منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t148252.html)

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:00 AM

560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 

( زواج بالقــوة )

( 560 )
عبير دار ميوزيك

للكاتبة فلورنس كامبل

للأمانة منقولة


الملخص


أطلقت "آنى" زفرة طويلة وقالت لـ "جونى" :
- ولكن "شيز" لا يتذكرنى . ولا يتذكر ما حدث بيننا . . إنه يريد إلغاء الزواج .
- وأنت لا تريدين ذلك . أليس كذلك ؟
قالت وقد زاد نشيجها وارتفع عويلها :
- أنا أحبه . . أعتقد أن هذا واضح . . أليس كذلك ؟
منتديات ليلاس
- بلى هذا واضح يا "أنى" . . فى كل مرة تنطقين فيها اسمه يظن المرء أنك تتلين صلاة . هيا . . احكى لى ما الذى حدث؟
انطلقت "أنى" فى سرد حكايتها الحزينة أمام نظرات "جونى" المذهولة وانهت الحكاية قائلة :
- أنا كارثة حقيقية . . هذا ما يقوله .

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:02 AM



الغلاف الأمامى

يعمل "شيز" فى المهام السرية التى تكلفه بها المخابرات الحربية الأمريكية . وفى إحدى المهام فى "كوستاريكا" بـ "أمريكا الوسطى" كلف بإنقاذ مجموعة من العلماء الأمريكيين . ولكنه ورفاقه يفشلون عندما يقتل المتمردون هؤلاء العلماء . وينجح هو فى إنقاذ صبية فى السادسة عشرة من عمرها ولكن يقع له حادث انقلاب سيارة وهو فى طريق الهروب ويفقد الذاكرة . وفى المستشفى يخبره زملاؤه بأن الفتاة قتلت أيضا . ويصاب بصدمة نفسية تجعله يعتزل العالم والعاصمة بعد هجوم الصحافة عليه . بعد خمس سنوات يفاجأ بوصول امرأة تدعى أنها زوجته التى زوجها له قس فى "كوستاريكا" حتى تكتسب الجنسية الأمريكية ، وتستطيع الهروب من الشرطة والمتمردين وهذه الزوجة هى الفتاة التى أنقذها وأدعى زملاؤه أنها قتلت . . .
منتديات ليلاس

شخصيات الرواية :


- "تشارلز بودين " "شيز" : رجل كان يعمل فى الخدمات السرية بالبحرية الأمريكية ثم صائدا للجوائز باصطياد المطاردين من سارقى الماشية .
- "آنى ويلز" : شابة أمريكية كان والداها الطبيبان يعملان فى أحراش " كوستاريكا" وقتل المتمردون والديها وأنقذتها الأخوات الصالحات فى الدير .
- "جيوف دياز " : مساعد "شيز " .

- " جونى ستارهوك" : مساعد "شيز"

- الاخت " ماريا أتوسينتا " : رئيسة الدير فى "كوستاريكا" والتى أنقذت "آنى"

- "جاك لابواز" : مجرم كثير الهروب من السجن

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:04 AM

الفصل الأول
مزق السكون صوت طلقة مسدس وأطارت إلى السماء الخالية سربا من النسور . وأمام هذا الضجيج المفاجئ تجمدت "آنى ويلز" . أحاطت دوامة من الغبار حذاءها الرياضى المستهلك عندما استدارت لتفحص الطريق الحجرى الذى قطعته . أرادت أن تعرف من أين أت هذه الضجة ، وتساءلت كم عدد الرجل الذين باستطاعتهم استخدام المسدس كسلاح ؟ لايوجد سوى واحد فقط وهى تعرفه . أخذ العرق الذى سال من جبينها يحرق عينيها . استيقظت كل حواسها وآلمتها .
كان من الأفضل أن تفحص الأفق . . لم تر سوى الأراضى الصخرية لـ "وايومنج" على امتداد البصر والسماء بلون أزرق ومسحوق الذهب الذى ارتفع من طيران النسور . أصاخت السمع ولم تسمع سوى صوت تكتكة السوط الذى تردد صداه فى الصخور.
انتظرت "آنى" وهى تغامر فقط بالتنفس حتى تستعيد الطبيعة هدوءها . لقد قطعت بالفعل عدة كيلومترات منذ أن أنزلتها الحافلة فى بلدة "بينتر بونى " وهى أقرب بلدة من وسط الجبال التى كانت متجهة إليها . وهبت نسمة حارة واعدة بالأمل . إنها تحسه بوضوح مثل الحيوان الذى يحس بتغير الجو . سمعت عن بعد فى مكان ما كلبا ينبح وصهيل جواد خفيفا . بدأ قلبها ينبض بلا انتظام .
وقف رجل عند حافة النهر الجاف . كان ظهره إليها وقد ظهرت كتفاه العريضتان ضد الأفق الأزرق والأبيض ، وكان شعره طويلا وأسود مجعدا ، وكان معطفه الخفيف الطويل الذى يكاد يلمس الأرض يشبه ذلك الذى كان يرتديه قطاع الطرق ليخفوا أسلحتهم ، ولكن الرجل استبدل السلاح النارى بسوط طويل مجدول .
كانت "آنى" تعرفه ، لقد سبق أن رأته وسط حمى العمل بسوطه الذى يستخدمه مع الماشية سمعت صوت صفير حاد أدار انتباهها نحو غريم الرجل الذى يواجهه . . على بعد مترين منه حية ضخمة ذات أجراس بلون الماس وقد ووجهت بكلب ، كانت الحية مستعدة للهجوم على مقتحمى ملجئها وقد نفشت أجراسها . كان الكلب ينبح وهو يرتجف ويزمجر .
وجه الرجل ضربة ساحقة للحية رفعتها إلى الهواء ، حيث سقطت عند ملتقى الجبلين حيث وقفت "آنى" . كتمت صرختها بينما كانت الحية تزحف نحوها ، وبالغريزة انتصبت وهى مستعدة للفرار ، صاح الرجل :
- لا تتحركى
وكان الأحرى أن يطلب منها ألا تتنفس . عندما استدارت بحثت عن الحية بعينيها ورمقتها تزحف مثل نهر فضى داخل الرمال .
أحست الشابة بالخلاص وأوشك أن يغمى عليها ، وعندما صارعت
لتحتفظ بتوازنها انزلقت الاحجار من تحت قدميها . . لم يكن لديها اي فرصة للنجاة حيث استقرت على الارض مغطاة بالتراب عند قدمى الرجل . سالته بعد فترة بصوت هامس وهى تنظر فى عينيه مباشرة :
- انت "تشارلز بودين" . . . اليس كذلك ؟
كان له نفس الوجه النحيل القاسى ، والجمال الوحشى ، والفم الواسع والذى احتفظت بصورته فى ذكرياتها . . إنه لم يتغير . . حتى حاجبيه الكثيفين الأسودين . .
رد :
- ربما . . ولكن من أنت ؟
منتديات ليلاس
وجدت "آنى" صعوبة فى استرداد أنفاسها :
- أنا زوجتك !
* * * * *
نادى "شيز" على جواده وساعدها على امتطائه ، قال الرجل فى نفسه لابد أنها مخبولة أصيبت بضربة شمس أثرت على حواسها . . أحس نحوها بالعطف وهو يحيط وسطها بذراعه حتى تثبت على ظهر الجواد . . إنها لم تكد تنطق بهذه الحماة حتى فقدت الوعى . اصبح من المستحيل إذن أن يطرح عليها أسئلة . إنه لا يفهم حقا من أين هى أتت إلا من "بينتر بونى" ولكن لابد أنها فقدت صوابها حتى تقوم بالرحلة وسط النهار تحت شمس فى عنفوانها ، همس وهو غير مصدق :
- زوجتى !
إنه لم يفكر أبدا فى الزواج ما لم يكن قد حدث فى مراهقته عندما أولع هياما ببهلوانة ذهب لمقابلتها فى مقطورتها الرحالة ، ولكن غرامهما لم يستمر بعد رحيل السيرك وليس معنى هذا أنه ضد الزواج . بل بالعكس لقد كان يعشق حفلات الزفاف . ولكن حدث كرهه للزواج بعد ان بدأت متاعبه .
لكز "شيز" جواده وألصق المرأة به . كانت الرحلة للوصول لقمة الجبل قصيرة ولكنها محفوفة بالمخاطر القاتلة ، وتطلب الأمر من "شيز" أن يركز كل انتباهه للوصول إلى وجهته .
وعندما وصل "تشيز" إلى السطح المستوى أدرك أن راحة يدخ مشغولة بشئ طرى وشديد النعومة والحرارة وكان جمالها يفقد الرجل عقله . لقد خلقت هذه المرأة من أجل الرجل .
تساءل : ما الذى يجرى له ؟ . . إنه راعى بقر وعليه ان يترك المرأة فى حالها . . عندما خطرت هذه الفكرة على باله وجد المرأة لا تتحرك ، لقد مضى وقت طويل لم يقترب فيها من امرأة وبدا أن ذهنه يريد أن يعوض هذا الحرمان بهذه الفرصة الذهبية .
سمع تنفس المرأة المضطرب الذى يدل على إثارتها . وكانت تفاحة آدم تتصاعد وتنخفض مع كل نفس . . أخذ يحلم ولكن همسا خفيفا انتزعه من أحلامه . كانت المرأة ملتصقة به كالطفل .
كان "شيز" لا يزال غارقا فى أحلامه عندما وصلا إلى وجهتهما . كان كلبه "شادو" ينبح ويهز ذيله عندما وضع الرجل قدمه على الأرض وحمل المرأة بين ذراعيه . كانت خفيفة مثل الريش ونحيفة لدرجة مخيفة . وعندما حملها إلى البيت ساوره إحساس بأن هذه المخلوقة تشبه المرأة التى عبرت من قبل حجيم حياته . ولم يعرف من أين جاءه ذلك الاحساس .
إنه يلزمه وقت طويل ليفكر . من هى ؟ تساءل وهو يحاول التذكر إن كان قد التقى بها فى مكان ما ، أو سبق أن رآها . . . إنها لا تذكره بشئ محدد . . وبالتأكيد ليس بالزواج . ابتسم ابتسامة خفيفة وليس واثقا تماما بأن المرأة هى سبب ابتسامته . إنها نسخة مصغرة من المرأة وإن كانت تقاسيم جسدها رائعة فضلا عن تقاطيعها الفاتنة . طبعا ضيفته لا تصلح للدخول فى مسابقة ملكات الجمال بشعرها الأشعث وكأنها خرجت من معركة شرسة مع امرأة أخرى ، ولكن ملامحها الفريدة لا ينقصها السحر .
سأل "شيز" كلبه الذى مد نحوه رقبته :
- ما رأيك ؟ ما الذى تنتظره منا ؟
أخذ يربت على الكلب وواتته فكرة مفاجئة ومزعجة . ربما كانت صحفية تريد عمل تحقيق صحفى حول "تشارلز بودين" البطل رغم أنفه , إنها لن تكون المرة الأولى . . ولكن الصحفى لن يخاطر أبدا بأن يصاب بضربة شمس أو مقابلة الحيات الرقط ذوات الأجراس من أجل كتابة مقال .
تأمل "شيز" البنطلون الجينز المستهلك الخاص بالشابة عندام تحركت وهمهمت بكلمة شبه مسموعة . . . سألها :
- ماذا ؟
- ماء . . .
- فى الحال .
مد "شيز" ذراعه وأخذ كوبا من الدولاب البدائى . . إنه لم يفكر فى الفخامة عندما اشترى هذا البيت . . . لقد بحث فقط عن ملجأ يحوى مجرد الضروريات فقط ، حجرة وحمام وحجرة معيشة ومطبخ . . لا شئ يمكن أن يغرى أى امرأة بالحياة فيه .
ملأ الكوب بالماء الذى يحضره من النهر ثم جلس بجوارها وقال وهو يرفع الكوب لشفتيها :
- ها هو ذا !
فهم "شيز" فى الحال أنها فى حاجة إلى المساعدة . فأجلسها ليساعدها على احتساء الماء وجدها . . . لأسباب لا يفهمها شدية الجاذبية وهى ضعيفة وهشة وهى ترتشف الماء فى أحد أكوابه ، يا إلهى ! إنه فى حاجة إلى شئ قوى يهدئه لو استمرت مشاعره على هذا الحال ز وما الذى عليه أن يفعله حتى يتأكد من أنها لم تصب بالحمى ، شكرته الشابة بهزة خفيفة من رأسها وهى تنظر إليه بإمعان بعينيها الزرقاوين شديدتى العمق حتى إنه إضطر إلى أن يشيح بعينيه يعيدا عنها .
تساءل "شيز" بأى سؤال يبدأ استجوابه لهذه المرأة التى ضلت طريقها ؟ من أين أتت ؟ إن لديه سؤالين آخرين شديدتى الصلة بالموضوع لابد أن يطرحهما عليها ، وبدلا من أن يفعل قال لها مقترحا :
- هل تريدين أن أغسل لك وجهك ؟
- نعم من فضلك .
إن لها طريقة ساحرة للغاية فى قول ذلك . أحضر وشاحا أحمر لفه حول عنقها ثم غمس طرفه فى كوب الماء وأخذ ينظف وجهها . أغمضت عينيها تحت تأثير تدليكه لوجهها . ولدت هذه الحركة البريئة لديه رغبة غريبة .
تنهد . . . يا إلهى ! أرجو ألا تفتح فمها قبل أن أنتهى من عملى وألا تنطق بكلمة . نظر إلى بلوزتها . لقد كانت ضيقة جدا لدرجة أنه عرف السبب فى عدم تمكنها من التنفس بارتياح وأدى ذلك إلى فقدانها الوعى . . سألها وهو يلمس ياقة البلوزة :
- هل تحبين أن أخف ضغط البلوزة عليك ؟
قالت وهى لا تزال تغمض عينيها :
- نعم .
وضع "شيز" الكوب على المائدة وأخذ نفسا وبدأ يفك أزرار البلوزة . فك ثلاثة أزرار ثم تساءل إلى أى مدى سيستمر فى هذا العمل المضنى لأعصابه . . . عندما فتحت عينيها . . بدا وكأنها تراه لأول مرة . سألته :
- هل تظل محتفظا بقبعتك وسترتك فى البيت !
لم يكن هذا هو السؤال الذى كان ينتظره ، لم يعد يعرف أى مسلك يسلكه وترك نفسه تخاف منها بطريقة غريبة .
قال وهو يخلع سترته :
- هذا يعتمد على الظروف ؟
- أية ظروف ؟
- الجو .
كان وهو يرد بلهجة خشنة – يأمل أن يجعلها تشعر باليأس من الحديث فى هذا الموضوع ، ولكن بعض النساء لا يعرفن أبدا كيف يتوقفن .
__________________

تذكر ذلك وهى تجدحه بعينيها الزرقاون فى إلحاح وعمق متسائلة . لقد بدت هشة مثل الطفل المهجور ، وعنايته بها تضطره إلى إلى استخدام الرقة التى لم يتعود عليها وهو السريع الغضب فى العادة . ثم إنه يحس الآن بهذه الرغبة العفوية التى تدفعه إلى الثرثرة التى قد تعرضه للخطر . منتديات روايتى . وحاول جاهدا ألا يلعب دور الأم الحانية وأن يستعيد سيطرته على نفسه . قالت له :
- ولكن الجو ممتاز هنا .
- إنك قد تدفعينى إلى خلع ملابسى يا صغيرتى هل تفضلين أن أفعل ذلك ؟
احمر وجهها خفيفا ولكن اهتزاز رموشها الخفيف هو الذى أسعد "شيز" .
هناك فى مكان ما من المراكز المنطقية فى مخه ، أخذت إشارة عاطفية تومض بانتظام : الحذر . . . الحذر !
مال نحوها وحاول دون جدوى أن يعيد ربط الزر الثالث من البلوزة ثم انتفض واقفا فجأة وألفقى بقبضته التى سقطت فوق مائدة المطبخ ثم قال – وهو يسترد أنفاسه مع تجنب النظر إليها :
- حسنا ! أريد أن أعرف ماذا كنت تفعلين هنا ؟ . . من أنت ؟
أجابته دون أى تردد :
- " آنى ويلز" .
لم يخبره ذلك بشئ ولكنها كانت تنظر إليه برباطة جأش لدرجة أنه وجد نفسه يسألها :
- وهل هذا يعنى شيئا ؟
- آه . . بالتأكيد . . بالتأكيد . لقد تزوجتنى منذ خمس سنوات .
- انا تزوجتك ؟ هذا لا معنى له .
من الواضح أنها تمادت فى الأمر . . . ولكن كان من الصعب أن يراهن على الجزء الأخير من تأكيدها .
- وهل كان ذلك مند خمس سنوات ؟ لم أكن أعيش فى هذه البلاد منذ خمس سنوات لقد كنت . . .
- فى "أمريكا الوسطى "
ثم أضافت بلهجة مرحة :
- لقد كنت فى مهمة إنقاذ خاصة بوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" وكنت أنا جزءا من الأمريكيين الذين قمت بإنقاذهم .
دهش "شيز" تماما . . . لقد أعادت ذاكرته بقسوة إلى فترة ومكان من المستحيل أن ينساهما . . تلك المهمة إلى "كوستاريكا" والتى كانت بالنسبة له كابوسا حقيقيا . . . لقد أرسلوه وفريقه لتحرير علماء أمريكيين أسرم المتمردون . . وكانوا قد تفرقوا حتى يعثروا على الأمريكيين . . والأسيرة التى تم العثور عليها حية كانت فتاة مراهقة مختبئة فى دير هدمته القنابل .
وكانت مأساته أنه لم ينجح فى إعادتها سليمة معافاة . فقد لقيت حتفها فى حادثة سيارة على الطريق المؤدى إلى الجبهة . وهو نفسه خرج سليما بأعجوبة .
قاطعها بخشونة وهو يحاول إيقاف سيل الذكريات وهو ممزق ما بين الغضب وعدم التصديق : من هذه المرأة بحق السماؤ ؟ ردت :
- لا . . بل إنه أنت . . " تشارلز بودين" . إن الرجل الذى أنقذنى كانت له نفس سحنتك . وكان يدعة "شيز" وكان يستخدم أيضا سوطا ، آه . . أرجوك أن تتذكر ! لقد كنت مختبئة فى دير فى ضواحى "سان لويس" عندما عثرت على – لقد كنت هناك من شهر منذ أن قتل الارهابيون والدى .
انقطع صوتها فجأة وكأنها تجد صعوبة فى الاستمرار ، ثم استطردت :
- إننى أتذكر أدق التفاصيل . . لقد جرحك احد المتمردين ، وكان موجها سلاحه نحوى وقمت بنزعه منه بسوطك . فأخرج مدية هل تتذكر ؟
أحس "شيز" بألم ممض فى المكان الذى انغرس فيه سلاح المدية عند ساقه .
أخذ قلبه ينتفض داخل صدره عندما خرج بسرعة للخارج حتى يستطيع أن يسترد أنفاسه وسيطرته على نفسه . لابد من وجود تفسير منطقى ومن الأفضل أن يجد حلا . ز ولكن قد تكون إحدى الصحفيات الدؤوبات كالنحلة والتى تهتم بالتحقيق حول بعثة "كوستاريكا" ؟ ومن غيرها يعرف هذه التفاصيل ؟ لابد أنها حصلت على هذه المعلومات من التحقيقات الصحفية وقتها والتى كانت غنية بالمبالغات .
سألته – وقد أحست ببعض الاهانة والجرح لكرامتها :
- ولكن لماذا لا تصدقنى ؟ إننى أقول الحقيقة .
استدار يتأملها واكتشف أنها جلست بصعوبة وأسندت إحدى كتفيها على الجدار ، قرأ فى عينيها الأمل والخوف وكذلك عاطفة جعلته يحس بالعذاب . . واليأس . إنها تطلب – يائسة – شيئا ما . . ولكن ما هو ؟ الاعتراف ؟ ما الذى تنتظره منه ؟ بذل جهدا خارقا ومؤلما حتى يبدو قاسيا من أجل ألا يغرق فى سحر عينيها . قال :
- وأنا أقول الحقيقة يا "آنى ويلز" . . واثق تمام الثقة أننى لم أرك فى حياتى أبدا .
فكر "شيز" أنها لا يمكن أن تكون تلك المرأة التى تدعيها . . وليأخذ الله روحه ! لقد أغرق دم تلك المراهقة يديه . وكان هو وراء عجلة القيادة عندما انحرفت عن طريقها .
أخذ يبحث فى ذاكرته عن مراهقة وأى دليل يثبت أن تلك المرأة هى نفسها . ولكن لم يكن لديه سوى ذكريات مبهمة .
إن اصابته بالحمى التى عانى منها خلال مهمته قد أثرت على ذاكرته ، وبالتالى على حسن حكمه على الأمور . . لقد أدى الحادث إلى إسدال ستارة من الضباب على ذكرياته . . وهو لا يستعيد سوى ذكريات نادرة وقليلة جدا .
لقد قال لـ"آنى ويلز" الحقيقة ولكن ليست كل الحقيقة . ليس لديه أى ذكرى عن الشابة التى أنقذها قبل ان تلقى حتفها بعد ذلك ، إنه لا يستطيع حتى أن يتذكر اسمها .
قالت له فى تحد واضح :
منتديات ليلاس
- إجراء رسمى ووسيلة للخروج من المأزق . ولقد كنا مدركين لذلك نحن الاثنان .
قال ردا عليها بصوت قاطع :
- ربما أنت . ولكن بالنسبة لى فان ذلك لم يحدث ابدا . ان الوعد الوحيد الذى اقسمته كان فى اليوم الذى اوشك فيه والدى ان يقتل كل منهما بزجاجة الشراب القوى بعد ان ابتلعا محتوياتها . فى هذا اليوم اقسمت الا اتزوج ابدا . اذن اخبرينى يا "آنى ويلز" لماذا احنث بقسمى ذلك من اجلك ؟
ارتجفت "آنى" انها لا تعرف بماذا تجيب على سؤاله ولكنها تمكنت بصعوبة من ان تجيبه قائلة :
- لست ادرى لماذا . ربما كان بدافع العرفان بالجميل .
- ولماذا بحق السماء ؟
أحست بالاحباط . كانت لديها رغبة فى ان تقول له : ان ذلك العرفان بسبب انها انتزعته من بين براثن الموت .
لقد ظلت بجانبه وهو فى حالة من الهذيان وفقدان الذاكرة . . كيف امكنه ان ينسى ذلك ؟
- لقد أعطاك القس الأدوية . ولكن كان يلزمك شخص يظل بجوارك ليل نهار .
أشاحت بوجهها بعيدا عنه وهى تعلم أنها لا تستطيع ان تدخل فى تفاصيل تلك المحنة الآن .
لقد كان من المؤلم للغاية بالنسبة لها أن تحكى ما عانته وما اضطرت إلى فعله .
لقد كان التعب قد هدها ! فتركت نفسها تسقط على الفراش مرة ثانية وتغمض عينيها . لقد كان عذابا ان تشاطره نفس الحجرة بعد كل تلك السنوات الطوال . ان قربه منها يعيدها الى زمن كانت عواطفها نحوه وحشية وقوية وحلوة .
كانت قد وقعت صريعة حبه فى الحال مثل فتاة مرعوبة تغرم بالرجل الذى يغامر بحياته من أجل انقاذها . . ربما كان شغفها بالبطل المغوار ! ولم تكن تعرف ان كان يحبها ام لا ، ولا تستطيع ان تحكم على وضعها بالنسبة له ولم تجد امامها سوى ان تفعل الشئ الوحيد فى مثل هذه الحالة وهو ان تنتظر ان يعود اليها .
اجبرت نفسها على فتح عينيها مرة ثانية وتشابكت نظراتهما وتساءلت : كيف امكن ان تكون ساذجة لهذه الدرجة ؟ انه لم يعد ابدا اليا ولم تكن لديه ابدا نية العودة . غمرتها موجة من المرارة وهى تحاول ان تطرد الذكريات من ذهنها . . انها ذكريات مؤلمة . سالها:
- ما الذى تنتظرينه منى ؟
- اجابات صادقة .
تحملت نظراته وهى تدعو الله الا تعكس ما يدور بخلدها من افكار . هل يعرف من هى ؟ الا تذكره اذن باى شئ ؟
لم يكن هناك سوى اجابة صادقة على هذا السؤال ، ولكن "شيز" ليس لديه اى نية فى ان يقولها . ان تعرف كل تفاصيل مهمته وبعثته أمر جعله يهتز ويرتج ، ولكن طالما لا يعرف بالضبط من هى ؟ وماذا تريد ؟ فلا مجال هنا لأن تقول له المزيد . انه يتذكر انه افاق فى مستشفى امريكى بعد الحادثة وكان مساعداه "جيوف دياز" و "جونى ستارهوك " وقد اعدا تقريرهما وذكرا فيه انه لم يعثر ابدا على جسد الفتاة والاثر الوحيد كان فردة حذاء وسط الاحراش .
لقد تبعته تلك الحادثة ربما لانه لم يصل الى تذكر ما هو سببها . ولكن الذى يطارده الآن ويلح على ذهنه هو حكاية الفتاة .
إنها تعرف عنه الكثير من الامور التى لم تستطع الفتاة ان تقرا عنها فى الصحف .
انتزعه صوت تحطم كوب زجاجى من افكاره ، من الواضح ان "آنى ويلز" هى التى اسقطته وهى تحاول ان تستخدمه . قال "شيز" – وهو يشعر بعدم ارتياح واضح :
- هيا . . اهدئى ! ساعطيك كوب اخر .
بينما يملا الكوب بالماء عبرت راسه صورة ساحرة وغريبة . . فتاة صغيرة ذات شعر احمر ورقيق تهمس فى اذنه بكلام غير مفهوم . اوشك الكوب ان يفلت من بين اصابعه . قد تكون صورة اى امراة ممن عبرن حياته على مر السنين .
عندما فتح صنبور الماء أحس ببرودة الفولاذ تسرى بين مفاصل أصابعه . . تذكر صوت طلقة مسدس . قالت له " آنى ويلز" :
- لا تتحرك والا اطحت براسك .
- ما الذى تفعلينه ؟
قالت بصوت منخفض بلهجة تهديد :
- اننى امراة يائسة يا سيد "بودين" . . لقد مرت اسابيع وانا ابحث عنك وقطعت الاف الكيلومترات حتى اعثر عليك مرة ثانية . . اذن عليك ان تنصت الى ، وعندما انتهى ستعطينى ما اريده .
وضع "شيز" كوب الماء ورفع يديه عاليا .
( نهاية الفصل الأول )

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:06 AM


الفصل الثانى


كان السلاح معبأ وقال :
- حسنا . . انا منصت اليك . . ماذا تريدين ؟
- ليست لدى اى وسيلة لاثبات اننى امريكية . وانت الشخص الوحيد الذى يستطيع مساعدتى .
فى تلك الساعة والظروف لم يكن لدى "شيز" أى رغبة فى مناقشتها ، ولكن لم تكن لديه اى فكرة عما تتحدث عنه لابد ان الشمس اثرت على راسها . انه الان واثق بذلك .
- ولماذا انا بالذات ؟
- لأن فى جيبى قصاصة من الورق تقول انك زوجى . ولا يوجد غير ذلك . وهى غير ذات قيمة مالم تؤكد انت صحتها .
اراد "شيز" ان يستدير ولكن ماسورة المسدس كانت مصوبة نحوه
سالها :
- أية ورقة ؟
- الشهادة التى اعطاها لنا القس .
- شهادة زواج ؟ انها غير ذات قيمة . . لقد كنت غارقا فى الهذيان ، وانت لم تكونى سوى صبية .
- لقد كان عندى وقتها ستة عشر عاما والسن القانونية التى تسمح للزواج فى "كوستاريكا" هى اربعة عشر عاما . واذا كان الزواج شرعيا هناك فهو كذلك هنا .
- شرعيا ؟
اصبح الآن "شيز" مدركا تماما ان ماسورة المسدس موجهة اليه ، مما اعطاه احساسا بمعنى كلمة الزواج تحت تهديد السلاح .
سالها :
- هل انت متاكدة ؟
منتديات ليلاس
فزع وهو يسال هذا السؤال . . انه يتحدث وكانه يصدق حكايتها ! اجتاحته موجة من الخوف وهو يفكر انها ربما تقول الحقيقة البحتة . لقد قالوا له : ان الفتاة ماتت وانها لم تستطع ان تتبعه . ولكن على اية حال فان هذه الفتاة – التى تلزمه بقوة السلاح على احترام كلامها – لديها مشكلة . ومشكلتها اصبحت الان مشكلته هو .
- وهل لديك مستخرج رسمى لشهادة الميلاد ؟
لقد كان يحاول ان يجد حلا اخر . ردت عليه :
- ليس عندى هذا المستخرج ولا جواز السفر ولا بطاقة اثبات الهوية
- لابد من وجود اى اثبات فى مكان ما .
اراد ان يستدير نحوها ولكنها غرست السلاح فى ظهره بعد ان كانت توجهه الى راسه من الخلف . ان الامر يزداد سوءا . قالت :
- كونى اصبحت مشردة بدون جنسية لم يعد له اية اهمية يا سيد "بودين" والنتيجة ها هى ؟
لم يدهش "شيز" باى درجة . ان مساعديه فى وزارة الحربية الامريكية المعروفة باسم "البنتاجون" لم يعثروا على اى اثر للفتاة التى لقيت حتفها اثناء مهمته الرسمية .
- الا يوجد لك اسرة ؟
- من ناحية ابى فانهم جميعا ماتوا بالامراض المتفشية فى المناطق الاستوائية ، اما من ناحية امى فقد ذهبوا الى جزر "الانتيل" على ما اظن . ولم يعرف احد على الاطلاق اين ذهبوا بالضبط ، ولا اعرف احدا غير ذلك .
- انت تقولين ان لديك دليلا . هل يمكننى ان اراه ؟
امرته قائلة :
- استدر . . ببطء ولا داعى للحركات المباغتة .
ظل "شيز" رافعا ذراعيه فى الهواء واستدار وهو يسوده شعور غريب :
اولا لم يحدث له ان اجبرته امراة على احترامها بواسطة السلاح . وثانيا فان التجربة لم تكن سيئة على الاطلاق بل مثيرة حقا . خاصة والمراة تبدو كملاك برئ غاضب بعض الشئ وكلها حرارة ولهب .
ان التغيير فى ملامحها كان مثيرا ولافتا للانتباه . كانت تضئ كنيران معسكر مرح وسط ظلام الليل فى الصيف .
قالت له – وهى تناوله المستند – "
- ها هو ذا ، يمكنك ان تقراه ولكن لا تات باى حركة
كانت الورقة المجعدة مكتوبة بالاسبانية وتحمل توقيعين احدهما توقيعه دون ادنى شك . وكان يعرف من الاسبانية مايكفيه لأن يعرف ان ما بها حقيقى وان ما قالته صادق . . انها شهادة زواج . سب "بودين" ولعن نفسه . سالها :
- والان ماذا تنوين ان تفعلى ؟
لمعت نظراتها لحظة وفهم "شيز" الرسالة . . لنه محاصر وهى تعرف ذلك . واذا كان هناك ما يرعبه فهو ما فيه الان . اجابها ونظراته تنتقل من السلاح الى يدها :
- لا شئ ذو قيمة الان ما دمت مصوبة سلاحك نحوى .
كان وضعها مثيرا واشعل نار الرغبة عنده وهو يتاملها ، سالها :
- وهل تم تنفيذ عقد زواجنا ؟
بدت لا تفهم وكانها مخلوق وقع من السماء
- تنفيذه ؟
- نعم تنفيذه . . هل انتقلنا من مرحلة العقد الرسمى الى ممارسة الحياة الزوجية يا "آنى " ؟
تردد – وهو يراها تفتح عينيها على اتساعهما - :
- هل تزوجتك فعلا يا "آنى" ؟
بدا عليها الرعب . ثم انهت بان قالت ووجهها اصبح ارجوانيا :
- نعم .
قال لها – وهو يحدجها بامعان وتهكم - :
- واعتقد ان الزواج كان جميلا . . اليس كذلك ؟ للاسف اننى لم اعد اتذكر التفاصيل . . هيا اخبرينى . . هل كان جميلا ؟
هزت راسها علامة الايجاب وهى تتجنب نظراته :
- لقد نسيت ذلك بمرور الوقت .
تحت تاثير الانفعال انزلق السلاح من بين يدها ، ولم يتح لها الوقت لتسترد جاشها . وامسك رسغها بقوة ، لم يكن يريد ان يؤلمها ، ولكن لم تكن لديه وسيلة اخرى غير ذلك .
قال لها – وهو يقربها منه - :
- هل تقولين لى . . اننى تزوجت من فتاة فى السادسة عشرة من عمرها وعشنا حياة الازواج ؟
كان يعرف الرد مسبقا ، ولكنه اراد ان يسمعه من فمها الصغير الجميل والكذاب .
وجدت "آنى" صعوبة فى التنفس وقلبها يدق بلا انتظام ، ووجدت جسدها يرتجف ، بسبب لا تدرى كنهه وكانها على وشك الانهيار والاستسلام ، انها تعرف انه يحاول ان يخيفها ولكن لا يهمها ما يهدد بفعله . انها لا تستطيع ان تخبره بالحقيقة . قال لها بصوت خشن واجش :
- ومتى مارسنا حياتنا الزوجية ؟ اخبرينى بكل شئ ... اننى اريد ان اتاكد من اننى كنت نعم الزوج .
- ان الامر لم يحدث كما تتخيل ... لقد كنت مريضا وتهذى ولكن كان بيننا شئ قوى ... نعم ، انه لم يكن مجرد انجذاب ... لقد حدثتنى عن احلامك ، بل حدثتنى حتى عن هذا البيت عندما اخبرتنى بانك تنوى ان تستقر فيه .
قال "شيز" وهو لا يزال مصدوما من الانفعال الذى جعل صوته منقطعا :
- ان الرجل يقول اشياء عندما يعانى من الهذيان .
كانت تشعر بالعاطفة الجامحة تغرقها ، عاطفة من الغيظ الشديد منه ، لان لا يريد ان يصدقها والا يتذكر شيئا ، وكان مظهرها كملاك وحشى يحرك مشاعره بطريقة لا يستطيع ان يحددها ، وايقظت بداخله فضولا غريبا . واحس برغبة عارمة نحوها لكنه تركها واستدار وهو يحاول ان يركز عينيه على عينيها .
سألها مرة ثانية – وهو مندهش من مدى اهتزازها تحت تأثير الانفعال والاثارة - :
- وما الذى جرى بيننا ؟
- وهل ستصدقنى ؟
- أجيبى على بكل شئ .
قالت بصوت منخفض وكأنها تبحث عن الكلمات :
- كل شئ . . السماء والجحيم . لقد أوشكنا أن نموت أنا وأنت .. لقد عرفنا معا أياما رهيبة ورائعة .
رد عليها :
- ولكنك لم تكونى إلا فى السادسة عشرة من عمرك ، اننى لم أكن أستطيع أبدا أن ...
- لا .. لم يكن لدى ستة عشر عاما ... عندما يعيش الانسان فى المنفى تحسب السنوات مضاعفة .
كان ثمة ما فى صوتها يحيره . استطردت :
- إنها ليست الفتاة التى أنقذتك .
ولكن "شيز" كان يستمع اليها باذن شاردة ، لقد كانت عيناها هما اللتان تحدثانه وكان حديثهما أبلغ من أى كلام . لقد فهم فى الحال أنها مستعدة لأن تفعل أى شئ وهذا يثبت مدى صدق كلامها .
إنها ملاك حقا فى صورة جنية ، وقد اشتعلت عيناها بلهيب غريب . سألها :
- إذا كان حقا ما تقولينه من أننا تزوجنا فأثبتى لى ذلك وأرينى ماذا فعلنا .
غامت تعبيرات وجهها لحظات ولكن سرعان ما ذهب تجهمها مثل سحابة صيف .. إنها تعانى مزيجا من الخوف والرغبة ، إنه خليط متفجر .. مرر "شيز" يده فى شعرها الحريرى .
لم يكن "شيز" يريد أن يتأثر هكذا بسرعة ولكن لم يسبق له أن رأى امرأة فى مثل سحرها وفتنتها .
هناك أمور يعرفها الرجل حتى ولو أن العقل ينصحه بأن يظل حريصا وحذرا . . إنه لا يستطيع أن يقاوم . وأحست هى بانفعالاته . . وشكرت السماء لأن هذا ما كانت تنتظره حتى يساعده ذلك على التذكر .
منتديات ليلاس
استسلما لعاطفتهما وأخذ كل منهما يهمس باسم الآخر فى حنان وحب . أخذ يسألها عم إذا كان هذا ما جرى بينهما بعد زواجهما الذى لا يتذكره . أضاءت عيناها ثم غاصتا ثانية وقالت عيناها نعم ولا فى وقت واحد . . لقد بدأ "شيز" يفقد سيطرته على الموقف . وسمع صوتا فى أعماقه يقول له : ان يتماسك قبل فوات الأوان . أراد أن يتوقف عن اندفاعه العاطفى ولكنه لم يستطيع . قالت له بصوت مرتجف بطريقة غريبة :
- لابد أننى أحلم .
إنها تتصرف كأمرأة تحب زوجها ، وهى تتعلق به مثل المرأة التى تتشبث برجل لم تره منذ وقت طويل . ولكن الصوت المنخفض فى أعماقه أصبح عاليا الآن ، ويقول له بالحاح إنه يرتكب الآن أكبر غلطة فى حياته وسواء كانت "آنى" تقول الحقيقة أم لا فإن ذلك لن يزيد الأمور إلا تعقيدا لو استسلم لعواطفه الجامحة نحوها .
إنها قد تفهم من ذلك أنه اعتراف منه بأمر لا يزال غير مقتنع به . قال لها فى النهاية بصوت أجش :
- ألا ترين يا "آنى" . . اننا نتعجل الأمور ؟
- كيف ؟
بدا عليها بعض خيبة الأمل وهى لا تعرف أى مسلك تتخذه .
- هل تعتقد هذا ؟ يمكننا أن نمنح نفسينا بعض الوقت إذا كانت هذه رغبتك .
- إذا كانت هذه رغبتى ؟
وجد "تشيز" صعوبة فى أن يمنع نفسه من الانفجار فى الضحك وقال لها :
- انظرى إلى نفسك . . إن وجهك أحمر شديد الاحمرار وأنت ترتجفين من رأسك لقدميك .
- لاشك أن ذلك بسبب التعب . . لقد مر دهر منذ آخر مرة نمت فيها وأكلت .
هناك شئ ما لا يسير على ما يرام ولكن ما هو ؟ من الواضح تماما أنها مرعوبة ومنهكة وربما تموت جوعا ، ومع ذلك يبدو عليها الرغبة الشديدة فى أن يتبادلا الحب . قال – وهو يتراجع - :
- إننى لا أحس بأننى بخير . ربما عضتنى الحية دون أن أدرى.
ردت عليه بصوت بدا جادا فجأة :
- أوه . . إن هذا يدهشنى . . ربما كان ذلك بسبب الدورة الدموية وكل شئ سيعود إلى خير حال عندما يصل الأكسجين جيدا إلى مخك .
__________________
ابتسم "شيز" ابتسامة مغتصبة وقال لها :
- أرجو المعذرة .
إنها السبب فى اضطراب دورته الدموية . سألها :
- وكيف لك أن تعرفى الدورة الدموية للرجال ؟
جعل سؤاله "آنى" تبتسم . . إنها تعتبره رجلا لا يقاوم . . إنه يشع رجولة وجاذبية يمكن أن تصرعا أى امرأة عن بعد ، أحست بأن كل الامور الجميلة بدأت تعود .
سألها وهو يعبر الحجرة :
- هل أطمع فى إجابات ؟
- أوه . . نعم . . لقد كان والداى طبيبين . . ألم أقل لك ذلك ؟ وكانا يريدان منى أن أصبح مثلهما .
سألها "شيز" فى دهشة :
- هل كنت ستصبحين طبيبة ؟
كانت تحس بالدوار ولم تفهم سؤاله ، ثم حلت ابتسامة محل مظهر الحزن الذى ساد وجهها :
- آه . . نعم . . لقد أراد والداى إرسالى إلى كلية الطب فى الولايات المتحدة الأمريكية . . حتى يستمر التقليد المتبع فى الأسرة . لقد كان هذا هو حلمهما أكثر منه حلمى ، وكان من المحتمل أن اكون قد أتممت دراستى الطبية لولا وفاتهما .
قال "شيز" بطريقة آلية :
- لابد أن ذلك كان قاسيا .
- ولكن هذا كان منذ خمس سنوات ، وقد استطعت التغلب على ذلك .
أصدر لوح خشبى صريرا تحت قدمى "شيز" فخفضت "آنى" صوتها بطريقة آلية . . إنه رد فعل طبيعى لما عانته ولا تستطيع التغلب عليه .
سألته وهى تريد أن تعرف لماذا ينظر إليها "شيز" بهذه الطريقة الغريبة :
- هل هناك شئ لا يسير على ما يرام ؟
- لماذا تتكلمين بصوت منخفض ؟
- إنها العادة على ما أظن ، عندما يعيش الانسان فى الدير يتعلم أن يهمس وأن يتنقل بخطوات الفهد .
- دير ؟ فى "كوستاريكا" ؟
- لقد قضيت فيه خمس سنوات .
- ولكن لماذا لم تذهبى إلى الولايات المتحدة ؟
- لأسباب عديدة لا حصر لها .
فكرت فعلا أن تحكى له تاريخ حياتها المؤلم ثم قالت فى نفسها : إن ذلك يمكن أن ينتظر ، إنها لم تختر حياتها . قالت له :
- أنا لم أختر الذهاب إلى الدير فى البداية ، ثم أدركت أن ذلك هو ما أحتاج إليه . لقد قمت بتعليم صغار الهنود القراءة والكتابة . وفى بلد غزته الحروب فإن معلوماتى الطبية كانت ذات فائدة .
قال "شيز" مؤكدا دهشته :
- فى الدير ؟ وفى سن صغيرة ؟ ولكنك لم تكونى سوى صبية صغيرة . . ما الذى يعلمونه للفتيات فى مثل تلك الأماكن ؟
اعترفت "آنى" :
- أولا أن أبقى على قيد الحياة ، ولكن الأخت "ماريا أنوسنتشيا" – وهى الأم الكبرى – كانت متم*** جدا بالطاعة والخضوع
احمر وجهها قليلا وهى تقول فى نفسها : إن هذا ليس ربما أول شئ عليها أن تبوح به ، ولم يستطع "شيز" أن يمنع نفسه من الابتسام . . لاشك أنه يحاول أن يهضم ما قالته . سألته :
- وأنت ؟ هل تربى الماشية ؟
- لا على الاطلاق . إنما أقوم بتأمين سلامة المزارع .
لم يجد "شيز" أى سبب يمنعه من أن يخبرها بما يفعله فى "وايومنج" بعد ان تأكد تماما من أنها ليست صحفية . وإذا كانت فعلا هى ما تقوله عن نفسها فإنه سيستفيد جدا من محادثتها عن مخاطر المهنة التى يمارسها . إنه لم يعرف أبدا امرأة مستعدة لأن تشارك حياة رجل يطارد لصوص الماشية .
استطرد قائلا :
- إننى أقضى وقتى فى تتبع آثار الخارجين على القانون ، الرجال الذين رصدت أموال من أجل رؤوسهم وهو ما يسمى صائد الجوائز .
بدت عليها الدهشة الحقيقية وسألته :
- ألا يزال هناك لصوص مواش فى "وايومنج" ؟ وهل قبضت على الكثيرين منهم ؟
رد عليها وهو يرتدى قبعته مرة أخرى :
- بعضهم ؟
- هل أنت ذاهب إلى مكان ما ؟
هز "شيز" كتفيه :
- لقد قضيت أربعة أيام فى التجول وأنا الآن تنقصنى المؤونة ، ولابد أن أقوم بجولة فى المدينة .
- هل يمكننى الحضور معك ؟
كانت تتحرق شوقا لأن تصحبه وأوشك "شيز" أن يجيبها بنعم
- لا ليس هذا من العقل والصواب . إن أهل البلد فضوليون فعلا وهذا سينشر الأقاويل وماذا لو أخذت حماما ؟
- حماما ؟ إن هذا سيكون الفردوس !
تخيلها "شيز" وهى تحت الحمام قال لها :
- هيا خذى الحمام ويمكنك ان تخلعى ملابسك فى الحمام .
نظرت إليه فى دهشة وهلع وقالت :
- ولكن لماذا أخلع ملابسى . . لقد كنت أخذ حماما فى الدير بملابس كاملة .
نظر إليها وكأنها مخلوق من عالم آخر ، وأخيرات هز كتفيه بلا اكتراث وقال لها :
- افعلى ما تشائين .
منتديات ليلاس
سألته – وهى مرتعبة – ونظرت إليه وكأنها تنظر إلى مختل عقليا أو مغتصب :
- وماذا ستفعل ؟
- لا شئ مما تتصورينه . . كل ما أريده هو أن أتاكد من أن أجدك هنا عندما أعود .
- إننى لن أتحرك من مكانى . . إننى أعدك بذلك .
لم يكن "شيز" من النوع الذى يكتفى بالقليل و"آنى" اثبتت أنها من النوع الملئ بالمفاجأت غير المتوقعة .
لم يكن لديه أى رغبة فى أن يراها تفلت من بين أصابعه طالما لا يعرف بالضبط من هى .
إنه يتصور مقدما عناوين الصحف الكبيرة لو أن أسماك القرش هذه نشبت أسنانها فيه . حتى النشرات المحلية ستجد لها فرصة لتصول وتجول ، تخيل عناوين مثل "بطل البنتاجون" السابق يخفى المرأة الطفلة . منذ مغامراته فى أمريكا الوسطى لم تكف الصحف الصفراء ومجلات الفضائح عن مطاردته ، وليس لديه أى نية أن يكون طعما سهلا لها . هكذا قالت له بصوت مخنوق وكأنها تهمس وسط القداس فى الدير :
- "شيز" لدى فكرة . . ماذا لو اتصلت بشركائك القدامى ؟ إنهم سيقولون لك من أنا
شركائه ؟ إنها تقصد "جونى " و "جيوف"
- كيف تعرفينهم ؟
لمعت عبناها الزرقاوان . . لقد عثرت على الحل لكل مشاكلهما . قالت :
- لقد التقينا بهما فى الطريق إلى الجبهة . . ألا تتذكر ؟ لقد كان ذلك فى الخطة . لقدعثروا على العلماء وأنت الفتاة .. وأتذكر حتى أن "جونى" كان يمزح . لقد قال : إنك أنت الذى قمت بأحسن عمل .
تساءل "شيز" لماذا لم يفكر فى ذلك من قبل إنه لا يتذكر موعد اللقاء ولكنهما أتيا لزيارته فى المستشفى . ومع ذلك لم يستطيعا أن يعثرا على أى أثر للفتاة .
إن العملية كلها تركت فى حلقه مرارة العلقم ودفعته للتقاعد والانسحاب . لقد حنق عليه شركاؤه ولم يرهم منذ أربع سنوات أيا كان الأمر فإنه سيتاكد . تذكر قائمة الفضائل التى ذكرتها الفتاة ومن بينها الطاعة والخضوع . . قال لها :
- هيا يا آنسة . . اخلعى ملابسك وخذى حمامك ولا تضطرينى إلى أن أقوم بخلعها بدلا منك .
__________________

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:07 AM

الفصل الثالث


- هيا أفعلها إذن ! ما الذى تنتظره ؟ لا تظن على أية حال أننى سأخلع ملابسى تحت التهديد ؟ لن أفعلها لك أو لأى رجل آخر.
كانت تتحدث برابطة جأش وهى واثقة بعملها ، ولكنها سرعان ما لاحظت احتقاره إنها لم تكن قد حسبت رد فعله هذا . كانت نظرته التى اشتبكت مع نظرتها كفيلة بأن تجعل الميت يرتجف ، بدت عيناه فاحمتا السواد أكثر لهيبا حارقا من نار جهنم . قال :
- أنت لم تفهمى ما قلته يا ذات الشعر الأحمر . أنا لم أترك لك حرة الخيار ، إما أن تنفذى أو أقوم أنا بالتنفيذ .
نظرت إليه دون أن يطرف لها رمش ثم قالت – وهى ترفع يديها - :
- هيا مزقنى إربا . ولننته من هذا العذاب .
- هل أنت واثقة بما تقولين ؟ هل تريدن حقا أن تموتى ؟
وجهت له نظرة يستطيع أى راعى بقر أن يفهمها .
- هل تأملين أن تتلقى البركات الأخيرة ؟ أنا لست قسا ، ولكننى أستطيع ان أفعل شيئا . . أن أرشك بالماء أو أى شئ ما .
أحست "آنى" بالارتياح من لهجته الساخرة ، على الأقل لم يمزقها كما طلبت . قالت وهى تخفض يديها فى هدوء :
- إننى أستغنى عن البركات الأخيرة . فلست كاثوليكية .
قال لها أمرا :
- "آنى" ؟ هل ستنزعين تلك الملابس اللعينة ؟ نعم أم عليك اللعنة ؟
- لا . . ولا تحت تهديد المسدس !
فهمت أنه ليس من السهل أن تثنى "شيز بودين" ، ولم يضايقها أن يتمادى الرجل فى اصراره إلى أقصى الحدود . .انتهى بها الأمر إلى أن قالت له :
- حسنا . . لقد انتصرت على مبادئى ولكن لا جدوى على الإطلاق من أن أصر على التمسك برأيى وإلا أين أستطيع أن أذهب بعد أن قطعت آلاف الأميال حتى أقابلك ؟
بدأت فى خلع حذاء التنس والبنطلون الجينز ، ثم سألته وهى تشير إلى الباب :
- هل يمكن أن تخرج ؟ما دمت ستذهب على أية حال فإننى سأناولك ملابسى من وراء الباب عندما انتهى .
منتديات ليلاس
دهش "شيز" عندما وجد نفسه يعبر الباب ، اللعنة عليها .. كم هى متسلطة وآمرة ! من بين كل الفضائل التى حاولوا أن يعلموها له كانت الطاعة آخر ما يمكنه أن يفعلها نظر إليها وهى تفك حزام البنطلون إن هذه اللعينة لها طريقة خاصة تجعله يخرج عن شعوره . قال لها فى تهكم :
- هل تحبين أن أساعدك ؟
تجاهلته وأخذت تواصل عملية خلع ملابسها ، ولم يجد أمامه سوى أن ينتظر خلف الباب حتى تعطيه ملابسها ، وعندما تأخرت صاح فيها فى غضب :
- يجب أن أذهب . . فلم أعد أطيق الانتظار .
نظرت "آنى" فى ذهول إلى الباب الذى صفقه بعنف قبل أن يرحل ، كانت تتحرق فضولا لتعرف أين سيذهب . . ثم لماذا هذا الغضب المفاجئ ؟ هل كان يخشى أن يغرق ويرتكب حماقة تهز صورته فى عينيها ؟ هل هذا ممكن ؟ ثم ما هذا التغيير المفاجئ فى مسلكه ؟ ما هى مشكلة هذا الرجل ؟ النساء ؟ أم "آنى ويلز" ؟ أم كليهما ؟
أخذ "شيز" فى الخارج يتنفس فى صعوبة . . إن مشكلته الان أن يجد الأكسجين الكافى ليعود إلى صوابه .
عاد وطرق الباب بعنف :
- إننى لا زلت فى انتظار ملابسك حتى أنشرها لتجف .
قالت له وهى تناوله الملابس :
- لقد فعلت ما تريد . . هل أنت راض ؟
راض ؟ انها ليست الكلمة المناسبة لحالته .
نادت "آنى" ك
- تعال هنا يا "شادو"
منذ أن غادر صاحب الكلب المنزل لم يترك مكانه أمام الباب . نظر إليها كلب الرعى الاسكتلندى من نوع "كولى" نظرة متعبة وغير راضية وكأنه يحملها المسؤولية عن رحيل سيده ، وربما لأسباب أخرى .
شملت "آنى" الغرفة بنظراتها ، كانت حجرة فقيرة وعارية جعلت الرجفة تسرى فى اعضائها ، لم يكن على الجدار سوى بندقيتين معلقتين . . لا يوجد لوحات ولا ستائر ولا لمسة ألوان تعطى بهجة للمكان .
لقد كان التقشف باديا على المكان وكأنه دير أو مكان عبادة لناسك .
لسبب ما اختار "شادو" تلك اللحظة حتى يترك موقعه . وعندما عبرت الحجرة لتفحص ركن المطبخ عن قرب سار الكلب بجوارها خطوة خطوة ، وأحست بأنفاسه تصطدم بقدميها الحافيتين ، تركته "آنى" يتبعها وبدا الكلب يحتك بها وكأنه يحاول جذب انتباهها قالت له وهى تحد رأسه :
- إنك ظرف أيها الكلب .
مالت عليه لتداعبه واجتاحتها موجة من العواطف والانفعالات عندما بدأ الكلب يلعق وجهها ، هذه أول مرة يظهر لها أحد بعض الحرارة والحفاوة منذ بدأت رحلتها الطويلة . كم هو رائع أن تجد مخلوقا حيا بجوارها ، إنها تحس بأنها فى بيتها أو هذا على الأقل ما تخيلته لأنها فى الحقيقة لم تعش حياة عادية .
تمنت فقط لو أن هذا البيت أقل برودة مما هو عليه وأقل تقشفا .. إنه ليس على الاطلاق المنزل الذى تخيلته ، لقد تصورته فى صورة شاليه صغير ، وظريف ، وبه ستائر على النوافذ ، وبالتأكيد تصورت نفسها واقفة فى المطبخ تعد إفطارا شهيا ودسما . ثم ماذا عن رجل البيت ؟ هل هو حبيبها راعى البقر ؟ تصورته وصدره عار يقطع الخشب من أجل نيران المدفأة .
توقع الكلب مداعباتها . وقالت له فى حزن وكأنها تتقبل منه العزاء فى مصاب جلل ك
- شكرا .. اخشى ألا يتذكرنى سيدك إذ أنه ليست لديه الرغبة فى ذلك .
أحست بموجة من الخوف تغمرها ، وجذبت الكلب الاسكتلندى نحوها . تساءلت فى رعب ماذا سيكون الحال فيما لو رفض "شيز" مساعدتها ؟ إنها ستجد نفسها مقيدة اليدين والقدمين تحت رحمة رجال الهجرة .
ولقد سمعت الكثير حول هذا الموضوع . سرت رجفة كالثلج فى جسدها .. إنهم سيعيدونها إلى "كوستاريكا" هل هذا ما سيحدث لها بعد السنوات الخمس الأخيرة التى كانت عبارة عن كابوس مستمر ؟
أحست بعظامها مثلجة حتى النخاع ، لفت نفسها فى بطانية .. كم من الوقت مضى بدون ان تتناول شيئا من الطعام ؟ ربما بضعة أيام . إنها بدأت تفقد إحساسها بالوقت والأشياء بدأت تختلط فى ذهنها وتزداد موضا وكأنها وسط غمامة ، ثم أمامها نوم عميق وطويل لابد أن تعوض به سهر الايام والليالى .. إنها منهكة ، ولكن لا مجال أمامها لأن تستسلم ، ما دامت لم تعثر بعد على حل لمشكلتها . قالت لتسأل نفسها – بينما أخذ الكلب مكانه بجوارها - :
- ما الذى سأفعله ؟
نظر إليها الكلب بعينين بنيتين واسعتين مليئتين بالتعاطف والحزن على اليأس الذى غمرها وأغرقها ثم أراح رأسه على ركبتها .
التعاطف ؟ إن تلك الكلمة جعلتها ترتجف حتى أعماق نفسها ، وجسدها ، وكأن الكلمة أرسلت إليها بواسطة تدخل سماوى غامض
أخذت تردد بصوت عال :
- إنها نهاية الزمان .
وفجأة عرفت ما الذى عليها أن تفعله ، إنها تعرف .. قالت لـ "شادو" وابتسامة واسعة تعلو شفتيها :
- شكرا .. أنت تعرف كذلك يا "شادو" .. أليس كذلك ؟ أنت تفهم ! سأقوم بإغراء سيدك . ولا يوجد حل آخر .
أخذ قلبها يدق بسرعة مضاعفة داخل صدرها وهى تدرس السؤال من جميع نواحيه . أن تغوى "شيز بودين" ؟ ولكن كيف تفعل ذلك ؟ وهل توجد امرأة فى العالم قادرة على إخضاع ذلك الرجل المصنوع من الفولاذ ؟ هل تستطيع أن تجعل نفسها مرغوبة لدرجة إخضاعه ؟ ربما تعتبر رغبتها هذه حقيقة وواقعا ، ولكن بداخلها شئ ما يؤمن بأنها لو أغوت "شيز" فستعود إليه الذاكرة . عندئذ لن يدعى أنها ليست ذات أهمية لديه ... أليس كذلك ؟ إنه لن يستطيع وقتها أن يدعى أنها غير موجودة . قالت فى نفسها : إن ذلك لن يكون هينا ، كيف يمكنها أن تغوى رجلا لا يريد أن يقيم معها فى بيت واحد ؟
رغم تحفظ "شيز" الواضح هى لا تعرف شيئا عن الاغواء ، ومحاولة إجباره على الاعتراف بالزواج بها ، إنها لا تعرف شيئا عن الرجال ! لا شئ على الاطلاق ، فهى فى الوقت الذى كانت الفتيات الشابات يتلقين مغازلاتهن الاولى كانت تقوم بتعليم القراءة والكتابة لصغار الهنود الحمر فى الدير ، وإذا كانت قد أحست بأنها أثارت "شيز" أثناء عملية إجبارها على خلع ملابسها فإن ذلك كان مجرد مصادفة سعيدة ، إنها لا تعرف كيف تفعل ما لم يساعدها الرجل على اتخاذ الخطوات اللازمة والمناسبة ، ومن الواضح الجلى أن "شيز" مصمم على عدم إتخاذ أى خطوة فى هذا الشأن .
تذكرت قول الأم الكبرى فى الدير فى "كوستاريكا" :
- يجب أن تعرفى كيف تنتقلين إلى الفعل إذا رغبت فى تحقيق أهدافك .
فتحت "آنى" فجأة عينيها على اتساعهما .. لقد تحدث "شيز" عن الحمام .. أليس كذلك ؟ وجدت ما كانت تبحث عنه فى حمام ضيق ، لا يزيد حجمه عن دوب ملابس ، إنه ليس ما كانت تأمله وتهفو إليه ، ولكن هذا لم يحبطها ويمنعها من ان تقوم ببعض الزينة .
قالت فى نفسها ، وهى تدعك جسدها بقوة حتى تشعر ببعض الحرارة حيث كان الماء باردا . حتى بعد كل تلك السنوات من الحياة الجافة داخل الدير فى معاناة ومحنة وحرمان ، أحست ببعض الذنب عندما وجدت سعادة فى أخذها حماما ، تساءلت وهى تتأمل مدى بساطة ملابسها وخلوها من أى تطريز أو أى قطعة حريرية .. هل الفضيلة هى أحسن مكافأة لها حقا ؟ أخذت تدعك شعرها بقوة .. تساءلت أيضا أى فرصة أمام امرأة زرية الملابس مثلها فى إغواء رجل عنيد مثل "شيز بودين" .

انتهز "شيز" فرصة مروره بالمدينة ، ليحاول الانضمام إلى رفاقه القدامى ، ولكن دون جدوى لقد كان "جونى" يشهد أمام المحكمة الاستئنافية ، بينما رحل "جيوف" فى مهمة سرية للغاية إلى مكان ما فى الشرق الاقصى .
ترك لهما "شيز" رسالتين عاجلتين ، بل إنه استخدم شفرة قديمة خاصة حتى يجعلهما يفهمان أن هناك أمرا عاجلا ، أمرا عليه يعتمد حياته .. ربما لن يستسيغا طريقته وتكتيكاته عندما يعرفان نهاية الأمر ، ولكن عليهما اللعنة ، فإن حياته هى التى تتعرض للخطر !
هناك امرأة تقيم تحت سقف بيته وتدعى لها حقوقا زوجية عليه وعلى بيته وحياته ! إن هذا الوضع لا يسعده على الاطلاق ، ثم إنه لا يحب تلك الرغبة التى تدفعه إلى محاولة أن يعود إليها بسرعة . فى الحقيقة لم تكن "آنى" هى التى يتحرق شوقا للقائها ، إنها ليست المرأة التى وضعته فى هذا الوضع المثير والمضطرب ، وإنما كل تلك المجموعة من الانفعالات والعواطف التى أحضرتها معها . إنها تمثل تهديدا لنمط حياته ولسلام روحه .
لابد أن يمسك بزمام الأمور بين يديه . استعاد – للحظات – المنظر الذى شاهده قبل أن يغادر البيت .
يا له من أحمق شرير ! قال فى نفسه : إنه لا يجب أن يخدع نفسه فهو فعلا يتحرق شوقا لأن يعود إليها ويراها .
لم ينتبه إلى جمال السماء الأرجوانية واستدار وحمل أكياس المؤونة ، وعندما عبر عتبة الباب أعتقد أنه مستعد لتلقى أى مفاجأة ، تخيلها نائمة فى السرير وقد تكومت مثل الهرة الصغيرة ، أو طارت هاربة ومعها كل ثروته ، أو ربما توجه نحوه ماسورة مسدسها ، ولكن لم يخطر على باله أن يجدها لا تزال فى الحمام .
وقف "شيز" مذهولا تحت تأثير الصدمة ، إن العواطف التى أثارتها فيه كانت مزيجا من البراءة والمكر . أعادته إلى فترة سن المراهقة بما فيها من ممنوعات ... كان يسعى دائما للحصول عليها مثله مثل أترابه ، وتذكر الأفلام والصور التى كان يشاهدها خلسة مع رفاقه فى مخزن الغلال أو أسفل الدرج ، أخذ يعنف نفسه : عليك أن تتعقل يا راعى البقر قبل أن تسقط أكياس المؤونة من يديك !
وضع أكياس البقالة والتموين على مائدة البوفيه ثم سألها من وراء باب الحمام :
- "آنى" ... ولكن أخبرينى ماذا يجرى ؟
ردت عليه وهى ترتدى ملابسها الداخلية التى لم تعطها له لينشرها حتى تجف :
- إننى آخذ حماما .
عندما خرجت من الحمام وعليها القليل من الملابس ذهل من التباين الواضح بين بشرتها العاجية بلون اللبن واحمرار شعرها الطويل . أسعده الحظ وتمالك نفسه حتى لا يأتى بعمل يندم عليه فيما بعد .
منتديات ليلاس
لقد أحس بنبضه يتسارع والدماء تندفع داخل شرايينه بعنف وهو يراقبها ، إنها جنية البحر التى طالما قرأ عنها فى طفولته ، والتى تظهر لتخطف الرجال وتذهب بهم إلى أعماق البحر .
كانت الشابة واقفة عند نهاية الحجرة ، وكان من الواضح أنها لا تشعر بالخجل او الضيق من مفاجأته لها وهى فى تلك الحالة التى لم يسبق أن وجدت نفسها فيها أيام الدير ، وما بعد الدير . ومع ذلك إذا كان ما قالته عن الحياة فى الدير صحيحا فلابد أنها لم تشاهد رجالا كثيرين ، بل إنها لم يكن لها الحق فى أن تأخذ حماما وهى عارية .
هكذا علمتها الأخوات الصالحات . فالجسد عورة وخطيئة يجب أن تسترها وألا تعرضها للرؤية حتى لنفسها . قال لها بلهجة جافة :
- جففى نفسك .. وارتدى بقية ملابسك .
قالت له فى هدوء :
- ولكن ليس لدى ما أرتديه ... لقد انتزعت منى ملابسى .
خلع "شيز" قميصه وناوله لها وقال لها :
- ليس أمامك سوى أن ترتدى هذا القميص وسأقوم بترتيب المؤونة والتموين .
تركت القميص يسقط عند قدميها ، وجدحته طويلا دون أن تأتى بأى حركة لتستعيده قالت له بصوت مرتجف ورقيق :
- لدى فكرة أفضل .. لماذا لا نرتب تلك الأشياء معا ؟ ...


( نهاية الفصل الثالث )
__________________

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:09 AM

الفصل الرابع


ظل "شيز" مسمرا فى مكانه . لقد سمع جيدا ولكنه لم يستطع أن يصدق ما يسمعه ، ومع ذلك فإن وميض الخوف الذى لمحه فى عينيها ربما كان من الإثارة لو كانت بيده حرية الاختيار ، لتوقف فى مكانه ... ولكن الأوان فات ..
بدأ توتره يتصاعد وعضلات تؤلمه ، وسرت رجفة غريبة فى ساقيه وهى تجدحه بإمعان ، قال لها – وهو غاضب منها - :
- ارتدى هذا القميص يا آنسة :
ولكنها عارضته ، وهزت رأسها علامة النفى فى مظهر طفل مفزوع وليس امرأة تريد أن تغويه . أمسك "شيز" بغطاء السرير وغطاها به وسألته – وقد لمعت الدموع فى عينيها - :
- ألا أعجبك ؟ ألاأثير اعجابك ؟ هل أنا نحيفة للغاية ؟
- ولكن ، لا يا "آنى" . أنت جيدة جدا ... ربما نحيفة بعض الشئ ولكن ليست هذه هى المشكلة .
شم رائحة شعرها المبتل وبشرتها النضرة ، أراد "شيز" أن يتراجع بعيدا عنها بعد أن غطاها بغطاء السرير ولكن الأوان فات . سألها وصوته جاف من الانفعال :
- هل تريدين حقا أن تساعدينى فى ترتيب المؤونى وأنت شبه عارية يا "آنى ويلز" ؟ هل فكرت جيدا فى العواقب ؟ وهل هذا حقا ما تريدينه ؟
همهمت "آنى" وهى تحاول الالتصاق به وكانها تبحث عن حنانه وتعاطفه :
- نعم .. نعم هذا هو ما أريده .
لاحظ "شيز" فى عينيها نظرات الانبهار ، همهمت ببضع كلمات لا معنى لها واغمضت عينيها وأوشكت أن تنهار . أمسك بها حتى لا تسقط وسألها فى قلق :
- "آنى" ؟ ماذا هناك ؟
تأوهت وساعدها على الوقوف على قدميها ، إنه يتذكر ردود أفعال النساء العديدات ، بل إنه أحيانا تلقى الصفعات عندما حاول مغازلة بعضهن ولكن لم يحدث أبدا أن أغمى على امرأة بين ذراعيه . ما الذى يحدث لهذه المرأة ؟ إن وجهها شاحب لدرجة مقلقة ، كرر عليها السؤال :
- ما الذى يجرى يا "آنى" ؟
- لا شئ ... إنه تفاعل كيميائى للدماء .. إنه إنخفاض فى نسبة الجلوكوز .. لأننى جائعة .
لم يشك فى كلماتها . ولكنه لم يقتنع بمسألة إغمائها ولديه الطريقة للتأكد سألها :
- هل تستطيعين ان تظلى واقفة ؟
منتديات ليلاس
فتحت عينيها الواسعتين الزرقاوين الحالمتين وهزت رأسها بالموافقة ولكنه ما إن تركها حتى انهارت ، إذن هى لا تغشه ولم تخدعه ، مدت ذراعها نحوه وبدت هشة ومنهكة تماما وقد تراخت عضلاتها مثل عروسة قديمة أهملتها طفلة بعد أن ملتها .
الغريب والمثير للدهشة حقا أن رقة تقاطيعها فضلا عن طبيعتها الغريبة قد أثرت فيه تماما وقلبت كيانه رأسا على عقب . فجأة قال بصوت منخفض وقاس :
- اوه يا انسة "آنى" ! من أين اتت تلك العاطفة التى ستتسبب فى هلاكنا معا نحن الاثنان ؟
بعد ذلك ركع بجوارها ثم حملها إلى السرير.
- انت بحاجة إلى أكل كسرة من الخبز يا آنسة ! منذ متى تناولت وجبة طعام يمكن أن تسمى وجبة حقا ؟
ولكن "آنى" لم تكن لديها القوة لتجيب على سؤاله ، إنها بصعوبة تحاول أن تبقى عينيها مفتوحتين ، وبالتالى لم يكن هناك أى أمل فى أن تحقق خطتها لإغوائه ... إذن لقد جاء اليوم المحتوم ! قال لها :
- هذا قميص جديد وليس أمامك سوى أن ترتديه بعد أن تستردى بعض قواك .
رأت فى عينيه أن عدم الثقة والريبة قد حل محلهما شئ ما يمكن ان تصفه بأنه حنان ... لقد بدا أكثر ودا وصداقة .
قالت بصوت مخنوق :
- "شيز" ! "شيز" ! انا اسفة .. لم اكن أدرى أننى سأسبب لك كل هذه المشاكل .
اجتاحتها رغبة حارقة فى أن تبكى وفى الحال أغمضت عينيها ثانية. بعد لحظات أحضر "شيز" طبقين وشريحة خبز . نهضت فى خطوات غير ثابتة ، وراقبت فى ارتياح القميص التى كانت ترتديه ، والذى اعطاه لها "شيز" ... كان طويلا لدرجة أنه يصلح كثوب قصير وقد وصلت حوافه حتى ركبتيها تقريبا ، سألته وهى تجلس أمامه "
- ما هذا ؟
- هذا "كورندييف" محفوظ .. اسف ليس عندى اكثر من ذلك . ولم أكن واسع الخيال عندما احضرت المؤونة .
قالت "آنى" ....... وهى تهجم على الطعام :
- ولكن هذه وليمة حقا !
وعندما قضت على ما فى طبقها رفعت عينيها ، ورات "شيز" لم يمس طعامه الموجود أمامه ، كان ينظر إليها فى عدم تصديق وانبهار .
سألته :
- ألست جائعا ؟
كان كل رده أن ناولها طبقه . وبينما كانت "آنى" تفترس نصيبه من الطعام أحست بأن عينيه لم يرفعهما عنها . وواتتها فكرة ان الأخوات الصالحات فى الدير لم يكن ليرضين عن سلوكها لو رأينها ... ولكن ليس عندها وقت تضيعه امام الطعام . غن الحياة الزوجية شئ رائع حقا ! سألها :
- هل أكلت كفايتك ؟
دهشت "آنى" من نبرة صوته ، واستشفت من ذلك أنه يقول لها كلمات حب بصوته الحنون الرجالى ، وان اقتصر غزله على الاهتمام بالتأكد من أنها شبعت من الطعام . إنها تحس الان بأنه يسيطر عليها بحنانه ، إنه يمتلكها كلية ! قالت له وهى تجول بنظراتها على عضلات صدره البارزة وذراعيه المفتولين :
- إننى أعتبرك مليحا ومثيرا
قالت فى نفسها : إنه كان من الواجب عليها أن تحمر خجلا لجراتها فى الحديث إليه عن رجولته ، ولكن ما فعلته هو أمر طبيعى أمام رجل فى مثلا ملاحته ورجولته وقوته . ربما كان هذا ما يجب أن تفعله المرأة التى تريد إغواء الرجل ، ولكنها وقد لاحظت قوته البدنية لم تعد ترغب فى رفع عينيها عنه حتى لو حاولت ، وقد بهرتها قوة عضلاته ولون بشرته الذهبية .
أخذ قلبها يدق بلا انتظام وهى لا تدرى ما هو السبب بالضبط ، لقد تربت وسط الهنود الحمر وتعودت على رؤية أجساد الرجال شبه العارية والتى عادة ما كانت قوية ومتينة ، وإذا كان "شيز" مليحا فإنه مثلهم . وهى حقيقة لا يمكن أن تنكرها .
سالها "شيز" مرة ثانية وقد شعر بالتسلية وهو يراها تلتهمه بعينيها :
- هل أنت متأكدة من أنك أكلت جيدا ؟ إننى عندما رأيتك تلتهمين كمية مضاعفة من الطعام خشيت ان تهجمى على وتلتهمينى أيضا .
أحمر وجه "آنى" خجلا وقالت فى رقة :
- ما الذى تقصده يا "شيز بودين" ... هل تحاول مغازلتى ؟
منذ التقى بها وهو لا يكف عن مغاولتها فى محاولة لتعويض السنوات الخمس الضائعة . أجابها بصوت مخنوق يحمل الكثير من المعانى :
- أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة الغزل .
تساءل أى رجل قوى يمكنه أن يقاوم امرأة تجلس أمامه ولا ترتدى سوى قميصه الخشن ؟ سألته فى عصبية :
- هل اجتزنا مرحلة الغزل ؟ إذت اين نحن الآن ؟
- لست أدرى ... ربما انتقلنا من الكلام إلى الفعل ؟
- من الكلام إلى الفعل ؟
جدحته لحظة لا تتجاوز ثوانى ثم ارتفعت كتفاها وهى تتنفس بصعوبة ... سألته :
- ماذا تقصد أن تقول بالضبط ؟
- هل تريدين معرفة الحقيقة ؟
__________________

ترددت لحظة ثم أومأت برأسها موافقة ، فقال :
- منذ جلست أمامى وأنا لا أكف عن التفكير بك .
وجد مسرة بالغة وهو يرى وجهها يحمر خجلا ، إنه يتصور تماما المشهد الذى جرى بينهما منذ خمس سنوات بعد زواجهما الإجبارى .. بدأ يفقد رأسه ولكن الذى كان يذهله فعلا من رد فعله أمامها هو فقدانه التام لارادته الصلبة .
إنه لم يكن فى العادة يجد أى صعوبة فى السيطرة على نفسه أمام النساء . وكان أثناء عمله فى المهام السرية الخاصة بوزارة الدفاع الامريكية يقضى أوقاتا طويلة دون مغامرات عاطفية ، لأنه كان يرى أنها تحمل المشاكل أكثر من المتعة ولكنه معها يجد نفسه عاجزا عن كبح جماحه ، سالته فى دهشة :
- انت تفكر فى وأنا جالسة هنا أمامك ؟
منتديات ليلاس
- إننى أفكر فى أشياء يمكن ان تحملك إلى السماء يا "آنى" ... فى مباهج يمكن ان تجعلك تموتين ببطء .
- اموت وأنا امامك بجوار المائدة ؟
رفعت يدها إلى جبينها وكانها تحاول ان تتخيل ما الذى يقصده بكلامه الغامض .
أخذ "شيز" يتفحصها ببطء وامعان ثم قال :
- إن الأمر غريب تماما مثل كلامى فلا تهتمى .
اخذت تنظر فى عينيه مباشرة ، ولكنها وجدت صعوبة فى العثور على كلمات تقولها :
- لا ... بل نعم . ان الامر غريب فعلا .
وجدها ضعيفة وهشة . اجتاحته مشاعر الحنان التى لم يسبق أن أحسها مع أية امرأة أخرى ، ولكن الذى أدهشه جدا كثرة نزواتها وتقلبات مزاجها ، الامر الذى جعل الغضب والانداش يتصارعان بداخله .
تململ فى مكانه ثم ركل المقعد المجاور له ، نظرت إليه فى قلق وقد اتسعت عيناها ...
لاشك أن كلامه المبهم جعلها تشعر بالصدمة ، بل ربما بالخوف . ولكنه تساءل عما يمكن أن يكون قد أرسل إليه هذه الفتاة حتى تثير الاضطراب فى حياته ؟
اعاد المقعد إلى وضعه بعد ان شعر بالاشمئزاز من نفسه لهذا الانفعال الذى لا معنى له ... متى شعر بالغضب من نفسه لما فعله مع المقعد وغاضب منها لأنها جعلته فى هذه الحالة .
اللعنة عليها ... إنها على إستعداد للتضحية بأى شئ ، هل هذا لأنها تريد الحصول على الجنسية الامريكية كما تقول ؟ سألته :
- ولكن ما الذى فعلته ؟ أليس هناك ما هو أفضل أن تفعله بدلا من العراك مع الاثاث ؟
اتجه نحو الباب .. انه فى حاجة إلى الهواء ... ثم هناك العمل الذى يجب أن يقوم به بدلا من هذه التصرفات الطائشة .... ولكن لم يكن أمامه سوى أن يلوم نفسه .. ان كل ذلك بسبب غلطته ومعرفته هذه الحقيقة لم تخفف من ثورة غضبه .
استدار ... ثم تسمر فى مكانه أمام الألم والعذاب اللذين قرأهما فى عينيها . فجأة فهم ، فهم أنه من الضرورى عندها أن تبقى على قيد الحياة وسط الظروف القاسية التى تحيط بها ... لقد صرعت ، وإذا كانت قد انهزمت فانها لم تكف عن المقاومة ... لقد اثبتت أنها تتمتع بمقاومة رهيبة تثير الاعجاب ، لقد كانت قوية ... إنها أقوى منه بمراحل .
ولكن لماذا تنظر إليه بهذه الطريقة ؟ يا إلهى ! إنه الامل ، رغم كل شئ فانها مستمرة فى ان تضع املها عليه .
وفجأة فهم ما يجب عليه أن يفعله ... ولكنه أمر شديد القسوة بدرجة لا تصدق . لابد أن يميت تلك العاطفة والمشاعر التى يقرؤها فى عينيها ، وإلا فلن يستطيع أن يتحرر من خناقها . قال وهو يحاول ان يضفى القسوة على صوته :
- ليس عندى سوى أمر واحد أقوله لك يا "آنى" . لست الفارس ذا الجواد الأبيض الذى تحلمين به بعينيك الجميلتين الزرقاوين ، ولست اعمى لدرجة لا تجعلنى لا أرى الاشياء التى تنتظرينها منى ، ولكنى لست الرجل الذى يمكن أن يمنحك ما تريدين ، لست البطل الذى تحلمين به ، ويجب عليك أن تعرفى ذلك . انا سيئ التربية والخلق وينقصنى السلوك الحسن خاصة مع النساء . عندما أرغب فى شئ فاننى احصل عليه ن لذلك لا تطلبى منى الكثير ، فانك يمكن أن تصابى بخيبة الامل.
امتلأ فم "آنى" بمرارة العلقم وهى تنصت اليه وتجدحه . كيف تصور انها اعتبرته الفارس ذا الجواد الابيض الذى جاء ليسعدها وينقذها ؟ ثم من أين تولدت لديه تلك الرغبة فى ايلامها وجرحها ؟ لقد احست بالحنق على نفسها ! لأنها ظنته قويا ورقيقا فى آن واحد .
إن هذا المدعو "شيز بودين" لا يمكن أبدا أن يكون رجل أحلامها ، ان روحه سوداء مثل عينيه .
ادار لها ظهره ، ان القوة الهائلة التى تنبعث من كتفيه القويتين كافية لأن تهزم أكثر الناس عنادا ، ولكن "آنى" لا يمكن أن تسمح لنفسها بأن تتاثر بذلك ، ثم ليس عندها ما يمكن ان تخسره .
قالت فجأة :
- سأرحل ... أليس هذا ما ترغبه ؟
- لا يا "آنى" ... ليس هذا ما أريده ، أريد أولا أن ازيل غموض المشكلة الخاصة بالحالة الاجتماعية ، وحتى يتم ذلك أريد منك أن تفعلى تماما ما اقوله لك .
- ماذا يعنى هذا ؟

- انا وانت لم يخلق كل منا للاخر ، ولكنك تستطيعين البقاء هنا الى ان يظهر كل من "جيوف" و "جونى" ز
سألته فى دهشة :
- تقصد مساعديك ؟ هل تحدثت معهما ؟
- لم أنجح فى العثور عليهما ، ولكنى تركت رسالة وسياتيان .
- وماذا لو أكدا قصتى ؟
- وقتها سافكر . ومن الان وحتى يتم ذلك ستبقين فى ركنك وتهتمين بشؤونك الخاصة ولا تتحدثى بشكل خاص مع اى شخص . ولو عرف الناس اننى اقوم بايواء امرأة فان ذلك سيكون مجالا للاشاعات والاقاويل ، وانا لا اريد اية حكايات حول هذا الموضوع .
فكرت "آنى" فى انعدام فرصة ان تلتقى باحد . فهما معزولان تماما ولكنها كانت متم*** بمعرفة لماذا هو متشبث هكذا بحماية خصوصيته ، فسالته عن ذلك ، فاجابها – بنظرة سوداء جعلت فرائصها ترتعد - :
- الم تسمعى جيدا ما قلته
منتديات ليلاس
؟ اننى لا اريد منك أن تتدخلى فى غير امورك الخاصة .
لقد سبق لها وراته وهو فى حالة نشاط وقوة فى امريكا الوسطى . لقد صرع رجلا دون ان يطرف له رمش ، ومن الواضح أنه لن يتردد فى استخدام هذا الاسلوب اذا اقتضت الضرورة لذلك .
قالت له :
- حسنا جد . كما تريد .
* * *
ان "شيز بودين" من النوع الذى ينفذ كلامه ، انه رجل فاسد الخلق حقا ! ما إن فتحت فمها حتى سد عليها طريق الكلام ، ان مسكله المهين جعلها تخرج عن شعورها ، ولكنه فى نفس الوقت ساعدها على ان تعرف قيمة الامور الحقيقية ، وان تعطى لكل شئ قيمتع وأبعاده الحقيقية .
ذكرها ذلك بانها عرفت ما هو اسوأ من ذلك فى كوستاريكا ، لقد كان الموت والياس حظها اليومى . واذا ما قارنت أخلاق "شيز" السيئة فهى افضل من الحياة فى الدير .
وجدت "آنى" ملجأها وتسليتها فى مصاحبة "شادو" الكلب الاسكتلندى ، وجدت متعة فى تصور ذكريات "شيز بودين" ، وتصور كيف يمكنها أن تحول هذه الدار الكئيبة الى بيت لطيف لو تركها تفعل ، ولكن انتظارا لذلك فان مزاج "بودين" الدموى اذا كان يساوى ثقله ذهبا فانه سيصبح ثريا بعمق وثقل سوداويته ، واذا حدث ومات من سواد روحه بانه يسعد "آنى" ان تدفنه بيديها !

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:13 AM


الفصل الخامس


كان "شيز" قد أسرج الجواد واستعد لأن يلكزه عندما سمع "آنى" تناديه باسمه :
- "شيز" .
استدار ثم رآها تقترب وسوطه فى يدها . قالت صائحة وهى تجرى نحو الاسطبل الذى احتفظ فيه "شيز" بجواده "سموك" وجوادين آخرين وبغلين .

- قلت لنفسى إنك ستحتاج إليه .
وصلت وهى تلهث ، وقد بدا عليها الرضا . لأنها لحقت له ، أخذ "شيز" السوط من يدها ثم هز رأسه علامة الشكر . كان منظرها يدل على أنها نهضت لتوها من الفراش ، كانت نائمة عندما خرج لمدة نصف ساعة أخرى وعندما عاد القى عليها نظرة ، كان الغطاء قد انزلق إلى الأرض ووجد ان منظرها رائع فى ذلك الوضع ، لاحظ أيضا أنها كانت مكومة مثل الكرة وهى نائمة ، مثل هرة صغيرة ، والآن وهو يراها مستيقظة وأمام نظره ، وهى تجدحه وكلها أمل ورجاء وجد فيها اشياء اخرى خاصة وهى لا ترتدى شيئا تحت بلوزتها مفكوكة الازرار سوى قميص النوم الذى ترتديه ليل نهار ، حتى وهى تاخذ حماما .
خفضت عينيها عندما قال لها وعيناه مركزتان عليها :
- إن الفضيلة لها حسناتها .
- آه نعم . ان هذ ا يعني .
- إنني اعرف ماذا يعني هذا .
نظرت إلي عينيه مباشرة لمدة لحظات وهو امر لم يعتد عليه "شيز" , عادة ما كان الرجال والنساء يجدون صعوبة في تحمل نظراته , أو علي الاقل كان يبدو عليهم الضيق اما ألا تتأثر هي , فان ذلك اصابه برعدة .
انتهى بها الحال الى ان فتحت فمها ولكن كالعادة لم تنطق بكلمة مما كان يأمل ان يسمعه في تلك اللحظات . قالت .. وهي تشير بأصبعها إلى أحد بغال الاسطبل :
- هل يمكنني ان اصحبك اليوم ؟ فقط مرة واحدة لقد أصبحت صديقة للبغل "فير" ولن نسبب لك أي إزعاج .
كانت تسأله تقريبا ان يسمح لها ان يصحبها كل يوم , ولكن "شيز" كان يرفض رفضا قاطعا .
- آسف يا ذات الشعر الاحمر . اليوم سأفتش على مزرعة "ماكافري" , واذا حدثت مشكلة أثناء جولتي فلا أعرف ماذا افعل معك .
بعد هذه الكلمات امتطي "شيز"صهوة جواده . وصفر للكلب وعندما وصل إلى بقعة العشب عند طرف مكان متسع . اكتشف ان "شادو" لا يسير خلفه . دهش واستدار . ورأي ان كلب الرعب الاسكتلندي كان جالسا في استمتاع عند قدمي "أني".
صاح "شيز" :
- هيا .. تعال !
لم يرد "شادو" ان يتحرك من مكانه فصاح :
- ما الذى فعلته في الكلب ؟
هزت كتفيها بما يعني انها لم تفعل شيئا , نادي "شيز" ثانية على كلبه , ولكن "شادو" ظل ثابتا كالتمثال .
لم يصدق "شيز" عينيه فاستدار نصف دورة .
قالت "آني" وهي تربت بيدها على رأس الحيوان المتمرد:
- أعتقد أن "شادو" يريد ان يخبرك أننا نشكل فريقا .. وإذا أردت أحدنا فلابد ان تأخذ الثاني .
همهم "شيز" في غضب .. وهو غير قادر على إخفاء دهشته :
- إنه إذن ابتزاز .
ظل يحدجهما . هي و"شادو" فترة طويلة وهو يدعو السماء أن تهب لمساعدته . ولكن يبدو ان السماء لم تكن في صالحه في تلك اللحظة واضطر اخيرا الى الاعتراف بأن الاقدار في ضف "آني" , وانه يحارب ضدها في معركة خاسرة .
قال :
- حسنا , اذهبى وارتدي ملابسك . ولكن لو حدث شئ سيئ فأنت المسؤولة .
منتديات ليلاس
بعد لحظات كانا يتبختران فوق الجواد والبغل . يتبعهما الكلب "شادو" وكأنهم اسرة صغيرة وسعيدة . كان "شيز" يحاول ان يقنع نفسه انه فعل خيرا عندما سمح لها بالحضو . ثم انتهى الى ان قال في نفسه : إن من الخير ان يشغلها بعمل ما . وان هذا سيجعلها تنسى افكارها وخططها في إغوائه . والتى شغلتها كثيرا في الأونة الاخيرة .
انها لم تكف عن طرح الاسئلة حول الرجال والنساء والعلاقات العاطفية بينهم . وهي لا تحاول ابدا ان تضايقه بأسئلتها . وانما من الواضح انها كانت تريد ان تعرف , وكان هذا واضحا من تركيزها على نوع الاسئلة .
اما في هذه اللحظات فلم يعد هناك ما يقلقه حول هذا الموضوع لم يسبق لها ابدا حتى الان ان امتطت جوادا , وقد وجه إليها "شيز" بعض التوجيهات فقط . كان قد اخبرها ان تستقر فوق المطية مثل شوكة الدريس المغروسة في القش . بحيث يصبح جسدها هو يد الشوكة وساقاها مثل أسنانها , بهذه الفكرة حاولت ان تبذل جهدا كبيرا حتى تصبح مثل قطعة أنية معدنية من أواني المطبخ .
ولكن هذا المخلوق الضخم الذى يتحرك ويتململ باستمرار لم يتح لها الفرصة لتحقيق ذلك . وبدت وكأنها تحاول ان تلتقط قطعة لحم ضخمة بشوكة سلطة , وكانت من حين لأخر عندما تشعر بالامان تلقى نظرة مختلسة نحو "شيز" . وهي تأمل ان يسارع الى مساعدتها . ولكن "شيز" ظل صامتا وشاردا , الى ان ارتكب "شادو" حماقة الاحتكاك بإحدي اشجار الكافور , واخذ ينبح , ضحك "شيز" ضحكة مكتومة , ثم رفع عينيه لتلتقيا لحظة بعيني "آني" عندما حدقت فيه ادركت ان احساسا غريبا غمرها , واوشكت ان يغمي عليها .
- هل كل شئ على ما يرام يا آنسة ؟
عندما ناداها بهذا اللقب اول مرة لم تكن واثقة بأنها تحب ذلك , ولكنها بدأت تتعود عليه . عندما وصلا الى سور المزرعة نبهها "شيز" , وامر "شادو" ان يكف عن الزمجرة , ثم اشار باصبعه الى مجموعة الماشية . وقال :
- إن الثيران ذات القرون الطويلة لايمكن توقع تصرفاتها .
حمل سوطه , وسألته "آني" والفضول يدفعها إلى أن تطرح السؤال الذى يصول ويجول في راسها منذ ان قابلته اول مرة :
- أخبرني يا "شيز" لماذا تستخدم السوط؟ إنه سلاح غير مألوف.
اجابها بابتسامة غامضة :
- إنه يسبب خسائر اقل ... مثلا استطيع ان انزع سلاح الرجل دون ان اقتله .. او إرهاب امرأة دون أن المسها .
نظرت إليه "آني " غير مصدقة :
- لست أصدقك .
قال وهو يستدير نحوها :
- لا تصدقين اننى استطيع نزع سلاح الرجل أم إرهاب المرأة ؟
لقد سبق لها ان رأته ينزع سلاح رجل في "كوستاريكا" , ولذلك لم تشك في الجزء الأول من تبريره لاستخدام السوط . سألها :
- هل تريدين ان تشاهدي عرضا لذلك ؟
- لا
استأنف "شيز" طريقه وتبعته "آني" على مضض . وهي تدرك أنه يحافظ على مسافة معينة بين القطيع وبينهم وهو يطرقع بسوطه من حين لاخر . كان صوت صفير السوط يزيد من عصبية "آني" و وتحس في كل مرة انها تلقت صدمة كهربائية .
انها على اية حال تحاول ان تتأكد من شئ واحد . وهو ألا يحاول تنفيذ عرضه عليها هي .
اطاح "شيز" بسوطه , وقطع زهرة سوسن بمهارة جراح بطرف السوط . راقبته "آني" وهو يهبط من فوق ظهر الجواد .
سألها – وهو يستدير نحوها :
- هل تحبين الزهور ؟
هزت رأسها في حركة غريزية لادخل لها بان كانت تحب الزهور أم لا .
قال لها وهو يقدم لها زهرة السوسن :
- على أية حال إن تأثيرها اجمل فوق شعرك عن شعري .
__________________
اخذتها "آني" دون تفكير , ودستها خلف اذنها . على اية حال لقد فعلت ذلك ما دام يسعد الرجل ذا السوط . سألها :
- هل تحبين ان تهبطي من فوق الجواد ؟ هل تريدين فك عضلات ساقيك ؟

تركت نفسها تنزلق من فوق البغل الى الارض , وهي ترتجف بشدة فوق ساقيها عندما ساعدها بوضع يديه حول وسطها , ليضعها فوق العشب . من الافضل لها ان تتماسك . خاصة وهي تحس بانها اقرب اليه من أي وقت منذ ان عادت تبحث عنه . لقد مر أسبوع وهذا بالضبط ما أرادته . ان تمكث معه على الأقل أسبوعا .
ان هذه النزهة الصغيرة وضعتها وسط السحاب . نزعت بلوزتها ووضعتها حول وسطها امام نظراته شبه المذهولة . وشبه المستمتعة . قال لها وهو يلقى اليها بقبعة رعاة البقر التي يرتديها :
- من الافضل أن تضعى القبعة على رأسك , ثم مال نحو الارض ليلتقط سوطه . قال لها :
- يبدو ان هذا الشئ الصغير يسبب لك العصبية , ألا تجدين أنه ربما . في يوم من الايام تحتاجين الى تعلم استخدامه ؟
- لا .. شكرا .
لم يكن لديها ادني رغبة في لمس السوط , وهي متاكدة من ذلك تماما . براعته في استخدام هذا السلاح كان يشد أعصابها الى اقصى درجة . ولكن هناك امرا اخر . ان خوفها الذي تحسه لا يختلف عن خوفها من الثعابين السامة في الغابات الاستوائية .
قالت لها ترد على سؤاله القديم .. وهي تبتعد وسط البراري :
- سأتبع نصيحتك وألين عضلات ساقي .
- اننى استطيع ان اعلمك "طرقعة" السوط في لمح البصر .

سكت فترة . ثم استطرد بصوت رقيق :
- لن يفيدك الهروب في شئ يا "آني" . إن الامور تنتهى بان تمسك بك بطريقة او باخري .
- ولكنى لا اهرب . إنني اتمشي .
قال وهو تنفعل انبهارا بجمال الزهور - :
- "آني" ما الذى لا يجري على ما يرام ؟
- لاشئ
- إذن تعالى وكلميني.

قالت له – في دلال وصوت رقيق :
- دعني في حالى . أريد فقط أن اجني بعض الزهور .
- انا لا اكرر الطلب مرتين يا "آني"
اخذت يدها ترتجف , وهي تتظاهر بانها لم تسمع شيئا , وركعت لتقطف زهرة ثم احست بشئ يحتك بظهرها , وعندما رفعت عينيها نحوه , وجدت ان بلوزتها لم تعد في مكانها حول وسطها وانما بين يديه , سألته :
- لماذا ؟ لماذا فعلت ذلك ؟
- حتى اجذب انتباهك , مم انت خائفة يا "آني" ؟ من السوط ؟ لايوجد سبب للخوف .

اجابته – وهي تحدجه بإمعان :
- بل هناك سبب .. إنه خطير جدا . قد يجرحني .
- لن يجرحك السوط . استطيع ان استخدمه دون ان يصيبك أي خدش .
تراجعت للخلف وهي تشعر بجفاف حلقها :
- إن هذا أمر سخيف – إنك لن ..

- إنه لعبة اطفال . انظري لن اسبب لك أي اذي .. وما عليك سوي ان تحتفظي بالهدوء .
صاحت – وهي تغمض عينيها وقد اصابها الرعب الشديد :
- يا إلهي !
اخذت ترتجف ثم سمعت صوتا يشبه صوت الرعد . وعندما فتحت عينيها رأت السوط يلتف حول وسطها . ثم جذبها نحوه :
- إنه مجرد لعبة اطفال يا "آني " . هل انت بخير ؟

كان كل شئ قد اختفى حولها وكأنما احاطه الضباب او الغبار . قال لها :
- لا تتحركي والا ضاق السوط حول وسطك .
سقط السوك على الارض . بينما سقطت بين ذراعيه . قال لها :
- هذا هو كل ما هناك . انه لا شئ .. لا شئ .
همهمت وصوتها يخنقه الشهقات والبكاء :
- انا لا احب الاسواط .
منتديات ليلاس
- سامحينى إذا كنت قد سببت لك الخوف . لقد أردت فقط ان تعرفي انه ليس هناك ما يدعوك الى الخوف . ولم أجد افضل من عرض بسيط حتى اقنعك .
- في المرة القادمة ارجوك الا تتسرع هكذا ؟ هل فهمت ؟
بدا تعبيرها يسليه . ثم سألها :
- ماذا تقصدين ؟ هل عجلت الامور ؟ إن آخر مرة على ما اذكر كنت تصيبين بالخيبة عندما اردت تهدئة اللعبة .
تذكرت "آني" ان ذلك كان عند اول لقاء لهما , لقد كانا على حافة الاندفاع في مغامرة عاطفية , لقد كانت عيناه تقولان ذلك , وهي لن تنسى ابدا ارتجاف صوته , وحرارة نظراته . قالت له وهي ترتجف بكل جسدها :
- حسنا . ربما انت على حق , وان عليك ان تتعجل اللعبة .
غامت عيناه .. انه يفهم بالضبط ما تريد ان تقوله .
اجابها – وهو يمرر يده في شعره :
- لا تغريني يا آنسة "آني" .. ربما لن تحبى اللعبة عندما تنتهى
قالت له بثقة :
- بل سأحبها .. واعدك بذلك .
- إنني اتساءل عم إذا كنت تعرفين ماذا أريد ؟
- اعدك باننى ساحب ذلك .
احست "آني" برغبة شديدة في ان تعترف له بحبها , وتثبت بذلك صدق كلامها من انها زوجته ولكنها عاجزة عن الإتيان بأي حركة لتشجيعه . إن تأثيره قوي ومدمر ويصيبها بالعجز . فجأة نهض "شيز" وقال :
- هل تسمعين يا "آني" ؟ الجياد .. هناك شخص ما يقترب .
- الجياد ؟

تساءلت لماذا يريد منها ان تنتبه الى الجياد ؟ انها لا تحس الا برغبة واحدة .. ان يستمرا الى ان يعترف لها بأنها زوجته وهي لا تستطيع الانتظار اكثر من ذلك .
فجأة امرها بصوت خشن انتزعها من شرودها :
- افعلى ما اقوله لك ولا تطرحي اسئلة .. اذهبي واختبئ وسط الاشجار . هل تسمعيني ؟ هيا اسرعي .
نفذت الامر وكأنها منومة مغناطيسيا . او كأنها انسان آلي . ولكنها عندما استدارت قرب الاشجار وقفت فجأة . انه الفضول الذى يسيطر عليها ولا تستطيع معه ان تفعل شيئا . انها في حاجة الى معرفة شئ ما . سألته :
- هل صحيح يا "شيز" انك يمكن ان تستخدم السوط مع امرأة دون ان تؤذيها ؟
قال وهو يعدل من وضع قبعته فوق رأسه :
- اننى ماهر جدا ولكني لست واثقا بأننى ماهر لهذه الدرجة .

رأت "آني" ثلاثة رجال يقتربون . انهم سارقو جياد في الشمال . هذا ما اخبره به الرجال الثلاثة . قال لهم :
- سأكون معكم خلال دقيقة .
ثم استدار نحو "آني" :
- عودي الى البيت . اتعشم ان تعرفي الطريق . خذي معك الكلب ولا تتحركي حتى اعود .
بدأت "آني" طريق العودة . وهي تشعر بالقلق انه صائد الجوائز . وهي تعرف ذلك . ولكن الفكرة لا تسعدها على الاطلاق . ماذا لو جرح او اصيب ؟ وماذا لو غاب عدة ايام وربما اسابيع ؟
مررت يدها في شعرها ودهشت عندما عثرت على الزهرة في وسط شعرها . انها معجزة ان ظلت الزهرة في مكانها بعد كل تلك الانفعالات والحركات . اضاءت ابتسامة وجهها النضر الصبوح . حلو التقاطيع , وهي تمسك الزهرة وتفحصها بعد ان نزعتها من مكانها وسط شعرها لقد واتتها فكرة .. انها تعرف ماذا تبقى امامها لتفعله .
ما ان وصلت المنزل حتى بدات العمل . ولكن الشئ الوحيد الذى كانت تجهله هو هل لديها الشجاعة الكافية لتتم العمل ؟


سفيرة الاحزان 08-09-10 11:15 AM

الفصل السادس


مر يومان على رحيل "شيز" , وبذلت الشابة كل جهدها لتطرد الفكرة الرهيبة التى نمت في روحها . ولكنها لم تعد تتحمل اكثر من ذلك .

اتجهت نحو "السوبر ماركت" ولكنها تراجعت , انها لا تستطيع ان تذهب الى اى مكان بزيها هذا , لقد كان "شيز" قاطعا .. انه لا يريد ان يعرف الناس ان امرأة تعيش تحت سقف بيته , وحتى وإن لم يشرح لها السبب في هذا االمطلب , فإنها ليست متم*** بان تفعل أي شئ كان يمكن ان يخلق لها مزيدا من المشاكل , عادت الى البيت وهي تنوي ان تجري بعض التغييرات في زينتها .

# # #
عندما ركبت السيارة القت نظرة على المرآة العاكسة . لقد اخفت شعرها تحت قبعة ضخمة من قبعات رعاة البقر عثرت عليها في دولاب الملابس . وارتدت سترة ضخمة بحيث تخفي بروز صدرها . بل إنها غطت وجهها بالهباب محاولة التخفي . بدا وجهها قذرا بدلا من اللحية التى حاولت ان تصنعها بالهباب . ولكنها اقتنعت بأن الناس سيعتبرونها رجلا .
بعد بضع دقائق من السير في الطريق ظهرت بلدة "الفرس المطلي" عند الناصية . سعدت برؤية المدينة في أحضان الوادي . وقالت في نفسها ان جمال المنظر الطبيعي هو علامة على انها احسنت صنعا بالقيام بهذه الرحلة الصغيرة .
تجنبت ان تركن السيارة في الشارع الرئيسي وفضلت ان تضع الشاحنة الصغيرة في حارة . وعندما اتجهت الى وسط البلد بدا مكتب البريد مهجورا . يبدو ان كل السكان تواعدوا على اللقاء في بعض المنشآت : الرجال عند الحلاق والمطعم . والنساء عند صالون التجميل . بعد نصف ساعة عادت وهي تحمل كيسين كبيرين . لقد انفقت تقريبا كل مدخراتها ولكنها كانت سعيدة بالستائر الصفراء . والوسائد التى عثرت عليها . اشترت أيضا سجاجيد وانية معدنية للمطبخ ذات الوان مبهجة وزهرية ضخمة لتضع فيها الزهور البرية .
كان أملها الوحيد ان يفهم "شيز" مجهوداتها ويقدرها وان يشكرها عليها . لقد مر وقت طويل وهو يعيش في هذه المقبرة لدرجة انه لم يعد يحس بمدي كآبة المكان . لابد ان يضيف شخص ما لمسة حياة الى هذه المقبرة الكئيبة . يجب ان تبين له ان الامور يمكن ان تتغير كثيرا بقليل من الخيال .
قبل ان تغادر المدينة توقفت عند الصيدلية . إن "شيز" لم يفكر في احتياجاتها الشخصية عندما كان يقوم بالشراء . قالت في نفسها : إنها أشياء لا يفكر فيها الرجال . لقد كان والدها منهمكا في ابحاثه الطبية حول الامراض الاستوائية . لدرجة انه رحل لدراسة نوع جديد من الملاريا عندما كانت زوجته على وشك ولادتها . بالتأكيد امها "ساره" كانت طبيبة هي ايضا . وهي قادرة تماما على التصرف في الولادة بمفردها . ولكن "آني" كانت دائما تتساءل كيف استطاعت امها ان تتحمل كل تلك المحن ؟ لقد كانت الغابة مكانا مخيفا وجميلا في آن واحد .
فكرت "آني" انها ليست الغابة التى قتلت والديها .. خطرت على بالها هذه الفكرة وهي تدخل الصيدلية .. إنما الرجال هم الذين قتلوهما , لقد رفض والداها ان يتركا أهالي البلدة . لقد انقذ الهنود الحمر حياة "آني" ووجدت ملجأ في الدير .
# # #
صاحت "آني" في حماس . وهي تتأمل التغيير الكلي الذى احدثته خلال ساعات قليلة . انها معجزة .
لقد اصبح المنزل الدار الصالحة لتحقيق حلمها , بل إنها الدار الوحيدة التى حصلت عليها حقا . ما إن وصلت الى البيت حتى انطلقت تعمل بحمية ونشاط محموم , ولم تترد في إفراغ كل الدواليب لتنظيفها , وعثرت على كل الاشياء الغريبة في الادراج , وبالتأكيد وجدت كمية هائلة من الغبار . وربما كان غبارا منذ فجر التاريخ .
عثرت ايضا على صورة فوتوغرافية قديمة لـ "شيز" بصحبة "جوني" و"جيوف" في الوقت الذى كانوا يعملون فيه جنودا مرتزقة . لم تستطع "آني " ان تمنع نفسها عن التفكير في البطل الشاب الذى أنقذ حياتها . نظرت في خلف الصورة ووجدت ان "شيز" خط بضع كلمات : المهمة الاولي . إيران . تم تحرير عشرة سجناء أمريكين . نجحت المهمة .
احست الشابة بأنها فريسة موجة اجتاحت روحها . فوضعت الصورة مكانها واستأنفت العمل . وعندما انتهت من التنظيف الاكبر رجعت اليها روحها المرحة .
علقت الستائر ووضعت الوسائد على مقاعد المطبخ . كما وضعت السجاجيد في الصالون بعد ان لمعت "الباركيه" بالورنيش . ثم وضعت بعض الزهور في المزهرية . كانت النتيجة مبهرة .
كان المكان الوحيد الذى لم تدخله هو حجرته الخاصة.
قالت في نفسها : إنها مجرد نظرة سريعة فقط وهي واقفة على عتبة الباب . عندما اقتربت من الباب اخذ الكلب ينبح . القت نظرة على الغرفة كان كل شئ وهي عند العتبة يبدو طبيعيا . لاشئ سوي ان عدم وجود نوافذ هو الامر غير الطبيعي .
كانت على وشك الانسحاب عندما اجتذب انتباهها بريق معدني نحو اقصى ركن في الغرفة السوداء . لم تكن الجدران قائمة عمودية مثل جدران البيوت العادية بل بدت ايضا غير متساوية . فكرت انها مبنية بالحجارة . لقد لاحظت من الخارج ان البيت مقام على كتلة من الجرانيت الصلب . ولكن لم يخطر على بالها ابدا انه ربما كان محفورا وسط التل .
اعتادت عيناها على العتمة . ثم لاحظت شكل باب لاشك انه يؤدي الى كهف تحت الارض . كان الانعكاس الضوئي الذى جذب انتباهها يأتى دون شك من شبكة بوابة حديدية . كانت مبهورة وهي تدخل الحجرة . كان "شادو" الذى لم يكف عن الزمجرة قد اخذ في النباح الآن بكل قواه .
صاحت به :
- صه .. إنني فقط أريد ان القى نظرة سريعة .

حاولت فتح البوابة الحديدية ودهشت عندما وجدتها تنفتح بسهولة , أين اذن الترباس والقفل . لابد انه نسى ان يغلقهما . أيا كان السبب فقد رأت في ذلك دعوة لها لكي تستمر في تفتيشها . وعندما فتحت الباب انطلق "شادو" ينبح كالمجنون ولكن رد فعل الكلب لم يفزعها , كانت دياجير الظلام تسود النفق مما جعلها تترد .
بعد لحظات استخدمت اعواد الثقاب التي وجدتها فوق رف المدفأة . وتوغلت في النفق حيث تعثرت . ووقعت في كهف يبدو طبيعيا وليس من صنع الانسان لم تعثر علي أي لعملية مرور حديثة بالنفق , ولا أي علامة تمكنها من ان تستشف فيم يستخدم الكهف والنفق . همت "آني" ان تستدير نصف دورة عندما لمحت نفقا آخر بشكل زاوية ( ثمان واربعين ) درجة مع النفق الاول .
هذه المرة قاومت فضولها . وقالت لـ "شادو" :
- هيا بنا نعود يا "شادو"

عندما تراجعت في طريقها أحرقت "آني" اصابعها وهي تحاول اشعال عود ثقاب . كان الالم شديدا لدرجة جعلتها تسقط العود وكذلك علبة الثقاب , ووجدت نفسها غارقة وسط العتمة .
تملكها الخوف وركعت على ركبتيها لتبحث عن العلبة وهي تتحسس الارضية . كانت الارضية مثلجة ورطبة تحت اصابعها . واحست بشعور مفزع , إنها تلمس شيئا حيا ولزجا , صاحت وهي يائسة من وضعها :
- "شادو" تعال هنا .
ان الكلب يمكنه ان يقودهما هما الاثنان .
- أين أنت يا "شادو"؟
استمرت تناديه وهي تتقدم كالعمياء . هناك امر ما ليس على مايرام .. أين ذهب الكلب ؟ كل شئ اصبح فجأة هادئا للغاية . وكانت رائحة الارض الرطبة خانقة .
- "شادو " !
كانت تسمعه وهو ينبح لكن النباح كان بعيدا جدا , نهضت لتسير في اتجاه النباح لكن الارض الطينية انهارت تحت قدميها لتسقط في الاعماق صرخت وهي تسقط :
- "شيز" !

# # #
مرت ثلاثة ايام و"شيز" يطارد آثار اللصوص دون جدوي . قال في نفسه :
- إنهم سحرة حقيقيون .
كانت الرحلة علي ظهر الجواد قد جعلته يشعر بالاسترخاء . ولكن رغم جهوده فإن ذهنه دائما ما كان يعود الى المرأة التى في انتظاره , لم ينجح في أن يطردها من خياله طوال الرحلة . وتساءل ان كان سيجدها لا تزال موجودة عند عودته .
لقد دخلت حياته بطريقة غريبة جدا لدرجة انه كان يتوقع ان تخرج من حياته بصعوبة .
إن فكرة ان يراها ترحل تجعله يشعر بإرتياح شديد , ولكن ما إن يراجع نفسه حتى يحس بداخله بإحساس غريب يتصاعد ويتزايد , وبرغبة شديدة في أن يراها ثانية .
إن الامر اصبح شديد الخطورة وهو يعرف ذلك . ولكن كان من الواضح انه من الصعوبة عليه ان يكتم عواطفه نحوها .
طرد افكاره وعاد الى الانطلاق بجواده . إن الصور المبالغ فيها والافكار الغريبة لاتكف عن مطاردته منذ تباشير الفجر . ولايوجد شئ يمكن ان يمحوها . صورة شعرها الاحمر وقد تبعثر على وسادتها . وشكل أنفها الصغير الغريب لسبب مجهول يجد لديه رغبة شديدة في ان يداعب ذلك الأنف .

صور وافكار غريبة تطارده ليل نهار , وكلها تدور حول تلك المرأة التى تدعي انها زوجته وانهما مارسا حياتهما الزوجية الطبيعية وهو لا يذكر ما حدث وإنما فقط يتخيله ود ولو مرة واحدة أن يستمر معها للنهاية دون أن تنتابه الشكوك وحالات إغمائها وصوت الصفير بداخله الذى لا يكف عن تحذيره من التمادي في علاقته العاطفية معها . هل ما يطلبه كثير على رجل يائس ؟
همهم بصوت منخفض :
- لو اراد الله ان يرحمني لوجدت "آني" وقد رحلت عند عودتي !
ارتفعت الشمس فوق التلال عندما اقترب "شيز" من السهل المنبسط الذى يحتضن منزله , إنه لا يري أي علامة على الحياة داخل البيت , ولكن ربما لم تستيقظ بعد فلايزال الوقت مبكرا . او ربما استجابت السماء لدعوته !
كان الباب مفتوحا على مصراعيه . وبينما كان يهبط من فوق الجواد أسرع "شادو" نحوه مال عليه ليداعب الحيوان الثائر جدا .. لا أثر لـ "آني" على الاطلاق الامر الذى بدأ يحيره . صاح في وجه الكلب الذى لم يكف عن النباح والقفز :
- الهدوء يا "شادو" .. ما الذى حدث ؟
وقف مسمرا امام الباب , وقد غمرته موجة شديدة من الغضب . لقد حولت بيته الى صالون جنائزي . صاح – وهو يلتفت نحو "شادو" مناديا عليها :
- "آني" ما الذى حدث لـ "شادو" ؟
سحبه الكلب نحو غرفته وهو يتأوه . تردد "شيز" لحظة . كان الباب المفتوح هو اول مالاحظه عندما دخل الجحرة وهمهم :
- يا إلهي ! يا إلهي !
( نهاية الفصل السادس )

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:16 AM

الفصل السابع



سارع "شيز" الى النفق مزودا بكشاف يعمل بالبطارية واخذ يصيح مناديا :
- "آني"
غطي صوته الذى كان يتردد صداه عاليا على أية أصوات اخري عدا نباح الكلب المجنون .
ولكن بدا الكهف خاليا . وجه ضوء كشافه نحو الارضية وفهم ما حدث . كان انهيار قوالب الطوب عند حافة المنخفض يؤكد أسوأ مخاوفه لقد سقطت .
اصاخ السمع الى التأوهات الصادرة من بعيد ثم أخذ "شيز" يبحث عن مصدرها الى أن كشف جسد "آني" مكوما . احس بالارتياح وسقط على ركبتيه بجوارها لقد كانت محشورة في ركن من اركان الهوة .
سألها :
- "آني" ؟
تحركت قليلا وكأنها تحاول استعادة قواها حتى تستطيع الرد .
سألته وهي ترفع رأسها :
- "شيز" ؟ هل أنت "شيز" ؟
- هل تسمعيني يا "آني " ؟ هل أنت مصابة ؟
حاولت ان تنطق ببضع كلمات ولكن صوتها خنقته الدموع والنشيج.
- أوه يا "شيز" ! أين كنت ؟ لقد خشيت ألا تعود أبدا .
ظن "شيز" ان قلبه سيخونه , بل إنه لم يجد القوة ليجيب عليها , لأنه كان مصدوما للغاية . لقد مرت به لحظات من الخوف من فكرة أن تكون ميتة او مصابة إصابة خطيرة . ولكن الشئ الوحيد الذى يهمه الان هو أن يخرجها من ذلك الحجر .
# # #
بعد بضع دقائق كانت على الفراش وجلس بجوارها , وهو يمسح دموعها باصابعه . غمرته موجة من الحنان , لقد أحس بالارتياح الشديد عندما عرف انها لم تصب بسوء .
سألته "آني" في خجل :
- إلى أين يؤدي هذا النفق اللعين ؟ وفيم يستخدم ؟
منتديات ليلاس
- لقد كان موجودا عندما اشتريت الكوخ وحسب اسطورة يرددها أهل البلاد فإنه كان مهربا لسارقي الخيول إذا انقلبت الامور ضدهم فإنهم يستطيعون الهروب من النفق بينما الحفرة تتولي أمر مطارديهم .
مرة اخرى وجد رغبة شديدة في ان يمرر يده في شعرها الاحمر الحريري المشتعل . وان يقول لها أشياء لم يقلها ابدا لاي امراة . ان يقول لها حماقات رومانسية مما يقال في الافلام السينمائية العاطفية . ولكنه بدا غير مدرب على ذلك وإن تلك الكلمات لاتجد مكانا لها في فمه . سألته فجأة :
- ألا يعجبك ما فعلته ؟ اقصد بالمنزل ؟
- لا
في الحقيقة كان يحس بالرعب مما فعلته . ربما كانت الزهور والستائر الداكنة الشيئين اللذين يكرههما اكثر شيء في العالم بعد سارقي الجياد , ولكن من الواضح ان اللحظة ليست مناسبة ليخبرها بذلك .
امسكت بيده وضغطت عليها بقوة أدهشته :
- هل تريد ان تقول حقا انها اعجبتك حقا !
- ليس هذا ما قلته .
- ولكنك لا تكره ما فعلته . لقد قلت إنك لم تكرهه.
اكد لها كلامها على مضض . وساعدها على النهوض . قالت له عندما نجحت اخيرا في الوقوف على قدميها :
- اتبعني
- الى اين ؟
- لدي شئ اريد ان اريه لك
نهض وهو يتأوه لانه ظل فترة طويلة على ظهر الجواد . ثم خلع سترته الجلدية . وسار بجوارها خطوة بخطوة , وهو يتساءل عم تخبئه له ايضا من مفاجات آخري . فتحت دولاب المطبخ وقالت :
- لقد اشتريت لك آنية المطبخ المعدنية يا "شيز"
اخذت طبقا ودسته في يده وقالت :
- إنه جميل هذا ... أليس كذلك ؟
كرر "شيز" كلامها في عصبية :
- أنية مطبخ ؟ من أجلنا ؟ أين عثرت على هذه ؟ "آني" .. هل ذهبت الى البلدة ؟
وضعت الطبق مكانه :
- مجرد جولة صغيرة
- كيف ذهبت الى هناك ؟ اوه يا إلهى ! أخذت سيارتي "البيك أب" ؟

نظرت إليه في احباط , ولكنها مصرة على الا تقبل لهجة الاتهام التى بدت واضحة في صوته :
- نعم .. لقد أخذتها , لقد وجدت صعوبة في أن اذهب سيرا على الاقدام .
- اللعنة ! ولكن ما الذى خطر على بالك ؟ امرأة ذات شعر أحمر خلف عجلة قيادة سيارتي ؟ لا يمكن ان تكوني قد مررت بها دون أن يلاحظك أحد !
بدا نفاد الصبر يظهر عليه .
قالت له شارحة وهي تسترد أنفاسها :
- لقد أخفيت السيارة في حارة ولم يشاهدني أحد . ثم فوق ذلك لقد كنت متخفية في صورة رجل .
بدا "شيز" يلف ويدور حول نفسه وهو لا يصدق ما يسمعه . وهو مذهول من التغييرات التى احدثتها بالمنزل وديكوراته انها كارثة حقيقية . قالت :
- لقد اردت فقط ان اضيف بعض البهجة وظننت انك عندما ترى ذلك ستسعد .
- أسعد ؟ ولكن بأي حق تعودين الى بيوت الناس وتقلبينها رأسا على عقب ؟ ليس هذا من حقك . لقد سبق ان اخبرتك ألا تهتمى إلا بشؤونك الخاصة . وألا تدسي انفك في شؤون الاخرين !
اغلقت باب الدولاب . ثم استدارت وقد بللت الدموع عينيها :
- لقد عملت ليل نهار . لأرتب بيتك وانت لا تقدر أي شئ مما فعلته . لاشئ !
تأثر كثيرا من لهجتها ونبرة صوتها . ولكن لم يكن هناك مجال لأن يقع في الفخ . لقد تغلبت ثورة الغضب على الحنان .. انه المزاج الذى يفضله في معاملته مع الاخرين .
قال ببطء وهو يحاول ان يتابع افكارها :
- بل أقدر ذلك . انك تثيرين حنقي ودهشتي . تذهبين الى المدينة متخفية ومتنكرة في صورة رجل وتضعين زهورا في بيتى الذى لم اعد اتعرف عليه . ثم تدسين انفك في حجرتي ثم تتسللين الى اماكن لا دخل لك بها . وتفلتين باعجوبة من الموت يمكن ان تعتبريني فظا . ولكني بصراحة لا استسيغ كل ما فعلته .
حاولت "آني" ان تهدئ من العاطفة التى بدأت تهب بداخلها لو أنه لم يعاملها برقة بالغة وغير مفهومة . بعد ان اخرجها من الهوة ربما لم تكن تحس بالجرح الشديد , وهي تراه لا يقدر كل ما فعلته حتى الستائر الصفراء ! إن هذا يجرحها .. وبعنف وبألم .
قالت لها وهي تدير له ظهرها وقد عجزت عن إحتواء دموعها :
- أنت متمسك تماما بالتخلص مني .. أليس كذلك ؟

كانت تشعر بأنها حمقاء خاصة عندما قال لها :
- لو كان ذلك في مقدوري لفعلت ذلك في الحال ودون ان يطرف لي رمش .
- حسنا .. ما الذى يمنعك من ان تفعل ذلك ؟
- لأن معك قطعة من الورق تقول انك زوجتي هذا هو السبب ؟ انه اسوأ نوع من الابتزاز رأيته في حياتي كلها !
قالت وهي تستسلم لثورة غضبها :
- أنا .. ابتزك ؟ هل هذا ما تظنه ؟ تظن اننى ابتزك؟
- وماذا تسمين ذلك ؟
ظلت "آني" مذهولة من كلامه . لقد عادت الى ذاكرتها كل سنوات العذاب الخمس التى عاشتها والتى حاولت ان تنساها بكل جهدها . لقد اعتقدت انها دفنت ذكريات تلك الفترة ولكنها انتظرت اول فرصة لتعود الى مهاجمتها بكل قسوة وشراسة . صاحت :
- ابتزك ! هل نسيت اننى دخلت السجن بسببك ؟
- السجن ؟ ماذا تحكين ؟
كان الامر اقوي منها . انها لم تستطع ان تحفظ السر وقصت عليه المحن التى قاستها بعد حادثة السيارة .
- لقد عثر علي رجال الشرطة السرية وانا فاقدة للوعي . وعثروا على وثيقة الزواج في حقيبة يدي . لقد استجوبوني ولما لم يكن عندي ما اقوله , فقد اقنعوني انك هربت وتركتني لاموت وقالوا لي انك عميل سري . وقد اتهموني بالتآمر والتخريب وهدم نظام الحكم.
احتج "شيز" وهو يحاول ان يضفي القسوة على نبرة صوته :
- ولكن لم اكن اعرف ! لقد اخبروني انك مت .
اجابته بلهجة متعبة :
- لا . لم أمت . ولكني لم اكن حية ايضا .

مسحت دموعها واحست بـ "شادو" وقد اتى الى جوارها . واخذ يحك بساقيها . كانت تتوق شوقا الى ان تلقى بنفسها بين ذراعيه وتذرف دموع حياتها , ولكنها لم تجرؤ . لقد كان الجرح قويا اكثر من اللازم انها لن تقاوم واقل شئ يمكن ان يحطمها .
- "آني" احكي لي . ما الذي جري ؟
حدجته فترة طويلة ثم انتهي بها الحال بأن قالت :
- لقد عرفت الاخوات الصالحات اننى على قيد الحياة واننى في السجن . وقد نجحن في اخراجي من السجن ولكن ليس قبل ان تحصل الشرطة على ما تريده . ان لديهم وسائل للاستجواب لا توصف .
- يا إلهي .
- لقد كان الامر من الممكن ان يكون اسأو على ما اظن . لقد وضعوا في حساباتهم اننى فقدت والدي بعد ان صرعهما رجال العصابات المسلحة واننى لم اكن سوي طفلة . ولذلك عفوا عني . انهم لم يغتصبوني ولم يعذبوني . حسنا ليس بدرجة كبيرة .
- ليس بدرجة كبية ؟ "آني" ما الذى فعلوه بك ؟ اخبريني ؟

- لقد عشت على الفول السوداني والخبز الجاف فقط . ولما لم تفلح هذه الطريقة معهم , فقد هددوني بأن يشوهوا وجهي , واخبروني ان منظري سيكون مخيفا لدرجة ان أحدا لن يستطيع التعرف علي .
اشارت الى طرف انفها وقالت :
- لقد بدءوا بهذا .
منتديات ليلاس
كان "شيز" مصعوقا :
- "آني" لم اكن اعرف .. يجب ان تصدقيني .
بدا سؤال مؤلم ينمو في ذهنها . هل كانت الامور ستختلف لو كان يعرف ؟
ولكنها فضلت ان تشيح بوجهها بعيدا عنه ؟ خوفا من ان تعقد اخر اوهامها . لقد فقدت كل شئ وهي في السادسة عشرة من عمرها والديها وهويتها وهو , والشئ الوحيد الذى جعلها تتماسك طوال كل تلك السنوات من الكابوس هو فكرة انه سيعود إليها . كانت تريد ان تظن ان ذلك ما كان سيفعله لو عرف انها لا تريد ان تصحو من حلمها .
كان اول رد فعل غريزي لـ "شيز" وهو يراها ترتجف بهذه الدرجة من العنف امامه هو ان اخذ يربت على كتفيها . لقد احس بمدي عمق عذابها وآلامها . وبدا يفهم انه كان السبب في ذلك .
قال وهو يتحرق شوقا الى ان يأخذها بين ذراعيه :
- "آني" عندما أفقت وانا في المستشفى اخبروني انك قتلت . لم يكن في امكانى ان اعرف .. إنني لم اكن اتذكر شيئا .

فتحت عينيها على اتساعهما . إن شرحه يغرقها في قلق شديد غير محدد .
قال :
- أنا أسف .
ردت عليه :
- لا تأسف . إننا لا نستطيع ان نفعل شيئا حيال ذلك الآن .
مد لها يده وقال :
- ربما لو ..
كانت في اقصى حالات اليأس . ان ذلك كان ما تشتهيه وترغبه دائما . ملجأ تحت حمايته ولكنها لم تعد تستطيع تقبل هذا العزاء والتسرية الآن . ان ذكريات سنوات الكابوس كانت حية ومؤلمة اكثر من اللازم . وانها لن تستطيع ان تقاومها وتنساها .
سألها "شيز" وهو يخطو خطوة نحوها :
- ما الذى لا يسير سيرا حسنا معك ؟
قالت وهي تتراجع :
- لا يا "شيز"
جاء الكلب ليقف بينهما وهو يزمجر . تردد "شيز" وهو مصعوق من المشهد الذى يجري أمامه . ان من يري هذه المراة يعتقد ان لديها خوفا مميتا منه . وكأنه وحش وها هو كلبه يسارع الى نجدتها . أحس بأن موجة عارمة من الحزن تغمره . ان الامر مثير للسخرية انه بالضبط يرغب في مساعدتها .
- أرجوك يا "آني" تعالى هنا .

هزت "آني" راسها علامة النفى . قالت في نفسها : إنه لو قال لها هذه الكلمات منذ فترة قصيرة لسارعت اليه . وارتدت في احضانه . ورغم أن مشاعره حقيقية وكلامه ايضا . إلا أن الاوان قد فات .
رفع "شيز" ذراعيه الى السماء في يأس وقد بدا محطما :
- "آني" !

احست بغصة في حلقها وقد اختنفت من الدموع والنشيج واخذ الكلب يدفعها نحو "شيز" ولكن لما لم تتحرك تركها لينضم إلي سيده . رأت الكلب يحتك بساقي "شيز" ثم يستدير نحوها وينظر اليها نظرات متقطعة قال "شيز" في حنان :
- "آني" دعيني اساعدك .

عندما اقترب منها تحاشت النظر في عينيه . ليس لديها اية وسيلة لتحمى بها نفسها . لقد كان قويا جدا وهي ضعيفة للغاية لدرجة هشة وكم سيكون ممتعا ان تستسلم لضعفها . ولكن "آني" لا تستطيع ان تستقر على قرار . إن السؤال الأبدي لايزال يطاردها ويجب ان تعرف الاجابة :
- هل كنت ستعود إلى لو عرفت ؟

نظر في عينيها مباشرة وقال :
- نعم
كان رده من القسوة بحيث ملأ قلب "آني" بألم مضن . كانت تريد ان تصدقه دون أي شك او ريبة . ولكن ماذا لو كان غير صادق ماذا لو أراد فقط ان يطمئنها . ويهدئ من روعها ؟ لقد كانت تنتظر هذه اللحظة منذ وقت طويل لدرجة لم تعد تعرف أين هي . نجحت اخيرا في ان تهمس بعد ان بذلك جهدا فوق طاقة البشر .
- شكرا .
استسلمت لحنانه حيث لم يعد لديها قوة من المقاومة , بعد كل ما مرت به . اغمض "شيز" عينيه وهو يشعر بالخوف من أن يكون استسلامها هو نتيجة ضعفها ويأسها ومع ذلك هي في حاجة إليه والي حمايته لها وهذا هو كل ما يهمه في هذه الساعة .
احست بأنفاسها تزداد ثقلا وبدا هو يستسلم لعواطفه ولكن صوت الصفير بداخله . اخذ يردد ان هذه ستكون آخر فرصة له قبل فوات الاوان . لينجو بجلد ولكنه تردد . الامر الذى سيؤدي الى هلاكه وضياعه . كانت "آني ويلز" وهي قريبة منه الى هذه الدرجة اكثر نساء العالم فتنة في نظره واشدهن جاذبية .
سألها :
- ما الذى تفعلينه يا "آني" ؟ ما الذى توشكين ان تفعليه في ؟
كان يحاول ان تبدو القسوة في صوته .
ردت :
- لا شئ يا "شيز" لا شئ

ولكن لم يكن ما تقوله صحيحا بالتأكيد . لقد كانت امامه فريسة هشة وضعيفة وهو متوحش ويوشك ان يفترسها . انه لا يذكر أبدا أنه أحس بالاثارة الى هذه الدرجة في حياته حتى وهو في سن المراهقة.
قالت له بصوت يشوبه رنة المداعبة :
- ربما كان من الافضل الا تفعل .

قال "شيز" حالما :
- ربما كان هذا هو الافضل فعلا !
صاحت في فزع :
- هل تريد ان تتوقف وقد أوشكت ان تعترف لي بحبك باعتباري زوجتك ؟

قال في نفسه . انه ربما كان عليه هو ان يتوقف قبل فوات الاوان ولكن لديه شعورا رهيبا بأنه لو فعل لظل طوال حياته يشعر بالحرمان من فرصة السعادة مع هذه المرأة , التى كان واثقا بانه لن يلتقى بمثلها ابدا بعد ذلك الى ان تنتهى ايامه في هذه الدنيا .
كان قلبه يدق بشدة وهو ممزق بين الرغبة والقلق . أحست "آني" باحمرار وجهها وهي تتأمل مدي رجولته وكأنها ترتكب خطيئة . ولكنها تذكرت انها زوجته شرعا وأن كل شئ مباح لها .سادها شعور غريب بانها قد تموت من شدة حبها له .. لقد سمعت عن نساء كثيرات في الغابة يمتن لأسباب متنوعة , ولكنها لم تسمع ابدا عن واحدة ماتت من شدة الحب . ومع ذلك غمرتها موجة من الخوف . لقد ظلت مبهورة من مدي قوته الوحشية , واحست بأنها لو استسلمت لعواطفها العنيفة نحوه لأصبحت أيامها على ظهر الارض معدودة .
فهم "شيز" ان من الواجب عليه ان يطمئنها , وان عليها الاتخشى الحب مع عملاق مثله , فجأة احس بشعور مفاجئ بأن هذه المرأة التى امامه لم يسبق لها ان مارست تجربة عاطفية وانها لا زالت عذراء وبريئة . انها لم تمارس الحب لا معه ولا مع غيره . نظر اليها في حنان شديد , وقد ساده خوف من انه كان من الممكن ان يحطمها لو تمادي في علاقته العاطفية معها .
قال لها وهو شديد الدهشة :
- لماذا تركتني أعتقد يا "آني" أنك .. لماذا لم تخبريني بالحقيقة؟
سألته في ذهول :
- ماذا ؟
- انك لم تقيمي اية علاقة مع أي رجل ؟

أشاحت عنه بوجهها حتى تخفي الثورة العارمة من الغضب التى تصاعدت بداخلها , ثورة من خليط من الرغبة والحب والشعور بالذنب واليأس .
- وماذا يمكن أن تفعله هذه الحقيقة يا "شيز" ؟ انا هنا من اجلك . انا زوجتك واحبك .
- ولكنك يا "آني" لا زلت عذراء !
منتديات ليلاس
- وما اهمية ذلك ؟ اننا متزوجان !
قرأ "شيز" في نظراتها ان الاوان فات وان عليه ان يتوقف في الحال . لو استمر ثانية فإنه لن يستطيع ان يمنع الكارثة .
داعب وجهها في حنان ثم ابتعد عنها وارتجفت ولكنها لم تفعل أي شئ لتمنعه من الابتعاد عنها . نهض بعد دقائق قليلة من جوارها , ولم يقل أي كلمة وهو يتساءل ما الذى عليه أن يفعله ؟ ولكنها هي التي قطعت حبل الصمت .
قالت وهي تضع يدها على كتفه :
- نعم .. انا عذراء ولم امارس الحب ابدا ولم يلمسني احد قبلك .
لم يلمسها احد من قبل ! يا إله السماوات ! ما الذى سيفعله ! إن "آني ويلز" ستتسبب بطريقة او اخري في هلاكه . لقد احس بذلك منذ اللحظة الاولى التى وقعت فيها عيناه عليها ولايوجد أي حل آخر .. لابد من الابتعاد عنها .. لابد من مغادرة هذا البيت .. ودون ان يضيع دقيقة واحدة .
__________________


سفيرة الاحزان 08-09-10 11:17 AM

الفصل الثامن


رحل "شيز" من يومين بعد ان تحولت لحظات السعادة بينه وبين "آني ويلز " الى كارثة . فجأة جمع ملابسه . ثم ركب سيارته "البيك آب" العتيقة ماركة "فورد" التى تستخدم في المزارع في اداء كافة المها من نقل المسافرين الى حمل العلف والمؤونة . الى مطاردة اللصوص . لم يقل لها الى اين هو ذاهب ولا حتى إن كان سيعود .
احست "آني" بالذنب الشديد لدرجة انها لم تستطع ان تقول أي كلمة لتمنعه من الرحيل . لقد خدعته وهذا امر لايمكن ان تنكره وكيف تنكره والدليل واضح لايقبل الشك . ولكنها خدعته دون مكر او سوء نية انها زوجته فعلا ورسميا وهي تتحرق شوقا لأن تمارس حقها كزوجة , وتحس أيضا بانه يرغب في ذلك بكل جوارحه ولدرجة يجب أن تجعله لا يعير أي انتباه لمسألة عذريتها . لقد كانت تتوقع ان يشعر الرجل بالفخر . لان المرأة انتظرته طوال حياتها لتهبه نفسها دون غيره وفي هذا الزمن الذى انتشرت فيه الحرية العاطفية بدرجة شديدة , واصبحت العلاقات بين الرجال والنساء في "امريكا" و "اوروبا" سهلة ومتاحة مثل الماء والهواء ولكن يبدو ان "شيز" ليس من النوع الذى يقدر للمرأة احتفاظها بفضليتها والا تهب نفسها الا لزوجها .

احست "آني" برطوبة انف الكلب "شادو" على خدها وضغطت يدها على ظهر الكلب الجالس بجوارها . لقد اصبح "شادو" امين سرها الوحيد الذى تبثه لواعج قلبها وروحها . كانت لاتجد غضاضة في أن تحدثه وقد رأت الوطنيين في "كوستاريكا" يفعلون ذلك دائما . بل لقد صارحت الكلب بأدق اسرارها واحلامها . خاصة الحلم الذى لم تكن تجرؤ على ان تفكر فيه لاستحالة تحقيقه وهو ان ينتهى "شيز" الى الاقتناع بأنه مرتبط بها ولايستطيع الفكاك من هذه الرابطة العاطفية الشديدة .
منتديات ليلاس
سألت الكب وهي تداعب طوقه :
- ما رأيك يا"شادو" ؟ هل اعتبر قضيتي خاسرة ؟
حدجها "شادو" بإحدي نظراته المليئة بالحزن والشجن والتى كان يتمتع بها دون غيره من الكلاب , بل نادرا ما كان يتمتع بها بعض الرجال مثل "شيز" , رأت "آني" في تلك النظرات الحزينة ما يؤكد ظنونها . بل إنها كانت تعرف من قبل ان القضية خاسرة . إن "شيز" يريد ان يخرجها من حياته . ان كل ما فعلته من اجل ان تجعله يقترب منها أدي الى ان يبتعد عنها .
لم تكن "آني ويلز " من النوع الذى خلق ليعترف بالهزيمة . وفكرت في كل الاهوال التى واجهتها في "كوستاريكا".
هل حانت ساعة استسلامها . نهضت وهي فريسة للحزن وجمعت أشياءها التى احضرتها معها وهي تتساءل ما الذى يمكن ان تفعله لو رحلت عن هذا المنزل والرجل .
القت نظرة اخيرة على المطبخ وفكرت في الطريقة التى عبر فيها "شيز" لها عن عواطفه , فقد تعرفت في عينيه على العاطفة والحنان .

قالت معلقة بصوت مرتفع :
- إن تصرفاته لايمكن ان تكون تصرفات رجل غير مبال .
ولكن بعد لحظات فهمت معني الكلمات التى نطقتها . انه ليس غير مهتم بل العكس هو الصحيح . ولكنه يصارع عواطفه وإن كانت ردود أفعاله شديدة العمق والتركيز فهي تدل على عمق عواطفه وانه متمسك فعلا بها .
ولكنها عادت وتراجعت في الحال . لا . لا .. انها تشعر بالقلق من العاصفة التى انطلقت من داخلها . ان ما تفكر فيه امر مثير للسخرية . انها تظن ان رغباتها هي حقائق واقعية .

حاولت ان تعيد بعض الترتيب الى افكارها ولكنها كانت في حالة من الاثارة لدرجة جعلتها تعتبر كل دلائل رغباته ورغباتها الخاصة إنما هي تاكيد حلمها المجنون . إن "شيز" يحبها ويريدها . بدأت الامور تبدو اكثر وضوحا . ان سلوك "شيز" الغريب والشاذ وغير المألوف والمتطرف اصبح مفهوما على ضوء الهامها وفلسفتها للأمور . ربما ايضا هرب لانه كان يخشى عنف عواطفه .. يا إلهي ! هل هذا ممكن ؟ هل يمكن ان يكون قد وقع صريع حبها ؟ هل يمكن ان يكون "شيز بودين " عاشقا ؟

فجأة فكرت في يأس . ان هذا سيحدث لو استطاعت الابقار تسلق الاشجار . ولكن الامل استعاد مكانه عندها في الحال . تساءلت أليس من المحتمل ان يكون مسلكه العنيف دليلا على مدى ارتباطه بها , وانه اتخذه ليخفى ذلك ؟ ثم أليس من المحتمل ان تكون تقلباته المزاجية وعنفه وقسوته انعكاسا لعنف الصراع الدائر بداخله ؟
لو كان الامر صحيحا ولو أن مسلكه البغيض هو أعراض لعواطفه الحقيقية ؟ فلابد ان الرجل عاشق حقا .. قليلا لا .. بل كثيرا بل لدرجة الجنون نفسه .
لو كانت على حق وان كل خلية في جسدها تقول لها : إنها غير مخطئة في ظنها , فلم يبق امامها الان سوى ان تعثر على طريقة تجعل "شيز" يفهم ذلك . لابد ان تساعده على الاعتراف بما بدأت تراه واضحا .
# # #
جلس "شيز" في المشرب , وقد كز على فكيه , واصبح وجهه جامدا كالخشب . طلب شرابا مقويا مضاعفا . واشار الى الساقي لكي يدعه في حاله .

جاءت ساقية ذات شعر أسود فاحم وانزلقت لتجلس بجواره وقد اسندت ذقنها على راحة يدها وقد بدا عليها ما يشبه الابتسامة وان كانت تنقصها الصدق .
نظر اليها "شيز" ولكنه لم يقل شيئا يشجعها على مواصلة الحديث والسمر . لقد حضر الى هذا المكان هربا من النساء ومن تدخلهن فيما لايعنيهن . احتسى كأسه مرة واحدة .
النساء ! إنهن يأخذن سيارات الرجال ليملأن البيوت بالزخرفة الكاذبة . انهن يتدخلن في خصوصيات الرجال ويسببن المتاعب لأنفسهن ويسرقن حب كلابهن لهن . وفوق ذلك هن غير قادرات على ترك الامور على ما هي عليه . انهن لابد ان يلمسن كل شئ ويقلبن التوازن الطبيعى للامور . قال موجها الحديث الى الساقية :
- ان النساء على وشك ان يخلقن فصيلة مهددة بالانقراض ..الرجال.

- ارجو المعذرة . لست أفهم ماذا تعنى ؟
ظل "شيز" مثبتا نظرات على كأسه , همهمت الساقية :
- هل رأيت هذا ؟
استدار نحوها ليلقى نظرة ليست بدافع الفضول وانما بغرض أن يلزمها الصمت رأي نصف دستة من رعاة البقر من المنطقة يحيطون بشاب لم تنبت له لحية . ووجهه ملطخ وفمه ملئ بالتبغ الممضوغ .
سأله واحد من مسببي الشغب والعراك :
- هيا يا صغير . هل أنت واثق بانك كبير بدرجة تسمح لك بوضع قدميك في هذا المشرب ؟
هز الشاب رأسه علامة الايجاب , ثم بصق على الارض بطريقة متعالية جعلت الهمس يسري بين رواد المقهي .
- هيا يا صغير .. ألا تريد أن تبدأ ؟

قام الصبي بالبصق الى مسافة ابعد نالت استحسان الجمهور . وقد احدث ضجة مقززة . اقترح احدهم ان يقدم له جعة او مشروبا مقويا .
اقتربت الساقية من دائرة رعاة البقر قالت وهي تحدج الشاب بإمعان:
- أراهن انك تستطيع ان تفعل احسن . أليس كذلك يا راعي البقر؟
ابتلع الصبى ريقه بصعوبة وشحب وجهه . سأله احد الرجال فإن من الواضح انه سائق شاحنة نقل الماشية :
- ألم تسمع الآنسة ؟ ألم يعلموك الادب ؟ لقد طلبت منك ان تعيد الكرة .
قاطعه رجل آخر :
- افسحوا لي الطريق .. اراهن اننى استطيع ان افعل احسن منه . هيا اطردوه للخارج !
ضاقت الدائرة حول الصبي عندما صاح احدهم من اقصى المشرب:
- اسمعوا ايها الرجال . قبل ان تنفذوا اسألوه أولا إن كان صبيا ام فتاة .

لايمكن ان يتصور الانسان ان هناك إهانة اسوأ من ذلك . فكر "شيز" انه سيحظي برؤية شجار ضخم ومثير .. كان قد بدأ ينتبه الى ما يحدث من الغريب ان الصبي كان يذكره بشئ ما . وكلما امعن في تأمله ساده اعتقاد بأنه سبق أن رأه . استند "شيز" على مائدة البوفيه وقد بدا نافد الصبر ومتلهفا لمعرفة ماذا سيفعل الصبي ليخرج من هذا المأزق السيئ .
بصق الصبي بقوة ونشاط شديدين وكأنه يطلق صاروخا . المزعج انه وجد عقبة في طريقه . راعي بقر من المزرعة المجاورة قال الرجل وهو يمسك به من سترته من الخلف . بينما مد رجل آخر يده نحو سلاحه , ولكنه ما إن تحرك حتى سمعت لطمة صامتة . وانزلقت المدية من بين اصابعه . استدار كل الزبائن كرجل واحد نحو "شيز بودين" الذى كان يعيد سوطه الى مكانه دون أن يطرف له رمش .
قال موجها الحديث الى رعاة البقر :
- لقد تمت تسوية الامر . والآن عندي كلمتان اقولهما لهذا المعتوه .
منتديات ليلاس
سأل احد رعاة البقر وقد بدا عليه الغضب وسيجاره بين شفتيه :
- وما شأنك انت لتتدخل ؟
طرقع سوط "شيز" ثانية وقطع السيجار من على بعد سنتيمتر من شفتى راعي البقر وقال :
- لدي حساب اريد تصفيته مع هذا الصبي هل لديك مانع ؟
ساد الصمت التام بين الجميع . طرقع سوط "شيز" مرة اخيرة واحاطه بوسط الصبي ثم جذبه نحوه دون أي صعوبة . وقال له بصوت منخفض :
- أتعشم أن يكون لديك سبب وجيه لتقديم هذه النمرة الاستعراضية يا صغير ! لأنها لا تعجبني على الاطلاق .
مسح "شيز" القاعة بعينيه وهو يحسب عدد الفرص المتاحة للخروج من المشرب دون ان يتسبب في انفجار فوضى عارمة .
__________________

قال احد رعاة البقر اخيرا :
- اقسم اننى سبق ان رأيته . إذا كان هذا الصبي رجلا فإننى أريد إذن ان اكون ملكة "سبأ"
قال "شيز" لـ "آني" :
- هيا بنا .. سنرحل . افضل ان نترك هذا المكان قبل ان يحاول هؤلاء المتوحشون ان يحولوك الى مسخة يلهون بها .
أحبت "آني" بالتأكيد ان تنفذ اوامره حرفيا , لاشك ان الضيق بلغ به حدا يجعله على استعداد لخنقها بيديه العاريتين , ولكن همه الوحيد في تلك اللحظة هو دون شك الخروج من هذا المأزق السخيف .

ظل "شيز" صامتا ولم يقرر ان يفتح فمه إلا بعد ان غادرا البلدة .
قال لها بصوت بارد كالثلج :
- إنني احس بفضول ان اعرف لماذا فعلت هذا وما الذى دفعك لان تبحثى عنى في هذا الجحر ؟
كان من الواضح ان اللحظة ليست مناسبة لان تقول له انها تتفهم تقلباته المزاجية وسلوكه المبالغ فيه والغريب . وانه مجنون بحبها وقد فضلت ان تقدم له اسبابا اخرى وان فهمت انها حقيقة وهي تخترعها .
- لقد قلقت عليك .. واردت ان اطلب منك ان تسامحني لاننى جعلتك تعتقد اننى سبق ان مارسنا حياتنا الزوجية الطبيعية .
قال لها بصوت حاد وقاطع وهو يحدجها :
- كفي !

كان "شيز" يتلهف لان يطرح عليها اسئلة . وان يسألها من اين واتتها الشجاعة لكي تفعل مثل تلك الاشياء . ومن علمها الخداع والتنكر ؟ والذى كان يريد ان يعرفه قبل أي شئ هو كيف امكنها ان تسبب له كل هذا الخوف ؟ انها جعلته يكفر عن كل الخطايا التي سبق له ان ارتكبها , انها تطلب عفوه ! كم سيكون ممتعا لو شاهدها تزحف على ركبتيها طالبة العفو منه ولكن عليه ان يحذر ! فإنها لا تكف عن اختراع الحكايات .
تحملت "آني" صمته في ألم شديد . وترددت في استئناف الحديث . ولكنها تتحرق شوقا لمعرفة ماذا يدور في رأسه ؟ هل يخطط للانتقام منها ؟ ان ثورة غضبه تذكرها بخطب ومواعظ الاخت "ماريا أنوسينتا" كبيرة الراهبات في الدير في "كوستاريكا" حول انكار الذات وكبح الشهوات والتوبة .

كانت "آنى " تجد صعوبة في فهم معنى كبح الشهوات في الممارسة الدينية . ولكنها بدأت تستشف ماذا يمكن ان يعنى كبح الشهوات في العلاقة بين الرجال والنساء ... يبدو أنه مكتوب عليهما هى و "شيز" ان يمرا بتجربة كبح الشهوات . قالت له أخيرا . وهى تتعمد ألا ترفع عينيها نحوه :
- ما الذى تدبره في رأسك ؟

- بالنسبة لموضوعك ؟ لست أدرى بعد . وطالما لم يستقر رأيى . فإننى افضل أن تمتنعى عن ان تقدمى لى اى اقتراحات او إيماءات ... إنني أتحرق شوقا لأن أحبسك مقيدة اليدين والقدمين في مخزن الغلال ، حتى أضعك في حالة تمنعك من مضايقتى ، وإحداث المتاعب الدائمة لى . انت لا تعرفين مدى شوقى لتحقيق ذلك .
قالت بصوت شبه مسموع :
- إنك لن تفعل شيئا من هذا ؟

كانت تعلم ان "شيز" يجدحها . وهى منكسة الرأس ، ولكن ذلك لم يعد يهمها فقد تعودت على ذلك كثيرا وهى في السجن ... إنها لن تجعله ينفذ تهديده . لن تسمح له بذلك أبدا .
عندما وجدت أخيرا الشجاعة للكلام أضافت بصوت مرتجف :
- إذا كنت قد سببت لك أذى فإن ذلك لسبب وجيه . أنا لم أرغب أبدا في أن أحرجك بل العكس هو الصحيح . لقد أردت ان أساعدك ، أردت فقط أن اضيف بعض البهجة على حياتك .
- إذن سأطلب منك معروفا يا آنسة ! أنسى هذا ! إن تعاستى في كل ما تفعلينه .
عندما لمحت "آنى" مدى وحشية نظرته لم تعد تشك في أنه سيحرقها حية ، بين لحظة وأخرى . أو ربما سينحرف بالسيارة لينتقلا معا إلى العالم الآخر .
أغمضت عينيها ، وأخذت تدعو السماء في سرها ، معجزة فقط هى القادرة على إنقاذها . لم يسبق لـ "آنى" ان أحست بطول الرحلة مثلما تحس الآن .
أوقف "شيز" السيارة وقفز في الحال منها تاركا إياها على مقعدها . وهى تتأمل الموقف قررت أن تضع مسافة بينهما وأن تدع الأمور تهدأ . ولكن فيما بعد عندما وضعت قدميها على الآرض . وجدت مفاجأة عندما شاهدت دستة من الرجال فوق الجياد يتجهون نحو البيت تتقدمهم فرقة من كلاب الصيد .
أحدث جرى الجياد ضجة أخرجت "شيز" من منزله واتجه نحو السيارة "البيك آب" قال وهو يشير لـ "آنى" ان تظل في السيارة وأن تختفى قدر المستطاع .
- يبدو هذا وكأنه مطاردة لرجل .

أخذ بندقيته من فوق الأريكة الخلفية للسيارة "البيك آب" وانتظر .
صاح أحد الرجال :
- أمتط جوادك يا "شيز" . لقد هرب أحد المساجين .
سأل "شيز" المأمور الذى كان يتقدم العديد من رعاة البقر من المزارع المجاورة :
- ومن هو ؟

أجاب المأمور وهو يقفز بجواده إلى داخل تحويطة الخيل :
- إنه "جاك لابواز" .... من المستحيل معرفة كيف تمكن من ذلك . ولكنه عقد صداقة مع أحد مساعدى وهم يصحبونه للمحكمة .
قال "شيز" بصوت متهكم وهو يفكر في الوقت الذى طارده فيه ووضع القيود في يديه .
- لقد أدار الحظ ظهره لـ "جاك " . على ما يبدو لقد أيقن سارق الماشية من أنه لا أمل في إصلاحه فضلا عن غبائه . لم تكن هذه أول مرات هروبه .
سأل المأمور "
- هل لديك فكرة عن الوجهة التى أتجه إليها ؟
حك رجل القانون جبينه مفكرا :
- لقد تفقدنا آثاره في ضواحى "بيج وش" ومن الواضح أنه يتجه نحو الحدود ... لقد فكرنا أنك ربما تود أن تكون من رجالنا ما دمت أنت أول من قبض عليه .
لم يكن "شيز" يأمل أحسن من ذلك . إن رائحة الجياد الثائرة والجلد المغطى بالعرق تسحره . ولكن مطاردة الرجال عادة ما تستمر عدة أيام وهو لا يستطيع ان يترك "آنى" بمفردها كل تلك الفترة . وهو لا يتصور أيضا أن هذه الكارثة المتحركة وما يمكن أن تفعله وأمامها ايام طويلة .
قال للمأمور :
- أنا آسف .... ليس هذه المرة .... لدى أمور لابد أن أسويها .... ولكن كلابك يمكنها الاستغناء عنى وستنجح في المهمة بدونى .... ستحصل عليه .
قال الرجل وهو يشير لرجاله :
- كما تحب . ولكن هذا سيئ بالنسبة لك .
ابتعد الفريق أمام نظرات "شيز" ... كم كان يجب أن يكون من ضمنهم ولكن هناك أمرا آخر يزعجه وبقض مضجعه . إنه لا يستطيع أن يكف عن التفكير أن هناك خطأ ما في خطتهم الاستراتيجية ... إنهم يتبعون طريقا خطأ .
كانت "آنى" تنتظر في السيارة حتى تبتعد ضجة فرقة المطاردة ثم برزت برأسها وسألته :
- هل رحلوا ؟
اجابها "شيز" :
- لقد رحلوا من فترة . اخرجى !
منتديات ليلاس
ما إن همت بأن تتحرك حتى فتح باب السيارة ، ثم مد لها يده ليساعدها على الهبوط منها ، ولكن من مظهره الشارد شعرت بأنه بعيد يفكر في مكان آخر .
سألته :
- ماذا هناك ؟
- لست أدرى كثيرا .... لدى إحساس بأن "جاك لابواز" قد خدعهم . في آخر مرة حاصرته فيها وقبضت عليه كان مختبئا في بئر منجم قديم ومهجور . ولدى شعور بأنه عاد إليه ثانية .
- وماذا سيفعل بذهابه إلى هناك ؟

- أريد حقا ان أعرف ذلك . ولكن ذلك ليس سوى شك مبهم ... ما لم يكن قد دفن فيه شيئا ما .
قالت "آنى" :
- إن الأحاسيس الداخلية لها أهمية . ربما كان من الأفضل لو ذهبت إلى هناك لتلقى نظرة .
- وأتركك هنا ؟ بمفردك تماما ؟ لا تفكرى في ذلك يا آنسة !
أحست "آنى" بشبه ارتياح من لهجة الحنان التى في كلامه .... حنان ربما كانت الكلمة وصفا مبالغا فيه ، ولكن على الأقل فإن نبرة الغضب اختفت من صوته . قالت له في لهجة تحد وإثارة :
- إذا كان يزعجك حقا ان تتركنى بمفردى ، فليس أمامك سوى أن تصحبنى معك .

عندما حدجها "شيز" في غيظ سارعت بأن أضافت في لهجة مصالحة :
- ولكن هذا فقط إذا كنت تظن أنه من المهم تسليم "جاك لابواز" لأيدى العدالة .
نظر إليها في ارتياب وقال :
- أصحبك معى ؟
- إنني لن أتدخل في شئ .... وهذا أمر طبيعى تقتضيه الحاجة . أنا لن أقول أى كلمة إذا كان هذا يسعدك .... ولا كلمة واحدة !
نزع "شيز" قبعة رعاة البقر العريضة وأخذ يمرر أصابعه في شعره وكأنه يجد صعوبة في اتخاذ القرار .
ثم تجهم وجهه واتجه نحو إسطبل الخيل
صاحت وراءه :
- ما الذى تفعله يا "شيز" ؟

- سأقوم بسرج الجياد ... خذى كيس من النوم من الحقيبة الخلفية للسيارة وما يكفى مؤونة لمدة يومين .
أغمضت "آنى" عينيها وأخذت تدعو السماء حمدا وشكرا ، وقالت بصوت منخفض :
- ها هى قد حدثت .... معجزتى !
( نهاية الفصل الثامن )
__________________

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:19 AM

الفصل التاسع



كانت السماء مرصعة بالنجوم ، وكان ضوء القمر الشاحب يتسلل في خجل وسط أوراق الأشجار السامقة الفاخرة . وبعد رحلة فوق الجياد قرر "شيز" أن يدع سكينة الليل تفعل سحرها . لم يكن واثقا بأنه كان على حق في اصطحابه "آنى ويلز" وتوريطها في هذه المغامرة . ولكن فكرة أن يتركها بمفردها كانت لا تحتمل . لم يكن لدى "شيز" أية نية في أن يتركها وحيدة في بيته ، وسجين هارب يتجول في الجوار . وماذا يمكن أن يحدث لو قرر "جاك لابواز " أن يقوم بزيارة للرجل الذى ألقى به في غياهب السجن ؟ سألها وهو يلقى نظرة من فوق كتفه :
- هل كل شئ على ما يرام ؟
أجابته وقد أدهشها سؤاله :
- كل شئ على ما يرام .

أضاءت ابتسامة خفيفة وجهه . وكأنه ادرك إلى أى مدى لم تكن معتادة على أن يوليها انتباهه ورعايته . كم من السهل إسعاد شخص لا يملك شيئا !
بعد لحظات دفعه إحساس غريب إلى أن يلتفت وراءه مرة ثانية . عبرت ذهنه صورة متهربة ، صورة امرأة أخرى صغيرة في السن وشبه صبية ، وقد فتحت عينيها على اتساعهما من الرعب . وقد تغير فمها في صرخة لقد انمحت الصورة قبل أن يستشف تفاصيل أخرى . ولكنه تعرف على "آنى ويلز" وهى في السادسة عشرة من سنها . بذل جهدا جبارا ليتذكر . ولكن ذهنه انتزعه من الماضى ليعيده إلى الواقع إلى "آنى ويلز" التى يعرفها الآن ، وتتبعه فوق صهوة الجواد .
سألته وهى تقترب بجوادها من جواده :
- هل هناك ما لا يسير سيرا حسنا ؟
منتديات ليلاس
- لا ... لدى إحساس بأننى تذكرت شيئا ما .
- بشأنى ؟
كانت نبرة صوتها قد مست شغاف قلبه مباشرة . ولكن ما أحس به أزعجه كثيرا حتى إنه لم يعد يرغب في أن تطارده بالأسئلة الملحة كعادتها .
- لا ... وإنما بشأن شخص آخر .

أفلتت آهة من فم "آنى" دليلا على اليأس ، فهم "شيز" أن كرامتها جرحت . أبطأت من خطوات جوادها وكان على "شيز" أن يبذل جهدا جبارا حتى يلتزم الصمت . وكلما تقدما في رحلتهما زاد الصمت ثقلا . لقد كانت حاجته لأن يشرح ويسرى عنها أقوى مما كان يريد أن يقذف به وكان يقطع الليل من حين لآخر صرخات الوحوش الحادة .
بعد نصف ساعة وصلا . كان من الواضح ان بئر المنجم كان مهجورا ، ولكن الغريب أن إحساس "شيز" الداخلى كان أقوى من أى وقت مضى .
نظرت "آنى" إلى السماء المرصعة بالنجوم بهدوء مدهش ، وفى كل مرة كان يلقى فيها نظرة عليها كان يفكر في الفتاة الشابة المرعوبة التى كانت تظهر من حين لآخر في ذاكرته ، وتغلب فضوله عليه . إن مساعديه لم يستطيعا أن يخبراه بأى شئ ، لأنهما لم يكونا معه عندما عثر هو عليها ، كانت "آنى " هى الوحيدة التى تعرف تفاصيل ما حدث . قال لها أخيرا بصوت هادئ :
- أخبرينى عن "كوستاريكا " .
التفت إليه في دهشة واضحة :
- ما الذى تريد أن تعرفه ؟
- أين عثرت عليك ؟ وكيف جرحت ؟ كل شئ .

كانت "آنى" قد حكت له من قبل الرواية كلها في أول يوم ـ وأحست باليأس من أن تستطيع إقناعه بصدقها . لم يكن وقتها يرغب في أن يعرف شيئا ، ولكن من الواضح أنه الآن على إستعداد للإنصات إليها . أعترفت :
- كان من الممكن أن اكون ميتة لولا حضورك .

حاولت أن تتحدث بصوت رزين قدر المستطاع . وهى تحكى عن الدير وكيف تعرض لوابل من القذائف الصاروخية بواسطة المتمردين .
لقد اختفت في كنيسة الدير عندما اكتشف مكانها أحد المتمردين . ورفع سلاحه نحوها ليصرعها ، كان الرجل يوجه مسدسه نحوها إلا أنه انتزع منه بعد أن سمعت حفيفا خفيفا لقد جرد "شيز" الرجل من سلاحه بواسطة السوط .

شرحت وهى تحكى عن العراك الذى جرى بينه وبين المتمرد والذى انتهى بموت الأخير وإصابة "شيز" بجرح .
- لقد أخرج الرجل مديته .
من حسن الحظ أن الجرح لم يكن خطيرا ، وكانت "آنى" تعرف من الطب ما أمكنها من إيقاف النزيف . كان "شيز" يلتهمها بعينه وهى تحكى كيف سارا على قدميهما ساعات نحو قرية أخرى ، ليعثرا على القس ، ولكن الجرح كان قد تلوث . قال لها وهو يحاول أن يتأكد من معلوماته :
- لقد انتفخت ساقى ... لقد كان بها التهاب وخراج .
قالت "آنى" وقد تملكها فجأة أمل مجنون :
- إنك تتذكر ! أليس كذلك ؟

- لست أدرى جيدا أى جزء من الذكريات ولا كيف تختلط الذكرى مع ما تحكينه ولكن هذا يجعلنى أشعر بشعور غريب .
- هل تذكر عندما اصبت بالحمى وبدأت تهذى ؟
لو تذكر فإنه – لا شك – سيتذكر أيضا أنها احتضنته لتهدئ من روعه وهذيانه . هل سيتذكر أنها أنقذت حياته ؟
وهز رأيه ببطء نفيا :
- لا . إنني لا أتذكر .
بدت "آنى " محبطة ولكنها تماسكت في الحال . فكرت أن الأمر واضح إنه بدأ يسترد ذاكرته وحالا سيتذكر كل شئ .
سألها :
- أنت لم تحكى لى عن البقية ... عن الزواج ، وحادثة السيارة . أعلم أن الأخوات الصالحات هن الاتى أنقذنك من سجنك وأعطينك ملاذا آمنا . ولكنك لم تحكى لى كيف غادرت البلاد .
- هذا أيضا كان بفضل الأخوات الصالحات . لقد بحثن عن طريقة لمساعدتى في إثبات أننى أمريكية الجنسية ، ولكن الأمر أصبح خطيرا جدا . لقد كانت البلاد باستمرار على شفا حرب مميتة وكانت القنصلية محاصرة ، وكان الآجانب وخاصة الامريكيين في غير امان ولكن الأخوات لم يعجزن عن المساعدة . لقد حشرتنى في مقطورة شاحنة تنقل الكاكاو .
ارتسمت ابتسامة على وجهها :
- لقد كان كابوسا حقيقيا . لقد كنت مهددة بالشرطة السرية ورجال العصابات المسلحة ورجال خفر السواحل والحدود . واوشكت ان أسقط أكثر من مرة .

تنهد "شيز" وهمهم في حزن :
- لقد عانيت الأهوال وانا كنت أظن اننى عشت حياة تعسة .
دهشت "آنى" أمام المرارة الواضحة في كلامه قالت له :
- أعتقد أننى عانيت كل محن العالم . ومن الصعب أن يقصر الإنسان وسطها .
ثم فكرت فيما قاله "شيز" لها عن والديه .

- لقد أخبرتنى ان والدك كان مدمنا للشراب ، أليس كذلك ؟
ظل "شيز" مثبتا عينيه على فتحة المنجم ، وكأنه يتساءل إن كان الأمر يستحق أن يستعيد اشباح الماضى الرهيبة . لم تقل "آنى" كلمة واحدة بعد أن قررت أن تحترم خصوصيته . في كل مرة حاولت أن تنتزع سرا منه كان يزداد تقوقعا على نفسه ... بدا عنيدا وقاتما . قال أخيرا :
- لقد كان كلاهما يحتسيان الشراب ... لقد كان الرجل العجوز دائما في ثورة ، وكانت أمى كلما رفعت صوتها كان يضربها بشدة ، ثم كفت عن الشكوى ، ومن يومها لم ارها إلا والكأس في يدها .
- لابد أنه كان من المؤلم ان تشاهد ذلك .
- يمكنك أن تقولى هذا .. لقد بذلت كل ما في وسعى لأمنعهما ، ولكن في كل مرة كان الأمر ينقلب ضدى . ولقد مرت بى أيام كنت أتساءل : هل أنا صبى أم حقيبة تدريب الملاكمين ؟ وانتهى بى الأمر إلى أن هربت وأنا في سن الثانية عشرة ، وتشردت في الشوارع ، وفى سن الثامنة عشرة انخرطت في سلك البحرية .
فكرت "آنى" في المحن التى لاقاها الرجل حتى يستطيع أن يبقى على قيد الحياة ... لقد نالت هى أيضا نصيبها من المحن ، ولكن على الأقل كانت محاطة بأشخاص اهتموا بها ، وهو ما لم يعرفه أبدا . لقد كان عليه أن يواجه الحياة بمفرده تماما .
أخذت "آنى" تتأمل وجهه الذى يشبه وجه الذئب الوحيد ، وعادت إليها الذكرى ، كان أثناء هذيانه قد انفعل غضبا ضد والده ، كان قد صرخ : ستقتلين ذلك السافل الوغد ، ثم انطلق في حكاية لا أول لها ولا آخر ، والشئ الوحيد الذى فهمته منها أنه خلال جدالهما الذى استمر ساعات أدى إلى إنفصال والده عن أمه ، الأمر الذى جعل أمه تثور وتضربه بيد المكنسة ، وجرحته مما اضطر الجراح لعمل ثلاث غرز كما كسرت له ثلاثة أضلاع .[/align]
وجدت "آنى" صعوبة في تصور ان هناك الدين يستطيعان أن يمزقا ابنهما ، الأمر الذى جعلها تحس بغصة في فمها . أرادت أن تقول له شيئا ولكن الانفعال منعها . إنها على أية حال ندمت ، لأنها تدخلت في حياته وخصوصيته . إنها لم تفكر إلا في نفسها ، وهى الآن تفهم لماذا غضب غضبا عارما عندما حولت منزله إلى ما يشبه دار الأسرة . إن ذلك لابد أن ذكره بوالديه وحياته كطفل شهيد التعذيب . قالت له وهى تدعو السماء أن تساعدها على إيجاد الكلمات المناسبة :
- إنني نادمة من أعماق قلبى يا "شيز" لأننى خلقت لك كل هذه المشاكل . ولو كنت أعلم لما لمست هذا المنزل أبدا . وعندما تعود سأعيد كل شئ إلى سابق عهده .

قال بصوت شبه رقيق :
- انسى الأمر ! لقد ظننت أنك تفعلين الصواب والخير ، والباقى لا أهمية له . ليس من حقى أن ألومك على شئ يا "آنى" لقد عدت إلى ، لأنه ليس لك أى مكان تذهبين إليه .
حاولت "آنى" أن تتكلم ولكن الكلمات لم ترد الخروج من فمها . إنها لم تكن تتوقع على الإطلاق تعاطفا من جانبه . قالت أخيرا بصوت مرتجف :
- الحق معك . لقد كنت سآتى إليك على أية حال .. أننى لم أستطع أن أنساك يا "شيز" ، لقد وصلت في الوقت الذى فقدت فيه كل شئ ، لقد غامرت بحياتك من أجلى ، وأعتقد أننى وقعت صريعة هواك في الحال أنت تعلم أن ذلك يحدث للفتيات الصغيرات كالصاعقة أمام فارس الأحلام . هل فهمتنى ؟
قال مؤكدا وهو ينظر ثانية لمدخل المنجم :
- إن معظم الفتيات الصغيرات ينتهى بهم الأمر إلى العودة إلى حياتهن الطبيعية ، ويشفين من الحب العارض .
أضافت قائلة :
- المصيبة أننى لم أبرأ من حبك أبدا .
استدار نحوها جأة والتعب باد فى عينيه :
- كفى يا "آنى" ! لا تقولى أشياء سنندم عليها – نحن الاثنين – فيما بعد .
ولكن الآوان فات ، فإن "آنى" لم تعد قادرة على التوقف ، قالت :
- أنا أحبك يا "شيز" ولا أستطيع أن أفعل شيئا حيال هذا الحب .
انتبه "شيز" وهمهم ببضع كلمات من الصعب سماعها ، ولكن "آنى" لم تكن في حجة للإنصات ، لأنها كانت تعرف أنها ارتكبت خطأ آخر ، وأنها تمادت اكثر من اللازم ، وأنها أشعرته بالخوف . أخذت تتأمل في إعجاب ظهره القوى ، وهى تردد اسمه همسا ، وتتمنى عفوه عنها وقد كرهت نفسها لما فعلته ... أليس لديها أى شعور بالكرامة ؟
اتجهت ناحية الأشجار التى ربطا بها جواديهما وعيناها كانت مبللتين بالدموع . لقد أيقنت أن الحياة دائما لا تقدم لها هدايا .
ما إن استردت أنفاسها بطريقة طبيعية حتى سمعت صوت تحطم الأوراق الجافة وراء ظهرها ، وسمعته يناديها :
- "آنى" !

أغمضت عينيها فقالت وهى تتذكر نفس كلماته السابقة :
- لننس هذا ! ليست لدى رغبة في أن اتكلم ولا أن ....
- بحق السماء دعينى أتكلم ، دعينى على الأقل أعتذر . أنا آسف يا "آنى" ، لقد تركت نفسى للغضب وأنا لا أحب المفاجآت . أنا لم أحب ذلك أبدا .... هل فهمتنى ؟
لمس شعرها ... وأكمل :
- لست أدرى ماذا أقول يا "آنى" أنا لا أريد أن أسبب لك المزيد من الضرر بعد الآن . أنا لا أرد أن أستغل الفرصة .
زفرت وهى عاجزة عن منع نشيجها ونحيبها :
- أوه يا "شيز" ! ولكن لماذا إذن ؟ لماذا ؟ تنتهز الفرصة ؟ أنت لا تستطيع أن تؤلمنى إلا الآن .
حدق فيها "شيز" غير مصدق ... تنتهز فرصة ماذا ؟ ما الذى تتحدث عنه ؟ حدثته قائلة :
- قل شيئا يا "شيز" من فضلك .
رفع رأسها حتى يرى وجهها افضل .... كان مثل وجه الملاك البرئ .
- حسنا يا آنسة ... سأفعل شيئا .
سألته في لهفة :
- أحقا ما تقول ؟ ستفعله ؟ أوه يا "شيز" من فضلك ... بسرعة قبل أن تغير رأيك .
قال وهو يقترب منها في حنان :
- أنت فتاة لحوح فعلا .
كان كل منهما يتحرق وقا لأن يعبر للآخر عن مدى حبه ولهفته ورغبته نحو الآخر . قال لها :
- لا يا آنسة ..... ليس بهذه السرعة ... عندما نتصارح بالحب يجب أن يتم ذلك بالطريقة الصحيحة وفى ظروف مواتية ، وليس تحت أى ضغط وانفعال ، لابد أن أخذ كفايتى من الوقت حتى تصبحى ملكى كلية قلبا وقالبا وأن يصبح حبنا جنونا مطبقا .
قالت وهى تتعلق برقبته :
- اعتقد أننى أصبحت فعلا مجنونة بحبك .
أغرقتهما موجة من جنون الحب ونسيا العالم و "جاك لابواز" الذى لو أطل برأسه في تلك اللحظات لتمتع بمنظر العاشقين .
إن "آنى" لم تعد تصدق ما يحدث لها ، لم تكن تتوقع كل هذه السعادة بعد طول المعاناة والمحن التى لاقتها في حياتها والصد والقسوة من "شيز" كلما حاولت أن تقنعه بأنها زوجته الشرعية وحبيبته ، إنها كانت في قرارة نفسها مقتنعة بأنه يحبها بجنون يدفعه إلى تصرفات غير معقولة عكس التصرفات المطلوب أن يفعلها الرجل العاشق ، ولكنها كانت مؤمنة بأن اللحظة ستأتى ليكتشف بنفسه هذه الحقيقة . حقيقة أنه يحبها بجنون ، ويشتهى أن يبادلها الحب كزوجين عاشقين حرما من الحياة الزوجية خمس سنوات طوال .
ولكنها لم تكن تؤمن بأن النتيجة ستكون بهذه السرعة والروعة . إنها مذهولة مما حدث ومذهولة من صدق حدسها من أنه في يوم من الأيام سيظهر لها حبه المجنون .
لقد نسيا – في لحظات الحب – صراعهما وكذبتها عندما أدعت انها عاشت معه حياة زوجية كاملة قبل الحادثة بعد أن زوجهما القس ، ونسيا المهمة الأساسية التى أتيا من أجلها بعد أن قطعا كل هذا الطريق ليقبض "شيز" على "جاك لابواز" في المنجم القديم المهجور أخذت تردد من فرط سعادتها :
- أنا لم أعد أتحمل يا "شيز" إنني أحترق وأموت ، أفعل شيئا لإنقاذى .
قال وهو يربت في حنان على شعرها الأحمر ويحاول ألا يحطم جسدها الهش لو اقترب منها بجسده العملاق الصخرى :
- سأفعل أى شئ لإنقاذك يا حبيتى سأثبت لك مدى حبى .
- أوه يا "شيز" أنت تقتلنى ... إنني لم أعد أتحمل ، إن هذه السعادة تقتلنى !
- إننا لم نصل إلى السعادة بعد ، ولكننا ستصل يا صغيرتى ... نعم نصل لقمة السعادة . ولكن في الوقت المناسب .
منتديات ليلاس
انتهى رأيها إلى أن هذا الرجل خلق ليرضى المرأة ويمتعها ... أقتنعت "آنى" بانها لا يمكن أن تجد السعادة مع أى رجل غير هذا الرجل "شيز بودين " !
تساءلت كيف جاءت عليها لحظات من اليأس وكانت ستتركه ... كيف كانت ستعيش ، وتعرف مثل هذه السعادة السماوية ، ثم إلى أين كان بإمكانها أن تذهب ؟ ليس لديها أى مكان في الدنيا إلا في بيت "شيز" وهى لم تندم لأنه لم يكن لها أى ملجأ آخر ، وإلا لما عرفت السعادة لو هجرته . لقد أرادت الأقدار لها أن تكون بلا مأوى حتى تضطر لأن تتحمل قسوة "شيز" إلى أن يلين ويقع في حبها . سألها وهو في قمة السعادة عندما انهارت كل مقاومته وعناده الرجولى وباح لها بحبه الحقيقى وبحقيقة ما يشعر به نحوها .
- ما رأيك الآن ؟

- إنها أوقات رائعة ... إنها لحظات لن أنساها ، لقد تمكنت السعادة من أن تمحو ذاكرتى كل ألوان العذاب والمحن التى عانيت منها ، ولم تعد لى في الحياة سوى أمل واحد ، ان انهل من بئر الحب إلى أن أرتوى ... ولن أرتوى على ما أظن ... نعم إنني أحب ما أعيشه الآن معك .
- لقد مضى أسوأ ما يمكن أن يحدث لك في حياتك ، والآن حان الوقت لتلتئم جراحك .
كان دافئ الكلام والنفس ، والوصت يصدر من أعماق قلبه :
- أعتقد أننا وصلنا إلى قمة السعادة يا عروستى ، لقد أدركت ذلك وعرفت كم هو رائع ان يحب الانسان ويتلقى الحب .
أحست "آنى" بأنها ارتوت من نهر الحب ، وأحست بالرضا عن حياتها . وأحست بالضعف الشديد بعد كا ما بذلته من جهد ، ومن طول الأمل والذى نحقق أخيرا ، قالت له معترفة :
- لقد كنت راعئا في اعترافك بالحب . ولم أكن أظن أنك رقيق العواطف إلى هذه الدرجة .
- وأنت رقيقة وفاتنة يا "آنى ويلز

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:20 AM

الفصل العاشر


كانت "آنى" نائمة ... لقد مرت ساعات طويلة منذ أن اعترف لها "شيز" بحبه . وعبر لها عن عواطفه الحقيقية نحوها ..
بدأ "شيز" يلاحظ تباشير الفجر خلف التلال ، لم يغمض عينيه طوال الليل ن ولم تكن إثارته وقلق يدوران حول "جاك لابواز" ، إن السارق لم يظهر له وجه حتى الآن ، لقد انخدع "شيز" ولكن لا أهمية لهذا على الإطلاق .
إن أمامه الآن مشكلة أكثر حدة وألما ... امرأة حمراء الشعر ترتب على يد الأخوات الصالحات في الدير في كوستاريكا ، أصبحت الآن امرأته . كان يعرف أن تبادل الحب معها سيغير كل شئ وقد فعل .

ظل على مر الساعات يجتر تبعات عمله ، الذى اندفع دون شك فيه بدافع العاطفة . انه لم يتماسك . كان كل شئ يدفعه للاستسلام لغريزته واحاسيسه الداخلية . ولكن ما معني ذلك ؟
حتى لو أقنع نسه بأن اعترافه بالحب وتبادله معها كان وليد لحظة من السعادة المشتركة إلا أنه كان يعرف تماما انها ترى الامور غير ما يراها , انها تحبه بصدق وعنف وليست على استعداد لان تتنازل عن حبها بعد ما حدث .
لاشك في انها في هذه اللحظات تحلم بثوب الزفاف .
وشهر العسل ولاشك في انها تحلم ايضا بأن تنجب له العديد من الاطفال.
خرج "شيز" من كيس النوم الخاص به , واخذ يسير على قدمين حافيتين حتى قمة التل وهو يلقى في طريقه نظرة على المنجم المهجور . فكر في الارتباط والزواج والاطفال وكلها امور مترابطة .
ولكن "شيز" لايريد ارتباطات من أي نوع . لقد كان والداه مرتبطين بالزواج .
وربما كان الحب يربطهما في البداية ثم حلت محل ذلك الكراهية والحقد . لقد رأي بنفسه كيف تدهورت علاقتهما واصبحت غير طبيعية وانتهى الامر بأن خنقا كل ما كان جميلا بينهما .
وإذا كان قد أقسم على شئ ما فهو انه لن يرتبط ابدا بأي شخص , لانه في الارتباط العاطفي دائما يوجد شخص يتعذب .
اصبحت كل مشكلته الان هي اقناع "آني" وحسب ما يعرفه عنها فإنها سترفض دون شك .
ان تعتقد انها لم تقع على شخص يشاركها حياتها . كانت تعتقد في ذهنها تماما انها لن تستطيع الوصول الى أي شئ بقليل من الصبر . لاشك ان كل الاقوال الحكيمة التى كانت تعرفها أخرجتها من الكثير من المأزق .
وهو ليس الشخص الذى يريد ان يحطم أوهامها بعد العاطفة والرعد والبرق ..
ارتجف وهو يأمل ان تكون رجفته من البرد وهو يعلم جيدا ان البرد ليس السبب . انه كان يرتجف دائما من تلك الاماكن المفتوحة التى تنمي الامل لدي الناس .. انها تعد المرء بأن يري "قوس قزح" ولكن ذلك لا يتحقق ابدا .
- ما الذى تفعله يا "شيز" ؟
منتديات ليلاس
استدار "شيز" ليس في الحال وانما ببطء. لم تكن لديه أية رغبة في ان تقرأ افكاره . ان ما تنتظره منه مستحيل ان يتحقق .
تصلب فكه وهو يتساءل : ما الذى يمكنه ان يقوله لها حقا ,
ولكنه لم يجد الوقت الكافي ليعثر على الكلمات . لانه سرعان ما وجدها الى جواره .
سألته وهي لاهثة الانفاس :
- ماذا هناك يا "شيز" ؟ هل هو اللص ؟
هز رأسه نفيا دون ان ينظر اليها .
- إذن ما الذي لايسير على ما يرام ؟
- كومة من الاشياء يا "آني" ..
كومة من الاشياء.
استدار نحوها وهو يستعد لأن يقدم لها جرعة تمهيديه للجرح الذى سيسببه لها . فكر في اليأس .. لابد ان يضفي اليأس على عينيه .. فجأة اصبح جمالها فاتنا . سألته :
- هل انت نادم لانك اعترفت بحبي ؟
- "آني"...

تعثرت الكلمات في فمه . انه يعرف ان كلماته لن تضئ عينيها ولكنه نطقها على اية حال .
- سأبذل كل ما في طاقتي لتعثري علي جنسيتك الأمريكية إذا كان هذا ما تريدينه . إن لى اتصالات . بل إنني على استعداد لأن أقسم علي ذلك لو اقتضي الامر ذلك .
- تقسم ؟
- سأطلب من مساعدي ان يشهدا على ذلك .

- ولكننا متزوجان يا "شيز" ! فلماذا تريد أن تقسم ؟
أشاح بعينيه حتى لا يراها مجروحة وقال :
- إن هذا لن ينجح يا "آني"
- ما الذى لن ينجح ؟ نحن ؟

ثم خفضت من صوتها واستطردت :
- إذا أردت التراجع فلا بأس .. إن الامور يمكن ان تسير .. بعد القليل الذى منحته لي .
- يا إلهي ! الا تحاولين ان تفهمي ؟
أنا لا اجد أي رغبة في الزواج وليست لدي نية للزواج على الاطلاق . ليس معك ولا مع أي امرأة اخري . ليست لدي أي رغبة في المرأة ولا أي ستائر صفراء في المطبخ !
بدلا من ان يري الدموع في عينيها رأي تعبيرا لم يسبق له ان عرفه ابدا من قبل
. كانت تحدجه في ذهول وغير تصديق . وكأنها في حضور وحش خرافي .
- هل تعتبر حبي لك قليلا ؟ واننى كنت عاشقة لك منذ لقائنا الاول في "كوستاريكا" ؟ أليس لكل هذا أي اهمية ؟
- بل له كل الاهمية يا "آني" .. وكيف تشكين في ذلك ؟ ولهذا السبب يجب قطع العلاقة في الحال . أنا لا استطيع ان ادعك تعتقدين ان هناك مستقبلا أمامنا معا .
لقد حان الوقت للانتهاء من ذلك .
قالت له وقد اصبح صوتها بعيدا فجأة وكأنها تتحدث مع نفسها :
- يمكننا الا نظل متزوجين , يمكننا الطلاق بعد الاعتراف بجنسيتي الامريكية .
استدار نحوها :
- ولكن يا "آني" إن الزواج الذى تم في "كوستاريكا" كان الملجأ الحتمي الاجباري ,
لإنه لم يكن هناك أي حل اخر .. وحتى إن كان الزواج قد تم فإنه لا قيمة له , وحتي إن كانت له قيمة فلابد من إلغائه .
ترنحت "آني" كان الحصى يمزق قدميها الحافيتين . ولكن الالم لم يكن يقارن بالحقيقة البشعة التى ألقى بها في وجهها .
انه لا يحبها , لقد غامر بحياته لينقذها بل إنه تزوجها ولكنه لم يحبها ابدا وهو لن يحبها على الإطلاق .
كانت العاصفة تعتمل بشدة في رأسها ,
لقد تصورت ملايين الطرق لتقول له : إنه ليس سوي إنسان أناني قذر وفاسد , وانه محروم من كل ما هو طيب في الحياة , ولكن نظراته الشاردة الغائبة كانت تعني أن كل ما ستقوله لن يغير من الامور شيئا .
وانغلق الباب ربما كانت على حق قبل كل شئ . إنه غير قادر على الحب , الامر بالنسبة لها في هذه الساعة سيان ولم يعد لها سوي رغبة واحدة وهي الابتعاد عنه . لقد كان وجوده مؤلما لها جدا .
ومجرد فكرة انه يمكن ان يساعدها اصبحت ممقوتة وكريهة . ولكنها ستهتم بذلك فيما بعد .
حاليا إنها في حاجة للابتعاد عنه . قالت في تلعثم :
- أنا يا "شيز"
أسكتها "شيز" بحركة من يده .
اختنقت الكلمات في حلقها عندما فهمت أنه لا يريد منها ان تصمت عن عمد عندما همس وهو يميل نحو بئر المنجم :
- هناك شخص ما .. لا استطيع ان أراه ولكن لابد انه "جاك لابواز"
- أنا يا "شيز"

- صه .. ليس الآن . ليس هذا من الحكمة والحرص ربما كان مسلحا .[/align]
__________________
جذبها نحوه . اغمضت "آني" عينيها , انها لا تصدق انها ملتصقة به . ولكنها تحررت بعنف منه رافضة الاستسلام لمشاعرها .
- أرجوك يا "آني" لاترتكبي حماقات . ابقى هنا طالما لا اعرف من هو تحت فإننا لن نكون في أمان أنا وأنت .
اخرج سلاحه أمام انظار "آني" وما إن اختفى حتى تملك الخوف "آني" . ما الذى سيحدث لو وقع له حادث ما ؟ إنه يخاطر بأن يصاب .
اهتز كل جسدها من الارتجاف والنشيج . انه يلقى بها كورقة مهملة . والان يطلب منها ان تنتظره دون أن تقوم بأي حركة ! لايمكن ان تقبل ذلك لايوجد امرأة تصاب بالمرض خوفا وقلقا على رجل انتزع قلبها لتوه . لايجب علي أية حال ان تبالغ في انفعالها ! من يظنها ؟

إنها قبل كل شئ تريد أن تنطلق بعيدا عنه .. حلت رباط الجواد وانطلقت في طريقها .
# # #
عندما شاهدت "آني" البيت . لم تستطع ان تمنع دموعها من الانهمار فوق خديها في حين انها شعرت بالارتياح والخلاص . كان أول شئ تنوي ان تفعله هو ان تأخذ حماما طويلا وساخنا ليعيد إليها نشاطها . ربما ستعيد التفكير بعد ذلك فيما ستفعله في بقية حياتها .

ولكنها ما إن دفعت الباب لتتحه حتى أحست بان هناك شيئا ما مريبا قد حدث ، ورغم الصمت التام الذى ران على المكان ، هناك شئ ما يقول لها : إنها ليست بمفردها . ارتجفت وتحشرج صوتها في حلقها وهى تسأل في قلق وخوف :
- هل هناك أحد هنا ؟ من هناك ؟
- كنت سأطرح عليك هذا السؤال ؟

كان صوت الرجل خشنا وقاسيا للغاية . حتى إن فرائصها ارتعدت واحست بالثلج يسرى في أوصالها حتى النخاع ، استدارت ولمحت شبح الدخيل الغامض وسط العتمة ، لقد كان في مثل ضخامة "شيز" . لقد كانت له هيئة حيوان كبير الحجم ، أو إنسان لم يعرف المدنية وكأنه عاش حياته كلها في الأحراش . قال لها الرجل بلهجته الفظة :
- أين هو "شيز بودين" ؟ وماذا تفعلين هنا ؟
فهمت "آنى" في الحال . أنه اللص الذى يطارده الجميع "جاك لابواز" ردت عليه بعد فترة . وهى تحاول أن تكتسب وقتا :
- "شيز" ليس هنا .
رأت نفسها الآن رهينة . سألها الرجل :
- اين هو ؟
قالت بهدوء مصطنع :
- لست أدرى . لقد رحل ... هذا كل ما أعرفه وهو لن يعود قبل عدة أيام على ما أظن .
ألقت نظرة على الحجرة فسألها الهارب وهو يشير إلى الباب :
- هل هناك احد آخر ؟
ردت عليه "آنى" بصوت ثابت أملاه عليها الخطر المحدق بها . وقد أقتنعت بأن هذه هى الطريقة الوحيدة التى تواجه بها هذا الوحش .
- لا ... لا يوجد أحد .
حدجها الرجل طويلا في قسوة لا تطاق . ثم دفعها نحو الحجرة قائلا بلهجة آمرة :
- هيا لنتحقق ... أنت أولا .
كررت عليه :
- لا يوجد أحد .... لقد رحل .

سألها – وقد لمح الباب السرى داخل الحجرة :
- ما هذا ؟
- لا شئ ... إنه باب خلفى .
- افتحيه !
دخلت "آنى" النفق والرجل يسير خلفها خطوة بخطوة دون أن ينطق بكلمة ، وعندما وصلا إلى الكهف أطلقت صرخة ، وانتهزت تأثير المفاجأة عليه لتدفعه داخل النفق ، سمعته وهو يتحسس طريقه وقد ركع على ركبتبه ثم تبع ذلك صوت سقوطه في الهوة . أعادت إضاءة الكشاف الذى يعمل بالبطارية الذى سبق أن استخدمه "شيز" عندما حاول إنقاذها ، ثم اقتربت من قتحة الهوة بكل حذر .
كان المنظر الذى رأته مثيرا للضحك الشديد . جلس ضحيتها وسط الطين وهو يدعك ركبتيه وقد بدا مثل قط متوحش أو فهد مفترس . سألته – وهى تكتم ضحكتها :
- من أنت ؟ " جاك لابواز " ؟
ضاقت عيناه ونظر إليها ، وقد خف رعبه بعض الشئ وقال :
- عادة ما يكون حظى أفضل ، ولكن لا ... لست "لابواز" الذى تدعينه أنا "جونى ستارهوك" صديق قديم لـ "شيز" .
- تقول من أنت ؟
وقعت "آنى" تحت تأثير الصدمة ... إن هذا مستحيل لقد رأته في "كوستاريكا " وكان يبدو عليه أنه من أصل هندى أمريكى ، وقال عنه "شيز" إنه محام مشهور .
وجهت الكشاف الضوئى نحو وجهه . مرت بذهنها فكرة كريهة وفكرت ، وهى تبتسم : يا له من حيوان فاخر ، ولسوء الحظ أنها عاشقة لرجل آخر . بدأت "آنى" تشرح وهى تتلعثم :
- ربما كان على أن أقدم لك تفسيرات . ألا أذكرك بشئ ما ؟
وجهت كشاف الاضاءة نحو وجهها فقال لها :
- لو أخرجتينى من هذا الجحر فإننى سأكون في حالة أفضل تسمح لى بإدراك من أنت .
منتديات ليلاس
- إن "شيز" لديه سلم من الحبال ، ولكنى لا أعرف حقا أين وضعه .
- اللعنة ... يا لسوء الحظ ... أتقولين إنه سبق لنا أن التقينا .
- نعم ... في "كوستاريكا" وأستطيع أن اخبرك كيف تم ذلك .

- هيا قصى .
# # # # #
عندما انتهت "آنى" من حكايتها نهض "جونى" واقفا على قدميه . كان موزعا بين الشعور بعدم التصديق لما يسمعه ، والشعور بالسعادة . سألته – وهى تشعر بالاحباط وخيبة الأمل :
- أنت لا تتذكرنى ... أليس كذلك ؟

- إن لدى إحساسا بأننى أمام شخص عاد إلى الحياة بعد الموت . إذن أنت تلك الصبية التى تزوجها "شيز" ؟ "آنى" .... هل هذا كان اسمك ؟
لم تستطع "آنى" أن تمنع دموعها الغزيرة من الانسياب فوق وجنتيها . إن هذا الرجل الضخم الجثة الذى لا يقل قوة ولا ملاحة عن "شيز بودين" ، والمحاصر الآن في هوة من الطين هو أول شخص يتعرف عليها ويعترف بصحة زواجها من "شيز" بل لقد قال اسمها . قالت من بين نشيجها :
- نعم ... إنها أنا "آنى ويلز" ! سامحنى ! لقد خشيت ألا تتذكر ، إن كل الناس نسونى . لقد أعتقد "شيز" أننى مت من سنوات .
- لابد أن الخبر نزل عليه نزول الصاعقة .
- آه ... عليك أن تقول هذا فعلا .
اطلقت "آنى" زفرة طويلة ثم قالت له :
- ولكن "شيز" لا يتذكرنى ولا يتذكر ما حدث بيننا .. . إنه يريد إلغاء عقد زواجنا .
- وأنت لا تريدين ذلك ... أليس كذلك ؟
قالت معترفة – وقد زاد نشيجها قوة :
- انا أحبه ... أعتقد أن هذا واضح ، أليس كذلك ؟
- بلى هذا واضح يا "آنى" . في كل مرة تنطقين فيها اسمه يظن المرء أنك تتلين صلاة ... هيا احكى لى ما الذى حدث .
انطلقت "آنى" في سرد حكايتها الحزينة وأنهت الحكاية أمام نظرات "جونى" المذهولة قائلة :
- أنا كارثة حقيقية ... هذا ما يقوله هو .
قال "جونى" – وهو يتساءل في نفسه كيف يمكن لرجل أن يقاوم هذه المرأة الطفلة ، والألم الذى يقرؤه في عينيها الزرقاوين :
- إنني لن أضع يدى في النار لو كنت مكانه ما دام مقتنعا بأنك كارثة حقيقية ، ولكن لابد أنه مجنون إذا رفض نعمة حبك وسيكون له معى حديث طويل .
نظرت إليه في دهشة :
- ماذا تقصد ؟

- انا لا أعدك بشئ ولكن لدى خطة صغيرة في رأسى أحتفظ بها لنفسى ؟
( نهاية الفصل العاشر )

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:23 AM

الفصل الحادى عشر


- حركة واحدة وتصبح رجلا ميتا .
ألقى "شيز" نظرة من فوق كتفه ثم تردد فترة قبل أن يجيب :
- انت لم تكن أبدا قناصا ماهرا يا "جاك" .

- الق بسوطك أرضا يا "شيز بودين" !
فتح "شيز" يده وترك السوط ينزلق للأرض . سأله "جاك لابواز" :
- كيف خمنت ان لدى مخبأ في المنجم القديم ؟

- إنه الإلهام يا "جاك" .... الإلهام !أتعرف ما هو ؟ ثم إنني تذكرت المرة الأخيرة التى وضعت فيها يدى عليك أنك كنت مغطى بالطين ، واستنتجت من ذلك أنك كنت تحفر بئرا عميقة في الأرض ، وأنك كنت تبحث عن شئ ما ، وأنك ستعود مرة ثانية إلى نفس المكان إذا أتيحت لك فرصة الهرب ... إن هذا هو الذكاء يا "جاك" وأنت طبعا محروم من الذكاء لأنك تجسد الغباء الشديد وكل الناس يعرفون ذلك فيما عداك أنت لأنك تظن نفسك ماكرا وذكيا .
- أنت ماكر جدا يا "شيز" ولهذا السبب على أن أفعل شيئا أشعر بالندم عليه من الآن . سأضع رصاصة في مخك ، فقد يهدئ ذلك من ذكائك بعض الشئ .

ربما كان "جاك" محدود الذكاء حقا ، ولكن لن يتردد لحظة فى ارتكاب جريمة قتل بأعصاب باردة ، باعتباره مجرما بالطبيعة . والجميع يعلمون ذلك بما فيهم "شيز" طبعا .

- هل تعلم ماذا ينتظرك يا "جاك" لو أنك أضفت جريمة القتل إلى خطاياك التى لا تعد ولا تحصى ؟
- هذا يعتمد على وجهة النظر الخاصة بكل منا ، ليست لدى أى نية فى أن يتم القبض على هل فهمت ؟ لقد بدأ الكيل يطفح بى .
منتديات ليلاس
فجأة أحس "شيز" بعدم رغبته على الاطلاق فى أم يموت وأنه يريد أن يستمر متمتعا بالحياة ... لقد كان المستقبل ممهدا أمامه تماما ... وقدره الذى ينتظره فى البيت اسمه "آنى" !
"آنى" ؟ هل بسببها يريد أن يستمر على قيد الحياة ؟ من أجل تلك المرأة التى حولت حياته إلى جحيم ؟ المرأة التى تجرى المصائب والكوارث فى دمائها ، ولا تتنفس إلا المحن والمشاكل ؟ ولكن عليه أن يقنع نفسه بالعكس ، وان يتقبلها رغم ان كل ما فيها يدعوه الى كرهها .
إن كل شئ يقوده الآن الى مصيره المحتوم معها . ربما كانت "آنى ويلز" لا تحتمل ، ولكنه لا يتحمل ابدا فكرة ألا يراها مرة ثانية .
قال "جاك لابواز" فى ضجر :
- هل تسمعنى يا "شيز بودين " ؟

احس "شيز" بماسورة المدفع الرشاش فى عنقه . إنه فى لمح البصر يمكن أن يسقط صريعا على الأرض . حتى قبل أن يفتح فمه . فجأة سقط على الأرض والتقط سوطه ، ولفه حول ساقى "جاك" الذى فقد توازنه ، وانهار مثل قطعة خشب أفسدها السوس ، صاح فى لهجة انتصار :
- هذا هو العمل الحق يا "جاك" ، يجب أن أحطمك قطعا ... يجب أن أفرغ بندقيتك فى رأسك الخاوى ، ولكن الرجل الذى أمامك يا "جاك" أمامه المستقبل كله ، وهذا هو السبب الوحيد الذى يدفعنى لأن أبقى على حياتك التى لا تساوى شيئا .
# # # #
- أين أنت يا "آنى" .

لقد اختفى جوادى ... ربما عادت إلى البيت أو أنها تاهت وسط التلال .
بدأ "شيز" رحلته و "شادو" فى أعقابه .
فى المنزل لم يعثر "شيز" على أى أثر لها ، جره "شادو" إلى حجرته . صاح "شيز" فى هلع وهو يرى باب الحجرة السرى مفتوحا لا يمكن أن يحدث الأمر مرتين .... ألم تسمع تلك المرأة الرهيبة المثل الذى يقول : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .
ذهب يبحث عن كشاف ضوء يعمل بالبطارية فى المطبخ ، ثم توغل فى النفق ، صاح ، وهو يقترب من الهوة :
- "آنى" هل أنت بخير !
عندما وجه ضوء الكشاف نحوها وجدها تبتسم ابتسامة عريضة وقالت :
- "شيز" ؟ هل عدت ؟ ... متى عدت ؟ أنا و "جونى" كنا فقط ....
ثم أضافت بعد لحظات من التوقف :
- هل أنت بخير ؟

تردد لحظات قبل أن يفهم ماذا تعنى ، سألها :
- " جونى " ؟ "جونى" من ؟
- أنا هنا أيها العجوز !

- "ستارهوك" !
أوشك الكشاف الضوئى أن يفلت من يد "شيز" ، وهو يحاول البحث عن وجه صديقه القديم .
- "ستارهوك" ؟ ولكن ما الذى تصنعه عندك ؟ ومعها ؟
شرحت "آنى" :
- لقد سقط فى الهوة .... إن الأمر يطول شرحه . ولكنى أردت ان اساعده وأخرجه من الهوة فسقطت بدورى .
قاطعها "شيز" قائلا :
- دقيقة واحدة ... سأذهب لأحصل على السلم المصنوع من الجبال .
رد عليه "جونى" :
- الأمر لا يستدعى العجلة ، لقد اكتشفنا أنا و "آنى" أن بيننا أمورا كثيرة مشتركة .
سأله "شيز" فى ارتياب :
- ماذا يعنى هذا الذى تقوله ؟
- لا داعى للثورة ... إنها تحب الطعام الملئ بالتوابل . وأنا كذلك . هذا كل ما هناك .
- هل أنت واثق بأن هذا كل ما هناك ؟
- آه ... نعم ... إننا نحب أيضا أفلام الغرب ورعاة البقر .... أليس هذا صحيحا يا "آنى" ، ثم ....
- ثم ماذا ؟
صاحت "آنى" :
- "شيز" هل قررت أن تخرجنا من هنا أم لا ؟

- ليس قبل أن أحصل على الاجابة ... وماذا بعد ؟
- هل انت واثق بأنك تريد الإجابة يا "بودين" ؟
- هيا انطقها يا "ستارهوك "

- حسنا يا راعى البقر ، لقد جلبته على نفسك ، ان صغيرتك "آنى" تعشق الهنود الحمر ، إن الآنسة المحترمة لديها ذوق رائع حقا . وإذا لم تتزوجها فإننى سأفعل ، هل رأيت عينيها ؟ إنهما مذهلتان ! لم يسبق لى أن رأيت عينين فى مثل زرقتهما .
- لا تتعب نفسك فقد لاحظت ذلك بنفسى ، ولكن أعتقد أنك نسيت شيئا يا "جونى" .
كان يتحدث بصوت معسول ماكر :
- إننا متزوجان فعلا .

لم يستطع "ستارهوك " أن يخفى ابتسامته العريضة التى ملأت وجهه ، قال :
- هل نسيت أننى محام ؟ لقد قمت بإلغاء العديد من الزيجات .
- لقد فات الأوان أيها العجوز ... لقد تم زواجنا رسميا بالأمس .
صاحت "آنى" :
- "شيز" ! ألا تعتبر أن الأمر بيننا شخصى جدا ؟ هيا أخرجنا من هنا !
ذهب "شيز" لإحضار السلم المصنوع من الحبال ، ولكن ما إن أتم عملية إخراجهما من الحفرة بعد جهد حتى أراد ان يستأنف حديثه مع صديقه القديم "جونى" ، ومساعده السابق ، قال "جونى" له :
- انت متزوج ؟ كم أحب أن أرى ذلك يحدث ، انت عاجز على أن تسعد اى امرأة .
حبست "آنى" أنفاسها ، لقد شاهدته يقتل رجلا فى "كوستاريكا" ولكنها لم تره أبدا وقد امتلأت نظراته بكل هذه الكراهية ، أصابها الهلع وارتجفت وصاحت :
- لا ! .... هذا يكفى ... أنتما الاثنان ! أنا لن أتزوج أيا منكما ... أليس هذا واضحا ؟
# # # #
فتح "شيز" الباب وخرج وقد تبعه "جونى" خطوة بخطوة . سألته "آنى" :
- هاى ! أين أنت ذاهب ؟
- سأجرى رهانا مع هذا الخبيث لأحدد مصيره .
- حسنا جدا ... سآتى معكما .... ربما تحتاجان إلى يد المساعدة .
قهقه الرجلان عاليا وكل منهما يضرب الآخر على ظهره .
تضايقت "آنى" وعادت إلى البيت . وشاهدت سوط "شيز" فى أحد الأركان ، وتساءلت إن كان أحد قد استعمله معه . صاحت تناديه :
- "شيز" !
رد عليها وقد لمح السوط فى يدها :
- "آنى" ؟ ما الذى تصنعينه ؟
قالت – وهى تحرك السوط فى كل اتجاه – "
- سأفعل ما يجب أن أفعله . لا تتحرك يا راعى البقر ! أنت لن تذهب إلى أى مكان بدونى .
أخذت تلوح بالسوط وكان لديها نية استعماله . قال "جونى" بصوت ممطوط :
- يبدو انها جادة .
- كونى عاقلة يا "آنى" ... إن تحت يدى لص ماشية تعود على الهروب .
- لا ... إن عندك زوجة وهى موجودة هنا . إن اصك الخبيث يمكنه ان ينتظر .
تدخل مساعده "جونى" قائلا ... وقد أصابه الهلع :
- "بودين" ! أنت لم تقل لى إنها تستطيع استخدام السوط ! إننى أنهار .
لم تدع "آنى" نفسها تنخدع بالمجاملة الصادرة من مساعد "شيز" وصديقه العجوز ، استدارت نحو "جونى" وقالت له – بصوت رقيق ولكنه حازم :
- كم هو رائع أن ألقاك بعد كل تلك السنوات . ولكن أرجوك أن تتركنا ... هل هذا ممكن ؟ إن لدينا أنا و "ششز" كلمتين نتبادلهما .
ابتسم "شيز" بدت مثل " كلامتى جينى" الشهيرة فى أحد أيامها العصبية مزاجها العكر .
قال لها أخيرا وهو يهم بالخطو نحوها :
- ضعى هذا جانبا يا "آنى" فقد تتسببين فى إصابة أحد .

لم تعطه الفرصة ليكمل عبارته وطرقعت السوط فانتزعت قبعته العريضة الخاصة برعاة البقر .
همهم "جونى" :
- اللعنة !
ظل "شيز" مسمرا فى مكانه ، كان من الممكن أن تتسبب فى خلع إحدى عينيه ! كان يصارع ثورة من الغضب العارم التى انطلقت بداخله ولكن الأمر كان أقوى منه .... لقد بدت فاتنة ، إنه لم يسببق له ان رأى امرأة فى جاذبيتها وأنوثتها العارمة .
قال "شيز" موجها الحديث لمساعده القديم :
- هل يمكنك أن تعنى بـ "جاك لابواز " إن أمامى امرأة فى حاجة إلى .
همهم "جونى" ... وهو يصعد إلى سيارته :
- حسنا ! حسنا ! سأذهب إلى الفندق ، وإذا احتجت إلى فما عليك إلا ان تشير .
ثم استدار نحو "آنى" وقال :
- كونى لطيفة معه يا "آنى" فهو على أية حال زوجك المسكين .
ابتعدت السيارة "البيك آب" القديمة الخاصة بـ "شيز" وقد أثارت عاصفة من الغبار العالى والكثيف ، قالت "آنى" لـ "شيز" :
- إننى أمنعك من الاقتراب ما دمت لم تجب على سؤالى .
- ولكن يا "آنى" انت تعرفين جيدا أننى لا أهتم باللصوص ! وأنت تعرفين أيضا أنك الشئ الوحيد المهم عندى يا ملاكى ، إن رغبتى الوحيدة هى أن أسعدك .
- كف يا "شيز" أرجوك .......... أرجوك . إننى أنتظر تفسيرا ، أريد أن أعرف لماذا ذهبت وقصصت كل شئ على "جونى" ... إننا متزوجان وإننا عشنا حياة زوجية كاملة .
- حسنا جدا ... نحن متزوجان .

عندما أدرك ما يزعجها اتسعت ابتسامته :
- انت تعرفين جيدا أن حبنا اكتمل الليلة الماضية ، وأننى لن أنساها أبد الدهر يا "آنى" .
كان يحاول إثارتها ، وذكرها بكل اللحظات السعيدة فى الليلة الماضية . أول ليلة حب حقيقى فى حياتهما الزوجية . كانت تحس بقسوته رغم رقة كلامه .
سألته بصوت حازم :
- اشرح لى يا "بودين" ؟ فى الليلة الماضية لم تكن تريد أن تسمع شيئا عن الزواج والأمومة والستائر الصفراء على نوافذ المطبخ ... هل تذكر هذا أم نسيته ؟
أخذ "شيز" نفسا عميقا حتى يحتفظ بسيطرته على الموقف ثم قال :
- لقد قلت : إننى أحترم الزواج إذا كان هذا ما تريدين وسأذهب إلى مكتب الهجرة وأقول لهم إننى تزوجتك فى "أمريكا الوسطى" . زواج رسمى يا "آنى" أنت زوجتى شرعا ، إنه أمر شرعى ورسمى .
- اسمع يا "شيز " إننى لا أنتظر منك تضحيات . لقد كان باستطاعتى أن أقبل هذا العرض فى أول ليلة ، ولكننى لا أريد ذلك الآن . لقد حدثت أمور كثيرة من وقتها .
كان "شيز" موزعا بين الضحك والدموع من سخرية الموقف الكبير . لقد وقع فى الليلة الماضية أولا تحت تأثير الحب وثانيا لأنه كان قد أوشك على الموت .
لقد انفتح قلبه لها ، لأنه تعلم كيف يعرفها على حقيقتها . قال لها بعد صمت طويل كان خلاله شاردا :
- أنا لا أضحى بشئ يا "آنى" .... لا شئ على الاطلاق نحن متزوجان وهذا بالضبط ما أتمناه .
منتديات ليلاس
- أنت ؟ ولماذا ؟
هذا هو السؤال ! لقد كان هو و "آنى" طرفين متضادين ولكنه كان تعلم أن يخسر المعركة ليربح الحرب كلها فى النهاية . لقد تعلم حب المرأة .
قال لها :
- أنا أجد صعوبة فى العثور على الكلمات المناسبة للتعبير عما يدور فى روحى . أعلم أن المرأة تحب أن تسمع من فم الرجل أنه مجنون بحبها ، وأنه لا يستطيع الحياة بدونها . كل ذلك صحيح فى حالتى ، ولكن ليس هذا هو السبب الحقيقى . إن الأمر أكثر بساطة جدا . وليس شاعريا .
أطلق زفرة قوية وهو يحاول ان يعثر على الكلام ، ليعرف شيئا لا يجد له تعريفا ، ثم استانف قائلا :
- إننى أحس بأننى أفضل وأنا بجوارك يا "آنى" يا ملاكى ... هذا كل ما هناك . اعرف أن من الصعب تصديق ذلك عندما أتذكر كيف كان تصرفى فى الايام الماضية ، ولكن الأمر هكذا ببساطة ... أنا لم يسبق لى أبدا أن أحسست بما أحسه الآن معك .
تقطع صوته ، صاحت "آنى" فى لهفة :
- "شيز" !
- انا أحبك يا "آنى"
ولكن "آنى" كانت تحت تأثير صدمة رهيبة ، وقد فقدت توازنها ، لا تستطيع أن تأتى بأى حركة أو تنطق بكلمة . كان لديها شعور بأن شعاعا يفصل بينهما ، ومع ذلك هما قريبان من بعضهما بعضا بشدة .
لقد انتظرت وقتا طويلا حتى إنها وصلت إلى حالة جعلتها لا تصدق ما حدث . قال لها – وهو يمد لها يده :
- تعالى يا "آنى" .
غشيت الدموع عينيها أمام نبرة صوته الدافئة . انها ستكون له ... ليس أمامها أى خيار ، لم يعد هناك أى شئ يمكن أن يفرق بينهما ، إنه يمتلكها روحا وجسدا .
زفرت وهى فريسة خوف لا مبرر له ولا تعرف له تفسيرا :
- يا الهى ! أوه يا "شيز" !
كانت مشلولة وكأنها مسمرة فى مكانها ، ودت لو طارت إليه ولكن ساقيها ثقلتا وكان وزنهما اطنان ولم تطاوعاها . جأة أحست به قريب منها . ألقت ذراعيها حول عنقه ، وهى تهمس فى نفسها :
- لقد اتى إلى ... لقد اتى إلى بمحض ارادته .
قال لها بحنان :
- هل ترغبين فى أن تصبحى زوجتى يا "آنى" ؟ هل تريدين الزواج بى ؟ مرة ثانية ؟

سفيرة الاحزان 08-09-10 11:24 AM

الفصل الثاني عشر



كان الوقت صيفا والجو حارا والشمس ساطعة . كان الوقت المناسب للاحتفال بالطبيعة على ضفة النهر , أو زواج الرجل من حلم حياته .. اختارت "آني" الحل الثاني وهو الزواج من حلم حياتها...
لم يسبق لها أبدا ان كانت فى مثل هذا الجمال . كان ثوب الزفاف مصنوعا من الحرير الأبيض , فاظهر جمال رقبتها العاجية وكتفيها المستديرتين وبشرتها في بياض اللبن ونعومته .

كانت مشرقة كالشمس الساطعة تشع ضوءا وبهاء قيما حولها , وتضفى جوا من المرح والسعادة على كل شئ . توجت شعرها بإكليل من زهور السوسن الطبيعية البرية , كان شعرها بلون النحاس مما أعطاها صورة الجنية في الأساطير .
وكان "شيز" قد اختار سترة من جلد "الشامواه" مفصلة على طراز ملابس رعاة البقر وقد اشتري لهذه المناسبة قبعة رعاة بقر عريضة الحافة سوداء . ألقت ظلا على عينيه . وفى الجمع الصغير الذى احتشد بمناسبة الزفاف , ألقت العديد من النساء نظرات إعجاب صريحة وهو واقف أمام القس في انتظار وصول عروسه .
سرى همس وسط الجمع عندما تقدمت "آني" لتنضم إلى "شيز".
وكان "جوني ستارهوك" الذى اتخذه "شيز" شاهدا على عقد الزواج قد عقد شعره الطويل الأسود على عنقه , واتخذ مظهرا رسميا عندما بدأت مراسم الزواج , وكان "شادو" قد اتخذ مكانه بجواره , واخذ يهز ذيله . كان انسياب المياه فى النهر يشكل خلفية للاحتفال المقتضب . اعلنهما القس زوجا وزوجة , ودعاهما لأن يعلنا زواجهما بقبلة .
وعن بعد سمع صوت هدير ملح وقوي وكأنه هدير محركات سيارات تقترب .
عندما التفت "شيز" و"آني" الى الجمع زادت الضجة قوة وتحديدا . إنه نوع من الهدير المنتظم وكأنه صوت سراب من طائرات الهيلوكوبتر . بدأت الارض تهتز أمام دهشة الجميع ثم ظهرت على طول ضفة النهر دراجة بخارية ضخمة .
تساءل أحد الحاضرين وقد بدا غير مطمئن أمام الموتوسيكل الهارلي الأسود الذى اندفع نحو الجمع :
- من يكون هذا ؟
منتديات ليلاس
بدا سائق الدراجة البخارية اكثر تهديدا من الدراجة نفسها ذات المحرك الجهنمي .
ترك الرجل الطريق واخترق البراري . ثم وقف على بعد خطوات من الجمهور المذهول . ما إن وضع رابط الدراجة البخارية الجهنمية قدميه على الأرض حتى تعرف عليه كل من "شيز" و "جوني" فى الحال .
إنه "جيوف دياز" بسترة البحرية و الـ "تي شيرت " الأخضر . لم يتغير على الاطلاق . لقد ظل كما هو في ذاكرة "شيز" ونفس الصورة التى رأته عليها "آني" منذ خمس سنوات مضت .
كان مثل الشبح الجميل الفاتن , وكأنه ظهر مباشرة من الماضى ليذكرها بكل التفاصيل المأساوية لآخر مهمة له ورفاقة كفدائيين .
ألقت "آني" نظرة مختلسة على "شيز" الواقف الى جوارها , ورأت انه يتذكر كل لحظة وكأن الزمن عاد للوراء خمس سنوات وكان "جوني ستارهوك" نفسه مذهولا وكأنه منوم مغناطيسيا .
قال "جيوف" وهو يقترب من الجميع :
- "شيز بودين " ؟ لقد اخبروني اننى استطيع العثور عليه هنا .
تراجع الجمع خطوة للخلف وكأن الرجل الغريب حيوان مفترس .
شق "شيز" طريقه وسط الحاضرين , ثم سحب "آني" معه . وصاح فى الغريب :
- "دياز" ! أنا "شيز" .
بدا "جيوف دياز " وكأنه اصيب بصدمة عندما رأي "شيز" في حلة العرس , وسأل :
- ما الذى يجري يا "بودين " ؟ لقد تلقيت رسالة عاجلة تقول : إن حياتك فى خطر .
قال "شيز" شاكرا لمساعده القديم :
- آسف ايها العجوز . لقد وصلت متأخرا جدا لإنقاذي . إننى تزوجت فى التو واللحظة .
اخذت ابتسامة عريضة تضئ وجه العريس .

صاح "دياز" فى ذهول :
- تزوجت !
كان من الواضح ان "دياز" لايزال تحت تأثير الصدمة . قال وهو موزع بين ضحك مجنون وعدم التصديق :
- انا لا استطيع ان اصدق . "شيز بودين" ؟ متزوج ؟ هل هذا حلم أم حقيقة ؟
صمت فترة طويلة ثم استطرد :
- اقدم لك تعازي القلبية ! أنا اسف جدا لأن اسمع هذا . لو اننى وصلت مبكرا ساعة فقط لاستطعت ان انقذك من هذا المصير المحتوم .
- لو وصلت من ساعة لكنت أنت الذى يصحب العروس الى المذبح ويقدمها لي .
كان التهكم واضحا فى نبرة صوت "شيز" وهو يخترق الجمهور ليذهب لتحية القادم الجديد الذى سأل "جوني" :
- "ستارهوك" ؟ ما الذى تفعله هنا ؟
ابتسم "جوني" وقد لمعت عيناه السوداوان اللامعتان مكرا :
- لقد كنت ضمن المؤامرة لوضع "شيز" فى هذا الوضع الغريب .
ألقى "جوني دياز" نظرة اخرى على "شيز" كان متعاطفا معه من كل قلبه .
- هل هذا ما كنت تقصد ان تقوله من انك تتعرض للخطر ؟

- ربما كان من الافضل ان تقابل الخطر الذى تعرضت له شخصيا .
دفع "شيز" "آني" أمامه ولف ذراعه حول كتفيها :
- هذه هي زوجتي . ربما تتذكرها .. أليس كذلك ؟ إنها "آني ديلز"
أخذ "جيوف" يحك رأسه , وهو يحدق بإمعان فى وجه "آني" المشرق . قالت عيناه اللتان كانتا بلون الزمرد الاخضر انه يتذكر ويفهم . ثم قال اخيرا :
- إنها الفتاة التى انقذتها . تلك التى كانت ميتة حسب ما قالوه لنا؟
استدار نحو "شيز" وقال :
- إنها اكثر من حسناء يا "بودين" انها جنية من جنيات الاساطير اوحورية من البحر , لايدهشنى إذن ان اراك وقد فقدت صوابك وتزوجتها .
مدت "آني" يدها لـ "جيوف دياز" لتصافحه ., وقالت وقد غامت عيناها فجأة بينما زاد عمق زرقتهما بشدة :
- شكرا !
شد " جيوف" على يدها بقوة حتى اوشك ان يسحقها . كان استقباله لها وديا وحارا ولكن "شيز" فرق بينهما عندما هم "دياز" باحتضان العروس , وانتزع يد العروس الهشة من قبضته الحديدية . ياله من دب قطبي متوحش , قال "شيز" له فى لهجة امتعاض وهو يحيط "آني" بذراعيه فى حركة حماية وتملك:
- اعثر لنفسك على زوجة يا "دياز" . إن هذه هي زوجتي !
كان الرجلا مساعدا "شيز" القديمان فى حالة نشوة وضحك من أعماق القلب . وهما يحسدان صديقهما القديم على حظه الرائع . قال لهما "شيز" متهكما :
- لا تظهرا بهذا المظهر الحزين على مصيري فمن المحتمل أن تقعا فى نفس المصير .
كان الثلاثة في منتهى الانفعال والسعادة بعد أن مرت خمس سنوات على فراقهما المأساوي . على اثر فشل مهمتهم فى "أمريكا الوسطي".
ضحك "شيز" و آني" من اعماق قلبيهما وهما يريانهما يحدجانهما فى حقد . ولكن عندما تأملت "آني" وجهي الصديقين القديمين لـ "شيز" نزل عليها الإلهام بأن الرجلين الأخرين من النوع الذى لا يستطيع ان يرتبط بالزواج ومسؤولياته . ولاشك فى انهما متمردان مثل "شيز" على اى ارتباط فعلى قد يجعلهما يقومان بأعباء هما في غني عنها , لقد أحست بالعطف على المرأة التى قد يرتبط أي منهما بها .
منتديات ليلاس
استقرت نظراتها على "جيوف دياز" , وقالت فى نفسها إنها لا تتمنى ان تكون الزوجة التى تروض هذا الأسد المتوحش . إن تلك الزوجة لابد ان تحتاج الى سوط ومقعد لترويضه , مثلما يفعل مروضو الأسود فى السيرك . انه لن يخضع مالم تكن المروضة ماهرة .
أما بالنسبة لـ "جوني ستارهوك" فإنها لم يسبق لها أن رأت قطا بريا متوحشا , ومشكوكا فيه وفي تصرفاته مثله . إنه مثل الفهد الأسود المستعد للقفز على فريسته . ولكن من تكون الفريسة ؟
إن "آني" لو استطاعت أن تقرأ المستقبل وتعرف من هي الفريسة البريئة التى كتب عليها أن تكون زوجة له . لنصحتها فى الحال أن تطلق ساقيها للريح , وتبتعد عنه إلى أقصى مكان ممكن . ارتجفت "آني" ليس من البرد بالتأكيد وانما شكرت السماء على المكان الذي منحته لها مع "شيز بودين" .
انساقت العروس مع أحلامها التى انتزعتها منها أصوات الهتاف وتصفيق الحاضرين لتعيدها إلى الاحتفال بالزفاف , زفافها إلى حبيب قلبها "شيز بودين" .
قرأت في عيني زوجها السوداوين الحب وتحقيق حلمها . ذلك الحلم السري الذي كان يداعب خيالها منذ خمس سنوات . بعد أن مرت بأهوال كانت كفيلة بأن تنسيها ذلك الحب ولكن الحلم والأمل لم يكفا عن مراودتها . والآن وقد تحقق الحلم فإنها تستسلم إلى البهجة والسرور والسعادة التى يشاركها فيها الجمع الذى حضر حفل زفافها تتويجا لحبها العظيم . أخذت تردد في نفسها إنها المعجزة التى انتظرتها ولاشك أن القدر يخبيء لي معجزات كثيرة أخرى .

تمت بحمد الله

( فوفو )

كل سنه و انتم طيبين

بنوتهـ عسل 09-09-10 02:33 PM

الله يعطيك العافية حبيبتي ع الرواية الحلووووة ،،

تسلمي لكي مني أجمل التحية ،،

وكل عام وأنتي بالف خييييييييير ،،

:flowers2:

Rehana 09-09-10 09:47 PM

يعطيك العافية ..سفيرة

نجمة33 25-09-10 07:56 PM

تسلمي لكي مني أجمل التحية ،،

شوشو2 03-10-10 12:08 PM

روايه روعه جميييييييييييييييله حببتيبي تسلم ايديكي
في انتظار المزيد من الروايات الجميله شكرا لمجهودك

فتاة 86 03-10-10 09:51 PM

شكراً كثير على المجهود
عم ننتظر جديدك
مع كل الحب

طيف السما 19-01-11 08:48 AM

شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

الجبل الاخضر 04-02-11 10:12 AM

:55:برافو:55: برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :flowers2:تسسسسسلمين :friends::flowers2:وشكر لك :55::friends:وروايه من جد روعه :55:اختيار ممتاز وننظر جديدك:8_4_134::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2::flowe rs2::flowers2::flowers2::flowers2::flowers2:

لينا محمود 25-03-11 04:04 AM

ربنا يسلم يداكي يا عسل والله الروايه كتيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييررررررررررررررررررر ررررررررررررررررررررررر حلوه ربنااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا يخليكي يا قمرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررر ررررررررررر:55::dancingmonkeyff8::55::dancingmonkeyff8::liil as:

جنون العشق 25-03-11 08:21 AM

تسلم الأيااااااااااااااادي

سومه كاتمة الاسرار 26-03-11 11:15 PM

تسلمين ياقمرايا على هالروايه الرائعه سلمتى وسلمت يمناك دومتى بود
:55::55::Welcome Pills4::55::55:
:8_4_134:

انجلى 29-09-11 05:44 PM

:55::55::55::0041::0041::0041:

قماري طيبة 01-10-11 10:47 PM

Thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaanks

ندى ندى 13-12-11 09:01 PM

روووووووووووووووووووعه

fadi azar 21-10-13 10:27 PM

رد: 560- زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك (كاملة)
 
يعطيك العافية رواية رائعة

جوهرة الدانة 04-12-13 06:37 PM

رد: 560- زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك (كاملة)
 
سلمت يداكي على الرواية الرائعة

zozo de ana 11-03-15 09:54 PM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
الفصل الرابع فين

نورالايمان 12-03-15 08:33 AM

حلوه الروايه واحداثها غريبه ومشوقه

نهر الكب 03-11-15 11:54 PM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
اريد تحميل الروايه

مامارانيا 13-12-15 11:30 PM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
حب بلا موعد

توووووم 13-12-15 11:49 PM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
:0041::0041:شكرا مره حلوه:0041::0041:

Amkamel 21-12-15 11:05 AM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
شكرا علي الرواية

ماروكو انيس 13-02-16 05:47 PM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
مشكوررررررررررررررررررررين

هالة حزن 01-08-16 03:41 PM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
شكرًا على الرواية الحلوة جدا مؤثرة

paattee 04-08-16 03:13 AM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
تسلم الانامل ياعسل ننتظر جديدك

دودي زيتون 27-03-19 10:08 PM

رد: 560 - زواج بالقوة - فلورنس كامبل - دار ميوزيك ( كاملة )
 
روعة جميلة جدا جدا

Zeyneb 02-07-19 01:31 AM

مرحبا و شكرا على الرواية

ام البناااااات 14-03-21 10:28 PM

شكراااااااااااا جداااااااا


الساعة الآن 03:21 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية