ذراعيه الى الفراش , حيث أعانها بتجفيف دموعها , ثم رفع غطاء الفراش وغطى ساقيها وهي لابسة ثوبها.
وقال لها:
" أصابتك هزة عنيفة... فأنت بحاجة الى النوم , أضطجعي وحاولي أن تريحي أعصابك".
فأطاعته ومالت على جنبها وهي تتأوه , ثم لم تلبث أن غرقت في النوم.
وحين أستفاقت كان الوقت عصرا , وقالت لها ماريا عندما دخلت المطبخ لتشرب قدحا من القهوة:
" السيد برنارد ذهب الى القرية ليستعمل التلفون الجديد".
وكانت أنطونيا , عند مرورها في القرية ذلك الصباح لاحظت غرفة التلفون العمومية التي بنيت حديثا في الشارع.

نيو فراولة 14-05-11 10:20 PM

وبعد حين عاد كال وقال لها:
" تحدثت الى خالك بالتلفون , فوعدني أنه سيتولى أمر أحضار باكو الى فالنسيا غدا".
" لماذا؟ لماذا سيحضره الى هناك؟".
" لأنني أريدك أن تقابليه..... وبذلك فقط تتأكدان من حقيقة ما يشعره واحدكما نحو الآخر.
" لو كان باكو يحبني كما أريد أن أحب , لما سمح لهم أن يشتروا حبه لي بوظيفة مهما كانت عالية.... لا أريد أن أراه .... فأنا أحتقره!".
فقال لها كال بلهجة جافة:
" الحب شعور غريب , فهو لا يتوقف على مجرد الأعجاب وكثيرا ما يتغلب على كل رأي حكيم".
فأجابته بنبرة تدل على أعتقاد جازم:
" لا , لا , الأعجاب ضرورة للحب.... أذ كيف تحب شخصا آخر أذا كنت لا تحترم سلوكه أو ذكاءه أو غير ذلك من الصفات التي لا تزول بزوال نضارة شبابه؟".
فحدق اليها مليا وقال:
" نعم, أراك كبرت ونضجت.... وعلى كل حال أريدك أن تلتقي باكو ..... هذا أضمن لمستقبلنا.... لن نذهب الى بيت والدتك الليلة , فالأفضل ألا تريها أو تري خالتك حتى يتسنى لك الوقت الكافي لتدركي أن ما فعلتا أنما كان لصالحك".
" أصدق ذلك عن أمي لا عن خالتي... فهي لم توافق على زواج أمي بأبي , وهي لم تحبني يوما... ولذلك أظن أن غايتها الوحيدة كانت منع زواجي من شخص تعتبره أدنى من شأننا".
" آراء خالتك مر عليها الزمن , وكما قلت , فالصفة التي تبقى في آخر الأمر , ليست الحسب والنسب , ولعل باكو لم يخنك بمثل السهولة التي تتصورينها , فحتى في هذه الأيام , هنالك مخاطر تتعرض لها فتاة من طبقة ثرية تتزوج فتى من طبقة فقيرة , ولا ريب عندي أن خالتك وأمك أقنعتاه بأنه أذا كان بالفعل يحبك , فعليه أن يضحي بعلاقته بك......".
" نعم , أحب أن أعتقد ذلك , ولكن كيف لي وقد قبل المكافأة التي منحوها له؟ فلو كان يحبني لرفضها ..... وأنت , أما كنت تفعل ذلك لو كنت محله؟ قل, أما كنت تفعل ذلك؟".
" مبادرات كهذه أكثر مما يستطيع شخص فقير أن يقوم به...... وعلى كل حال , فلو كنت محله لساومت معهما في الأمر على أن أقبل الوظيفة مقابل ألا أراك لمدة سنة , فأذا أحتفظنا بحب واحدنا للآخر , فعليهما أن لا يقفا في وجه زواجنا , وفضلا عن ذلك , كنت وضعت شرطا آخر لا أتنازل عنه على الأطلاق , وهو أن أقابلك قبل أن أفارقك......".
وكانت ماريا أعدت لعشائهما طعاما أشتهرت به , وهو كناية عن ضلوع محشية ومطبوخة بالبقدونس ساعات من نقعها بعصير البندورة والقرفة , فتناولت أنطونيا قليلا من هذا الطعام الشهي, فيما أكثر كال منه لأن شهيته لم تتأثر بما حدث.
وبعد أن عادت ماريا الى بيتها كالعادة لتقضي ليلتها , قضى كال وأنطونيا السهرة في الأستماع الى الموسيقى , ثم أقترح الذهاب الى النوم.
وقال كال:
" عوض أن أجعل ماريا تتساءل لماذا فرشت لأنام في غرفة أخرى , أرى أنه من الأفضل أن أستلقي على أحد المقاعد..... فهذه ليست المرة الأولى التي أفعل فيها هكذا".
هذه ليلة ثانية تنام فيها أنطونيا نوما مضطربا , وعندما أفاقت لم تكن في أحسن أحوالها..... كانت تمانع في لقاء باكو , ولم تفهم لماذا يصر كال على هذا اللقاء , فهل أنه كان يأمل أن يعود حبها الى الحياة حالما يقع نظرها على باكو , وبذلك تترك له حرية نجديد علاقته بديانا؟
وفي اليوم التالي , بعد تناول طعام الفطور بقليل , أندهشت ماريا حين ودعاها وعادا من حيث أتيا في اليوم الفائت.
وعلى مسافة أربعين كيلومترا من المدينة , حوّل كال أتجاه السيارة عن الطريق العام في أتجاه مدينة كولبرا , ومن هناك أتبع طريقا فرعية بمحاذاة الساحل الى قرية يؤمها السياح لجمالها , فحجز غرفة في أحد الفنادق التي تطل على البحر.
وكان الحر شديدا , وبعد أن أغتسلا دخل كال الى غرفة التلفون , وحين خرج قال لأنطونيا:
" تحدثت الى خالك , فقال لي أن باكو سيصل الى هنا في الرابعة بعد الظهر , فعلينا أن نترك له خبرا في المطار بأن يلاقيك في مكان ما.......... فأين تريدين أن تلاقيه؟ في أحد الفنادق؟".
" كلا.. ..لا أريد أن ألاقيه في أحد الفنادق ... قد يرانا أحد يعرفني , وهذا يسبب لي حرجا".
" ما رأيك أن تلاقيه في مكان كنتما تجتمعان فيه؟".
ورجعت أنطونيا بالذاكرة الى أماكن لقاءاتها السرية مع باكو , فكانت كأنها تسترجع أحداثا جرت في الحلم , وشعرت أن الحقيقة موجودة هنا في تلك الغرفة مع ذلك الرجل الذي أصبحت تحبه بكل قلبها والذي لا تجرؤ على مكاشفتها بحبها له , مخافة أن ترى في عينيه ما يشير الى أنه لا يستطيع أن يبادلها الحب!

نيو فراولة 14-05-11 10:23 PM

وقالت له:
" كنا نجتمع أحيانا في مقهى يدعى سانتا كاتالينا...".
فنهض كال الى التلفون وطلب المطار وترك خبرا لباكو بأن يلاقي أنطونيا في ذلك المقهى , ثم أقترح عليها أن يقضيا ما لديهما من وقت في السباحة , لأن البحر رائق وممتع.
وبعد أن سبحا قليلا أستلقيا على رمال الشاطىء , وبدا كال في منتهى الهدوء والراحة , ولكن أنطونيا كانت متوترة الأعصاب, تحدق الى البحر وهي غارقة في التأمل والتفكير.
ثم تناولا طعام الغداء على الطريقة الأسبانية , وكان كال يأكل بشهية كعادته بخلاف أنطونيا التي كانت منشغلة البال تسائل نفسها عما يتوقعه باكو من وراء دعوته للمجيء الى فالنسيا , وماذا سيكون شعوره حين يجد خبرا بالذهاب الى المكان الذي سبق لهما أن ألتقيا فيه كعاشقين.
وسألت كال فجأة:
" وأنت , ماذا ستفعل وأنا في مقهى سانتا كاتالينا؟".
وكان كال يراقب الجالسين حول طاولة بجوارهما , فحوّل وجهه نحو أنطونيا ليرد على سؤالها بهدوء قائلا:
" سأوصلك الى المقهى وأعود الى هنا ....... فلا لزوم لأنتظارك هناك , بأمكانك أن تستأجري سيارة تنقلك الى هنا , أذا شئت , أعني أنك لست مضطرة الى العودة أذا كنت غير راغبة فيها.
فأتسعت حدقتا عينيها ولكنها كبحت جماح غضبها من كلامه وقالت بهدوء:
" أنا زوجنك!".
" أعرف ذلك , ولكنك لست عبدتي ...... فأنا لا أريد أن تكوني زوجتي , بالرغم عنك!".
فأرتجفت شفتاها وهي تقول له:
" لعلك أنت لا ترغب في أن أكون زوجة لك!".
وحين نهضا عن الطعام كان وقت ذهابها الى موعدها مع باكو قد حان , وفي الطريق الى هناك كان كال يحدثها لماما وبلهجة لا تأثر فيها ولا توتر , وكانت المدينة حين وصلا اليها , لا تزال في فترة هدوئها , كما في عصر كل يوم معظم ستائر الشبابيك مسدلة , مما يشير الى أن وقت القيلولة لم يبلغ نهايته بعد.
وكان كال يعرف المدينة جيدا , فلم يكن يحتاج الى أنطونيا لتدله الى المقهى , وما أن وصلا الى هناك حتى نزل من السيارة وفتح لها الباب فقالت له:
" سأراك فيما بعد........".
وأغلق كال الباب ونظر الى وجهها المضطرب وقال بعبوس ظاهر:
" أرجو ذلك......".
وفيما هو يدخل السيارة ليقودها تطلع نحوها وقال:
" أريد سعادتك قبل كل شيء يا أنطونيا..... فأذا كنت لا تزالين تحبين باكو , فسأهين عليك الحصول عليه...... أنت تقولين أنه لم يعد يعني شيئا لك , وعما قريب ستتأكدين أذا كان أعتقادك هذا صحيحا..... ولا تعودي اليّ أذا كنت مستعدة , ليس بالضرورة لأن تحبيني , وأنما على الأقل لتقبلي حبي لك!".
ودخل السيارة بقامته الفارعة وأنطلق من دون أن يترك لها مجال الرد على كلامه , وعبثا صرخت تناديه, لأنه لم يكن بأمكانه أن يسمعها أو أن يراها , ولم تلبث السيارة أن توارت عن أنظارها وبقيت كلمته ( حبي لك) ترن في مسامعها , فأدركت أنه أذا كان قد أغرم بديانا وبستر يوما , فهو لم يعد مغرما بها بعد , فهو لم يكن من الرجال الذين يقولون ما لا يقصدون.
منتديات ليلاس
وفكرت أن تستأجر سيارة وتلحق به , ولكنها تذكرت أن باكو بأنتظارها في المقهى ويجب أن تصرف خمس دقائق على الأقل معه.
وكان باكو , بالفعل بأنتظارها وهو يرتدي بزة صيفية , ويداعب أحدى فتيات المقهى.
وسرها ألا يكون كال معها ليرى أي شاب هو هذا الذي أعتقدت أنها تحبه حتى الموت , وعندما لمحها باكو مقبلة نحوه تصنّع القلق والأضطراب ولم يقف ليستقبلها فقالت:
" كيف حالك , يا باكو!".
" بخير , وأنت؟".
وأفسح لها مجال الجلوس الى جانبه على المقعد , كما كان يفعل في السابق ,ولكن أنطونيا أخذت أحدى الكراسي وجلست قبالته ,وبذلك تسنى لها أن تنظر اليه وجها الى وجه , وأن ترى في المرآة جميع الحاضرين في المقهى.
وقالت له:
" لن آخذ من وقتك كثيرا , أعرف أنك تتتوق الى رؤية عائلتك , وأنا وقتي ضيق أيضا , لا يسمح لي بالجلوس معك طويلا ......".
وهنا جاءت الخادمة , بأبريق من الشاي وقطعة من الحلوى , كما كانت تفعل من قبل , فأعتذرت أنطونيا قائلة للخادمة:
" لا , لا شكرا , لم أطلب هذا لنفسي".
وقال باكو للخادمة أيضا:
" وأنا كذلك ولكن لا بأس , دعي كل شيء على الطاولة".
وفيما أبتعدت الخادمة عنهما , قالت لأنطونيا:
" تقولين أنك مستعجلة...... مع أنه قيل لي أنك تريدين أن تجتمعي بي!".
" كل هذا الوقت حتى البارحة كنت أعتقد أنك ميت , ولكن زوجي أخبرني الحقيقة , فشعرت بضرورة لقائك ... كيف أستطعت أن تكون شريكا في هذه الخديعة يا باكو ؟ لم أكن لأصدق!".

نيو فراولة 14-05-11 10:25 PM

ونظر اليها بأرتباك وأجاب:
" أرى أنك لم تأخذي وقتا طويلا حتى تتغلبي عل حبك لي ..... رأيت صورا لحفلة زواجك في أحدى المجلات , يبدو أن زوجك رجل ثري جدا... وأنا لم يكن في أستطاعتي أن أهديك خاتما ثمينا كهذا".
وأشار الى الخاتم الذي في أصبعها , فقالت له:
" المرأة لا تحتاج الى خواتم وممتلكات لتكون سعيدة , بل تحتاج الى رجل بكل معنى الكلمة , وقعت في حب زوجي لأنه مثل هذا الرجل , وسيدوم حبي له الى الأبد , كان بأمكانك أن تملأ قلبي بحبك يا باكو , ولكنك لم تملأ ألا زاوية صغيرة منه , وما ذلك ألا لأن حبنا كان عاطفة عابرة كتلك التي تجتاح المراهقين المفتقرين الى الخبرة والتعقل, ويؤسفني أنه جيء بي الى هنا من غير فائدة ولا ضرورة.. ولكن والدتك , على الأقل , ستفرح بلقائك بعض الوقت , الآن وداعا".
ولم تمد أنطونيا يدها لمصافحته , لأنها لم تشأ أن تلامس يده الناعمة الضيقة بأظافرها الطويلة , وكل ما أرادته تلك اللحظة هو أن تداعب يد كال العريضة الخشنة التي تنم عن رجولة حقة.
منتديات ليلاس
وحالما خرجت من المقهى وجدت تاكسي تنقلها الى حيث ينتظرها كال , ومع أن المسافة لم تكن تزيد على عشرة كيلومترات ألا أنها بدت لأنطونيا أطول من ذلك بكثير , وذلك لنفاذ صبرها وشوقها الى الأرتماء في أحضان زوجها والقول له أنها لم تكن مستعدة لقبول حبه فحسب , بل لمنحه منتهى الحب أيضا.
ولكن عندما وصلت التاكسي الى الفندق حيث ستلتقي كال , لم تجد سيارته متوقفة هناك مع سائر السيارات , وقال لها البواب وهو يناولها مفتاح الغرفة:
" لا , لم يعد السيد برنارد بعد!".
وراحت أنطونيا تفكر أين يمكن أن يذهب , وتساءلت متى سيعود؟ وصعدت مسرعة الى الغرفة وهي تميل الى الظن أنه ربما ذهب لمقابلة خالها تيو يواكين , وأخذت تصيح بصوت خافت : أوه , أين أنت يا كال , أين أنت يا حبيبي!".
وبعد ساعة سمعت طرقا على الباب , فهبت مسرعة الى فتحه فأذا بها تجد الخادمة وقد جاءت لترتيب الغرفة , وبدأت أنطونيا الآن تتخوّف من أنيكون أصيب بمكروه , ولكنها صرفت عنها هذه الفكرة وحاولت أقناع نفسها بأن كال لا بد أنه في أحد المقاهي على شاطىء البحر يقتل الوقت , ريثما تنتهي من مقابلتها لباكو.
ولما لم تستطع الأنتظار أطول مما أنتظرت , نزلت الى الطابق الأرضي وخرجت من الفندق لتروح عن نفسها بالسير في المدخل ذهابا وأيابا الى أن يحضر.
وفيما هي كذلك لمحت سيارته فأسرعت الى لقائه وقالت له وهو ينزل من السيارة:
" ظننت أنك لن تعود .... فأين كنت؟".
فأجابها قائلا:
" كنت بجانب البحيرة , لم أنتظر عودتك بهذه السرعة!".
" عدت من زمن طويل!".
وفيما هو يقفل باب السيارة ويضع المفاتيح في جيبه , مالت اليه وقالت ملتمسة:
" أرجو أن تخبرني ماذا كنت تقول لي قبل أن تفارقني؟ هل قلت أنك تحبني؟ كال , كال ....... خذني بين ذراعيك ...... خذني!".
وتعانقا لمدة طولة , وكانت تطول الى الأبد لو لم يقطعها صوت رجل أسباني بالأنكليزية يقول:
" آسف لأزعاجكما , ولكنني لا أقدر أن أدخل الى سيارتي ألا من هذه الجهة , فعفوا!".
فأفلتها كال من بين ذراعيه وأعتذر للرجل...... فقال الرجل مبتسما:
"يبدو لي أنكما في شهر العسل......".
أجابه كال وهو يبتسم ويحدق الى أنطونيا:
" نعم , نحن في شهر العسل بعد طول أنتظار!".
وسار كال وأنطونيا الى الغرفة , وكان كال سيمر لأخذ مفتاحها , ولكن أنطونيا بادرته بقولها:
" المفتاح معي.........".
ودخلا المصعد , فعانقها كال برفق مرة أخرى , وقبل أن يتوقف المصعد بدأت أنطونيا تشعر بقلبها يكاد يتوقف.
وفي الغرفة , أغلق كال الباب وقفله, وهكذا أصبح هو وأنطونيا وحيدين لا يقطع عليهما أحد حبل خلوتهما التي طالما أنتظراها بفارغ صبر.
وقالت له أنطونيا:
" كنت تعيسة جدا , لأنني كنت أظن أنك لا تزال تحب ديانا , وأنك لن تحبني أنا".
فعبس وصاح بها:
" أنا؟ أتعنين ديانا وبستر؟".
" نعم!".
" وكيف تظين ذلك؟ أي أنسان وضع هذه الفكرة الخاطئة في رأسك؟".
" أنت , فحين عرفتني عليها أدركت أن علاقتك بها لم تكن علاقة عابرة , وفيما بعد أخبرتني أختك أردت مرة أن تتزوجها , وأختك لم تخبرني بالأمر عن سوء نية".
" شائعة كهذه تسيء وتضيع الحقيقة , لم أشأ في أية مرحلة من علاقتي بها أن أتزوجها...... كل ما في الأمر أننا كنا نرافق بعضنا ".
منتديات ليلاس
" لعلها أعتبرت أن علاقتكما جدية أكثر مما أعتبرتها أنت , وفي تلك السهرة التي تقابلنا فيها , بدت كأنها تخبرك أنها غيّرت رأيها بشأن الزواج وأصبحت مستعدة لتصبح زوجتك أذا كنت لا تزال تريدها.......".
" هل يعقل هذا بحضور زوجتي ؟ زوجتي التي لم يمض على زواجي بها أسابيع معدودة؟ كيف يكون ذلك؟ ديانا أمرأة وقحة وجريئة ولكن ليست الى هذا الحد .... فالواقع أنك تركت مخيلتك تجمح بك بعيدا جدا".
" الأنسان تجمح به مخيلته حين لا يعلم أين موقعه بالضبط..... ألم تقل لي أنت أن زواجنا لم يكن نتيجة حب......".
" هل قلت لك هذا الكلام؟ متى؟".
" دائما! هكذا كان أنطباعي".
" أذن , فأنت على خطأ , وقعت في غرامك كفتى في العشرين , والشهران المنصرمان كانا لي كالجحيم لأنني كنت أشعر أن مجرد ملامستي لك تزعجك..... آه , كم كنت أرغب في أن أضمك بين ذراعي طويلا!".
" آه يا حبيبي .....هل تعني بالفعل ما تقول؟".
" سأريك ذلك بالفعل لا بالقول........".
وعندما أستفاقت في الصباح وجدت رأسها على كتف كال , فيما ذراعه تطوق خصرها , وشعرت كأنها فراشة خرجت أخيرا من شرنقتها وأخذت تجفف جناحها للطيران في وجه الشمس.
وكان كال لا يزال راقدا , فلم توقظه بل أضطجعت بهدوء بين ذراعيه وهي تتلذذ بالتفكير أنها أصبحت في آخر الأمر أمرأته وزوجته!
وبعد حين لاحظت أن جفونه بدأت تنفتح وأن وجهه أخذ يطفح بالسرور والبهجة عندما وعى أنها الى جانبه.
وقال لها:
" صباح الخير...... هل نمت نوما هانئا؟".
" على غيمة من السعادة.........".
فتمطى وأندفع خارجا من الفراش قائلا:
" دعينا نستحم...".
" معا؟".
" نعم , ولم لا؟ الزواج هو منتهى الأتحاد!".
وبعد نحو ساعة , عندما جلسا حول المائدة لتناول طعام الفطور في غرفة الطعام , شعرت بسعادة أمرأة خرجت لتوها من بين ذراع حبيبها الذي هو , في الوقت ذاته زوجها.
وقالت له:
" هل تعلم ماذا يقال عن الزوجة في أسبانيا؟".
" كلا , ماذا؟".
" يقال عنها أنها نصف الرجل الضائع .... فهل تعتقد أنت أنك وجدته الآن؟".
فنظر اليها بعينيه الزرقاوين المليئتين بالحب والحنان وأجاب :
" نعم , أعرف جيدا أنني وجدته حين وجدتك!".





تمت

فجر الكون 18-05-11 01:02 AM

تسلمي والله على الروايه الروعه,,,

نجلاء عبد الوهاب 19-05-11 08:33 PM

رواية جميلة جدا:wookie::liilas:

Rehana 21-05-11 01:44 PM

تسلمى حبيبتي على المجهود المميز

http://www.dreamdoodles.net/thanks%20flowers.gif

زهرة منسية 21-05-11 04:56 PM

يسلموا حبيبتى الوايه روعه

شاهد 21-05-11 09:14 PM

شككككككككككككككككككررررررررررررررررررررررراااااااااااااااااا ا

سماري كول 30-05-11 04:06 PM

تسلمين ع الروايه

hoob 01-06-11 11:57 PM

جميله اوووووووووووووى

الجبل الاخضر 03-06-11 07:50 PM

:73:وااااااااااااااااااااااو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55::4redf54r:تسلمين:tyr456es: اختيار ممتاز :shokrn:وشكرالك على الاختيار الرئع:slamtk: وننتظر جديدك:110:

هدىgb 30-06-11 04:07 AM

روايه جميلع تسلم ايدك عليها

ام سلمي 30-06-11 09:02 AM

السلام عليكم رحمة الله
مرحبا حبيبتي
مشكورة على هذه الرواية الرائعة
سلام وفي امان الله

سومه كاتمة الاسرار 01-07-11 12:18 AM

مجهود رائع تسلمين عليه
:8_4_134:

ندى ندى 26-09-11 01:40 AM

روووووووووووووووووووووووووووعه

hell girl 07-11-11 09:12 PM

احلى رواية :8_4_134::liilas::55::toot::peace:

hell girl 07-11-11 09:36 PM

رائع كتير ارجو ان نبداء صداقة جديدة:wookie:

hell girl 07-11-11 09:45 PM

رائع:liilas:

imane chane 16-02-13 02:09 PM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة)
 
لا باس بها

نورالايمان 23-01-14 06:03 AM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة)
 
شكرا رواية جميلة

ايدن 27-04-14 11:28 PM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة)
 
حلوووووووه وجميله

كيلوبتراء 04-05-14 11:19 AM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة)
 
:8_4_134: قصة رومانسية جميلة

روان م 07-05-14 11:46 PM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة)
 
شكرررررررررررررررررررررا

mahmoh 09-05-14 09:38 PM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة)
 
روايه اكتر من رائعه سلمت يداك

سماح الشيخة 16-05-15 10:18 PM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شكراااااااااااااااااااااااا

زينة ملك 16-04-17 03:15 PM

الكلمة الاخيرة _ ان ويل _ روايات عبير القديمة

فرحــــــــــة 18-04-17 02:09 PM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
غاليتى الغائبة الحاضرة
نيو فراولة
وقصة جميلة رائعة
استمتعت بها كثيرا
وعشت مع ابطالها واعجبتنى أنطونيا بهدوئها ورجاحة عقلها
وتعاملها مع المواقف التى وضعت فيها وتعاملها مع باكو الاخير
كما اعجبتنى شخصية كال بكل ماتحمل من رجولة وتفهم واستيعاب لانطونيا
سلمت يداكى على النقل المميز
لك منى كل الشكر والتقدير
دمتى بكل الخير
فيض ودى

ريما عباس 19-12-20 05:09 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة منسية (المشاركة 2751315)
يسلموا حبيبتى الوايه روعه

حلوة كثير يسلمو

ريما عباس 19-12-20 05:11 PM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
روايه حلوة كثير يسلمو ايديكي

بدور الزمان 29-12-20 09:18 AM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شششششششششششششششششكرا

نجلاء عبد الوهاب 12-06-22 09:27 PM

رد: 166- الكلمة الأخيرة - آن ويل - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
وااااو حلوة اوى
💋💋💋💋💋:8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134:: welcome_pills3::welcome_pills3::welcome_pills3::welcome_pill s3::welcome_pills3::welcome_pills3::welcome_pills3::welcome_ pills3:


الساعة الآن 09:37 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية