منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   116 - أريد سجنك - آن هامبسون - عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t95118.html)

redroses309 11-10-08 07:45 PM



10 - مواجهة المرأة الأخرى



كانت تارا واقفة بين الشجر على بقعة مرتفعة من الحديقة و هي تنظر الى الميناء لعلها ترى زوجها عائدا من اثينا .
و وصلت الى سمعها اصوات اجراس الماعز و نهيق الحمار يصعد لاهثا على طريق معبدة بالحجارة .
رأت تارا زورقا كبيرا قد يكون زوجها أحد ركابه .
ها هو يخرج من الميناء و في يده حقيبة و يتجه نحو الطريق المتعرجة و الكثيرة الانحدارات بين الفيللات التي هي زينة جزيرة هيدرا الصغيرة .منتديات ليلاس

لوح ليون بيده عندما رآها واقفة هناك .
و ردت له التحية بمثلها و في نفس الوقت شعرت بضيق في صدرها بسبب ما هي عازمة عليه ، و كذلك بالشوق الى نزواته الغريزية .
و تمنت لو انها تفهم موقفها من هذا الرجل الذي يسيطر عليها سيطرة تامة .
تكره هذا الرجل ، و الفكرة المتسلطة عليها هي ان تفلت من بين يديه ... و مع ذلك ... كان قد ألمح لها قبل سفره بتأثيره الطاغي عليها و بقوة انجذابها اليه و استسلامها الكلي لانفعالاته .

فكانت تحتار في امرها :
أهي الرغبة التي تستولي عليها ؟ أهي منحطة الى هذا المستوى العاطفي الذي امتلك قلبها و عقلها ... و حتى روحها ...
وطرد منها كل شيئ آخر ؟
هذا هو سجنها الحقيقي لا البيت الذي تعيش فيه .
و ما هي آخرة هذا السجن غير النكبة و العار ؟ كانت فتاة مثالية تضع الحب و الاهتمام بالناس فوق كل شيئ ... الى ان التقت بهذا الوثني اليوناني الذي همه الوحيد تعليمها دروسا في الرغبة من مختلف نواحيها .

- كم هو جميل ان ارى زوجتي تنتظرني . بالطبع شعرت بفراغ اثناء غيابي !

قال ذلك و ابتسامته الساخرة لا تفارق شفتيه .
توترت اعصابها و اصطكت اسنانها .
لماذا يتهكم عليها ؟

دارت على نفسها و اتجهت نحو البيت و هي تقول :
- صدف خروجي الى هنا لاني مللت من البقاء داخل البيت .

لحق بها و امسك بيدها و لم يستمع الى أنتها الخافتة :
- كيف كنت تمضين وقتك في غيابي ؟
- في القراءة و حمام الشمس ، و من ثم القراءة و حمام الشمس . وكنت اتناول وجبة طعام بين كل قراءة و حمام شمس و احيانا اتسلى بمراقبة سجاني و اتساءل ما قد عساهم يفعلون لو اني هربت .
- انهم يسبقونك في الجري .
- من يدري ... قد اتسبب لهم بلحظات يلهثون منها .
- و انت يا طفلتي ستسببين لنفسك لحظات تتألمين منها اذا لم تغيري مزاجك هذا . توقعت ترحيبا حارا فاستقبلتني ثعلبة صغيرة لسانها طويل .

صمتت و توجهت بافكارها و عينيها نحو اشياء اخرى تشغلها .
فأخذت تتطلع الى الاشجار التي تذهب الشمس اوراقها و الى الازهار الكثيفة حول النافورة و الفراشات التي تطير من زهرة الى زهرة .
وعن بعد رأت رعاة الماعز في التلال و الطرقات المؤدية الى الميناء الهادئ حيث صيادو السمك يصلحون شباكهم .
وانصتت الى اصوات الجنادب بين اشجار الزيتون و الى حفيف اوراق الشجر عندما يداعبها نسيم البحر .
كانت سعيدة بهذه اللحظة و هي تسير الى جانب زوجها لأنه لم يقطع عليها تأملاتها .
سيكون له الوقت الكافي ليشبعها من صوته !
- اصعدي معي و افرغي حقيبتي و اخبريني بما كنت تفعلينه في غيابي .

لم يطلب مساعدتها بل اعطاها امرا قاطعا .
- قلت لك ما كنت افعله .
- لم تفعلي شيئا آخر ؟

كانا امام باب غرفتهما و كان ممسكا بمقبض الباب و هو ينظر اليها مليا .
- كان يجب ان تعطيني وعدك ، و ستعطيني اياه في نهاية الامر .

خفضت عينيها لتتجنب نظراته الحادة .
كانت تفكر في وعد نيقولاوس لها بابعادها عن الجزيرة في فرصة مقبلة .

وضع ليون حقيبته على ارض الغرفة و قال :
- تعالي الي !

ذهبت نحوه طائعة مفضلة ذلك على الهرب و من ثم الوقوع في قبضته الحديدية .
- و الآن عانقيني !

اطاعت و عانقته و لكن ببرود .
عندئد شدها اليه شدا عنيفا و آلمها .
- لم تتعلمي بعد . اعتقدت انك تحققت من اني سيدك !
- اكرهك ، اكرهك ، هل تسمع ؟
- اسمع و كل البيت يسمع . اما تكرار عباراتك فليس فيه اقناع . و انت تعلمين انك في اعماق قلبك لا تكرهينني يا تارا .

مسكين . كم هو واثق من نفسه ، و أي درس سيتلقنه اذا هي هربت منه !
رفعت عينيها فالتقتا بنظرته السوداء الجشعة بينما كانت يده تتلمس اذنها و رقبتها و كتفها .
- انت تكرهين فكرة خضوعك لأوامري و اعتبارها قانونا ، و لكنك لا تكرهينني . و انا مقتنع كل الاقتناع بأنك وصلت الى المرحلة التي تشعرين فيها بأنه لايوجد كره حيث يوجد لذة بيننا نحن الاثنين .

أشاحت بوجهها عنه و هي عازمة على ان تكرهه مهما كلف الامر .
- هذه مجرد رغبة و هي لا تدوم الا لحظة وقوعها .

لم تعلم كيف قالت ذلك ، الا انها تابعت و هي تنظر اليه الآن :
- انت تفهم ما أعنيه .
- نعم ، انا افهم ما تعنينه يا تارا .
- كما قلت ، انه ذو مفعول حال وقوعه و ليس بعد وقوعه .
- افهم مما تقولين ان الغرام او ما تسمينه بالرغبة تقتل التعقل ، اليس كذلك ؟
- هذا صحيح .
- و انا اوافقك الرأي . و من الطبيعي ان تعيق الرغبة قوى الادراك ، و لا يستطيع المرء ان يتحكم بعقله عندما تتحكم به ...
- كفى ! تعقل ! الا يوجد شيئ آخر تتكلم عنه ؟

افلتت منه و ركضت الى الطرف الآخر من الغرفة .
- كنا نناقش فقط قدرة المرء او عدم قدرته على استعمال عقله في حالات كهذه.
- كنا نتكلم عن كراهيتي لك يا ليون ! ربما لا اكرهك في ذلك الظرف بالذات ... و لكني اكرهك دائما بعد ذلك ... و أنصحك بألا تتحامق ، لأنك مهما حاولت اقناع نفسك او غيرك ، فإنك ستكتشف خطأك في نهاية الأمر .
- ماذا تعنين بذلك ؟ اذا كنت ناوية على القيام بشيئ يا تارا ، فإني انصحك أن تتذكري ما قلته مرة : لم يحدث ان حصل شيئ دون معرفتي .

و لكن قد تأتي لحظة تفاجئه .
على أية حال ، يجب ان تنتبه الى ما تقول فإنها كادت ترتكب هفوة لا تغتفر .
- كلامك غير واضح . ماذا استطيع ان افعل و حراسك يراقبون كل حركاتي ؟

حاول ان يقول شيئا و لكنه عدل .
تركها و لم تره بعد ذلك الا في ساعة متأخرة من النهار .

كان أول موضوع تكلم به في صبيحة اليوم التالي موضوع الوعد . فقال بصوت خشن :
- من الافضل ان تعطي هذا الوعد ، و الا سأبقيك سجينة الى حين ولادة طفل لنا . و هذا أمر يزعجك اكثر مما يزعجني .
- هل يزعجك حقا ؟
- سأرافقك الى اثينا في المرة القادمة . شركائي يعرفون انني متزوج لذلك استغربوا زيارتي الأخيرة بمفردي ، و لا أريد تكرار ذلك اذ انه سيبدو غير طبيعي .
- هذا مفهوم .
- و لكنك لا تتفقين او تشعرين معي .
- و لماذا أشعر معك ؟
- هل ستعطيني هذا الوعد ؟
- كلا ، لأني لا أستطيع إعطاء وعد ليس في نيتي الوفاء به .

ازعجها هذا الأمر لأنه قد يؤجل رحلته الى اثينا اذا لم ترافقه .
و قال لها في السابق ان من عادته زيارة اثينا كل اسبوعين تقريبا حيث يمضي عدة أيام ، و يبدو الآن انه متردد في الذهاب بدونها .
و من الطبيعي ان يستهجن اصدقاؤه و شركاؤه غياب زوجته .
- هذا يعني انك تأملين في إيجاد وسيلة للهرب .

كان ذلك اثناء تناول الفطور حيث انتظر وصولها اكثر من ربع ساعة .
و لما دخلت نهض و قدم لها الكرسي و ابدى ملاحظة على مظهرها مبديا إعجابه به .
كان لباسها يتكون من بلوزة حرير لها اكمام طويلة و سروال بزرقة الياقوت .
كان شعرها يتألق و لا أثر للحزن في عينيها .
و ابدى لها هذه الملاحظة ايضا ، و لكن كل هذا الاطراء لم يؤثر فيها ، و عزت سبب ذلك الى أملها في ان يذهب ليون الى اثينا ليأخذها نيقولاوس الى بيراوس فتتحرر !
و من هناك تأخذ أول طائرة الى الحرية في انكلترا !

نظرت إليه و علقت على كلامه الذي فيه شيئ من القلق :
- انت تعرف اني لم اقطع الأمل في الهرب . و تأكد لك منذ البداية ان الهرب يسيطر على جميع حواسي .

برقت عيناه و صعد الدم الى وجهه .
- إذا هربت ستأخذين طفلي معك .
- سأهرب قبل ولادته ... لماذا تتكلم عن الطفل ؟ لن احمل جنينا في بطني !
انت تبدو متأكدا و ارجو ان تكون مخطئا ! تسببت لي في عذاب اكثر مما استطيع ان اتحمل . و لا أريد طفلا يزيدني عذابا على عذاب !

شحب وجهه فجأة و لاحظت التواء عرق في وجنته .
- ترضين بنصيبك !
- لماذا ارضى به ؟

و اضافت بحرارة :
- هل يرضى به أي سجين حاله مثل حالي ؟
- انت لي ، و كلما اسرعت في الأعتراف بذلك اسرعت سعادتك بالاقتراب !
- اني مللت من ذلك . هل يمكن نسيان هذا الموضوع ؟ لا أطيق الدخول في نقاش هذا الصباح .

لم يقل شيئا و تابعا تناول فطورهما ، و اتى ستاماتي بالبيض المقلي و الفطر ، و بعد خروجه سألت تارا زوجها :
- متى ستذهب الى اثينا ؟

حاولت ان يكون صوتها طبيعيا قدر الامكان .
- لماذا تسألين ؟
- لا لسبب . اتساءل فقط .
- سأطيل مكوثي هنا . و اريد وعدك لآخذك معي .

لم تعجبها هذه النتيجة .
يجب ان يذهب عاجلا ام آجلا ، و لكن متى ؟
لا يستطيع ان يهمل أعماله الى الأبد .
- اذن عليك ان تنتظر وعدي . و من المؤكد ان التزاماتك في اثينا لن تصبر عليك كصبري في إعطاء الوعد .

أخافتها نظراته و تشنجات وجهه و اخذت اعصابها تتوتر . يا إلهي ! دعه يذهب .
دعه يواجه مشاكل او مصاعب او أي شيئ فيضطر للذهاب !
- يبدو انك تستعجلين ذهابي . هل لديك سبب ؟

هزت تارا رأسها و لم تنظر الى صحنها . اضاف زوجها :
- تكونين مخطئة تماما إذا اعتقدت ان خدمي سيخاطرون بوظائفهم عندي اذا هم تهاونوا في مراقبتك .
كوني عاقلة و قدمي لي هذا الوعد .

احست باليأس يدخل الى قلبها .
و لكن ما عتمت بعد دقيقة ان واتتها فكرة أعطتها أملا جديدا .
و تكلمت متصنعة اليأس في صوتها و محاذرة ألا يكشف كلامها عن نواياها :
- قد أرغم في النهاية على اعطاء الوعد .
تنهدت بطريقة جعلته يصغي بانتباه و خفضت كتفيها حزنا .
و أضافت :
- كسبت كل جولاتك في معاركك معي يا ليون ، و لا أرى سببا يمنعك من ان تكسب هذه الجولة ايضا .

ارتجفت شفتاها و وضعت شوكتها و سكينها في الصحن كأنها فقدت شهية الأكل .
- أرى انك بدأت في التعقل . كنت اعرف انك تتقبلين الحقيقة في آخر الامر .

كان بادي السرور اذ ان شفتيه ابتسمتا و بدا الارتياح في عينيه .
نظرت في عينيه و ازدردت ريقها آملة ان يكون لاحظ ذلك .
و كل همها الآن ان تجعله يلاحظ ترددها في إعطاء الوعد . و ان يقبل بالفكرة التي توحيها إليه .
- لن تنال هذا الوعد الآن .

جعلت صوتها يرتجف ليدل على انها هزمت و تابعت تقول :
- انك لم تحطم إرادتي كليا بعد ... بالرغم من كل محاولاتك .
- ليست لدي اية رغبة في تحطيم ارادتك .
- لك كل الرغبة . كم مرة قلت لي انه يتوجب علي اعتبارك سيدا لي ؟ كم مرة حصلت مني بالاكراه على ما ترغب فيه ؟
- كل ما أريده منك هو ان تتوقفي عن معاكستي .

امتنعت عن المضي في الجدال و مضت بضع دقائق لم يقولا اثناءها شيئا .
و بعد ان جمع ستاماتي الصحون و ذهب بها الى المطبخ . قال ليون :
- اذا قبلت بمبدأ إعطاء الوعد فالأفضل ان تعطيه الآن . لم تزوري الجزيرة بعد و لم تري شيئا خارج نطاق الفيللا . انت حمقاء يا تارا .
- لا يمكنني إعطاؤه الآن . يجب ان اتروى ... امهلني قليلا .

طلبت الامهال بصوت كله توسل و رياء و فيه رنة لوم على عدم صبره .
كانت دائما صريحة و مخلصة معه و لكنها الآن و لأول مرة في حياتها تلجأ الى الخداع .

وافق ليون و هو يتنهد :
- حسنا سأمنحك مهلة .

و أضاف :
- أرى لا خيار لي غير ذلك .

فهمت من نظرته انه ما يزال يعتبرها عنيدة .
ليعتقد ما يريد شرط ألا يكشف نواياها .

ربحت هذه الجولة اذ قال لها بعد مضي عشرة أيام انه ذاهب الى اثينا .
- احب ان ترافقيني الى اثينا يا تارا . و الوعد ؟
- ربما اتيت معك المرة القادمة . اتمنى لك رحلة موفقة .

خجلت من نفسها لأنها كانت تخدعه . ولكن لم يكن لها خيار آخر .
- لو تأتين معي ستكون زيارة متعة ايضا . و ستعجبك اثينا بمعالمها و مشاهدها .
- سمعت عنها الكثير و سأزورها يوما .
- اذن تعالي معي .

كان صوته هادئا وطبيعيا جدا يخلو من لهجة الأمر او الغطرسة .
و لما رفعت عينيها و نظرت اليه أحبت فكرة مرافقته .
و لكن كان عليها ان تعده ، و الوعد يعني الوفاء .
و عندها يكون قد فات الأوان .
- المرة القادمة .

كانت في غرفتها عندما دخل و عانقها قائلا انه ذاهب .
- فيك الكثير لتقدميه لي .

و نظرت إليه و هو يهرول نازلا الى الميناء . كان رشيقا مليئا بالشباب و الحيوية في كل حركاته .
و أسفت لأنها ستحرم نفسها منه اذا هي تركته .

لن يتأخر نيقولاوس عن المجيء .
فقد زارها ثلاث مرات في الغياب السابق لزوجها .
و في كل مرة كانت تخشى ان يطلع احد الخدم ليون على ذلك .
و لكنها لم تقلق كثيرا نظرا للفارق الكبير بين طبقته و طبقة الخدم خاصة في بيت ليون .
و امضت بعد الظهر تتجول في انحاء الحديقة و هي تتطلع الى قدوم صديقها في كل لحظة .
ربما لم يكن نيقولاوس على علم برحيل ليون بعد .
او ربما عدل عن تقديم المساعدة لها معتبرا ان هذه المجازفة لن تفيده بشيئ .

حل وقت العشاء و لم يحضر ، و عندما كانت ستجلس الى المائدة دخل ستاماتي قاعة الطعام و أخبرها ان زائرة تريد السيد ليون .
- اسمها الأنسة فلورو يا سيدتي . ترغب في مقابلة السيد ليون ، لكنني قلت لها انه مسافر ، و هي موجودة الآن في غرفة الجلوس .

هذه إلين ! أتت لترى ليون ...
- أحتفظ بعشائي ساخنا يا ستاماتي .

وجدت إلين جالسة تحمل سيكارة بين اصابعها الطويلة الرشيقة .
حيتها تارا و هي معجبة بالوضع الرزين المحترم الذي تتخذه بسهولة .
- تريدين مقابلة ليون ...
- قال ستاماتي أنه متغيب . كان بودي محادثته في موضوع عرض الأزياء المقبل في اثينا . آسفة لأني لن اتمكن من رؤيته .
ذهب اليوم ؟
- نعم .
- سأراه عند عودته .

القت إلين نظرة احتقار على ملبس تارا التي لم ترى ضرورة في تغيير السروال و القميص الى لباس رسمي و هي وحيدة .
- لم ترغبي في الذهاب معه ؟
- أفضل البقاء هنا .
- كنت اعتقد انك تحبين ان تكوني برفقته .
- ربما رافقته في المرة القادمة .

جلست تارا و تمنت ان تسرع إلين في الذهاب . لا ترى دافعا لأن تطيل اقامتها ما دام الشخص الذي تريد رؤيته لم يكن موجودا .

- سيكون كثير الانشغال في المرة القادمة لأهمية العرض ، اذ سيأتي مشترون من بريطانيا و باريس و امريكا .

كانت تتكلم بترفع كأنها تحاول ان توحي اليها بأنها تعرف كل شيئ عن مؤسسة هيرا مقابل جهل تارا المطبق .
- اعتقد انك تعرفين اني النموذج الأول لليون .
- ذكر شيئا من هذا القبيل .

اضافت إلين بشيئ من الكبرياء :
- ليون لا يساوي شيئا بدوني .
- صحيح ... ؟

رفعت تارا حاجبيها استغرابا و تهكما و أضافت :
- و لكن لا يوجد انسان لا يمكن الاستغناء عنه !

تورد وجه إلين من الغيظ .
وضعت السيكارة بين شفتيها و سحبت نفسا و هي تسلط نظرها على تارا من خلال الدخان .
- هل علمت اني كنت مخطوبة الى ليون ؟

فوجئت تارا بهذا القول و قالت :
- هذا قول لا يعاد أمام زوجته . ألا تظنين ذلك ؟

لم تتأثر إلين بهذا بل ثبتت نظرها على تارا التي كانت توشك ان تبكي .
- أنه تخلى عني بطريقة غير لبقة و الكل يعلم بالأمر .
و استغرب انك تجهلين ذلك .

بقيت نظراتها الثابتة مسلطة على تارا التي كانت تعتقد ان إلين تتكلم بهذه الطريقة مدفوعة بغريزتها الأنثوية أو لأنها تحسدها على كونها زوجة ليون .
- لا أعرف كيف التقيتما أو كيف تزوجتما ، و لكني اعرف انه تزوجك في نزوة غضب أو حقد . و كنا قد تشاجرنا قبل ذلك ، و لكن شجارنا لم يكن ذا بال . غضب لأنه اعتقد اني ...

توقفت فجأة كأنها غضبت من نفسها لأنها كشفت الكثير . و لكنها اضافت على الفور قائلة :
- هذا هو ليون ، مندفع ، متقلب .

هزت تارا رأسها و قالت :
- زوجي ليس مندفعا . لماذا تقولين ذلك ؟
- بسبب قصر المدة التي تزوجتما فيها .

سحقت إلين طرف السيكارة في المنفضة .
و مدت يدها لتأخذ واحدة من علبة سكائر ذهبية امامها و قالت :
- لم يتسع له الوقت الكافي ليتعرف عليك بما فيه الكفاية .

تجاهلت تارا هذا التعليق ، و لكن إلين اصرت على معرفة ذلك فسألت :
- كم طالت مدة التعارف بينكما ؟
- لا يهم ان يعرف الناس طول مدة تعارفنا .
- انه لا يحبك ... لا ، لا تقاطعيني ! لو كان يحبك لأخذك معه . غاب عنك مرتين و لم تكوني معه في أيهما .

و نظرت إلين الى تارا بإمعان ثم أضافت :
- كان من المستحيل ان يسافر دون أن يأخذني معه عندما كنا مترافقين .
- كان في امكاني الذهاب معه ، لكني فضلت البقاء هنا .
- هذا يعني انك لا تحبينه ايضا . هل تزوجته من أجل ماله ؟

كاد الغيظ يخنقها .
تأكد لتارا ان الغيرة تقتل إلين و لا تبالي بما تقول .

وقفت تارا و قالت و هي تشير بيدها الى الباب :
- بما انك اتيت لتقابلي ليون ، فأنا متأكدة انك لا ترغبين في البقاء اكثر من ذلك .
ان عشائي ينتظرني . و سأعلم ليون بأنك اتيت و قد يتصل بك تلفونيا .

بلعت إلين هذه الاهانة و وقفت بكل رشاقة فاتجهت نحو الباب و هي تنظر الى تارا نظرة احتقار .
و كانت تجيبها بثقة اكثر منها تحية عندما قالت :
- طابت ليلتك .
- و ليلتك يا آنسة فلورو .

رافقتها تارا حتى الباب الأمامي رغم وجود ستاماتي ليفتحه لها .
- عشاؤك جاهز يا سيدة ليون .
- اشكرك يا ستاماتي .

نظرت تارا اليه و رأت الدهشة و الاستغراب اللذين لاحظتهما في عيني كليانش عندما قدمها ليون على انها زوجته . و تذكرت كلمات كليانش حينذاك :
- زوجتك يا سيد ليون ؟ و الآنسة ... ؟

كاد يلفظ اسم إلين و لكنه توقف في الوقت المناسب .
كان كل خدم ليون و جميع سكان هذه الجزيرة الصغيرة يعرفون العلاقة المتأصلة بين ليون و نموذجه إلين ، و كلهم كانوا يتوقعون ان يتزوجها .

هل يهتم ليون بها ؟ يصعب ان تصدق تارا ان ليون يهتم بأحد غير نفسه .
الحب شيئ يكاد لا يعرف منه شيئا .

*************************

redroses309 11-10-08 07:47 PM


11 - خطة الهرب



بدا انتظار تارا لزيارة نيقولاوس أبديا .
نهضت مبكرة من نومها مما جعل النهار أطول و أثقل على اعصابها .
لم يقل ليون كم سيطول غيابه و قد يعود في اليوم التالي أو نفس اليوم .
لا ، لن يعود الليلة اذ ليس من الممكن ان يكون قد أنهى اعماله في هذه البرهة الوجيزة .
- لماذا لا تأتي يا نيقولا ! لماذا ؟

كانت تمشي من غرفة الى اخرى و تتفرج على بلاطها المرمري و سقوفها المزينة و اثاثها الثمين ذي الطراز القديم و على آنية الصيني الهشة .
و حاولت ان تركز افكارها على اشياء غير الهرب .
اقتربت من النافذة و وقع نظرها على النافورة الجميلة فاجتذبها جمالها لتخرج الى الحديقة حيث السلام و الهدوء و لكن السلام لم يجد طريقة الى قلبها و لا الهدوء ان يطرد منه القلق و الشك .
و اذا تخلى نيقولاوس عنها فستكون نهاية حياتها .
اذ سترغم حينئذ على اعطاء الوعد او انها ستجن !
لا تستطيع ان تتحمل هذا السجن اكثر من ذلك .

و إذا و لدت طفلا هنا فلن تتمكن من ترك الجزيرة الا بعد سنوات .
و سيتبع الطفل الأول طفل ثاني و ثالث ... من يدري ؟

تابعت تجوالها في الحديقة و كانت تنظر الى ساعتها بين لحظة و اخرى .
- نيقولا ، أرجوك ... تعال !

ستصيبها الهستيريا اذا ظلت على هذه الحال .
و لذا عزمت على عمل شيئ .
عادت الى البيت و تناولت كتابا لتقرأ في الحديقة ، و لكنها لم تستطع ان تركز افكارها .
نظرت الى الازهار و الى الفراشات الجميلة فلم تتأثر بأي منها بعد ان كانت تجد فيها متعتها الكبرى .
نهضت لتمشي و لم يلفت نظرها أي شيئ ، و تطلعت الى الأفق فرأت البحر ، هذا البحر الذي خيل اليها انه سينقلها الى ارض الحرية .

كان دافوس و كليانش يرشان شجر البرتقال و الليمون بمرشوش ضد الحشرات .
و رأت دافوس يوجه نظره الى نقطة معينة بعد اشارة من زميله .
و تبعت تارا اتجاه نظرهما فرأت رجلا يصعد الطريق نحو البوابة الكبرى .

توقف الرجلان عن العمل و انتظرا ، لكن تارا ادارت ظهرها اعتقادا منها ان الرجل آت ليرى أحد الخدم .
كانت جالسة امام البيت و الكتاب في يدها عندما اتى كليانش و الرجل بصحبته .

قال الرجل :
- معي رسالة للسيدة ليون ، نسوا ان يرسلوها اليك عندما وصل البريد هذا الصباح .
قد تكون مهمة و لذا أتيت بها شخصيا لأسلمها لك .

كانت لغته الانكليزية ركيكة .
نظر حواليه و حك شعر رأسه و قال :
- الحر شديد ! انا عطشان ه استطيع ان اشرب قدحا كبيرا من الماء !

كانت نظراته مثبتة في عيني تارا ، و في أسرع من البرق فهمت كل شيئ و صرخت في وجه كليانش :
- حالا ، كأس ماء ... أو تحب شراب الفواكه ؟
- جميل جدا ! الكثير من عصير البرتقال !

انحنى كليانش و لكنه قال قبل ان يذهب :
- لم أرك من قبل .
- اتيت لزيارة أختي . هي سيدة ... سيدة البريد ؟

كان من الواضح انه يعني مديرة مكتب البريد .
قال كليانش :
- اخوتها كثيرون . اهلا بك الى جزيرتنا .
- شكرا جزيلا !

ابتسم عندما قال ذلك و كشف عن عدد لا بأس به من أسنان الذهب .
- سآتي لك بالشراب .

ذهب كليانش و دعت تارا الغريب لأن يجلس فجلس و أخرج مظروفا من جيبه .
أبقته في يدها برهة و هي تتساءل عما يمكن ان يحتوي الغلاف من ... أخبار حسنة أو اخبار سيئة .
اما ان فيها خبر استعداد نيقولاوس ليساعدها أو انسحابه من العملية لعجزه عن القيام بها .

تحسست تارا الغلاف و من ملامستها عرفت ان في داخله قلما .
اذن نيقولاوس يريد منها جوابا .
فتحت الغلاف و الأمل يتسرب الى قلبها و اخرجت منه ورقة مطوية ، و سمعت الرجل يقول :
- انا سافاس ، و سأنقل جوابك الى السيد نيقولاوس .

اومأت برأسها و بدأت تقرأ :
- قبل ان تستمري في القراءة ، اكتبي على الغلاف مكان غرفة نومك بكل دقة و اعطيه لسافاس .

كانت هذه الكلمات مكتوبة بأحرف كبيرة على رأس الرسالة .
كتبت تارا على الغلاف ماطلب نيقولاوس و أعادته الى الرجل .
كان قلبها ينبض بقوة و بدأت تشعر بأنها حرة .

و ضع الرجل الغلاف في جيبه و في هذه اللحظة اتى كليانش بالشراب و لم يغب إلا دقيقتين .
و هنا فهمت تارا معنى و قيمة العبارة المكتوبة بأحرف كبيرة و التي تعجلها بالرد ، و ليساعدها في تعجلها وضع قلما مع الرسالة .

كان كليانش واقفا ينظر الى سافاس و هو يجرع شراب البرتقال ... و من ثم رافقه الى البوابة .
وضعت تارا الرسالة في جيبها و دخلت البيت .
و لما آوت الى غرفتها ، قرأت ماكتب لها نيقولاوس بينما كانت دقات قلبها تعلو و تهبط حسب مؤثرات الرسالة :
" عزيزتي تارا
بالرغم من أني عرفت بسفر ليون المبكر هذا الصباح ، رأيت من الأنسب ألا آتي إليك ...
و أنا متأكد من ان هذا هو رأيك ايضا .
ومن المستحسن ان نبقي كل شيئ سرا بقدر الامكان .
و لذا ذهبت البارحة الى بوروس و رجعت برجل يقوم بأعمال على زورقي من وقت لآخر .
سافاس غير معروف مطلقا في هيدرا و هذه الحيلة ستنجح .
اما الخطة فهي كالآتي :
اريدك ان تكوني جاهزة في الساعة الثانية صباحا عندما اضع سلما تحت نافذتك .
و اذا رغبت في أخذ بعض الثياب ضعيها في صرة و ارمي بها من النافذة و سأضعها في حقيبة فيما بعد . لا تستعملي اية حقيبة لأن صوتها يوقظ الخدم .
ضعي حراما على حجر النافذة لكي يرتكز عليه و هكذا لا يخرج صوتا . هذا كل ما هو مطلوب منك . و سأعيد سافاس الى بوروس الساعة السابعة من هذا المساء و هكذا يكون بعيدا عن الانظار . و سيكون زورقي جاهزا و سيقلك الى بيراوس . لا أدري لماذا اقوم بهذا العمل . ربما لأنه مثير ، او ربما لأني أحب ان أنقذ فتاة من مأزق ، أو ربما لأني احببتك كثيرا " .

كان على الرسالة توقيع نيقولاوس فقط .
مزقت تارا الرسالة قطعا صغيرة جدا و رمتها في التواليت واختفت مع الماء .

لم تمر تارا ابدا بوقت اطول من الفترة بين قراءة الرسالة و بين فتح النافذة بكل هدوء و وضع الحرام عليها كيلا تتسبب في أي صوت .
كل شيئ حاضر و تطلعت من النافذة الى الحديقة فلم ترى شيئا بسبب الظلام الدامس .
كان قلبها يدق بسرعة كبيرة و اعصابها مشدودة .
لم يكن هناك أي صوت أو حركة و كانت صرة الثياب في النافذة . ها هو ! تصورت أنها رأت شبح رجل يتحرك ... و ان السلم رفع الى النافذة .

حبست انفاسها و هي تتوقع ان يتأرجح السلم بسبب ثقله فيهوي الى الأرض يصطدم بالحائط او بإحدى النوافذ الأخرى .
لكن نيقولاوس قوي و قد وضع السلم في مكانه .
رمت تارا بالصرة الى أسفل و كانت على وشك ان تعبر من النافذة و تضع قدمها على درجة السلم عندما رأت ظل رجل آخر يتحرك و من ثم يركض مسرعا الى الناحية الأخرى من الحديقة .
و جمدت في مكانها عندما رأت ظل رجل ثالث ، طويل و ذي خطوات سريعة ...منتديات ليلاس

شعرت ان قلبها توقف .
لا ، غير ممكن ! هذا غير حقيقي ! من المستحيل ان يكون ليون هنا في هذا الوقت من الليل ! و من الرجل الطويل الآخر السريع
الحركة ؟
كادت تموت من الرعب و تسمرت في مكانها عندما رأت الشبح واقفا يتفحص المكان و من ثم ينحني و يلتقط الصرة .
و في اللحظة التالية رأته يرمي بالصرة على الأرض و يركلها برجله و يشتم ... كاد يغمى عليها .

كانت ما تزال مسمرة في مكانها عندما دخل زوجها غرفة النوم بوجه لم تتميزه بسهولة من حدة الغضب .
كان دمه يغلي حتى بدا كأنه الشيطان نفسه .
و الآن ماذا سيعمل بها ؟
رأت الغضب يتملك زوجها في السابق كثيرا و لكن ليس بالدرجة التي تراه فيها الآن . انه سيقتلها حتما و بحركة غريزية وضعت يدها على عنقها . نعم ، سيخنقها الآن ...
- من كان يساعدك ؟

صدمها صوته الهادئ و أحست انها مريضة معقودة اللسان .
و لما لم تجبه سألها ثانية و بصوت هادئ ايضا :
- سألتك سؤالا !

كانت تبتلع ريقها و تبكي .
- لن ... لن اقول لك ! لن اقول ل ... لك !
- ستقولين ... و إلا اضطررت الى تعذيبك !

قفز قفزة خفيفة و أمسك بيدها فأحست بألم شديد فيها و صرخت .
- أجيبيني !

كشر عن أسنانه و بدا كأنه نمر يستعد للهجوم على فريسة .
- أجيبيني قبل ان أميتك خنقا !
- لا ... لا استطيع .

رفعت رأسها و كانت تعرف ان نقطة دم لم تبقى في وجهها .
و تساءلت عن الحظ المشؤم الذي اتى به في تلك اللحظة بالذات بينما كانت على وشك التخلص من قبضته المخيفة .
كان الشيطان بجانبه ... أنه الشيطان بنفسه !
- أرجوك الا ... تطلب مني ما ... ما يمنعني شرفي من ...
- شرفك ! انت تكلمينني عن الشرف ؟

رماها بنظرة جعلت جسمها المرتعد يتقلص .
لم يتكلم و لكن عينيه كانتا تعبران عن ازدراء أقوى من الكلام .
- ذلك الوضع الذي تكلفته قبل سفري لتظهري نفسك في موقف المهزوم و الوعد الذي أملتني به لأصدق انك استسلمت بعد ان خسرت كل الجولات ، كان كل ذلك جزءا من مخطط الهروب الذي صممته سلفا . أليس كذلك ؟

كانت هزاته من أعنف ما عرفت ، و لما رفع رأسها اليه ارغمها على النظر اليه .
- أليس كذلك ؟

أشارت بعينيها بنعم و هي تتساءل عن مدى احتمالها و ما اذا كانت ستبقى واقفة على رجليها لو أخلى سبيلها .
- نعم ، كان كذلك .
- مع من خططت ؟
ربما رشوت أحد الخدم ليساعدك ، و إلا فمن يستطيع مساندتك ؟
- لا علاقة بأي من الخدم بهذا .
- لا تكذبي ... !

أخذ يهزها هزا عنيفا و بلا شفقة .
- لقد شبعت من خداعك !
- لي مطلق الحق في ان أخدعك !

لم تعرف كيف خرجت هذه العبارة من فمها .
و شعرت باصابعه تطوق عنقها فبدأت تحس بالاختناق ، بدأت تقاوم و تتلوى لتنقذ حياتها من موت محقق .
في هذه اللحظة رفع يده عن عنقها و سألها بصوته الهادئ الناعم الذي يخفي وراءه عاصفة كاسحة :
- قولي لي مع من كنت تخططين للهرب بينما كنت تحاورين و تداورين معي ؟

لم تعرف لماذا اغاظتها عبارتا " تحاورين و تداورين " ، و بخفة لم ينتبه اليها افلتت منه و قفزت الى الطرف الآخر من النافذة .
- من حقي ان أخطط و لكل سجين الحق في الهرب . فكيف تجسر على اتهامي بأني أعمل في الخفاء بينما انا أعمل لأنقذ نفسي ؟

و بالرغم من ان كلماتها لم تكن بحدة كلماته إلا انها اغضبته .
- ما زلت انتظر اسم شريكك ! من هو ؟

كان ظهرها الى النافذة و أحست بالهواء يداعب شعرها . هل تقفز ... ؟
تفضل الألم الناتج عن هذه القفزة على الألم الذي سيسببه لها الآن و هو يتقدم نحوها بخطى ثابتة . تلمست حجر النافذة و امسكت به و لكنها لم تكن متأكدة من أنها تستطيع ان تقفز قبل وصول زوجها اليها .
فطن هذا الى نيتها فقفز و أمسك بها .
و في الفترة القصيرة التي اقتضته لإنزالها عن النافذة تسارعت الأفكار في رأسها و فكرت في العقاب .
ارادت ان تستسلم الا ان مرأى عينيه المرعبتين و فمه الملتوي من الغيظ و يديه القويتين أثرت فيها و مدتها بقوة خارقة مكنتها من القفز و الجلوس على حافتها ،
و صرخت :
- سأقفز . استعد ...
- قفي ! انت مجنونة ... قفي !

كان خائفا ، و لأول مرة في حياته كان خائفا .
حاول ان يتقدم لكنها صرخت في وجهه :
- خطوة أخرى و سأقذف نفسي !
- تارا ، لا تكوني حمقاء !

خفت حدة صوته قليلا و لكنها كانت تعلم أنه اذا أعادها الى رشدها ستعود الحياة كما كانت .
كما تعلم ان سبب هياجه هو رفضها افشاء اسم من ساعدها ، و الويل لها اذا ضعفت امامه فلن يشفق عليها و لن يرحمها .
- انزلي عن النافذة ! انزلي الآن !
- هذا ليس وقت القاء الأوامر . أتى دوري انا لأحمل السوط بيدي . و أفضل ان اتسبب في أذى نفسي على ان اتأذى منك .

سمعت أسنانه تصطك و رأت يديه تنقبضان .
أفرحها تغلبها على خوفها لأنها متأكدة من انه لن يتركها تقفز ، و في هذه الحالة سيستسلم لها و يحد من كبريائه اليوناني .
كان واقفا امامها لا يعرف ما يفعل في هزيمته امامها .
فحاول ان يقنعها بصوت ألطف :
- انزلي .
- لن انزل قبل ان تعدني بأنك لن تستعمل القوة معي و لن تجبرني على افشاء اسم من ساعدني
في وضع السلم ...

و التفتت لتدل على مكان السلم ففقدت توازنها و كانت على وشك ان تسقط لولا انه اسرع بخفة مذهلة و امسك بها من ثيابها و أنزلها .
رمت نفسها عليه و وضعت رأسها على صدره و أخذت تنتحب .
طوق جسمها بذراعيه ليمنعها من السقوط على الأرض لا ليجعلها تشعر بحنانه .
و عدا ذلك لم يتفوه حتى بكلمة عطف ، و كان جسمه متصلبا .
و لما رفعت نظرها الى وجهه عاودها الخوف من جديد .
اذ كان ينظر اليها نظرته في كل مرة يريد ان ينزل بها عقابا .
قال بصوت هادر :
- انك فتاة مجنونة حقا ! يجب ان اجلدك لمسلكك هذا !

و بدلا من جلدها عانقها بنفس العنف .
كانت مقاومتها بلا فائدة لأنها فقدت كل قواها و رأت ان شعوره نحوها كان شعور السيد نحو خادمه لأنه كاد يتذوق طعم الاهانة و الاستسلام عندما فرضت عليه شروطها .
تركها و أغلق النافذة .
صحيح انه انقذ حياتها و لكن هل لتحيا حياة اطمئنان بعد الآن ام لتعود الى نمط حياتها السابق ؟
هو هو في نظرته الحديدية .
هو هو في بطشه الجامح .
اخذها ثانية بين ذراعيه و قال :
- سأستجوبك مرة اخرى في الصباح . اما الآن ...

عانقها و اخذت ترتجف معتبرة عناقه عقابا لها .
و ذكرت نفسها ان وجودها تحت سقفه نتيجة اختطاف و ارغام .
- حذرتك و قلت لك اني لن أؤخذ على غفلة .
- نعم ، حذرتني ياليون .
- هل تعرفين سبب وجودي هنا الليلة بدلا من اثينا ؟
- كلا .

توقع منها تعجبا أو استغرابا و لكن كل ما سمعه كان صوت بكاء هادئ .
- و لكنك تودين ان تعرفي .

هزت كتفيها و قالت :
- انت دائما تكسب و ستكسب دائما .
- هل يئست الآن من الهرب ؟

ابتلعت ريقها و كان قلبها يبكي من الحسرة .
و اجابت لكن بعد ان هز كتفيها ليذكرها بأنه ينتظر جوابها :
- اعتقد ذلك ...
- لم افطن الى معنى كلامك إلا فيما بعد عندما قلت انك ستفكرين بإعطاء وعدك .
و رأيت ان هناك شيئا غير طبيعي في قولك . فتراءى لي انك لم تكوني صادقة . و ان طريقتك في الكلام ربما كانت خدعة . فسقطت في الفخ بعد ان جذبني الطعم . و لن أفهم أبدا كيف انخدعت بهذه السهولة و التفسير الوحيد هو اني وثقت فيك . و لكن هذه الثقة تلاشت حالما تفتح ذهني ، فاستأجرت زورقا سريعا و أتيت بأقصى سرعة ممكنة .

توقف و دهشت لأن شفتيه كانتا ترتجفان و جبينه يعرق .
- يجب ان تعرفي ان ما عندي يكون ملكا لي ، يا زوجة ، و اعتقد الآن أنك ستعتبرينني زوجا لك ... و سيدا .

تنهدت و اشاحت بوجهها .
و لكنه أدارها نحوه و ثبت نظره في نظرها .
سألته و هي تتعلثم :
- هل ستسيء معاملتي
غدا ؟
- أنا أسيء معاملتك ؟

بدأت يده تعبث بأزرار بلوزتها .
- اي بارغامي على إعطائك اسم من وضع السلم ؟

فكرت تارا في دافوس و كليانش اللذين رأيا الرسالة عندما اتى بها الرجل .
سيعرف بها حتما و سيكون يوم غد كابوسا بالنسبة اليها .
- لن أقول لك أبدا . يمكنك ان تقتلني ، و لكنك لن تعرف من ساعدني .
- لن اقتلك ...

بدأ الآن عملية عناقه و لم تختلف هذه بتفاصيلها عما سبقها من عمليات مماثلة .
- في حياتي كلها لم استمتع بوجود امرأة كما استمتع بك .

نسيت تارا مغامرة تلك الليلة و خوفها من المستقبل .

**************************

يتبع...

safsaf313 11-10-08 10:28 PM

وااااااااااو رائع تعبينك معانا يا قمر

QUEEN CROWN 12-10-08 02:56 AM


شكراً شكراً شكرا ًجزيلاً
والله تعبناك معانا بس سامحينا
وبليز بليز بليز كمليها !!!!!!!!!!!!
في انتظارك
thanx

:flowers2:

redroses309 12-10-08 05:53 PM

مشكورين على المرور safsaf313 و QUEEN CROWN
على المرور
و خلاص الراوية قريب بتخلص باقي الفصل الأخير بس
و الحقيقة أسعدتني متابعتكم للرواية .


الساعة الآن 08:15 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية